The Status of Imam Abu Hanifa in Hadith
مكانة الإمام أبي حنيفة في الحديث
ناشر
مكتب المطبوعات الإسلامية
شماره نسخه
الرابعة
سال انتشار
١٤١٦ م
محل انتشار
حلب
ژانرها
مكانة الإمام أبي حنيفة في الحديث
الشيخ محمد عبد الرشيد النعماني
اعتنى به الشيخ عبد الفتاح أبو غدة
- عدد الأجزاء: ١.
- عدد الصفحات: ١٦٣.
أعده للمكتبة الشاملة / توفيق بن محمد القريشي، - غفر الله له ولوالديه -.
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي].
صفحه نامشخص
مَكَانَةُ الإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الحَدِيثِ
بقلم العلاَّمة المحدث الناقد المحقق البارع الفقيه
الشيخ محمد عبد الرشيد النعماني
مَدَّ اللهُ تعالى في عُمُرِهِ
اعتنى به عبد الفتاح أبو غدة
الناشر
مكتب المطبوعات الإسلامية بحلب
1 / 1
- الطبعة الأولى في باكستان، في مجلة الدراسات الإسلامية الصادرة عن الجامعة العالمية في إسلام آباد في العدد الأول لسنة ١٤٠٩ هـ.
- الطبعة الثانية بلكنو الهند في مجلة البعث الإسلامي، سَنَةَ ١٤١١ هـ.
- الطبعة الثالثة بكراتشي - إدارة القرآن والعلوم الإسلامية، سَنَةَ ١٤١٢ هـ.
- الطبعة الرابعة مزيدة من النصوص والتحقيق في بيروت، سَنَةَ ١٤١٦ هـ.
قامت بطباعته وإخراجه دار البشائر الإسلامية للطباعة والنشر والتوزيع
بيروت - لبنان.
1 / 2
مَكَانَةُ الإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الحَدِيثِ
بقلم العلاَّمة المحدث الناقد المحقق البارع الفقيه
الشيخ محمد عبد الرشيد النعماني
مَدَّ اللهُ تعالى في عُمُرِهِ
اعتنى به عبد الفتاح أبو غدة
الناشر
مكتب المطبوعات الإسلامية بحلب
1 / 3
كَلِمَةُ التَقْدِيمِ:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ولي المتقين الصالحين، والصلاة والسلام التامان الدائمان على رسول الهُدى وإمام التقى المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد فهذا سِفْرٌ نفيس فريد، وأثر نافع مجيد " مكانة الإمام أبي حنيفة في الحديث " تأليف العلاَّمة المحقق المحدث الناقد الشيخ محمد عبد الرشيد النعماني - حَفِظَهُ اللهُ تَعَالَى - شيخ الحديث وعلومه سابقًا في جامعة العلوم الإسلامية في مدينة كراتشي بباكستان، التي أسسها شيخنا العلاَّمة الجليل المحدث البارع الفقيه الأصولي الشيخ أبو المحاسن السيد محمد يوسف الحسيني البَنُّورِي - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -.
وتميزت هذه الطبعة عن سابقاتها المطبوعة في الهند وباكستان بأنها قُرِئَتْ على الشيخ - حَفِظَهُ اللهُ تَعَالَى وَرَعَاهُ -، فَبَدَّلَ بعض عباراته، وأضاف إليه زيادات كثيرة مهمة، علمًا بأن الشيخ ما يزال يضيف إلى هذا الكتاب ما يُعَزِّزُ مباحثه وَيُحَقِّقُ مقاصده.
وقد جمع المؤلف - حَفِظَهُ اللهُ تَعَالَى - جواهر هذه النصوص، وَنَظَمَ هذه الشذرات والفصوص جَمْعَ بَخِيلٍ ضَاعَ فِي التُّرَابِ خَاتَمُهْ.
1 / 5
فالتقطها بشفافية ذهنه العلمي، ودقة ذهنه الذكي، وصبره الصابر على مصابرته، وقدرته على استخراج اللؤلؤ من مَغَاصِهِ وَمَخْبَأَتِهِ، وهكذا فليكن الصبرُ على تحصيل الفرائد، وتجميع الخرائد.
صَابَرَ الصَّبْرُ فَاسْتَغاَثَ بِهِ الصَّبْرُ ... فَقَالَ الصَّبُورُ يَا صَبْرُ صَبْرًا!
وقد ألف غير واحد من الأئمة الكبار غير الحنفية من محدثين وفقهاء ومؤرخين، تآليف مستقلة، لدفع التهويشات التي يُثِيرُهَا بعض المتعصبين على الإمام أبي حنيفة ﵁.
ومن هؤلاء الأئمة الكبار الإمام الفقيه المحدث حافظ المغرب أبو عمر بن عبد البر المالكي، والإمام الحافظ المحدث شمس الدين الذهبي الشافعي، والإمام الفقيه المحدث يوسف بن حسن بن عبد الهادي الحنبلي الدمشقي الصالحي المعروف بابن المِبْرَدْ المُتَوَفَّى سَنَةَ ٩٠٩، والإمام المحدث الحافظ السيوطي الشافعي، والإمام الحافظ المحدث محمد بن يوسف الصالحي الشافعي والإمام الفقيه الشافعي الكبير ابن حجر الهَيْتَمِي المكي، وغيرهم.
فقد ألفوا الكتب المطولة في فضائل أبي حنيفة ومناقبه، وبيان إمامته وجلالته، وَذَبُّوا عنه ألسنة الحاسدين والشانئين من أصحاب مذاهبهم وغيرهم.
وتميز هذا الكتاب الذي بين يدي القارئ بأنه مقصور على بيان مكانة الإمام أبي حنيفة في الحديث خاصة.
فرأيت طَبْعَ هذا الكتاب في البلاد العربية بعد طبعه مرات في الهند وباكستان، لأنه قد تَفَشَّى دَاءُ الغَمْطِ لمقام الإمام أبي حنيفة ﵁ من جهة الحديث، في بعض البلدان منها، فَتَلَفَّتَتْ الأنظار إلى مثل هذا التأليف، لِيَرُدَّ التهويش عن الإمام أبي حنيفة - رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَيُعَرِّفَ بما عليه أساطين العلم بالحديث ورجاله، من توقير وتعظيم وتوثيق وتبجيل للإمام أبي حنيفة
1 / 6
وعلمه وفهقه ودينه وورعه ورفيع إمامته، فيكون هذا المؤلف منارة للمستهدين وَمُذَكِّرًا للمتعصبين المُجَافِينَ، واللهُ الهادي إلى سواء السبيل، وصلى اللهُ وسلم على نبينا ورسولنا سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
وكتبه
عبد الفتاح أبو غُدَّة.
في الرياض: ١ من ذي القعدة ١٤١٥ هـ.
1 / 7
مَكَانَةُ الإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الحَدِيثِ
بقلم العلاَّمة المحدث الناقد المحقق البارع الفقيه
الشيخ محمد عبد الرشيد النعماني
مَدَّ اللهُ تعالى في عُمُرِهِ
اعتنى به عبد الفتاح أبو غدة
1 / 9
تَقْدِمَةُ المُؤَلِّفِ:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد خاتم النبيين، وعلى آله الطاهرين وصحبه الطيبين، وسائر أئمة الدين من الفقهاء المجتهدين والحفاظ المُحَدِّثِينَ، لا سيما إمامنا الأعظم أبا حنيفة النعمان بن ثابت أول المجتهدين المتبوعين.
أما بعد: فإن من الحقائق الواضحة أن الأئمة المتبوعين - رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وفي مقدمتهم الإمام الأعظم أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - قد أجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم، وتواتر عند الأمة فضلهم وعلمهم ونصحهم لله ولرسوله ولكتابه وللمؤمنين، وجعلهم الله تعالى بمنزلة النجوم في السماء يهتدي بهم كل مؤمن مسترشد ويقتدي بهم كل متنسك متعبد، فهم يستحقون منا كل تقدير وإجلال لما لهم علينا من المنن الكثيرة والفضل العميم.
وهم وغيرهم من علماء السلف من السابقين ومن بعدهم من التابعين أهل الخبر والأثر وأهل الفقه والنظر لا يُذْكَرُونَ إلا بالجميل، ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل، كما دَلَّ عليه الكتاب والسنة وكما نص عليه علماء الأمة.
ومع ذلك فقد نشأت في هذا العصر المتأخر الزَّمِنِ ناشئة حديثة لا تدري
1 / 11
ما عليها، فجعلت تَتَقَوَّلُ على الأئمة بما هم بَرَاءٌ منه، وتستصغر شأنهم وَتُكْبِرُ شأن أنفسها بمحاذاتهم والتقدم عليهم، وَخَصَّتْ الإمام أبا حنيفة بالطعن الشديد عليه والوقيعة فيه بما بَرَّأَهُ اللهُ منه، فكان عند الله وجيهًا.
فأناس من هذه الناشئة بَدَؤُوا بنشر المغامز والمطاعن الباطلة التي تتضمن الطعن في إيمان أبي حنيفة ودينه وفقهه - وهو أحد الأئمة المجمع على إمامتهم -، وقد بَيَّنَ بطلانها خلائق العلماء المتقدمين والمتأخرين وَحَذَّرُوا من الالتفات إليها وأنذروا، فما نفعت هؤلاء النُّذُرُ، وانبرى آخرون فتلقفوا أقاويل معدودة من كتب الجرح والتعديل هي معلولة بأنواع من العلل ومتلبسة بملابسات لا يقبل معها الجرح، تلقفوا هذه الأقاويل وبدؤوا يطعنون في حفظ هذا الإمام الجليل وضبطه وفهمه، وهؤلاء الأئمة هم أركان علم الجرح والتعديل وبأيديهم لوائهما، وتناسوا أيضًا إجماع الجهابذة الحفاظ المتأخرين على إسقاط وإبطال تلك المغامز والأقاويل المعلولة، وإطباقهم على الثناء عليه وتبجيله وتقريظه!!.
فأحببت - تنديدًا بالمعتنين المعاندين ورحمة بضعفاء الفهم المُغْتَرِّينَ - أن أجمع في هذا الكتاب ثناء العلماء القُدَامَى والمتأخرين على الإمام أبي حنيفة - رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ - من ناحية مكانته الرفيعة في علم الحديث والسُنَّةِ خاصة، وأوضح ما له من المنزلة السامية والمرتبة المنيفة في ذلك، عسى الله تعالى أن يهدي به التائهين عن الحق فيفوزوا ولا يهلكوا مع الهالكين.
وفضائل هذا الإمام ومناقبه كثيرة لا يحصيها العَدُّ، وقد ذكرت طائفة كبيرة من المتقدمين والمتأخرين كثيرًا منها في أجزاء مفردة وكتب مستقلة وفي ضمن كتب التواريخ والتراجم، ولكن جُلَّ تلك الكتب ليس بمتناول أيدي عامة القُرَّاءِ، ففي هذا الجمع والاختيار ذريعة حسنة لاطلاعهم على نخبة من تلك المناقب الوافرة والفضائل الجسام.
1 / 12
وليس هذا الذي أمام القارئ كُلَّ ما أردت ذكره في هذا الكتاب، وإنما أقدم إلى القُرَّاءِ ما تيسر إلى الآن، وأسأل اللهَ تعالى التوفيق لإتمامه حسب ما يُحِبُّهُ ويرضاهُ، ورضي اللهُ تعالى عن الأئمة الهادين المهديين أجمعين، وجزاهم عن الإسلام والمسلمين دار الكرامة وَمَقْعَدَ الصِّدْقِ عنده، وأسأله سبحانه سؤال خاشع ضارع أن يتقبل هذا العمل مني ويجعله ذُخْرًا لآخرتي إنه خير مأمول وبالإجابة جدير، والحمد لله تعالى أولًا وآخرًا، وصلى الله تعالى وسلم على سيدنا محمد خاتم أنبيائه وعلى آله وأصحابه نخبة أصفيائه وأوليائه إلى يوم الدين.
وكتبه الفقير إلى الله تعالى
محمد عبد الرشيد النعماني
في كراتشي ٢٠ شعبان سَنَةَ ١٤١٥ هـ.
1 / 13
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله تعالى وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فهذا ما جمعته في بيان " مكانة الإمام الأعظم أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - في علم الحديث "، والمرجو من الله سبحانه أن يجعله ذريعة لإزالة الشبهات التي أثارها الخصوم حول حفظه وثقته في الحديث وأمانته، وأسأله تعالى أن يجعل سعيي مشكورًا وذنبي مغفورًا وهو خير مأمول وبالإجابة جدير.
وقد كان أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - أحد أئمة الدنيا فقهًا وعلمًا وورعًا وحفظًا وضبطًا، وكان معدودًا في الأجواد الأسخياء، وَالأَلبَّاءِ الأكياء، مع الدين والعبادة والتهجد وكثرة التلاوة وقيام الليل.
وكان مِمَّنْ عُنِيَ بعلم الكتاب والسنة وَسَعَى في طلب الحديث ورحل فيه، وكثرت عنايته بالسنن وجمعه لها، وَذَبِّهِ عن حريمها، وقمعه من خالفها أو رام مُبَايَنَتَهَا، مؤثرًا لِسُنَّةِ رسول الله - صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على غيرها، وهو أول من عَرَّجَ على الأقوياء من الثقات، وترك الضعفاء في الروايات، لزم الحديث والفقه، وواظب على الورع والعبادة، حتى صَارَ عَلَمًا يُرْجَعُ إِلَيْهِ في الأمصار وملجأ يُقْتَدَى به في الأقطار.
1 / 15
وأحواله في العلم والحفظ والصيانة والإتقان، والاجتهاد في تحصيل العلم والفقه ونشرهما، والصبر على ترك مناصب السلطان، وبذل النفس وإشاعة العلم والعبادة والكرم، وهوان الدنيا عنده وعدم المبالاة بحطام هذه الفانية الزائلة، مع الدين والسلامة وجمع أنواع الخير: أكثر من أن يُحْصَرَ، وأشهر من أَنْ يُشَهَّرَ.
وقد انعقد الإجماع على إمامته وجلالته وَعُلُوِّ مرتبته، وكمال فضيلته، وأقاويل السلف كثيرة مشهورة في الثناء عليه في ورعه وزهده وعبادته، ومجانبته السلطان وإنكاره ولاية القضاء، ووفور علمه وكثرة حديثه، وبراعته في الفقه واتباعه السُنَّةَ، وأخبار إجلال أعيان أئمة زمانه من جميع الأقطار إياه واعترافهم بمزاياه وفيرة مستفيضة، وكل ذلك مُدَوَّنٌ في كتب التواريخ والرجال، لا حاجة لنا بذكرها.
عنايته بطلب الحديث:
وقد شهد له أئمة النقد وكبار المُحَدِّثِينَ بعنايته بطلب الحديث وارتحاله في ذلك ومعاناته في تحصيله.
قال الحافظ الذهبي في ترجمة أبي حنيفة في كتاب " سير أعلام النبلاء " (١): «وَعُنِيَ بِطَلَبِ الآثَارِ، وَارْتَحَلَ فِي ذَلِكَ». اهـ.
وقال أيضًا (٢): «إِنَّ الإِمَامَ أَبَا حَنِيفَةَ طَلَبَ الحَدِيثَ وَأَكْثَرَ مِنْهُ فِي سَنَةِ مِائَةٍ وَبَعْدَهَا». اهـ.
_________
(١) ٦/ ٣٩٢ من الطبعة الثالثة ببيروت سَنَةَ ١٤٠٥ هـ.
(٢) ٦/ ٣٩٦.
1 / 16
وقال أيضًا في جزئه الذي صنفه في " مناقب أبي حنيفة " في ذكر شيوخه (١): «وَسَمِعَ الحَدِيثَ مِنْ عَطَاءٍ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ بِمَكَّةَ، وَقَالَ: " مَا رَأَيْتُ أَفْضَلَ مِنْ عَطَاءٍ "».
قلت: وكان عطاء أيضًا يُفَضِّلُهُ على تلامذته، فكان أبو حنيفة إذا حضر مجلس السماع أوسع له وأدناه كما سيأتي.
وقال في " دول الإسلام " (٢): «وأكبر شيوخه عطاء بن أبي رباح، وشيخه في الفقه حماد بن أبي سليمان». اهـ.
وقال الحافظ أبو بكر الخطيب في " تاريخ بغداد " (٣): «أَخْبَرَنَا أَبُو نعيم الحافظ، [قَالَ]: حَدَّثَنَا أَبُو بكر عبد الله بن يحيى الطلحي، [قَالَ]: حَدَّثَنَا عثمان بن عبيد الله الطلحي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد الطلحي، [قَالَ]: حَدَّثَنَا سعيد بن سالم البصري، قال: سمعت أبا حنيفة، يقول: " لقيت عطاء بمكة، فسألته عن شيء "، فقال: " من أين أنت؟ " قلت: " من أهل الكوفة "، قال: " أنت من أهل القرية الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا؟ " قلت: " نعم "، قال: " فمن أي الأصناف أنت؟ " قلت: " ممن لا يسب السلف، ويؤمن بالقدر، ولا يكفر أحدًا بذنب "، قال: فقال لي عطاء: " عرفت فالزم "». اهـ.
وقال الإمام المحدث الفقيه شيخ الخطيب البغدادي، القاضي
_________
(١) " مناقب الإمام أبي حنيفة وصاحبيه ": ص ١١ طبع مصر.
(٢) " دول الإسلام " للذهبي: ١/ ٧٩ طبع دائرة المعارف النظامية بحيدر آباد الدكن بالهند سنة ١٣٣٧.
(٣) ١٣/ ٣٣١.
1 / 17
أبو عبد الله بن علي الصيمري في كتابه " أخبار أبي حنيفة وأصحابه " (١): «أخبرنَا عبد الله بن مُحَمَّد قَالَ حدثَنَا مُكَرَّمٌ قَالَ: حدثَنَا عبد الصَّمَدِ بن عبيد الله، عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن نوح، قَالَ: ثَنَا حَفْص بن يحيى، قَالَ ثَنَا مُحَمَّد بن أبان عَن الحَارِث بْن عبد الرَّحْمَن قَالَ:" كُنَّا نَكُون عِنْد عَطاء بَعْضنَا خلف بعض، فَإِذا جَاءَ ابو حنيفَة أوسع لَهُ وَأَدْنَاهُ». اهـ.
قلت: وصنيعه هذا معه يدل على أن الإمام أبا حنيفة كان من أنجب تلامذته في الحديث، وقد ذكر الإمام عبد الوهاب الشعراني في كتابه " الميزان الكبرى " (٢) سَنَدَ: أبو حنيفة، عن عطاء، عن ابن عباس، كما ذكر سَنَدَ: مالك، عن نافع، عن ابن عمر، حينما تعرض لبيان أسانيد المجتهدين في الكتاب والسنة.
كذلك شيخه في الفقه حماد بن أبي سليمان أيضًا يجلسه في صدر الحلقة حذاءه، قال الحافظ أبو بكر الخطيب في " تاريخ بغداد " (٣): «أَخْبَرَنَا الخلال، قَالَ: أَخْبَرَنَا الحريري، أن النخعي حدثهم قال: حَدَّثَنِي جعفر بن مُحَمَّد بن حازم، قَالَ: حَدَّثَنَا الوليد بن حماد، عن الحسن بن زياد، عن زفر بن الهذيل، قال: سمعت أبا حنيفة، يقول: " كنت أنظر في الكلام حتى بلغت فيه مبلغًا يشار إلي فيه بالأصابع، وكنا نجلس بالقرب من
_________
(١) ص ٨٣ طبع حيدر آباد الدكن بالهند سَنَةَ ١٣٩٤ هـ.
(٢) ١/ ٤٨.
(٣) ١٣/ ٣٣٢، ٣٣٣.
1 / 18
حلقة حماد بن أبي سليمان، فجاءتني امرأة يومًا، فقالت لي: " رجل له امرأة أمة أراد أن يطلقها للسنة، كم يطلقها؟ "، " فلم أدر ما أقول، فأمرتها أن تسأل حماد ثم ترجع فتخبرني "، فسألت حمادًا، فقال: " يطلقها وهي طاهر من الحيض والجماع تطليقة، ثم يتركها حتى تحيض حيضتين، فإذا اغتسلت فقد حلت للأزواج "، فرجعت فأخبرتني، فقلت: " لا حاجة لي في الكلام، وأخذت نعلي فجلست إلى حماد، فكنت أسمع مسائله، فأحفظ قوله، ثم يعيدها من الغد فأحفظها، ويخطئ أصحابه "، فقال: " لا يجلس في صدر الحلقة بحذائي غير أبي حنيفة "». اهـ.
قلتُ: هذا يدل على جودة حفظ الإمام وإتقانه.
وقال الحافظ أبو بكر الخطيب في " تاريخ بغداد " (١): «أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بن عبد الملك القرشي،: أنبأنا أَبُو العباس أَحْمَد بن مُحَمَّد بن الحسين الرازي، حَدَّثَنَا علي بن أَحْمَد القاري، أخبرنا مُحَمَّد بن فضيل هو البلخي العابد، قال: حدثنا أَبُو مطيع، قال: قال أَبُو حنيفة: دخلت على أبي جعفر أمير المؤمنين، فقال لي: " يا أبا حنيفة عمن أخذت العلم؟ " قال: قلت: " عن حماد، عن إبراهيم، عن عُمَر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس "، قال: فقال أَبُو جعفر: " بخ، بخ، استوثقت ما شئت يا أبا حنيفة الطيبين الطاهرين المباركين، - صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ - "». اهـ.
هكذا وقع في المطبوع من " تاريخ بغداد "، والصواب «عَنْ إِبْرَاهِيمَ
_________
(١) ١٣/ ٣٣٤.
1 / 19
عَنْ أَصِْحَابِ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ ... الخ». صرح به العَلاَّمَةُ الكوثري في " التأنيب " (١).
قلتُ: وقد فاق الإمام في طلب الحديث على مشايخ عصره فقد روى الحافظ الذهبي في " مناقب أبي حنيفة " (٢) عن الإمام مِسْعَرٍ بْنِ كِدَامٍ، قَالَ: «طَلَبْتُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ الحَدِيثَ فَغَلَبَنَا، وَأَخَذْنَا فِي الزُّهْدِ فَبَرَعَ عَلَيْنَا، وَطَلَبْنَا الفِقْهَ فَجَاءَ مِنْهُ مَا تَرَوْنَ». اهـ.
قلتُ: ومسعر بن كدام هذا ذكره الذهبي في " تذكرة الحفاظ " وَحَلاَّهُ في كتابه " سير أعلام النبلاء " بالإمام الثبت شيخ العراق الحافظ.
وقال صدر الأئمة المكي: «وكان مسعر بن كدام أحد مفاخر الكوفة في حفظه وزهده وكان من شيوخ أبي حنيفة، روى عنه في " مسنده "» (٣).
_________
(١) " تأنيب الخطيب ": ص ٢٩.
(٢) ص ٢٧.
(٣) من " مناقب الإمام الأعظم " لصدر الأئمة الموفق: ٢/ ٣٧، طبع دائرة المعارف بحيدر آباد الدكن بالهند.
1 / 20
إِمَامَةُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الحَدِيثِ:
وقد شهد الأئمة في القديم والحديث بإمامة أبي حنيفة في الحديث، قال الإمام المحدث حافظ المغرب أبو عمر يوسف بن عبد البر النمري القرطبي الأندلسي - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - في كتابه المعروف " جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روياته وحمله " (١): حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ رَحْمُونَ قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ بَكْرِ بْنِ دَاسَهْ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ سُلَيْمَانَ بْنَ الأَشْعَثِ السِّجِسْتَانِيَّ يَقُولُ: «رَحِمَ اللَّهُ مَالِكًا كَانَ إِمَامًا، رَحِمَ اللَّهُ الشَّافِعِيَّ كَانَ إِمَامًا، رَحِمَ اللَّهُ أَبَا حَنِيفَةَ كَانَ إِمَامًا».
وقال في كتابه " الانتقاء في فضائل الثلاثة فقهاء، مالك والشافعي وأبي حنيفة ﵃ وذكر عيون من أخبارهم وأخبار أصحابهم للتعريف بجلالة أقدارهم " (٢): حَدثنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ بْنُ عَبْدِ المُؤْمِنِ بْنِ يَحْيَى ﵀ قَالَ أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدٌ بْنُ بَكْرٍ بْنُ عَبْدِ الرَازَّقِ التَّمَّارُ المَعْرُوفُ بِابْنِ دَاسَهْ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ سُلَيْمَانَ بْنَ
_________
(١) ٢/ ١٦٣، طبع إدارة الطباعة المنيرية بمصر.
(٢) ص ٢٣٢ عنيت بنشره مكتبة القدسي بالقاهرة عام ١٣٥٠ هـ.
1 / 21
الأَشْعَثِ بْنِ إِسْحَاقَ السِّجِسْتَانِيَّ ﵀ يَقُولُ: «رَحِمَ اللَّهُ مَالِكًا كَانَ إِمَامًا رَحِمَ اللَّهُ الشَّافِعِيَّ كَانَ إِمَامًا رَحِمَ اللَّهُ أَبَا حَنِيفَةَ كَانَ إِمَامًا».
فهذه شهادة الإمام الثبت سيد الحفاظ شَيْخُ السُنَّةِ أبي داود الأزدي السجستاني صاحب " السنن " - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -، في حق الأئمة الثلاثة بإمامتهم، وتجد شرح هذه الإمامة مستوفى فيما كتبه الإمام الحافظ العلامة شيخ خراسان أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - في مدخل كتابه " دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة " (١) ونصه:
«فصل: ومما يحق معرفته في الباب، أن تعلم أن الله تعالى بعث رسوله، ﷺ، بالحق، وأنزل عليه كتابه الكريم، وضمن حفظه كما قال تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ (٢)، ووضع رسوله، ﷺ من دينه وكتابه موضع الإبانة عنه، كما قال: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (٣)، وترك نبيه في أمته حتى يُبَيِّنَ لأمته ما بُعِثَ به، ثم قبضه الله تعالى إلى رحمته، وقد تركهم على الواضحة، فلا تَنْزِلُ بالمسلمين نازلة إِلا وَفِي كِتَابِ اللهِ وسنة رسول الله، ﷺ بَيَانُهَا: نَصًّا أو دلالة.
_________
(١) ١/ ٤٣ - ٤٦ طبع بيروت، الطبعة الأولى: سَنَةَ ١٤٠٥ هـ.
(٢) [سورة الحجر، الآية: ٩].
(٣) [سورة النحل، الآية: ٤٤].
1 / 22
وجعل في أمته في كل عصر من الأعصار أئمة يقومون ببيان شريعته وحفظها على أمته، ورد البدعة عنها.
كما أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بن محمد الصُّوفِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا مَعَانُ بن رفاعة، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرحمن العذري، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ، ﷺ: «يَرِثُ هَذَا العِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ، يَنْفُونَ عَنْهُ تَأْوِيلَ الجَاهِلِينَ، وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ، وَتَحْرِيفَ الغَالِينَ».
ورواه الوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرحمن، عن الثقة من أشياخهم، عَنِ النَّبِيِّ، ﷺ.
وقد وجد تصديق هذا الخبر في زمان الصحابة، ثم في كل عصر من الأعصار إلى يومنا هذا. وقام بمعرفة رواة السنة في كل عصر من الأعصار جماعة وقفوا على أحوالهم في التعديل والجرح وبينوها ودونوها في الكتب حتى من أراد الوقوف على معرفتها وَجَدَ السبيلَ إليها. وقد تكلم فقهاء الأمصار في الجرح والتعديل فمن سواهم من عُلَمَاءِ الحَدِيثَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الحُسَيْنِ السُّلَمِيُّ، حَدَّثَنَا أبو سعيد الخلال، حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ المروزي، قال: حدثني الْحِمَّانِيُّ عن أبي حنيفة قَالَ: «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْذَبَ مِنْ جَابِرٍ الجُعْفِيِّ، وَلاَ أَفْضَلَ مِنْ عَطَاءِ».
1 / 23