Theological Deviation in Modern Literature and Thought
الانحراف العقدي في أدب الحداثة وفكرها
ناشر
دار الأندلس الخضراء للنشر والتوزيع
شماره نسخه
الأولى
سال انتشار
١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م
محل انتشار
جدة - المملكة العربية السعودية
ژانرها
الانحراف العقدي في أدب الحداثة وفكرها
«دراسة نقدية شرعية»
تأليف
الدكتور سعيد بن ناصر الغامدي
[المجلد الأول]
حقوق الطبع محفوظة الطبعة الأولى ١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م دار الأندلس الخضراء المملكة العربية السعودية - جدة الإدارة: ص. ب: ٤٢٣٤٠ - جدة: ٢١٥٤١ هاتف: ٦٨١٠٥٧٧ - فاكس ٦٨١٠٥٧٨ المكتبات: • حي السلامة - شارع عبد الرحمن السديري - مركز السلامة التجاري هاتف - فاكس: ٦٨٢٥٢٠٩ • حي الثغر - شارع باخشب - سوق الجامعة التجاري هاتف: ٦٨١٥٠٢٧ - فاكس: ٦٨١٠٥٧٨ • فرع الرياض: حي السويدي الغربي - بجوار أسواق اليمامة هاتف: ٢٤٣٤٩٣٠ - فاكس ٤٣٣٣٦٥٧ http:www.al-andalus-kh.com E-MAIL:info@al-andalus-kh.com
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أصل هذا الكتاب رسالة مقدمة إلى كلية أصول الدين قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، لنيل درجة الدكتوراه. ونال بها المؤلف درجة الامتياز مع مرتبة الشرف الأولى، إثر مناقشة علمية تمت في تاريخ ٢٦/ ١/ ١٤٢٠ هـ، وكانت لجنة المناقشة مكونة من: ١ - سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد اللَّه آل الشيخ، مفتي عام المملكة العربية السعودية، مشرفًا ومقررًا. ٢ - معالي الشيخ أ. د صالح بن عبد اللَّه بن حميد إمام وخطيب المسجد الحرام وعضو هيئة كبار العلماء، ورئيس مجلس الشورى، عضوًا. ٣ - فضيلة الشيخ أ. د ناصر بن عبد الكريم العقل، عضو هيئة التدريس في كلية أصول الدين في الرياض، عضوًا. ٤ - سعادة الأستاذ د. حسن بن فهد الهويمل، عضو هيئة التدريس في كلية اللغة العربية في القصيم ورئيس نادى القصيم الأدبي، عضوًا.
حقوق الطبع محفوظة الطبعة الأولى ١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م دار الأندلس الخضراء المملكة العربية السعودية - جدة الإدارة: ص. ب: ٤٢٣٤٠ - جدة: ٢١٥٤١ هاتف: ٦٨١٠٥٧٧ - فاكس ٦٨١٠٥٧٨ المكتبات: • حي السلامة - شارع عبد الرحمن السديري - مركز السلامة التجاري هاتف - فاكس: ٦٨٢٥٢٠٩ • حي الثغر - شارع باخشب - سوق الجامعة التجاري هاتف: ٦٨١٥٠٢٧ - فاكس: ٦٨١٠٥٧٨ • فرع الرياض: حي السويدي الغربي - بجوار أسواق اليمامة هاتف: ٢٤٣٤٩٣٠ - فاكس ٤٣٣٣٦٥٧ http:www.al-andalus-kh.com E-MAIL:info@al-andalus-kh.com
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أصل هذا الكتاب رسالة مقدمة إلى كلية أصول الدين قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، لنيل درجة الدكتوراه. ونال بها المؤلف درجة الامتياز مع مرتبة الشرف الأولى، إثر مناقشة علمية تمت في تاريخ ٢٦/ ١/ ١٤٢٠ هـ، وكانت لجنة المناقشة مكونة من: ١ - سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد اللَّه آل الشيخ، مفتي عام المملكة العربية السعودية، مشرفًا ومقررًا. ٢ - معالي الشيخ أ. د صالح بن عبد اللَّه بن حميد إمام وخطيب المسجد الحرام وعضو هيئة كبار العلماء، ورئيس مجلس الشورى، عضوًا. ٣ - فضيلة الشيخ أ. د ناصر بن عبد الكريم العقل، عضو هيئة التدريس في كلية أصول الدين في الرياض، عضوًا. ٤ - سعادة الأستاذ د. حسن بن فهد الهويمل، عضو هيئة التدريس في كلية اللغة العربية في القصيم ورئيس نادى القصيم الأدبي، عضوًا.
صفحه نامشخص
المقَدّمَة
الحمد للَّه رب الناس، ملك الناس، إله الناس، خالق الخلق أجمعين، الإله الحق المبين، خلق الإنسان من سلالة من طين، وخلق الملائكة من نور مبين، وخلق الجان من مارج من نار، أرسل الرسل، وأنزل الكتب، وقدر المقادير، وشرع الشرائع، وخلق الدنيا والآخرة، والموت والحياة، والجنة والنار، وجعل الجنة للمؤمنين دارًا، والنار للكافرين قرارًا.
وصلى اللَّه وسلم على خاتم أنبيائه، المبعوث رحمة للعالمين أجمعين، بالدين القويم، والصراط المستقيم، فدعا إلى اللَّه وجاهد في سبيله، وأقام منارات العلم والهدى والخير والعدل، وأثبت أحكام الإسلام في خير دولة أقيمت على وجه الأرض، وأنشأ مجتمعًا هو خير مجتمع ظهر على وجه البسيطة، اتبعوا أوامر اللَّه فلم يضلوا، وحكَّمُوا شريعته فلم يذلوا، وساروا على الهدى المستقيم فكانوا خير أمة أخرجت للناس، ﵃ وعن التابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، أمَّا بعد:
فإنه لما كثرت سهام الشبهات التي يرميها أعداء الإسلام، وتطاول أهلها، وأجلبوا بخيلهم ورجلهم، وبثوا سمومهم الفكرية والسلوكية، على شبيبة الأمة الإسلامية، محاولين إغراقهم في الضلالات، وإخراجهم من النور إلى الظلمات، وتبديل يقينهم وإيمانهم، وطرحهم في مفاوز الشكوك والريب والترهات؛ كان لزامًا على من علم ذلك أن يبين لأمته وأبناء ملته خطورة هذه المسالك، وفظاعة هذه المهالك، كما قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (٥٥)﴾ (^١).
_________
(^١) الآية ٥٥ من سورة الأنعام.
1 / 1
١ - أهمية الموضوع وسبب اختياره:
إن من أخطر وأشنع ما فعله أعداء الإسلام لتحصيل تلك المطالب الخبيثة، وتحقيق تلك المقاصد الضالة ما اتخذ في زمننا هذا من أساليب ثقافية ظاهرها "الأدب والشعر والثقافة والنقد" وباطنها الكفر والشك والنفاق.
ذلك أن أعداء الإسلام استطاعوا أن يبذروا في أرض المسلمين بذور حقدهم، ويستنبتوا فيها -في غفلة وضعف من أهلها- نباتات الشجرة الخبيثة، شجرة المادية الملعونة، فإذا بالمسلمين يرون ويسمعون من ينادي بالكفر جهرة ويدعو إلى الضلال صراحة، ويروج للرذائل الفكرية والخلقية علانية، مرة تحت قناع "الأدب الحديث" ومرة تحت شعار "الثقافة الإنسانية" وأخرى تحت لافتة "التحديث ومجاراة العصر وتداخل الثقافات" وأخر لا تحصى تحت عناوين كثيرة تدور كلها تحت معنى قول اللَّه تعالى: ﴿وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً﴾ (^١)، وقوله سبحانه: ﴿وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا﴾ (^٢).
فالإضلال والإفساد غايتهم ومسلكهم ومنهجهم مستخدمين في ذلك وسائل الشهوات والشبهات، ومع كل ذلك يزعمون ويدعون أنهم يريدون الإصلاح، والنهضة والتقدم: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (١١) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (١٢)﴾ (^٣).
إن الخبرة الإسلامية في مواجهة أرباب التضليل والإفساد خبرة طويلة مريرة، بيد أن أشدها مرارة، وأقساها وطأة هي ما تمر به الأمة في هذه الأزمنة، إثر ما يسمى بـ "الصدمة الحضارية" التي أنتجت أجيالًا من أبناء المسلمين، انسلخت من دينها وقيمها، وراحت تلهث خلف سراب المذاهب المادية، والعقائد الجاهلية المعاصرة، وأصحابها يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون، ويغرونهم، ويمكنون لهم -بحكم غلبتهم ونفوذهم- في شتى الميادين.
إن مختلف النظم الفكرية المعاصرة المستوردة، تحمل في طياتها ألوانًا
_________
(^١) الآية ٨٩ من سورة النساء.
(^٢) الآية ٢٧ من سورة النساء.
(^٣) الآيتان ١١، ١٢ من سورة البقرة.
1 / 2
عديدة من الانحرافات؛ ذلك لأنها إفراز نظريات مادية ذات جذور وثنية.
ومن أخطر هذه النظم المستوردة: النظام اللاديني المسمى بـ "العلمانية" والذي يظهر في أردية شتى، منها الرداء الثقافي والأدبي المسمى بـ "الحداثة" التي أولع بها بعض أبناء البلاد الإسلامية فراحوا يبثون من خلالها السموم الفكرية، ويرسخون المفاهيم الضلالية فاتحين أمام شباب الأمة أبواب التمرد -باسم الثقافة والأدب- ونوافذ التحدي للدين والسلوك القويم.
كل همهم ترويج أصناف الزيف تحت شعار الحرية الفكرية وعالمية الفكر الإنساني والموضوعية العلمية، وهم أبعد الناس عن الحرية؛ لأنهم مجرد أتباع مقلدين، وأبعد الناس عن الموضوعية؛ لأنهم أصحاب أهواء تجارت بهم تجاري الكَلَب بصاحبه.
ولكنهم -بسبب غفلة أو تغافل، جهل أو عمالة- رسّخت لهم أقدام في مواضع التأثير، فإذا بالأمة ترى من أبنائها من يدعو إلى الإلحاد ويجاهر بالكفر ويحارب دين اللَّه جهارًا نهارًا، ومن لم يكن على هذا القدر من الشطط في الكفر، أو لم تكن له القدرة على التصريح به، تجده ملفوفًا بالشكوك في كل ما يتعلق بالإسلام من عقائد وشرائع وأخلاق، يتناولها تناول المستريب، ويحاكمها محاكمة المتهم.
وهؤلاء وهؤلاء لا يفتأون يذكرون أئمة الكفر بالذكر العاطر، ويجعلون منهم قدوات، ويرسمونهم أمام أعين الأجيال في أحسن صورة وأجمل وصف، ويغدقون عليهم ألوان المديح والإطراء والتبجيل والتمجيد.
وهناك صنف ثالث تسيطر عليه بعض أوهام المروجين للخمور الفكرية، فيرى أن الإسلام دين سماويّ يعتني بالقيم والأخلاق والشعائر، والعقائد المجردة، لكنه لا يستوعب الواقع ولا يتدخل فيه، ولا يعنيه من أمور الناس إلّا ما كان في إطار السلوك والشعائر، أمَّا الأدب والفكر والثقافة أو السياسة والاقتصاد، فهذه لها ميادينها المستقلة عن الدين وأحكامه ومعاييره، وهذا الصنف -على إغراقه في الانحراف- يعتبر من أمثلهم طريقة.
وهناك صنف رابع ضُربت عليهم عماية الجهل أو التجاهل، ورانت على قلوبهم غشاوة الغباء أو التغابي، فإذا هم يهونون من خطر هؤلاء ويحسنون بهم الظن، ويدافعون عنهم، ويميّعون النظرة الحقيقية الجادة، ويضفون البراءة
1 / 3
عليهم وعلى أعمالهم الشائنة، تحت حجج واهية بليدة، أو يساعدون في إضفاء نوع من الضبابية على جوانب من طرحهم وفكرهم، وكأن لسان حال هذا الصنف ينطق بـ ﴿إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا﴾ (^١).
بل كأنهم لم يسمعوا قول اللَّه تعالى: ﴿وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (١٠٧) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (١٠٨) هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (١٠٩)﴾ (^٢).
وبين هذه الأصناف جميعًا درجات من الانحراف والضلال بعضها أشر من بعض، كما أن بعضها أخف من بعض.
ومما يزيد الأمر سوءًا أن هؤلاء الممسوخين لهم نفوذ صارخ في أجهزة التوجيه والإعلام في كثير من بلاد المسلمين، ولا شغل لهم إلّا نقل النفايات البشرية، أو المماحكة فيما فرغ الشرع المعصوم من تقريره وإثباته.
قضيتهم الكبرى استيراد الآراء النظرية المتناقضة، وتخدير إحساس الأمة بآلاف الدواوين والمسرحيات والرسوم والمقالات النقدية وغير النقدية، من خلال الإثارة والجاذبية والمتعة الفنية في الشعر والرواية والقصة، وتهريج المسرح وأصباغ الرسوم، ومن خلال صناعة النجوم.
وإذا بنا نرى كل طائفيّ -يحمل أحقاده التاريخية على الإسلام- يخفي دمامة معتقداته تحت فلسفهْ الحداثة والعلمنة، ويخرج سمومه القاتلة من أكمام الثوب الأدبيّ الفضفاض.
كما نرى الوثنية والنصرانية واليهودية تبرز في أقلام المبغضين لقرون الهجرة المباركة، المعادين لتراث الأمة.
وإذا بنا نرى جهودهم وخبراتهم وقدراتهم تصب في إناء اليهودية التلمودية، لتجتمع كلها تحت لواء الرغبة الجامحة للإجهاز على الإسلام وعقيدته وشريعته وتراثه وحضارته وتاريخه المجيد.
_________
(^١) الآية ٦٢ من سورة النساء.
(^٢) الآيات ١٠٧ - ١٠٩ من سورة النساء.
1 / 4
ومما يفت فؤاد المسلم أن يجد لهؤلاء الأرجاس أدوات من بني جلدتنا، استقطبتهم زمزمة كهان الحداثة، في حين غفلة منهم عن دينهم، وعجز منهم عن تحقيق وجودهم بتحصيل علميّ رصين، فإذا هم يرددون أفكار الزنادقة والملاحدة، ويضاهون اليهود والنصارى والوثنيين -ببلاهة وغوغائية- في عبارات مطاطة وألفاظ مبهمة، وتراكيب غامضة إذا حققتها وجدتها التبعية والتقليد ليس غير.
وليست المأساة متوقفة عند هذا الحد، بل تجدها تزداد خطورة عندما تلتفت إلى الركام الهائل من المؤلفات والمجلات والملاحق الأدبية، والمراكز الثقافية في كثير من البلدان العربية، فلا تجد عليها إلَّا طائفيًا نبت في الظلام وخرج من وراء الكواليس ليكون هو وأضرابه من معالم الأدب الحديث، أو نصرانيًا ترعرع تحت ظل الصليب يتسنم التوجيه والتثقيف، أو ملحدًا وجوديًا أو ماركسيًا أو إباحيًا يبرز من أعطاف جثة المادية الغربية ليكون من رموز العلم والأدب والفن، أو تابعًا لهؤلاء لا يدري، ولا يدري أنه لا يدري.
أمَّا إذا تأملت في تعبيراتهم ورموزهم، فإنك تجدها -إلا القليل منها- على قسمين، أحدهما: مكشوف، والآخر مقنّع، وكلاهما مسخر لخدمة الحداثة ومضامينها، وموجه لتحطيم دين اللَّه تعالى والإرث المبارك والتراث الخيِّر، ومؤسس للقيام بدور التخريب الفكري، والتلويث الثقافي، والانحلال الخلقي، فتجد في إنتاجهم المجاهرة بإنكار الرب ﷾، وجودًا وألوهية، والاستهانة بأسمائه -تعالى- وصفاته، وجحد وجود الملائكة والسخرية منهم، وتكذيب الرسل والأنبياء وإنكار قضية الوحي جملة وتفصيلًا أو التشكيك فيها، وجحد الكتب المنزلة والسخرية بكل ذلك، وإضفاء صفة النبوة والمعجزة على الشاعر والحداثي المبدع، وجعل الأساطير بديلًا للوحي الكريم، والآلهة الوثنية شريكًا للَّه العظيم، مع تكذيب بالقدر واستهانة به، وتهكم بالمؤمنين به، وجحد المعاد وسائر الغيبيات، مع الإيمان بغيبيات وثنية جاهلية، ولذلك تجدهم يوظفون الرموز الوثنية واليهودية والنصرانية في أعمالهم بشكل بارز وكثيف.
أمَّا إذا جاؤوا إلى تاريخ الإسلام فإنهم لا يستخرجون منه سوى أمثالهم من أهل الزيغ والشك والانحراف والزندقة، وهم مع كل ذلك يطرحون فكرتهم على أساس أنها فكرة كلية شاملة، متطورة أبدًا، قادرة على احتواء كل قضايا الكون والحياة والإنسان، وعلى ذلك فقد توجهوا بعنف وحقد لمحاربة الحكم
1 / 5
الإسلامي والسخرية من أخلاق الإسلام، والسعي لترسيخ ألوان الانحرافات الاجتماعية والنفسية والسياسية والاقتصادية، والدعوة للانحلال والفوضى الخلقية، والدعوة إلى استبدال شرع غير اللَّه بشرع اللَّه الحكيم، إلى غير ذلك من مفردات الانحرافات التي لا تكاد تحصى لكثرتها وتنوعها.
أمَّا المقنَّع من أفكارهم تحت أردية الغموض والرمزية فهو كثير كذلك، ولا يخرج عن المضامين السابقة، بل هو في خوضها الآسن غارق.
فإذا أرادوا -مثلًا- الحديث عن القرآن سموه "صوت الألوهية" أو "نتاج الغيبوبة"، والحكم الإسلامي يرمزون له بالملح والرماد والجفاف، وقرون الهجرة والفتح الإسلامي والخلافة رمزوا لها بالإبل والسفر والنخيل والبخور والتعاويذ والصحراء والهجير والرمال الضريرة، والعمائم المتخمة والأعشاب الميتة، وأرض الحروف عندهم أرض النبوات والإسلام والهدى، والأغوار الخرساء يريدون بها التاريخ الإسلامي، والشريعة والصلاة والمنارة يرمزون لها بالستارة السوداء، والإصلاح والدعوة وإحياء الإسلام يعبرون عن موقفهم منها بقولهم: "أهدم كل لحظة مدائن الغزالي" ونبذ التراث والإقبال على الغرب يأتي تحت قولهم: "أرفضُ الرمل واتجه نحو البحر"، والحداثة يسمونها: الشمس وفاطمة وفضة ونافذة الضوء ورياح المواقع والتضاريس والمطر والخصب، والتكوين الآتي إلى آخر ما هنالك من رموز وألفاظ تحتها الأفاعي والحيات.
إضافة إلى إحياء الرموز الباطنية، وأسسها الفلسفية؛ لتشكل ملامح غير معروفة إلّا لذي التتبع، والعبث بلغة القرآن، ودلالات ألفاظها وتراكيبها، وذلك بإعطاء اللغة العربية دلالات غير دلالاتها الأصلية، وهو جانب آخر من جوانب الخطورة التي ينطوي عليها المشروع الحداثي يتمثل في دعوتهم إلى "تفجير اللغة" أو "التحديث اللغوي"، فإذا انضاف إلى ذلك سعيهم لهدم أصول الفقه، وضوابط تلقي الوحي وفهمه وتطبيقه؛ علمنا أن القوم لا يهدفون إلى تجديد في الأساليب ولا تحديثٍ في الصيغ بقدر ما يستهدفون هدم ملة الإسلام، وإقامة ملة الحداثة مكانها ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (٨)﴾ (^١).
من هذا كله وغيره كان الموضوع على جانب كبير من الأهمية، وكان
_________
(^١) الآية ٨ من سورة الصف.
1 / 6
اختياري له بعد مدة طويلة من المتابعة لإصداراتهم والنظر في أعمالهم والتأمل في مقالاتهم، والمناظرة والمناقشة مع بعض أتباع هذه النحلة محليًا وعربيًا.
فكتبت فيه كتابي هذا لأبين بعض جوانب الخطورة في الأدب العربي المعاصر، لعله يكون سببًا في صحوة من غفا، ودلالة من غامت في نفسه طرق الهدى، وسببًا في كبت من أعرض ونأى، وكشف سبل المجرمين، وسببًا لإيضاح الحق لمن استغفل وجرى في مجراهم مؤيدًا أو منافحًا؛ لعله يعود إلى الهدى، وسببًا لتحريك حمية أهل الإيمان فيلتفتوا إلى دعاة جهنم ممن يتكلمون بألسنتنا ويتسمون بأسمائنا ويعيشون بين ظهراني المسلمين.
وأكبر آمالي أن يكتب اللَّه لي أجر المنافحة عن دينه والمغايظة لأعدائه، وإبانة سبيل المجرمين ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيّ عن بينة.
٢ - حدود الموضوع:
وقد قسمت هذا البحث إلى أربعة أبواب وخاتمة، وصدرته بالمقدمة والتمهيد.
فالمقدمة تحدثت فيها عن أهمية الموضوع وسبب اختياره، وعن حدود الموضوع وبعض الدراسات السابقة فيه.
والتمهيد تحدثت فيه بإيجاز عن شمول الإسلام لكل أعمال الإنسان ومناشطه، وعن علاقة الأدب بالاعتقاد، ونبذة عن الانحرافات العقدية المعاصرة في مجال الثقافة والفن والأدب.
أمَّا الباب الأول فهو بعنوان: الانحرافات المتعلقة باللَّه ﷾، وتحته أربعة فصول:
الفصل الأول: الانحرافات المتعلقة بالربوبية.
الفصل الثاني: الانحرافات المتعلقة بالألوهية.
الفصل الثالث: الانحرافات المتعلقة بالأسماء والصفات.
وأمَّا الباب الثاني فهو بعنوان: الانحرافات المتعلقة بالملائكة والكتب المنزلة والأنبياء، وتحته ثلاثة فصول:
الفصل الأول: الانحرافات المتعلقة بالملائكة ﵈.
الفصل الثاني: الانحرافات المتعلقة بالكتب عامة والقرآن خاصة.
1 / 7
الفصل الثالث: الانحرافات المتعلقة بالرسل عليهم الصلاة والسلام.
وأمَّا الباب الثالث فهو بعنوان: الانحرافات المتعلقة باليوم الآخر والقدر، وتحته ثلاثة فصول:
الفصل الأول: الانحرافات المتعلقة باليوم الآخر.
الفصل الثاني: الانحرافات المتعلقة بالقدر.
الفصل الثالث: الانحرافات المتعلقة بالغيبيات الأخرى.
وأمَّا الباب الرابع فهو بعنوان: الانحرافات المتعلقة بالأحكام والسلوك ونظام الحياة، وتحته خمسة فصول:
الفصل الأول: العبث بالمصطلحات الشرعية والشعائر الإسلامية.
الفصل الثاني: محاربة الحكم الإسلامي والدعوة إلى تحكيم غيره.
الفصل الثالث: السخرية من الأخلاق الإسلامية والدعوة إلى الانحلال والفوضى الخلقية.
الفصل الرابع: الانحرافات في القضايا الاجتماعية والنفسية.
الفصل الخامس: الانحرافات في القضايا السياسية والاقتصادية.
وأمَّا الخاتمة ففيها: بيان أسباب الانحراف العقدي في الأدب العربي الحديث، ومقترحات لمواجهة الانحراف العقدي في الأدب العربي الحديث.
هذا وقد بدأت أهتم بهذا الموضوع وأعتني بجمع الكتب فيه من أيام الدراسة الجامعية، يوم شعرت أن بعض الطلاب قد تأثرت عقائدهم بشكوك قادت بعضهم إلى الإلحاد الصريح، وبعضهم إلى ريب في وجود اللَّه تعالى والنبوات والمعاد، وكنت أراهم يتداولون دواوين شعراء الحداثة وكتبهم النقدية والفكرية، وأظن أن ذلك من باب الحرص على التجديد الفني والأدبي كما كانوا يزعمون، فلما اطلعت على ما لديهم وجدت أن الأمراض الاعتقادية قد تسربت إليهم من مجالسات أهل الشبه والأهواء، ومن الكتب التي كان جلساؤهم بل أساتذتهم في الشر يوجهونهم لشرائها، واقتنائها وكانت هناك مكتبة لأحد الحداثيين تجلب كتب أهل الحداثة ومجلاتهم، والقوم على أرففها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية، يتهافتون على شرائها ثم توزيعها إهداء أو إعارة.
وكانت لي معهم مناقشات ومحاورات في القضايا الكبرى؛ قضية وجود اللَّه، وقضية القدر، والنبوة، والمعاد، وأحكام الشريعة، وغير ذلك.
1 / 8
ثم واصلت متابعتي لهذا التيار على مستوى الصحف المحلية، والأندية الأدبية، والأمسيات الشعرية، وجرى فيها من الأحداث ما يطول شرحه.
وفي عام ١٤٠٧ هـ سجلت على شريطين مادة علمية عن هذا الاتجاه بعنوان "الحداثة حقائق ووثائق" كانت ذات أثر على صعيدين:
الأول: أهل الدين والإيمان؛ فهؤلاء تبين لهم خطورة هذا المذهب، وضلاله وبشاعته، وعظم انحرافاته.
الثاني: أهل الحداثة والعلمنة؛ وقد وقع هذا العمل منهم موقع الصيحة، فهبوا يدافعون في الصحف والأندية، وفي المنشورات، وطفقوا يبحثون عن أي شيء به يحتمون، أو من خلاله يهاجمون، واستعدوا وألَّبُوا، وتناصروا، واستخدموا بعض الفئات الجاهلة أو المتجاهلة، وظاهرهم إخوانهم من الحداثيين العرب في مصر وبيروت ولندن وباريس.
وفي أثناء هذه المسيرة الطويلة من المرحلة الجامعية حتى تسجيل هذا البحث جمعت كميات كبيرة من كتبهم ومجلاتهم وقصاصات كثيرة من صحفهم وملاحقهم الأدبية، ولما جئت لكتابة هذا البحث وجدت أمامي ركامًا هائلًا مما هو في ملكي، فضلًا عما في الأندية الأدبية والمكتبات الكبيرة، وكان من المستحيل أن أجمع مادة هذا البحث من كل هذه الكتب والمجلات والملاحق، فعمدت إلى كتب ودواوين وروايات أكابر عتاة هذه النحلة، وأعرضت عن التلاميذ الصغار الذين يحاكون اساتذتهم ويرددون مقالاتهم، وقد قرأت بعد تسجيلي لهذا البحث ما يزيد على خمسة عشر ألف صفحة من كتبهم، ولا يدخل في هذا العدد ما قرأته من مجلات وملاحق، ولا ما سبق لي قراءته طوال ثلاثة عشر عامًا من أواسط المرحلة الجامعية حتى تاريخ تسجيل هذا البحث، ولا ما قرأته من كتب مضادة للحداثة والعلمانية.
وما دمت أتحدث عن حدود الموضوع فإني أرغب في تبيان عدة أمور:
١ - أنه بعد النظر في كتب أهل الأدب الحديث تبين لي أن أكثرهم يطلقون لفظ "المعاصرة" و"الأدب المعاصر" على أدب الحداثة (^١).
_________
(^١) انظر مناقشة محمد جمال باروت لهذا الموضوع في قضايا وشهادات ٣ شتاء ١٩٩١ م ص ١٤١، ١٤٢، ١٤٤ - ١٤٧، وانظر: لغيره في المرجع نفسه ٢/ ٢٦٤، =
1 / 9
ذلك أن الحداثة عندهم مصطلح عسير التحديد مضطرب الحدود محملٌ بمعان مشكلة ملتبسة، وأكثر ما تجد التباسه مع لفظ "المعاصر" و"الجديد" و"العصري"، بحيث يضفي هذا الالتباس على هذا المصطلح طابعًا مضطربًا قلقًا، يجعله متداخلًا بعمق -في استعمالهم- مع مصطلح "المعاصر" و"الجديد" في الإشارة إلى مفهوم الحداثة.
وعلى هذا فعنوان الكتاب وموضوعه يتجه مباشرة لمعالجة موضوع الحداثة، من غير التفات إلى الخلاف الطويل بين المختصين في موضوع الاتصال والانفصال بين مصطلحي الحداثة والمعاصرة.
٢ - وبناء على ما سبق فإني ابتدأت في هذا البحث من بداية الحداثة الشعرية العربية في العراق على يد السياب (^١) أو نازك الملائكة (^٢) حسب اختلاف الحداثيين، وكلاهما ظهر في حقبة واحدة ما بين ١٣٦٦ هـ - ١٣٨٠ هـ/ ١٩٤٦ م - ١٩٦٠ م.
على أنني قد أتحدث عن بعض من سبقهم مثل جبران خليل جبران (^٣) وميخائيل نعيمه (^٤) ومعروف الرصافي (^٥)، والرابطة القلمية وجماعة أبولو والديوان وغيرهم ممن قد يعد من قريب أو بعيد من مقدمات وإرهاصات الحداثة العربية الفكرية والأدبية.
٣ - ركزت على دواوين وكتب أكابر الحداثيين وآوائلهم ومشاهيرهم في البلاد العربية، وإن ذكرت بعض تلاميذهم فعلى سبيل الاستطراد أو الاستشهاد في قضية محددة، ولذلك لم أتعرض -إلَّا لمامًا- للحداثة المحلية؛ لأنني
_________
= ٢٨٤، ٣٠٧ - ٣٠٨، وكتاب الحداثة الأولى لمحمد جمال باروت ص ٥٣، ومجلة الناقد العدد الثامن ص ٣١، والحداثة في الشعر العربي المعاصر لمحمد حمود ص ٤٨، وأفق الحداثة وحداثة النمط ص ١٥١ - ١٥٢، وحداثة السؤال لمحمد بنيس ص ١١١، والقصيدة الحديثة وأعباء التجاوز للظاهري ص ١٦٠. وانظر: عناوين الكتب التالية التي تدل على أن الحداثة والمعاصرة تعنيان عندهم شيئًا واحدًا: اتجاهات الشعر العربي المعاصر لإحسان عباس، وقضايا الشعر الحديث لجهاد فاضل، وشعرنا الحديث إلى أين؟ لغالي شكري، والحداثة في الشعر العربي المعاصر لمحمد حمود.
(^١) - (^٦) ستأتي تراجمهم. انظر: فهرس الأعلام المترجمين.
1 / 10
رأيتهم مجرد نقلة ومحاكين لأولئك الأوائل، الذين كانوا هم بدورهم -في أكثر أحوالهم- مجرد نقلة ومقلدين للحداثيين الغربيين.
٤ - رتبت أكثر الفصول على الطريقة التالية: أبدأ بذكر إجمالي لمعتقد أهل السنة والجماعة في القضية المتناولة، ثم أذكر -غالبًا- الجذور الفكرية للانحرافات الاعتقادية عند أهل الأدب العربي المعاصر، ثم أورد أوجه الانحرافات والشواهد عليها، وأعقب على بعض الشواهد ناقدًا ومفندًا، وأترك أكثرها من غير تعقيب لوضوح انحرافها وشططها، أو اكتفاء بما مهدت به للفصل من ذكر لمجمل عقيدة أهل السنة، والجذور الفكرية للانحرافات الحداثية.
٥ - ركزت في ذكر الشواهد على ما يسمونه شعرًا، ثم على بعض الروايات، ولم أفرق بين الحداثة الشعرية والحداثة الفكرية؛ لأنه لا فرق بينهما في الحقيقة، إلّا كالفرق بين النصرانية وترانيم يوم الأحد في الكنيسة.
فالحداثة الفكرية قاعدة الصنم، والحداثة الأدبية بقية أجزائه.
٦ - عُنِيتُ بإيراد شواهد كثيرة على انحرافاتهم، وأحلت في الهوامش على مواضع أكثر؛ مما قد يؤدي إلى الاستطراد، والتكرار، ويشعر بالإقحام، وما ذلك إلا من أجل تحقيق مقتضى من مقتضيات هذا الموضوع، وتحصيل مطالب علمية من لوازم البحث العلمي ويمكن للقارئ أن يلحظ تكرارًا في بعض الشواهد والأمثلة، وذلك أن النص المستشهد به يصلح في أكثر من موضع ولأكثر من قضية، كما أن ذلك يحقق أحد أهم أهداف هذا الكتاب، وهو إثبات انحرافاتهم، بأدلة من كلامهم، وبشهادات بعضهم على بعض، بيد أني لم أورد كل ما جمعته من مادة في هذا الصدد؛ لكثرته، وما إيرادي للشواهد العديدة من كلامهم إلّا لأن (. . . اللفظ دليل مادي قائم على حقيقة اللافظ، قال اللَّه تعالى: ﴿وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ﴾) (^١) (^٢)، فإذا نقلت نص كلامهم وضعته بين قوسين، وذكرتُ اسم المرجع في الهامش، وإذا نقلت المعنى كتبتُ في الهامش "انظر".
٧ - بذلت جهدي في ترجمة من ترد أسماؤهم، وجعلت ثبتًا في الأخير
_________
(^١) الآية ٣٠ من سورة محمد.
(^٢) معجم المناهي اللفظية للشيخ بكر أبو زيد ص ٩.
1 / 11
للأسماء المترجم لها، غير أن بعض الأسماء لم أترجمها؛ لأنني لم أجد مصدرًا للترجمة، ولا معلومات لدي عنها، بيد أني لم أترك ترجمة الشخصيات ذات التأثير في حركة الحداثة الفكرية والأدبية.
٨ - حاولت أن أقرن كل تاريخ ميلادي بتاريخ هجري، ولم أتعمد ترك شيء من هذه التواريخ إلّا ما كان في داخل نص منقول.
٩ - أوردت الشعر الحداثيّ على طريقتهم في الكتابة، ووضعت نقاطًا تدل على الحذف.
١٠ - علقت على بعض النصوص التي تحتاج إلى تعليق، وسردت نصوصًا أخرى في مجال الاستشهاد على قضية من قضايا الانحراف دون تعليق عليها؛ لأن المراد هو إثبات هذا الوجه من الانحراف أو ذاك.
١١ - كان التركيز على الاستشهاد بالشعر الحداثي أكثر من غيره لأسباب عديدة أهمها: أن الحداثيين أنفسهم اعتبروا الشعر أساس مشروعهم، وأهم أعمالهم، وأخطر إبداعاتهم، ثم لكثرة الأعمال الشعرية وانتشارها، وكثرة قرائها.
١٢ - أوردت في الكتاب -في مواطن عديدة- أوجه الصلة والتشابه بين الحداثيين وبعض الفرق القديمة المنتسبة إلى الإسلام، وقد يظن أن هذا من باب نسبة هؤلاء إلى أولئك القدامى، وهذا غير دقيق، فإن الفِرَق القديمة التي لم تخرج ببدعتها عن الإسلام، حسنة القصد -في الغالب- محبة للإسلام محترمة له ولنبيّه وكتابه، معترفة بألوهية اللَّه وربوبيته، مؤمنة باللَّه جملة وعلى الغيب، بخلاف ما عند أكثر هؤلاء المعاصرين من الحداثيين والعلمانيين.
١٣ - ذكرت أثناء عرض أفكار وعقائد القوم، الأوصاف التي يستحقونها، وتنطبق على ما فاهوا به من كلام، مثل أوصاف الضلال والزيغ والإلحاد والانحراف والسخف والتهافت والانحدار والتبعية والغثائية ونحو ذلك، كما أني صرحت بأسماء من نقلت عنهم، وسبب ذلك أن التصريح بالأسماء هو الموافق لأهداف الكتاب، ولا قيمة للبحث بدون ذلك.
وأمَّا ذكر الأوصاف؛ فلأنها تنطبق عليهم حقيقة، بل إن بعضهم اعترف صراحة بالإلحاد والكفر والزنى واللواط والمخدرات، فلا ضير في ذكر هذه الأوصاف في المواطن المناسبة لها، ولا منافاة بين ذكرها والموضوعية اللازمة، والعرض العلميّ.
1 / 12
والمتأمل في أسلوب القرآن العظيم في معالجته لقضايا الكفر والنفاق وأنواع الانحرافات الأخرى، يجد المحاجة بالبرهان والمجادلة بالدليل جنبًا إلى جنب مع ذكر الأوصاف المطابقة للموصوفين مثل ﴿بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ﴾ (^١)، ﴿انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ (^٢)، ﴿وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ (^٣)، ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ (^٤)، ﴿وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ﴾ (^٥)، ﴿إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا﴾ (^٦)، ﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا﴾ (^٧)، ﴿فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ﴾ (^٨)، إلى غير ذلك من آيات القرآن العظيم، وقد نظرت في كتب الصراع بين أهل الإسلام وأصحاب الانحرافات المعاصرة منذ بدأت موجات الغزو التغريبي الماديّ المعاصر، فرأيت كثيرًا من أهل الغيرة الإيمانية يتجنب في كتاباته ذكر الأوصاف اللائقة بأصحابها، ظنًا منه أن ذلك يناقض الموضوعية أو ينافي أصول الطرح العلميّ، تحت ظنون ما يسمى بالتجرد العلمي ونزع الذاتية والترفع المعرفيّ ونحو ذلك، وقد فاتهم أنهم بهذا الأسلوب قد أسهموا نوع إسهام في إرساء مطلب من مطالب الحداثيين والعلمانيين، وذلك بنزع الوصف الاعتقاديّ أو المعرفيّ عن أقوالهم، بحيث تذوب هذه الأقوال الشنيعة في أحماض التناولات الثقافية المجردة، والتحليلات النقدية الباردة.
ثم إنه بالنظر إلى كون أصحاب هذه الأقوال راضين عن أقوالهم مرتاحي القلوب إليها، باذلي الجهد في نشرها وترويجها، فلا شطط في وصفهم بما اطمأنت إليه نفوسهم وبما استبطنته قلوبهم، كما تشهد بذلك أقلامهم وأعمالهم.
_________
(^١) الآية ٥٨ من سورة الزخرف.
(^٢) الآية ٢٤ من سورة الأنعام.
(^٣) الآية ٩٠ من سورة التوبة.
(^٤) الآية ٥ من سورة الصف.
(^٥) الآية ٧٧ من سورة المائدة.
(^٦) الآية ٤٤ من سورة الفرقان.
(^٧) الآية ٥ من سورة الجمعة.
(^٨) الآية ١٧٦ من سورة الأعراف.
1 / 13
وأرى أن هذه الأوصاف لازمة للحط من منازلهم في قلوب من أشرب حبهم بجهل أو تجاهل، بقدر ما حازوه من هذه القلوب بغير حق.
ثم إني ما قسوت في القول -إن عُدَّت هذه الأوصاف قسوة- إلّا على الذين قست أقوالهم في حق ركن من أركان الإيمان أو قضية من قضايا الإسلام أو علم من علومه.
أضف إلى ذلك أنهم حين يناقشون أهل الإسلام فإنهم لا يترددون في رميهم بأقذع الألفاظ وأخبث الشتائم، وأسخف الأكاذيب، ولم أكن فيما وصفتهم به -وللَّه الحمد- في شيء من ذلك، بل كان نعتي لمن أطالوا التلاعب بعقول القراء، وعرضوا الباطل وكأنه الحق، وسوقوا الانحرافات، وكانوا سماسرة ووكلاء لأعداء الإسلام؛ نعتًا لا يتجاوز ما هم عليه، إن لم يكن فيه تقصير عن وصف حالهم أسأل اللَّه العفو عنه، وكم من غصة نشبت في قلبي، وغضبة جاشت في نفسي، ونومة طارت من عيني إثر قراءتي لما قالوه في حق اللَّه تعالى وحق أنبيائه وكتبه وشريعته وأخباره.
فأنا أمام محاربين ألدّاء لعقيدة الإسلام وشريعته وأحكامه وتاريخه وحضارته، محاربة مباشرة أو من وراء حجب الألفاظ والرموز، واللين مع المحارب من صفات الأحمق أو العاجز (^١).
وهذا البحث لا يواجه ظواهر أدبية أو فنية، وإنّما يواجه ظواهر وأساسات وقواعد فكرية واعتقادية، ومدارك ومنطلقات وأوجه هذه المضامين؛ لحمل النفوس المؤمنة على إعمال سنّة الدفاع عن حرمات الإسلام، ورفع وطأة أهل الأهواء والشبهات، وسد سبل انحرافاتهم الكثيرة، وكشف المضلين المفتونين، المنطوين على أسقام أصابت عقولهم وقلوبهم، فرشح عنها ما رشح من آراء باطلة وجهالات ساقطة، وانحرافات يخزي بعضها بعضًا، هذا و(إن تصور مذهب هؤلاء: كاف في بيان فساده، لا يحتاج مع حسن التصور إلى دليل آخر، وإنّما تقع الشبهة؛ لأن أكثر الناس لا يفهمون حقيقة قولهم وقصدهم، لما فيه من
_________
(^١) انظر: قضية الشدة على المخالف والأدلة والضوابط في: الرد على المخالف من أصول الإسلام للشيخ بكر أبو زيد، وموقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين للشيخ مصطفى صبري ١/ ٤٢ - ٤٦، ٥١، ٩٧، والعواصم والقواصم للإمام ابن الوزير ١/ ٢٢٩ - ٢٣٨.
1 / 14
الألفاظ المجملة والمشتركة، بل وهم أيضًا لا يفهمون حقيقة ما يقصدونه ويقولونه (^١). . . وكل مَن يقبل قول هؤلاء فهو أحد رجلين، إمَّا جاهل بحقيقة أمرهم، وإمَّا ظالم يريد علوًا في الأرض وفسادًا، أو جامع بين الوصفين، وهذه حال أتباع فرعون الذين قال اللَّه فيهم: ﴿فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ﴾ (^٢) وحال القرامطة مع رؤسائهم، وحال الكفار والمنافقين في أئمتهم الذين يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون) (^٣). على أنني -مع ذلك- لم أتجاوز قواعد البحث والمناقشة، من خلال إيراد نصوصهم ونقدها وإبانة ما فيها من فساد وعوار.
وأعلم مسبقًا أن هناك مَن سينتقد أسلوب إطلاق الأوصاف على مستحقيها ويعتبر ذلك تحاملًا وأحكامًا مسبقة، وتهكمًا واستنقاصًا ينافي الموضوعية العلمية؛ ولذلك بينت وجهة نظري في هذه القضية، مع اعترافي بأن وجهة النظر المخالفة لها مسوغاتها وحيثياتها العصرية ودوافعها الفكرية والسلوكية من الموافقين والمخالفين.
١٤ - أرى أنه على مَن يشتغل بالمناظرة مع الملحدين والمرتابين والمقلدين للأوروبيين أن ينتبه للشراك المنصوبة باسم "الموضوعية" و"الحوار" و"الانفتاح الثقافي" و"حرية الرأي" وخاصة عندما يصور نفسه في موضع الخصم؛ وذلك لأنه إذا أذعن لمقتضيات هذا المعتقد ولوازمه، فإنه يلتحق سرًا وبطريقة تدريجية من حيث لا يشعر بخصومه، إذ بكثرة تكرار فوض نفسه في موقع الخصم يقيم في عقله خصمًا خياليًا يتولد منه في الذهن والقلب قوة تصير وكيلًا لخصمه داخليًا، فينبت الوهن والضعف في أعماق النفس الأمّارة بالسوء ويقوى الشيطان في ظل تلك القوة، ويتحول الحق عن سبيله القويم ولو نوع تحول، فينتقص من الحق الذي معه بمقدار هذا التحول، وهذا منافٍ لمقاصد الموضوعية، ومخالف للعدل والإنصاف.
١٥ - ينبغي أن يُعرف بأن الحداثيين ليسوا على درجة واحدة بل هم في
_________
(^١) ينطبق كلام شيخ الإسلام هذا على بعض الحداثيين الذين أولعوا بتقليد كبرائهم الذين عادوا دين اللَّه عن إصرار ومعرفة.
(^٢) الآية ٥٤ من سورة الزخرف.
(^٣) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ٢/ ١٣٨ - ١٣٩.
1 / 15
دركات مختلفة، وليس كل قول قاله واحد منهم يعتبر قولًا لكل حداثي على درجة التعيين، وإن كان ذلك داخلًا ضمن مذهبه الذي اعتنقه ومنهجه الذي ارتضاه على درجة العموم، فهو منسوب إليه بوجه من الوجوه، ما لم يعلن براءته من هذا القول، فكيف إذا كان يثني على صاحب القول المنحرف، ويرسمه في أعين الآخرين مثالًا رائعًا في الثقافة والأدب والفكر؟! فكيف إذا كان يدافع عنه ولا يقبل فيه نقدًا؟!
١٦ - تحريت العدل والإنصاف في فهم النصوص الحداثية والحكم عليها، وما ظهر من استنتاج لبعض النصوص والرموز المحتملة والسياقات الموهمة، مما قد لا يوافق عليه البعض فإنني أعتمد فيه على عدة أمور علمية منهجية وأتكئ فيه على الأصل الحداثي القائل بأن النص إذا قاله صاحبه خرج من نطاقه إلى نطاق المتلقي يفهمه ويحكم عليه بطريقته الخاصة ووفق قيمه ومعاييره، هذا في النصوص الغائمة والأقوال الغامضة والعبارات الملبسة، أما ما كان منها واضحًا جليًا فإنه شاهد على ذاته بذاته.
١٧ - لا يقتصر هذا الكتاب على نصوص أدبية، بل يتضمن كذلك نصوصًا نثرية من مقالات وكتابات وقصص وروايات ودراسات وموضوعات فكرية.
٣ - الدراسات السابقة في الموضوع:
هناك مجموعة من المؤلفات التي تعرضت لهذا الموضوع، أو بالأحرى لبعض القضايا فيه، حيث لم أجد كتابًا جامعًا تحدث عن موقف الحداثيين من أركان الإيمان ومقتضياتها العملية.
وهذه المؤلفات تختلف من حيث حجمها، ونوعية التناول للموضوع، ومقدار العمق والشمول في محاكمة القضايا إلى عقيدة الإسلام وشريعته وغير ذلك من أمور، وسوف أذكر جملة منها مرتبة حسب الترتيب الهجائي معطيًا نبذة يسيرة عن كل واحد منها:
١ - أباطيل وأسمار: للأستاذ محمود محمد شاكر ﵀، يقع في جزأين كبيرين يحتويان على ٦٣٠ صفحة، وفيه مناقشة علمية وأدبية واعتقادية لأوائل جذور الانحراف، وخاصة لويس عوض ثم توفيق الحكيم ومحمد مندور وطه حسين وغالي شكري ومحمد خلف اللَّه وغيرهم، وقد تحدث عن هؤلاء
1 / 16
وخلفياتهم الفكرية، وتاريخ عمالتهم وارتباطهم بالمستعمر والكنيسة، وتلاعبهم بالألفاظ والمصطلحات، وتدليسهم للمفاهيم، ودعوتهم إلى العامية، وسيرهم في مخطط التبشير والاستشراق وأثر العقيدة النصرانية على أعمالهم الكتابية، وممارساتهم العملية، وكشف عداوتهم للقرآن وأخباره، والإسلام وأحكامه، واللغة ومدلولاتها.
على رقي في أسلوبه، وفخامة في ألفاظه، وجمال في ترتيبه، وجدير بكل متخصص في هذا الشأن، أو مريد العلم فيه أن يطلع على هذا السفر النفيس.
٢ - الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر: للدكتور محمد محمد حسين ﵀، ويقع في ٤٧٠ صفحة، وهو من أجل الكتب وأنفعها في مضمار بيان أوجه الصراع بين الكفر والإسلام في هذا العصر، وتاريخ هذا الصراع، وامتداداته، كتبت بقلم محب للإسلام عميق الفهم فيه وفي أساليب ومقاصد أعدائه.
وقد تحدث عن الخلافة الإسلامية، وأثر إلغائها في ترسيخ العقائد الجاهلية المعاصرة، وأثر ذلك على الآثار الأدبية والفكرية، وكيف بدأت إثر ذلك الدعوات العلمانية اللادينية، والقومية، والمناداة بالجامعة العربية بديلًا من الجامعة الإسلامية، ثم الدعوات الإقليمية، ثم تعرض لقضية "القديم والجديد" وكيف تجلت المعارك في هذه القضية عن صراع بين الإسلام ومقتضياته، والتغريب وملحقاته، وما تلا ذلك من دعوات للعلمانية والإلحاد، وإفساد المرأة والتعليم والإعلام والأدب، وهدم للدين والأخلاق واللغة العربية، وقد استغرق ذلك منه ما يقارب نصف الكتاب وفيه تجلت قدرة المؤلف رحمه اللَّه تعالى في الربط بين هذه الاتجاهات وجذورها، ودوافعها ومشروعاتها المستقبلية.
ومن أراد الاطلاع على أبعاد الحرب القائمة ضد الإسلام وخلفياتها التاريجية والاعتقادية والفكرية، وأساليبها العملية، وأبعادها المستقبلية فلا غنى له من الاطلاع على هذا الكتاب النفيس، الذي نال حظًا من القبول عند المثقفين المسلمين قلما يناله غيره، وهو جدير بهذه المنزلة.
٣ - أدب الردة، قصة الشعر العربي الحديث: للأستاذ جمال سلطان، ويقع في ١٥١ صفحة، وهو كتاب جيد من كاتب عرف باطلاعه العميق في الاتجاهات المعاصرة.
وقد بدأ كتابه بعرض تاريخيّ فكريّ موجز لنشأة الحداثة الشعرية في
1 / 17
البلدان العربية من الديوان وأبولو والمهجر وغيرها، ومن حداثة العراقيين إلى المصريين إلى مجلة شعر في لبنان، ثم جال جولة سريعة في بعض المذاهب الأدبية من الرومانسية حتى الواقعية الاشتراكية ثم تعرض لمفهوم العالمية عند شعراء الحداثة، وبيّن أن المراد به أوروبا مكانًا والعصر الحديث زمانًا، والمادية فكرًا واعتقادًا، ثم تحدث عن مفهوم التجديد وموقفهم من الثابت والمحافظ، ودعوتهم للهدم الكامل والتطور المطلق، ثم تحدث عن التيارات المشبوهة التي تقف خلف هذا الشعر الحديث.
ويتميز المؤلف بقدرته الفذة على ربط كل هذه القضايا بالمفاهيم الإسلامية، واستشهاده الدقيق والمتنوع بكلامهم حيث حشد جملة كبيرة من الشواهد المختلفة لحداثيين من بلدان عديدة، وهي ميزة كبيرة لهذا الكتاب، الذي تميز أيضًا برصانة الأسلوب، وجودة السبك، وجمال العبارة والتركيب.
٤ - أدب نجيب محفوظ وإشكالية الصراع بين الإسلام والتغريب:
للدكتور السيد أحمد فرج، ويقع في ٣٢٥ صفحة، وهو وإن كان يتحدث عن نجيب محفوظ إلّا أنه يعد -بحق- من الدراسات الناضجة، التي يُمكن الاتساء بها في مناقشة قضية العلمانية والحداثة في البلاد الإسلامية، لاسيما وأن مؤلفه صاحب خبرة دقيقة في هذا المجال، والمطلع على كتابه "جذور العلمانية" يجده على صغر حجمه من أعمق الكتب وأنضجها في هذا المجال.
تحدث المؤلف في كتابه "أدب نجيب محفوظ" عن الجذور الاعتقادية التي انطلق منها، وجعل القسم الأول منه عن حياة نجيب محفوظ بكل خلفياتها ومؤثراتها الزمانية والمكانية والفكرية، ومدى تأثير كل ذلك على فكره وإنتاجه، وجعل القسم الثاني عن القضايا الفكرية التي اهتم نجيب محفوظ بطرحها من خلال رواياته من اشتراكية وحرية جنسية، ودعوة تغريبية جلية، وعمالة لليهود واستخذاء للنصارى وخضوع للماديين.
والكتاب بقدر ما يتحدث عن نجيب محفوظ إلّا أنه أيضًا يتحدث عن التيار التغريبي الذي يستهدف تقويض الإسلام، وإلحاق المجتمع الإسلامي -في تبعية مهينة ذليلة- بالغرب في العقيدة والسلوك ونظام الحياة، فهو بحق يصور إشكالية الصراع بين الإسلام والتغريب من خلال رؤية إسلامية واضحة، وروح إيمانية جياشة.
1 / 18
٤ - الإسلام والحداثة: لعبد المجيد الشرفي من تونس، ويقع في ٣٤٦ صفحة، وهو كتاب لا علاقة له بموضوع هذا البحث، وإنّما أوردته لرفع التباس قد يرد من قراءة العنوان.
وهو كتاب علماني المنهج والمقصد، يحاكم قضايا علم أصول الفقه والفقه والتفسير والحديث، والقضايا العملية: السياسية والحكمية المتفرعة عنها، محاكمة علمانية مادية قبيحة، يظهر فيها التحامل على الإسلام، والتبجيل للعلمانية والماركسية وغيرها من المذاهب المادية المعاصرة.
٥ - أسلوب جديد في حرب الإسلام: للأستاذ جمعان بن عايض الزهراني، ويقع في ٢١١ صفحة، وهو كتاب جليل النفع، يدل على غيرة متألقة، وقلب شجاع.
تحدث فيه مؤلفه عن الحداثة، ومفهومها الشمولي عند سدنتها، ثم تعرض لكاهنها الأكبر الباطني أدونيس ومضامين أطروحاته وفكره الماديّ، وعمق عداوته للإسلام واللغة العربية والمجتمع الإسلاميّ، ثم خصص فصلًا متميزًا عن الأساس العقائدي للحداثة، أوضح فيه جملة من الأطر الاعتقادية المنحرفة التي تمر من خلالها الحداثة العربية وكلها تتجه نحو هدف واحد "مضادة الإسلام ومناقضته" وقد أورد جملة من الشواهد الصارخة ذات الدلالة الواضحة على عداوتهم للإسلام، واستعارتهم الأفكار والعقائد المنحرفة والسعي في ترويجها، ثم تحدث في فصل آخر عن الحرية الإبداعية والماسونية العالمية، بيّن فيه أثر الماسونية في الحركة الحداثية، وملامح التشابه بين الحركتين، في أصل المخطط وأهدافه ووسائله، وأصوله الفكرية، ثم تحدث عن المثالب الخلقية والسلوكية التي كست جسد الحداثيين.
والكتاب كله يحتوي على دراسة جيدة للحداثة وجذورها الفكرية ومخططاتها التخريبية، من منطلق اعتقادي أولًا -وهو أهم وأخطر منطلق- ثم من منطلق فكريّ وثقافيّ وفنيّ في درجة ثانية، وهو وإن كان معظمه عن أدونيس إلّا أنه يحتوي على حقائق عامة تنطبق على أكثر أهل الحداثة.
٦ - التجديد في الشعر الحديث، بواعثه النفسية وجذوره الفكرية: للدكتور يوسف عزّ الدين: ويقع في ٢٧٩ صفحة، وهو من إصدارات نادي جدة الأدبي.
وقد بين فيه حجم التلوث الفكري في أدب الحداثة وأوجه التبعية للغرب،
1 / 19