في هذا الكتاب ستكون الأمور أبسط؛ إذ سنركز على البالغين والأطفال الثنائيي اللغة. بالإضافة إلى ذلك، أقترح من البداية هذا التعريف للأشخاص الثنائيي اللغة:
الثنائيو اللغة هم أناس يستخدمون لغتين (أو لهجتين) أو أكثر في حياتهم اليومية.
تجدر الإشارة إلى ثلاث نقاط بشأن هذا التعريف. أولا: يركز على الاستخدام المنتظم للغات وليس على الطلاقة اللغوية، كما سأستعرض بمزيد من التفصيل في الفصل الثاني. ثانيا: يشمل اللهجات إلى جانب اللغات؛ ومن ثم، فإن الإيطاليين الذين يستخدمون واحدة من اللهجات العديدة لإيطاليا - مثل البوليزية - مع اللهجة الإيطالية الرسمية، يمكن وصفهم بأنهم ثنائيو اللغة، تماما مثل الأشخاص الذين يستخدمون الإنجليزية والإسبانية بانتظام. ثالثا: يذكر التعريف لغتين أو أكثر؛ إذ يستخدم بعض الأشخاص ثلاث أو أربع لغات، إن لم يكن أكثر.
يسألني الناس دوما لماذا لا أستخدم كلمة «متعدد اللغات»؟ يوجد سببان لهذا؛ أولا: بعض الناس ثنائيو اللغة فقط (أي يعرفون ويستخدمون لغتين)، ويبدو من الغريب استخدام مصطلح «متعدد اللغات» عند وصف هؤلاء. وثانيا: مصطلح «متعدد اللغات» يستخدم أقل من مصطلح «ثنائي اللغة» عند الإشارة إلى الأفراد؛ ويوجد توجه قديم في هذا المجال نحو توسيع نطاق مفهوم الثنائية اللغوية ليشمل الذين يستخدمون لغتين أو أكثر بانتظام.
قبل تخصيص عدة فصول لدراسة الشخص الثنائي اللغة، لا بد أن نسأل أنفسنا: لماذا يصبح الناس ثنائيي اللغة؟ ولماذا يستخدم كثير من سكان العالم لغتين أو أكثر في حياتهم اليومية؟ في هذا الفصل سنفحص أولا العوامل التي تؤدي إلى ظاهرة الثنائية اللغوية، وثانيا سنفحص مدى انتشار تلك الظاهرة. (1) العوامل التي تؤدي إلى الثنائية اللغوية
إذا حاولت معرفة عدد اللغات الموجودة في العالم، فإنك ستصل إلى عدة إجابات مختلفة، والسبب الرئيسي في هذا هو كيفية تحديد اللغة مقارنة بالأشكال المتنوعة منها، التي يطلق عليها عادة اللهجات. فعندما تدرج كل لهجة على أنها لغة مستقلة، يرتفع عدد اللغات بالنسبة إليك؛ أما عندما لا تفعل ذلك، فإن العدد ينخفض. يعرض الموقع الإلكتروني والكتاب المرجعي «إثنولوج: لغات العالم» قائمة شاملة بجميع اللغات الحية المعروفة في العالم في عصرنا الحالي. إنه يطبق بنحو أساسي معايير الفهم المتبادل بين اللهجات والأدب السائد لتحديد ما إذا كانت لهجتان جزءا من اللغة نفسها أم لا، لكنه يسمح أيضا باستثناءات بناء على الهويات العرقية اللغوية. وبناء على الإحصاء الأخير لهذا الموقع، يوجد ما يقرب من 7 آلاف لغة في العالم (الرقم الموجود في نسخة عام 2005 هو بالتحديد 6912 لغة). إن أوروبا هي المنطقة التي يوجد بها أقل عدد من اللغات في العالم (239 لغة فقط)، وآسيا هي أكثر منطقة بها لغات (2269 لغة). وإحدى المناطق المميزة، التي نرى جميعا أنها مساحة شاسعة لكنها تخلو من كتل أرضية مهمة، ومن ثم من اللغات، هي المنطقة المطلة على المحيط الهادئ، لكن في الواقع توجد لغات يصل عددها إلى 1310 لغات تستخدم في الجزر المتفرقة العديدة الموجودة على امتداد المحيط الهادئ.
1
مع وجود هذا الكم الكبير من اللغات في العالم (مع أن نحو 516 منها شبه منقرض، وذلك وفقا لما جاء في موقع «إثنولوج»)، يجب أن يحدث قدر كبير من التواصل بين الناس من مختلف المجموعات اللغوية. وفي ظل وجود هذا التواصل اللغوي، تنشأ الثنائية اللغوية؛ فيتعلم أعضاء إحدى المجموعات لغة مجموعة أخرى، كما تعلم مثلا متحدثو الألمانية السويسرية اللغة الفرنسية، أو المهاجرون إلى الولايات المتحدة اللغة الإنجليزية. أحيانا يكون التعلم متبادلا، على الرغم من أن هذا نادر الحدوث؛ وفي أحيان أخرى، تتعلم المجموعات المتفاعلة لغة وسيطة (لغة للتواصل فيما بينها)، مثل اللغة السواحلية التي تستخدم في التواصل بين المجموعات الموجودة في شرق أفريقيا.
لنلق الآن نظرة أكثر تعمقا على أسباب التواصل اللغوي والثنائية اللغوية. (1-1) البنية اللغوية للدولة
إحدى الطرق التقريبية لتقدير مقدار التواصل اللغوي الذي يحدث في كل دولة؛ تتمثل في تقسيم عدد اللغات الموجودة في العالم (نحو 7 آلاف لغة) على عدد الدول (192 دولة وفقا للأمم المتحدة في وقت تأليف هذا الكتاب). تعطينا النتيجة - وهي 36 لغة في الدولة الواحدة في المتوسط - فكرة عن مدى التنوع اللغوي. مع هذا يرى العالم اللغوي ويليام ماكي أن هذا الرقم يتطلب بعض التصحيحات؛ أولا: يشير ماكي إلى أن هناك لغات عدد المتحدثين بها أكبر كثيرا من عدد متحدثي لغات أخرى. فيظهر موقع «إثنولوج» أن 94 في المائة من سكان العالم يتحدثون 347 لغة، أو ما يقرب من 5 في المائة من إجمالي عدد اللغات. ونجد من بين اللغات التي يتحدث بها معظم الناس في العالم لغة الماندرين الصينية، واللغات الإسبانية والإنجليزية والبنغالية والهندية/الأردية والعربية والبرتغالية والروسية واليابانية والفرنسية. ثانيا: تستخدم بعض اللغات بوصفها لغات رسمية في عدة دول (مثلا: يتحدث الناس بالإسبانية في جميع أنحاء أمريكا الوسطى والجنوبية، وتستخدم الإنجليزية في كثير من دول الكومنولث)؛ ومع هذا، يوجد كثير من الدول التي تضم عددا كبيرا من اللغات؛ فيوجد نحو 516 لغة في نيجيريا - وفقا لموقع «إثنولوج» - و427 في الهند، و275 في أستراليا، و200 في البرازيل، و280 في الكاميرون، إلى آخره. في الواقع، يصعب العثور على دول لديها لغة واحدة أو لغتان؛ عادة ما تكون هذه الدول منعزلة جغرافيا (جزر مثل جرينلاند وسانت هيلينا)، أو سياسيا (مثل كوريا الشمالية وكوبا).
صفحه نامشخص