وابتسم الأب فرحا بحديث ابنه وهو يقول: أطال الله عمرك يا خيري، لك ما تشاء. - إذن سأفكر وأخبرك. - فكر ما تشاء، إن كل ما أملكه لك. - بل لك أنت يا بابا، أطال الله عمرك. - هيه يا خيري، لم يعد لنا أمل إلا أن تسعدوا أنتم.
وقبل أن تخونه عيناه سارع يقول في لهجة آمرة ضاحكة: أسرع يا ولد، لا تكثر الحديث، افرغ من عملك، إنك ثرثار كبير. - حالا، حالا، أين تريد كتب المنفلوطي؟ - هنا، قريبا من متناول اليد. - وكتب طه حسين؟ - هنا أيضا، فإني أحب أن أعود إليها دائما، أقرأتها؟ - نعم. - كم مرة؟ - مرة واحدة. - أنت مجنون، كيف تستطيع أن تقرأها مرة واحدة؟ - أقرؤها ثانية، وهذه كتب هيكل والمازني والعقاد. - ضعها جميعها في الأرفف القريبة من اليد، وضع معها دواوين الشعر، فهذه لا تقرأ مرة واحدة. والأغاني، والعمدة، ونفح الطيب، وأمثال هذه الكتب اجعلها جميعا قريبا من يدي، دع الكتب الأخرى للأرفف الباقية، تلك التي لا يرجع إليها إلا في القليل النادر، أما هذه الكتب الرخيصة فلا تضعها في المكتبة، هذه تقرأ ثم ترمى. آه، هذا الكتاب.
وقبل أن يكمل همام جملته يدخل عزت إلى الحجرة فيستقبله همام في فرحة طاغية: أهلا، كنت أفكر فيك، فأنت من هواة الأثاث الجميل، ما رأيك؟
ولا يجيب عزت على السؤال وإنما يقول في حزن واضح وذهول لا يخفى: أريد أن أراك وحدك.
وأحس همام أن عزت يحمل شيئا فاجعا، فالتفت إلى كاتبه يقول: اتركنا قليلا يا زكي أفندي.
وقال عزت: وخيري أيضا.
وأخذ همام بعض الشيء وقال: وخيري أيضا. - نعم.
ودون أن يسمع خيري مناقشة أخرى حول خروجه أو بقائه قال للكاتب: تعال يا زكي أفندي.
وخرجا وأقفلا الباب وخلت الحجرة بولدي العم، وتلعثم عزت قليلا ثم قال: همام، طول عمرك رجل فأرجو أن تتحمل ما سأقول في ...
وقاطعه همام: يا عزت أني كونت ثروتي وأعصابي في البورصة، وبقدر عظم ثروتي قويت أعصابي. قل. - فواز خسر كل شيء.
صفحه نامشخص