تعكس الثقافة كل جوانب حياة مجموعة من الناس؛ قواعدهم الاجتماعية وسلوكياتهم ومعتقداتهم وقيمهم وعاداتهم وتقاليدهم. فنحن كأفراد ننتمي لعدد من الثقافات (تسمى عادة الشبكات الثقافية) التي تتكون من ثقافات ثانوية ورئيسية. تضم الثقافات الثانوية تلك الثقافات التي تتعلق بمجالات معينة في الحياة، مثل وظيفة المرء ومسكنه ورياضاته وهواياته، بينما تضم الثقافات الرئيسية الثقافة القومية للدولة التي نعيش فيها، والمجموعات الاجتماعية والدينية التي ننتمي إليها، وما إلى ذلك. وهكذا نعتبر جميعا بطريقة ما «متعددي الثقافات»، وتكون عادة شبكاتنا الثقافية تكاملية بحيث يمكن أن ننتمي إلى عدة شبكات في وقت واحد. فيما يلي سنلقي نظرة على الثنائية الثقافية وعلاقتها بالثقافات الرئيسية، خاصة المجموعات القومية أو العرقية، التي في حالتنا هذه تكون لها لغات مختلفة. فتثير اهتمامي حقيقة أن بعض الناس تكون ثقافتاهم في الوقت نفسه فرنسية وإيطالية، ألمانية وأمريكية، كردية وتركية، روسية وإستونية، على الرغم من أن بعض هذه التوليفات تستنكرها أو حتى ترفضها المجموعات ذات الصلة.
كيف يمكننا وصف الأشخاص الثنائيي الثقافة؟ يتمتع هؤلاء الأشخاص بالصفات التالية: أولا: يشاركون بدرجات مختلفة في حياة ثقافتين أو أكثر؛ على سبيل المثال: يشارك الكوريون في الولايات المتحدة في حياة مجتمعهم الكوري في أمريكا، بالإضافة إلى مشاركتهم في حياة المجتمع الأمريكي الأكبر. ثانيا: يكيفون، على الأقل جزئيا، مواقفهم وسلوكياتهم وقيمهم ولغاتهم مع ثقافاتهم؛ ومن ثم، يكيف الكوريون في الولايات المتحدة لغتهم وسلوكهم على أساس ما إذا كانوا يتعاملون مع كوريين آخرين أم مع أعضاء من المجتمع الأمريكي الأكبر. ثالثا: يخلطون ويمزجون معا جوانب من الثقافات التي يشاركون فيها. تنبع جوانب معينة (مثل المعتقدات والقيم والمواقف والسلوكيات وغيرها) من إحدى الثقافتين اللتين يعرفهما المرء؛ ومن ثم نجد تعبيرات مثل: «هذا جانبي الكوري» أو «هذا جانبي الأمريكي»، بينما تعبر جوانب أخرى عن مزيج من الثقافتين. يوجد مثال على هذا الأمر يتمثل في تعبيرات الوجه ولغة الجسد، اللتين عادة ما تكونان نتيجة امتزاج ثقافتين في تكوين فريد.
1
وعليه، فإن الأشخاص الثنائيي الثقافة يتكيفون مع مواقف أو سياقات معينة (فهذا أحد عناصر التكيف والديناميكية في ثنائيتهم الثقافية)، بينما يمزجون أيضا بعض سمات ثقافتيهم (لا يمكن أن يتكيف هذا الجزء بالسهولة نفسها). فيما يلي نرى كيف يصف شخص أمريكي من أصل فرنسي ثنائيته الثقافية، خاصة جانب المزج:
إن كوني ثنائي اللغة في الولايات المتحدة، وخاصة كوني أمريكيا من أصل فرنسي في مجتمعنا التعددي، يعني أنه توجد لدي لغتان وإرثان تاريخيان وطريقتان في التفكير ورؤية العالم. أحيانا قد يكون هذان العنصران منفصلين ومتمايزين بداخلي، لكن في أحيان أخرى ينصهران معا.
2
يعرض الشكل
10-1
مثالا على الثنائية الثقافية لدى أحد الأشخاص. يعبر المربعان عن الثقافتين (في هذه الحالة تكون الثقافة «أ» هي السائدة)، والشكل البيضاوي عن العنصر الذي يمزج جوانب معينة في كلتا الثقافتين معا. نادرا ما توجد للثقافتين الأهمية نفسها لدى الشخص الثنائي الثقافة؛ فعادة ما تلعب إحداهما دورا أكبر؛ لذا يمكننا الحديث عن السيادة الثقافية مثلما تحدثنا عن السيادة اللغوية لدى الأشخاص الثنائيي اللغة (لكن هذه السيادة لا تقلل من كون المرء ثنائي الثقافة). في الشكل، نرى من خلال حجم المربعين أن الثقافة «أ» أكثر أهمية من الثقافة «ب». طوال حياة الشخص الثنائي الثقافة، يمكن للثقافات أن تزدهر وتخبو، فتصبح إحداها سائدة لفترة قبل أن يصبح دورها ثانويا. وفي حالتي أنا أشعر بأن ثقافتي السائدة قد تغيرت أربع مرات منذ أن أصبحت ثنائي الثقافة؛ فقد كانت إنجليزية في سنوات المراهقة، وفرنسية حتى سن الثامنة والعشرين، وأمريكية حتى سن الأربعين، وأصبحت سويسرية منذ ذلك الحين.
شكل 10-1: تصوير لجمع شخص ثنائي الثقافة بين ثقافتين (الثقافة «أ» وهي الثقافة السائدة، والثقافة «ب»)، بالإضافة إلى العنصر الذي يمزج بينهما (الشكل البيضاوي المظلل).
صفحه نامشخص