مسندة ومتصلة منه إلى أبي الحسن الشاذلي مرورا بعدة إولياء مذكورين إلى أن يصل السند إلى الامام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي الله عنه . ولا يفوتني أن أذكر هنا بأن الحلقات التي يقيمونها كانت روحية إذ يفتتحها الشيخ بقراءة ما تيسر من كتاب الله المجيد تلاوة وتجويدا ثم بعد فراغه يبدأ بمطلع القصيدة ويتبعه المريدون الذين يحفظون المدائح والاذكار وأكثرها ذم للدنيا وترغيب في الآخرة وفيها زهد وورع بعد ذلك يعيد المريد الاول الجالس على يمين الشيخ قراءة ما تيسر من القرآن وعندما يقول صدق الله العظيم يبدأ الشيخ مطلعا من قصيدة جديدة ويشارك الجميع في إنشادها وهكذا يتناوب الحاضرون ولو بآية واحدة يشاركون بها إلى أن يأخذ الحال الحاضرين فيتمايلون يمينا وشمالا على رنات تلك المدائح إلى أن ينهض الشيخ وينهض معه المريدون فتكون حلقة هو قطبها ويبدوون بذكر إسم الصدر قائلين آه . آه . آه . آه . والشيخ يدور وسطهم متوجها في كل مرة إلى واحد منهم حتى يحمى الوطيس وتصبح الحركات والشطحات شبيهة بدق الطبول ويقفز البعض في حركات جنونية وترتفع الاصوات في نغمة منسقة ولكنها مزعجة إلى أن يعود الهدوء بعد عناء وتعب ، بقصيدة ختامية للشيخ فيجلس الجميع بعد ما قبلوا رأس الشيخ وأكتافه بالتداول ، وقد شاركتهم بعض هذه الشطحات محاكيا لهم في غير قناعة مني ووجدت نفسي متناقضا مع العقيدة التي تبنيتها وهي عدم الإشراك أي عدم التوسل بغير الله فسقطت على الارض جاهشا بالبكاء متحيرا مشتتا بين تيارين متناقضين ، تيار الصوفية وهي أجواء روحية يعيشها الانسان فتملأ أعماقه بشعور الرهبة والزهد والتقرب إلى الله عن طريق أوليائه الصالحين وعباده العارفين ، وتيار الوهابية الذي علمني أن ذلك كله شرك بالله ، والشرك لا يغفره الله .
وإذا كان محمد رسول الله صلى الله عليه وآله ، لا ينفع ولا يتوسل به إليه سبحانه فما قيمة هؤلاء الاولياء والصالحين بعده ؟ ! .
وبالرغم من المنصب الجديد الذي نصبني فيه الشيخ ، إذ أصبحت وكيله في قفصة لم إكن مقتنعا كليا في داخلي وإن كنت أميل أحيانا إلى الطرق الصوفية ، وأشعر دائما أني أكن لها احتراما ومهابة من أجل أولياء الله والصالحين من عباده
( 20 )
ولكني أكابر وأجادل محتجا بقوله تعالى :( ولا تدع مع الله إلها آخر لا إله إلا هو )(1) وإذا قال لي قائل أن الله تعالى يقول :( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة )(2) أرد عليه بسرعة كما علمني علماء السعودية «الوسيلة هي العمل الصالح » ، والمهم أنني عشت تلك الفترة مضطربا مشوش الفكر ، وقد يتوافد علي في بيتي بعض المريدين فنحيي سهرات منتظمة ونقيم العمارة(3) .
وبدأ الجيران يتذمرون من الاصوات المزعجة التي تبعث من حناجرنا بذكر ( آه ) ، ولكنهم لا يجاهرون لي بذلك غير أنهم يشتكون لزوجتي عن طريق نسائهم ، ولما علمت بذلك طلبت من المجموعة أن يقيموا الحلقات في أحد منازلهم ، واعتذرت بأنني سوف أسافر إلى الخارج لمدة ثلاثة أشهر . . . وودعت الاهل والاقارب وقصدت ربي متوكلا عليه . لا أشرك به شيئا .
***
صفحه ۱۶