The Tatars from the Beginning to Ain Jalut
التتار من البداية إلى عين جالوت
ژانرها
ترجمة محمد بن خوارزم وأسباب هزيمته
وعندما نقرأ كلام ابن الأثير وهو يتحدث عن سيرة محمد بن خوارزم شاه تجد كلامًا غريبًا وأمورًا غريبة، وتجد أنك أمام إمام عظيم من عظماء المسلمين، فإذا راجعت حياة الرجل الأخيرة وخاتمته وفراره وهزيمته تبدّى لك غير ذلك، يقول ابن الأثير ﵀ في ذكر سيرته: وكان مدة ملكه إحدى وعشرين سنة وعدة أشهر، واتسع ملكه، وعظُم محله، وأطاعه العالم بأسره، وملك من حد العراق إلى تركستان، وهي بلاد مسلمة محتلة من الصين الآن، وملك بلاد غزنة -وهي في أفغانستان- وبعض الهند، وملك سجستان وكرمان -وهما في باكستان- وطبرستان وجرجان وبلاد الجبال وخراسان وبعض فارس -وكل هذه المناطق في إيران- فكل هذه المناطق ملكها هذا الزعيم الذي فر من التتار.
ومن هذه الفقرة يتبين لنا أنه كان عظيمًا في ملكه، وقد استقر له الوضع في بلاد واسعة لفترة طويلة، وهذا يظهر حسن إدارته لبلاده، حتى أن ابن الأثير يقول في فقرة أخرى: وكان صبورًا على التعب وإدمان السير، غير متنعم ولا مقبل على اللذات، وإنما همه في الملك وتدبيره وحفظه وحفظ رعاياه.
وعندما تحدث ابن الأثير عن حياته العلمية الشخصية قال: وكان فاضلًا، عالمًا بالفقه والحديث وغيرهما، وكان مكرمًا للعلماء، محبًا لهم، محسنًا إليهم، وكان معظمًا لأهل الدين، مقبلًا عليهم، متبركًا بهم.
وهذا الوصف لـ محمد بن خوارزم شاه يمثل لغزًا كبيرًا، فكيف يكون على هذه الصفة النبيلة، ثم تحدث له هذه الهزائم المنكرة؟ وكيف لا يجد جيشًا من كل أطراف مملكته الواسعة يصبر على حرب التتار حتى ينتهي هذه النهاية المؤسفة ويفر هذا الفرار الفاضح؟ كنت في حيرة من أمري وأنا أحلل هذا الموقف، ثم وجدت نصًا في مكان آخر في كتاب ابن الأثير يفسر كثيرًا من الألغاز في حياة هذا الرجل.
يقول ابن الأثير ﵀: وكان محمد بن خوارزم قد استولى على البلاد، وقتل ملوكها وأفناهم، وبقي هو وحده سلطان البلاد جميعها، فلما انهزم من التتار لم يبق في البلاد من يمنعهم، ولا من يحميها.
وهذا النص تفسير واضح لمدى المأساة التي كان يعيشها المسلمون في ذلك الوقت.
فقد كان محمد بن خوارزم شاه جيدًا في ذاته وفي إدارته، ولكنه قطّع كل العلاقات بينه وبين من حوله من الأقطار الإسلامية، ولم يتعاون معها، بل على العكس قاتلها الواحدة تلو الأخرى، وكان يقتل ملوك هذه الأقطار ويضمها إلى مملكته، ولا شك أن هذا خلّف عليه أحقادًا كبيرة في قلوب سكان هذه البلاد، وهذا ليس من الحكمة في شيء.
والرسول الله ﷺ عندما كان يفتح البلاد كان يولي زعماءها عليها؛ ليكسب بذلك ولاءهم وحب الناس له، فعلى سبيل المثال لما أسلم ملك البحرين المنذر بن ساوي ﵁ أبقاه على حكم بلاده، وأبقى على حكم عمان ملكيها جيفر وعباد ممن أسلموا وتركهم على حكم البلاد، وأبقى على اليمن واليها باذان بن ساسان الفارسي.
وهذا من السياسة والحكمة، وهو جمع جميل جدًا بين الحزم والحب، وأسلوب راق جدًا في الإدارة.
وأما هنا فقد افتقد الزعيم محمد بن خوارزم هذا الجمع الجميل بين الحب والحزم، وأصبح حاكمًا بقوته لا بحب الناس له، فلما احتاج وافتقر إلى الناس والأعوان لم يجدهم، ولم تكن خلافات الدولة الخوارزمية مع الخلافة العباسية فقط، وإنما قامت الدولة الخوارزمية نفسها على صراعات داخلية وخارجية في كل مكان، وعلى مكائد كثيرة ومؤامرات عدة، فلم تتوحد القلوب في هذه البلاد، ومن ثم لم تتوحد الصفوف، ومن المحال أن يحدث النصر والأمة على هذه الصورة، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ﴾ [الصف:٤]، هذا هو سر اللغز في حياة قائد عالم فقيه، اتسع ملكه وكثرت جيوشه ثم مات طريدًا شريدًا وحيدًا فقيرًا في عمق البحر، وصدق الرسول ﷺ إذ يقول فيما رواه النسائي وأحمد عن أبي الدرداء ﵁ وأرضاه: (عليكم بالجماعة؛ فإنما يأكل الذئب القاصية)، أي: الغنم القاصية.
كانت الفرقة التترية التي قد توغّلت في أعماق الدولة الإسلامية وأصبحت المسافة بينها وبين القوى الرئيسية لـ جنكيز خان في سمرقند تزيد على ستمائة وخمسين كيلو متر، هذا في الطرق المستوية والمستقيمة، فإذا وضع في الاعتبار الطبيعة الجبلية لهذه المنطقة والأنهار الكثيرة التي تفصل بين سمرقند ومنطقة بحر قزوين، والتي تعتبر عوائق طبيعية صعبة جدًا، علمت أن المسافة بين جنكيز خان وبين الفرقة التترية الصغيرة مسافة طويلة وكبيرة جدًا، وإذا وضع في الاعتبار أن التتار ليسوا من سكان هذه المناطق، ولا يعرفون مسالكها ودروبها وطرقها الفرعية، و
2 / 5