4
يذكر عادة البعدان الاجتماعي والثقافي للثنائية اللغوية بوصفهما ميزة حقيقية للذين يعرفون أكثر من لغة ويستخدمونها في حياتهم اليومية. يقال إن الثنائية اللغوية تشجع على توقد الذهن وتفتحه، وتوفر وجهات نظر مختلفة للحياة، وتقلل من الجهل الثقافي. تذكر ميزة أخرى أكثر نفعا، وهي أن الثنائية اللغوية قد تؤدي إلى فرص عمل أكثر وحراك اجتماعي أكبر، وربما تمثل ميزة حقيقية أيضا في الوظيفة الحالية للمرء. وأنا أعرف أشخاصا عرضت عليهم وظيفة معينة، أو مهام جديدة، لمجرد معرفتهم بلغة أو لغتين إضافيتين. في دراسة كبرى أجراها الاتحاد الأوروبي في 29 دولة في عام 2006، ذكر عامل الوظيفة عدة مرات في إجابات الأفراد على هذا السؤال: «ما أسبابك الأساسية لتعلم لغة جديدة؟» فأجاب ثلث المشاركين: «لأستخدمها في العمل (بما في ذلك السفر إلى الخارج للعمل).» وقال ربع المشاركين: «لأتمكن من العمل في دولة أخرى.» و«لأحصل على وظيفة أفضل في دولتي.»
5
من المميزات الأخرى التي طرحت للثنائية اللغوية أنها تسمح للمرء بمساعدة الآخرين، وتوجد صلة مع الأشخاص الثنائيي اللغة الآخرين، وأحيانا تسمح للمرء بفهم ما قد لا يفهمه الآخرون. ويلخص التقرير النهائي لدراسة الاتحاد الأوروبي كثيرا من المميزات المذكورة آنفا:
توجد بلا شك فوائد لمعرفة لغات أجنبية. فاللغة هي السبيل إلى فهم الطرق الأخرى للحياة، الأمر الذي يخلق بدوره مساحة للتسامح بين الثقافات. بالإضافة إلى ذلك، تسهل المهارات اللغوية العمل والدراسة والسفر، وتسمح بالتواصل بين الثقافات.
6
تأثرت كثيرا عندما تلقيت إفادة من شخص ثلاثي اللغة في الألمانية والفرنسية والإنجليزية، أجاد التعبير عن الأمر في سطور قليلة:
ساعدني كوني ثلاثي اللغة بطرق عديدة؛ فقد حققت مكانة أعلى في بيئة عملي، وطورت إمكانياتي اللغوية، وأصبحت أكثر تفتحا تجاه الأقليات وأكثر وعيا بمشكلاتهم اللغوية، وأصبحت أستمتع بأشكال مختلفة من الأدب، وشعرت بقدر من الفخر لقدرتي على القراءة بثلاث لغات مختلفة ... فلا أشعر أبدا بالملل في حياتي؛ لأن لدي أكثر من مجرد لغة واحدة. فقد ساعدني كوني ثلاثي اللغة على فهم الآخرين ومساعدتهم.
تعتبر جميع المميزات التي ذكرت آنفا مهمة في الحياة اليومية، ونوعية الحياة، وتظهر بوضوح أهمية تشجيع الثنائية اللغوية ودعمها. إلا أن هذه المميزات لا يمكن أبدا مقارنتها باللحظات الاستثنائية التي تنقذ فيها الثنائية اللغوية حياة الأفراد. إليك مثالين على هذا: أخبرني ذات مرة شخص ثلاثي اللغة في البنغالية والأردية والإنجليزية، أنه في أثناء حرب استقلال بنجلاديش عن باكستان في عام 1971 قبضت عليه يوما ما فصيلة باكستانية بنجابية/أردية، وكانت على وشك إطلاق النار عليه. وعلى الرغم من كونه بنغالي الأصل، فقد تمكن من إقناعهم بالإفراج عنه؛ لأنه أظهر لمعتقليه أنه يستطيع التحدث بالأردية، ويمكنه تلاوة بعض آيات من القرآن بالعربية. أما المثال الثاني فيتعلق بأوجست بوني، وهو مواطن سويسري منحته دولة إسرائيل وسام «الصالحين بين الأمم»، بسبب مخاطرته بحياته من أجل إنقاذ اليهود في أثناء فترة المحرقة النازية. كان بوني معلما للمرحلة الابتدائية، وعمل مع الصليب الأحمر خلال الحرب العالمية الثانية، وذهب إلى فرنسا لإقامة منازل للأطفال الذين فقدوا والديهم، وكان كثير منهم من اليهود الذين أخذوا من معسكرات الاحتجاز. وفي صباح أحد الأيام جاء أفراد من شرطة مدينة فيشي المؤيدة للألمان إلى منزله، وطلبوا منه تسليم الأطفال اليهود المقيمين عنده (كان 12 طفلا منهم نائمين بالفعل في حجرة الطعام). كان بوني يجيد التحدث بالفرنسية (فقد كان ألمانيا سويسريا)، واستطاع تأجيل الأمر عن طريق إقناع الضباط بالعودة إلى القرية والاتصال بمقرهم؛ وفي أثناء غيابهم أيقظ الأطفال وأرسلهم سريعا إلى المزارع المحيطة بالقرية، وعندما عادت الشرطة أخبرهم بوني أن الأطفال قد ذهبوا. كان قد أعد حقيبة ملابسه ظنا منه أنه سيذهب إلى السجن، لكن لم يحدث له شيء، واستطاع مواصلة عمله الذي يعد عملا يحتذى به حتى نهاية الحرب. (2) نظرة الأشخاص الثنائيي اللغة لعيوب الثنائية اللغوية
يرى الأشخاص الثنائيو اللغة الذين أجريت عليهم دراساتي، أن عيوب الثنائية اللغوية أقل عددا من مميزاتها. في الواقع عندما سألت مجموعة من الأشخاص الثنائيي والثلاثيي اللغة عن تلك العيوب، أجاب 52 في المائة من الثنائيي اللغة و67 في المائة من الثلاثيي اللغة بعدم وجود أي عيوب.
صفحه نامشخص