اكتساب الثنائية اللغوية والتحول عنها
إننا، كمتحدثين بالغين، لا نتوقف أبدا عن الانبهار بالأطفال الذين يتحدثون لغة ثانية أو ثالثة؛ فعندما نجد طفلة صغيرة في الرابعة من عمرها تخبرنا بشيء ما بالإنجليزية، ثم تتحول إلى اللغة الإسبانية لتطرح سؤالا على والدتها، أو طفلا في الثانية عشرة من عمره يعرض علينا بالفرنسية ترجمة ما يقوله صديقه بالألمانية، نسأل أنفسنا: كيف يفعلون هذا؟ ستقدم الفصول الستة التالية بعض الإجابات عن هذا السؤال. وفي هذا الفصل أستعرض حالات لأطفال أصبحوا ثنائيي اللغة في فترات مختلفة من مرحلة طفولتهم، وسأعرض أيضا بعض الحالات لأطفال ثنائيي اللغة تحولوا إلى الأحادية اللغوية. سأستعرض بعد ذلك الأسباب الأساسية لهذا الاكتساب للثنائية اللغوية ثم التحول عنها. (1) تحول الطفل إلى ثنائي اللغة
الأطفال الذين يكتسبون لغتين (في وقت واحد) منذ بداية حياتهم، يستمرون في إثارة اهتمام الباحثين، لكنهم في الواقع أكثر ندرة بكثير من الأطفال الذين يكتسبون لغة واحدة ثم لغة أخرى (سنستعرض كلتا الحالتين في الفصل التالي). كي يكتسب الأطفال لغتين معا، تنتهج الأسرة عادة أسلوبا يجعل الطفل يستقبل المدخلات بلغتين (ربما تتحدث الأم بإحدى اللغات ويتحدث الأب بلغة أخرى، أو يتحدث الوالدان بإحدى اللغات ويتحدث المسئول عن رعاية الطفل مثل المربية أو المشرفة في أحد مراكز الرعاية النهارية بلغة أخرى). دعني أعطيك مثالين على هذا: هيدلجارد فتاة أمريكية اكتسبت لغتين في وقت واحد، نظرا لأن والدها يتحدث معها بالألمانية، وتتحدث والدتها بالإنجليزية. في الفترة ما بين سن الثانية والخامسة كانت اللغة الإنجليزية هي السائدة لديها نظرا لعيش الأسرة في بيئة تتحدث بالإنجليزية. كانت فتاة صغيرة مفعمة بالحيوية، وفهمت سريعا اللغتين وحاولت بشتى الطرق جعل والدها يتحدث أيضا بالإنجليزية، فكانت تسأله مثلا: «كيف تقول أمي هذا؟» وأصبحت أقل إجادة للألمانية بمرور الوقت، لكنها تعرضت إلى انتعاش حقيقي عندما قضت هيلدجارد أكثر من نصف عام بقليل في ألمانيا خلال عامها الخامس. في الواقع، وكما يحدث دوما، بعد قضاء أربعة أسابيع فقط في بيئة تتحدث بالألمانية بالكامل، لم تكن تستطيع إلا قول بعض الجمل البسيطة للغاية بالإنجليزية؛ وبالطبع، عندما عادت إلى الولايات المتحدة، سرعان ما تعافت لغتها الإنجليزية، وبعد أربعة أسابيع كانت لغتها الألمانية هي التي بدأت تضعف. ثم استقرت الأمور، واستمرت رحلة هيلدجارد مع الثنائية اللغوية دون مشكلات.
تشبه قصة هيلدجارد قصص كثير من الأطفال الذين يكتسبون لغتيهم معا؛ فتضعف إحداهما إذا كانت البيئة تفضل اللغة الأخرى، وتوجد تغيرات سريعة للغاية في السيادة إذا تغيرت اللغة الأساسية، وتوجد حتى علامات على نسيان إحدى اللغتين لبعض الوقت، على الرغم من إمكانية إعادة إحيائها سريعا إذا أصبحت الظروف مناسبة. في الواقع تعتبر قصة هيلدجارد إحدى القصص الكلاسيكية أيضا في مجال الثنائية اللغوية؛ إذ إن والدها فيرنر ليوبولد نشر واحدة من أوائل دراسات الحالة الشاملة عن اكتساب لغتين في وقت واحد.
1
تعتمد هذه الدراسة على هيلدجارد، التي ربما تعتبر أكثر طفل ثنائي اللغة خضع للدراسة في تاريخ علم اللغة.
إن لم تأت اللغة الثانية من أحد الوالدين، فمن الممكن أن تأتي من أحد المسئولين الآخرين عن رعاية الطفل، كما يظهر في مثالي الثاني. أخبرتني سوزان، التي تعيش حاليا في الولايات المتحدة، بأنها عندما كانت طفلة في أفريقيا، كانت مربيتها تتحدث إليها باللغة السواحلية. كانت سوزان تجيد هذه اللغة إجادة تامة حتى سن السابعة، بالإضافة إلى اللغة الفرنسية التي كانت تتحدث بها مع والديها؛ بعد ذلك انتقلت الأسرة إلى دولة تتحدث بالبرتغالية، وحلت البرتغالية محل اللغة السواحلية. إنها تقول إن تغيير اللغات لم يخف أسرتها، وتسرد باقي قصتها قائلة:
كانت الفرنسية تستخدم في المنزل، والإنجليزية في المدرسة، والبرتغالية في المنزل وفي المجتمع. كنت أميل دوما إلى استخدام الإنجليزية مع أختي الكبرى، بينما كنت أتحدث بالبرتغالية مع أختي الصغرى. وكانت أختاي تتواصلان معا في الأغلب بالبرتغالية، لكننا نحن الثلاث كنا نتحدث دائما الفرنسية مع والدينا.
2
وإذا كان هناك كثير من مسئولي الرعاية والأشخاص المهمين في حياة الطفل الصغير، وإذا كانوا يستخدمون لغات مختلفة، فإنه من الطبيعي أن يتعلم الطفل كل هذه اللغات. وإليك ما ورد عن شخص عاش في الهند في مطلع القرن العشرين، ولاحظ أن الأطفال الإنجليز الصغار السن اكتسبوا كثيرا من اللغات الهندية حتى يتمكنوا من الحديث مع الموجودين حولهم، وأحيانا كانوا يعملون كمترجمين شفويين لوالديهم:
صفحه نامشخص