وفي رواية الترمذي: (كان صلى الله عليه وسلم يستاك عرضا ويشرب مصا).
والمراد بالنفس، في هذا الحديث، الشرب بثلاثة أنفاس، يفصل فاه عن الإناء.
وأما نهيه صلى الله عليه وسلم عن التنفس في الإناء فالمراد به لمن يشرب وهو يتنفس في الإناء من غير إبانة عن فيه، فربما يخرج من الريق شيء في المشروب، وقد ينتن الإناء مع تكرر ذلك، فلا معارضة إذا بين تنفسه وبين نهيه.
وأما تقسيمه الماء، فإن فيه مصلحة عظيمة، وذلك أن الحاجة قد تدعو إلى تناول الكثير من الماء لشدة العطش، فلا يؤمن من تناوله دفعة انطفاء الحرارة، وتقسيمه أمان من ذلك.
وأما فائدة التنفس، فإن التنفس يبطل في زمن الازدراد، والحاجة تشتد إلى الماء والنفس، فإذا تنفس ولج شيء من الماء في مجرى النفس فكانت سببا للاختناق أو الشرق، فإذا تنفس الشارب في خلال شربه أمن من ذلك.
وأما كونه ثلاثة أنفاس، فإنه لا حاجة إلى أكثر من ذلك. وينبغي لكل شارب أن يتنفس ثلاثة أنفاس اقتداء بفعل نبيه صلى الله عليه وسلم .
وأما كونه أروى: أي أشد ريا من تناوله دفعة.
وأما أبرأ فهو من برأ من مرضه إذا صح، أي أشد في البراء لما يشرب من أجله. وأما أمرأ أي أخف لأنه من مرئ الطعام أي أشهى. فهذه دقائق حكمية، وحقائق نظرية، يعجز عن جزالتها غير ذوي البصائر، ويقتصر عليها حكماء الأوائل والأواخر، فصلوات الله وسلامه على هذا النبي الطيب الطاهر، صلاة دائمة لا نهاية لها ولا آخر.
وقال أنس رضي الله عنه: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشرب قائما).
قال الخطابي: هذا نهي تنزيه وتأديب.
صفحه ۸۱