ويصدع محسن بأمر أبيه، وينزل إلى أستاذه وقريبه. ويسأل خيري في لهفة عن صحة فايزة، كما يتظاهر حامد بهذه اللهفة نفسها، ويلقي خيري على محسن ذلك النقاش الذي دار بينه وبين حامد والذي أدى إلى مجيئهما. وما يكاد خيري ينتهي من الحديث حتى يدخل عزت بك فيسلم عليهم، فيقوم حامد في احتفاء كبير ويتقبل السلام في احتفاء أكبر، ثم يسأل في إشفاق وحزن يبدو صادرا من أعمق أعماق نفسه: سلامة الست الصغيرة.
ويقول عزت بك في أدب رقيق: إن شاء الله خير، أنا على موعد غدا يا أستاذ حامد مع وزير المعارف لأرجوه في مسألتك.
ويقول حامد في أدب شديد منتهزا الفرصة في مهارة: ألف شكر يا سعادة البك، الحمد لله أن سعادتك لم تذهب بعد. - لماذا؟ هل تمت المسألة؟ - أبدا! ولكني عرفت اليوم أن هناك بعثة من دفعتي ستذهب إلى لندن، وأنا من أوائل الدفعة، فإذا أمكن أن تزكيني سعادتك لأرشح في هذه البعثة تكون سعادتك قد أديت لي جميل العمر. - بكل سرور يا أخي، هل كتبت مذكرة بهذا الشأن؟ - نعم، ها هي ذي.
وكأنه كان على موعد مع هذا اللقاء الذي هيأته له ظروف متضافرة من مرض فايزة وعدم خروج عزت، ثم من رغبة عزت أن يطمئنه على المسعى الذي رجاه فيه ونزوله إليه، ظروف متنافرة تجمعت خيوطها من كل منحى في الحياة تمهد له هذا اللقاء وتتيح له أن يقدم المذكرة إلى عزت شخصيا بلا وسيط من خيري أو محسن.
ويخرج عزت عائدا إلى ابنته. ويعود الأستاذ مشرقا مرحا إلى تلميذيه فلا يلقيانه بهذا المرح، فأما محسن فمشغول بأمر أخته، وأما خيري فمشغول بأختي محسن جميعا. ويدرك حامد أن لا فائدة ترجى من الدرس في يومهم هذا، ويصبح الدرس الذي كان مهما لديه غير ذي قيمة الآن، فقد أتى له المجيء إلى محسن بالفوائد التي كان يرجوها منه، وأصبح الامتحان الذي كان قريبا لا يحتمل تأجيل درس أمرا يسهل التغلب عليه. وهكذا اقترح في جرأة: لنؤجل الدرس اليوم، فإني أراكما مشغولين بفايزة.
ويقول محسن: والله أنت محق يا أستاذ، أنا لا أستطيع أن أركز ذهني في شيء اليوم.
ويرى خيري أن أمنية حامد قد تحققت دون أن تتحقق أمنيته هو، فيسارع قائلا: أتنتظرني دقائق يا أستاذ حتى أرى فايزة وأعود؟
ولكن حامد تواقا إلى أن يخلو بالطريق ليفكر وحده في أعقاب هذا اللقاء الذي تم بينه وبين عزت، فهو يقول: ولماذا العجلة يا أخي؟ على مهلك أنت، وأستأذن أنا.
ويفرح خيري بهذا الاقتراح ويقول: أترى ذلك؟ - نعم، فنحن ذاهبان من طريقين مختلفين، أستأذن أنا، السلام عليكم.
ويخرج حامد، ويصعد خيري ومحسن إلى الطابق الأعلى فيجدان الأسرة كما هي في غرفة فايزة. ويلقي خيري نظرة على المريضة، ثم يخرج إلى البهو ويتبعه محسن، فيقول له: ادخل أنت عند أختك، وسأنتظر أنا أمي هنا، فهي قادمة لترى فايزة، وسآخذ أنا السيارة إلى البيت.
صفحه نامشخص