The Stances of Scholars Through the Ages in Calling to Allah
مواقف العلماء عبر العصور في الدعوة إلى الله تعالى
ناشر
مطبعة سفير
محل انتشار
الرياض
ژانرها
سلسلة مؤلفات سعيد بن علي بن وهف القحطاني
مواقف العلماء عبر العصور
في الدعوة إلى اللَّه تعالى
تأليف الفقير إلى اللَّه تعالى
د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني
صفحه نامشخص
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
المقدمة
إن الحمد للَّه، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ باللَّه من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده اللَّه فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى اللَّه عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
فهذه رسالة مختصرة في «مواقف العلماء في الدعوة إلى اللَّه تعالى عبر العصور» بيّنت فيها نماذج من المواقف المشرّفة في الدعوة إلى اللَّه تعالى. واللَّه تعالى أسأل أن يجعل هذا العمل اليسير مباركًا، نافعًا، خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفعني به في حياتي وبعد مماتي، وأن ينفع به كل من انتهى إليه؛ فإنه تعالى خير مسؤول، وأكرم مأمول وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وصلى اللَّه وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد بن عبد اللَّه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
المؤلف
حرر ضحى يوم الخميس ٢٥/ ٢/١٤٢٥هـ
1 / 3
تمهيد:
بعد أن انقرضت القرون المفضّلة - التي امتدحها رسول اللَّه ﷺ بقوله:» خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم ... «الحديث (١)، بعد ذلك جاء أناس يشهدون ولا يستشهدون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم الضعف والخور، والبدع والخرافات، والصد عن دين اللَّه، ولكن - وللَّه الحمد والمنة - لا يزال حفظ اللَّه لهذا الدين قائمًا، لقوله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ (٢)، وتكفل اللَّه باستمرار الحفظ إلى قيام الساعة، ولهذا قال ﷺ: «لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر اللَّه، لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر اللَّه وهم ظاهرون على الناس» (٣).
وبيّن ﷺ أن اللَّه يبعث لأمته على رأس كل قرن من يجدد لها دينها، ويبيّن لها أحكام الكتاب والسنة، فقال ﷺ: «إن اللَّه يبعث
_________
(١) البخاري مع الفتح، ٥/ ٢٥٩، كتاب الشهادات، باب لا يشهد على شهادة جور إذا شهد، برقم ٢٦٥٢، ومسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل الصحابة ثم الذين يلونهم، ٤/ ١٩٦٤، برقم ٢٥٣٣.
(٢) سورة الحجر، الآية: ٩.
(٣) أخرجه مسلم بلفظه في كتاب الإمارة، باب قوله ﷺ: <لا يزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم>، ٣/ ١٥٢٣، (رقم ١٠٣٧)، والبخاري مع الفتح، كتاب المناقب، باب حدثنا محمد بن المثنى ٦/ ٦٣٢، (رقم ٣٦٤٠).
1 / 4
لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها» (١).
وسأتناول - إن شاء اللَّه - في هذه المباحث نماذج من أبطال الرجال وحكمائهم، وأبيّن بعض مواقفهم التي تظهر فيها الحكمة في الدعوة إلى اللَّه - تعالى - في المباحث الآتية:
المبحث الأول: مواقف إمام علماء الأندلس: منذر بن سعيد البلُّوطي رحمه اللَّه تعالى.
المبحث الثاني: مواقف سلطان العلماء: العز عبد العزيز بن عبد السلام رحمه اللَّه تعالى.
المبحث الثالث: مواقف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه تعالى.
المبحث الرابع: مواقف الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه اللَّه تعالى.
_________
(١) أبو داود، ٤/ ١٠٩، والحاكم، ٤/ ٥٢٢.
1 / 5
المبحث الأول: مواقف الإمام منذر بن سعيد البلُّوطي:
منذر بن سعيد (١) البلُّوطي له مواقف حكيمة في دعوته إلى اللَّه - تعالى - تدلُّ على حكمته، وفضله، وأنه لا تأخذه في اللَّه لومة لائم، ومن هذه المواقف الحكيمة على سبيل المثال ما يأتي:
١ - موقفه الحكيم مع سلطان الأندلس:
دخل المنذر بن سعيد يومًا على الناصر لدين اللَّه (٢) وقد فرغ من
_________
(١) هو: منذر بن سعيد بن عبد الله بن عبد الرحمن النفزي القربطي، أبو الحاكم البلوطي، قاضي قضاة الأندلس في عصره، كان إمامًا عالمًا فصيحًا، خطيبًا بليغًا مفوهًا، شاعرًا أديبًا، فقيهًا محققًا، كثير الفضل، جامعًا لصنوف من الخير والتقوى والزهد، ولم تحفظ عليه قضية جور مدة ولايته، وله كتب في القرآن والسنة على أهل الأهواء، وله اختيارات، ومن تصانيفه: كتاب (الإنباه عن الأحكام من كتاب الله)، وكتاب (الإبانة عن حقائق أصول الديانة)، واستسقى غير مرة، فأنزل الله المطر، وخطب يومًا فأعجبته نفسه، فقال: <حتى متى أعظ ولا أتعظ، وأزجر ولا أزدجر، أدل على الطريق المستدلين، وأبقى مقيمًا مع الحائرين، كلا إن هذا لهو البلاء المبين. اللهم فرغبني لما خلقتني له، ولا تشغلني بما تكفلت لي به>، وذكر أنه ولد ﵁ سنة ٢٦٥ هـ، وقد توفي انسلاخ ذي الحجة، سنة ٣٥٥هـ. انظر: سير أعلام النبلاء، ١٦/ ١٧٣ - ١٧٨، والبداية والنهاية، ١١/ ٢٨٨، وشذرات الذهب في أخبار من ذهب، لعبد الحي بن العماد الحنبلي، ٣/ ١٧، والكامل في التاريخ لابن الأثير، ٧/ ٨٢، والأعلام لخير الدين الزركلي، ٧/ ٢٩٤، وتاريخ العلماء والرواة للعلم بالأندلس، لعبد الله بن محمد الأزدي ابن الفارض، ٢/ ١٤٢.
(٢) سلطان الأندلس عبد الرحمن بن محمد المدعو: أمير المؤمنين الناصر لدين الله، قام بغزوات عديدة، وفتح سبعين حصنًا، وتوفي، في رمضان ٣٥٠هـ، انظر: سير أعلام النبلاء، ٨/ ٢٦٥، ١٥/ ٥٦٢.
1 / 6
بناء المدينة الزهراء وقصورها، حيث ساق إليها أنهارًا، نقب لها الجبل، وأنشأها مدوَّرةً، وعدة أبراجها ثلاث مئة بُرج، شرفاتها من حجر واحد، وقسَّمها أثلاثًا: فالثلث المسند إلى الجبل قصورهُ، والثلث الثاني دور المماليك والخدم، والثلث الثالث بساتين تحت القصور. وعمل مجلسًا مُشرفًا على البساتين، صَفّح عُمُدَه بالذهب، ورصَّعه بالياقوت، واللؤلؤ، وفرشه بمنقوش الرخام، وصنع قدَّامه بحرةً مستديرة ملأها زئبقًا، فكان النور ينعكس منه إلى المجلس، وقعد في هذه القبة المزخرفة بالذهب والبناء البديع الذي لم يُسبق إليه، وجلس عنده جماعة من الأعيان رؤوس دولته وأمراؤه، فقال لهم: هل بلغكم أن أحدًا بنى مثل هذا البناء؟ فقال له الجماعة: لم نرَ ولم نسمع بمثله، وجعل جميع من حضر يثنون على ذلك البناء ويمدحونه وأثنوا وبالغوا، ومنذر بن سعيد القاضي ساكت مطرق لا يتكلم. فالتفت إليه الملك وقال: ما تقول أنت يا أبا الحكم؟ فبكى القاضي وانحدرت دموعه على لحيته، وقال: واللَّه ما كنت أظن يا أمير المؤمنين أن الشيطان أخزاه اللَّه يبلغ منك هذا المبلغ المهلك لصاحبه في الدنيا والآخرة، ولا أنك تمكنه من قيادك هذا التمكين مع ما آتاك اللَّه وفضلك به على كثير من الناس، حتى أنزلك منازل الكافرين والفاسقين. فقال له الخليفة: انظر ما تقول وكيف أنزلني منازل الكافرين؟ فقال: قال اللَّه - تعالى -: ﴿وَلَوْلا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فَضَّةٍ
1 / 7
وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِؤُونَ * وَزُخْرُفًا وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ﴾ (١). فنكس الناصر رأسه طويلًا، وبكى، ثم قال: جزاك اللَّه عنا خيرًا وعن المسلمين، وأكثر في المسلمين مثلك، الذي قلت هو الحق. ثم قام عن المجلس وأمر بنقض سقف القبة، ونزع الذهب والجواهر (٢).
اللَّه أبكر، ما أحكمه من موقف! نُزِعَ بسببه الذهب والجواهر، وغُيّر به المنكر، وتأثر به الخليفة!
وقد خطب منذر بن سعيد خطبة عظيمة في يوم الجمعة عندما حضر الناصر في جامع الزهراء (٣)، فأدخل في خطبته قوله – تعالى -: ﴿أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ، وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ، وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ، وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُم بِمَا تَعْلَمُونَ، أَمَدَّكُم بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ، وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ (٤). واسترسل يقول: ولا تقولوا: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُن مِّنَ الْوَاعِظِينَ، إِنْ هَذَا إِلاّ خُلُقُ الأَوَّلِينَ، وَمَا
_________
(١) سورة الزخرف، الآيات: ٣٣ – ٣٥.
(٢) انظر: الكامل لابن الأثير، ٧/ ٨٢، والبداية والنهاية، ١١/ ٢٨٨، وسير أعلام النبلاء، ٨/ ٢٦٧ - ٢٦٨ و١٦/ ١٧٧.
(٣) انظر: سير أعلام النبلاء، ١٦/ ١٧٧.
(٤) سورة الشعراء، الآيات: ١٢٨ – ١٣٥.
1 / 8
نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾ (١). ﴿قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾ (٢).
وقد قيل: إن الناس ضجوا بالبكاء، وتأثر الخليفة بهذه الخطبة.
فرحم اللَّه المنذر ما أحكمه! وجزاه اللَّه خيرًا.
٢ - موقفه الحكيم في تأثيره على الناس:
أصاب الناس قحط في بعض السنين، فأمر القاضي: منذر بن سعيد بالبروز إلى الاستسقاء بالناس، فصام أيامًا وتأهب. وقيل: إن عبد الرحمن الناصر هو الذي أمره بالاستسقاء للناس، فلما جاءته الرسالة قال للرسول: كيف تركت الملك؟ فقال: تركته أخشع ما يكون، وأكثره دعاءً وتضرعًا، ففرح منذر بن سعيد بذلك وأمر غلامه أن يحمل ما يقيهم من المطر، وقال: سُقيتم واللَّه إذا خشع جبار الأرض رحم جبَّار السماء. ثم قال لغلامه: نادِ في الناس بالصلاة، فجاء الناس إلى محل الاستسقاء، ثم خرج القاضي منذر، راجلًا، متخشعًا، ثم وصل المصلى وقام ليخطب، والناس ينظرون إليه يسمعون ما يقول، فلما رأى الحال بكى، وافتتح خطبته بقوله تعالى: ﴿سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ
_________
(١) سورة الشعراء، الآيات: ١٣٦ – ١٣٨.
(٢) سورة النساء، الآية: ٧٧.
1 / 9
سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ (١). ثم أعادها مرارًا فضح الناس بالبكاء والنحيب والتوبة، والإنابة، وقال: استغفروا ربكم، وتوبوا إليه، وتقربوا بالأعمال الصالحات لديه، فجأروا بالدعاء والتضرع، وخطب فأبلغ، فلم ينفض القوم حتى نزل غيث عظيم (٢).
وأخبار هذا القاضي كثيرة حسنة جدًا، ومنها: أنه استسقى مرّةً فقام يهتف بالخلق: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ، إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ (٣). فهذا الموقف من أعظم المواقف الإيمانية الحكيمة؛ لأن الداعية إذا صدق مع اللَّه – تعالى – وتأثر بما يدعو إليه، تأثر الناس في الغالب؛ ولهذا صدق منذر ففتح اللَّه له قلوب الناس، واستجاب اللَّه لهم فأنزل عليهم الغيث بفضله وكرمه.
فحري بالدعاة إلى اللَّه – تعالى – أن يسلكوا مسالك الحكمة في دعوتهم إلى اللَّه تعالى.
_________
(١) سورة الأنعام، الآية: ٥٤.
(٢) انظر: الكامل لابن الأثير، ٧/ ٨٢، وسير أعلام النبلاء، ٦/ ١٧٦، والبداية والنهاية، ١١/ ٢٨٩.
(٣) سورة فاطر، الآيتان: ١٥ – ١٦.
1 / 10
المبحث الثاني: مواقف سلطان العلماء: العز بن عبد السلام
العزُّ بن عبد السلام، الملقب بسلطان العلماء (١)، له مواقف حكيمة كثيرة في دعوته إلى اللَّه - تعالى -، فقد أزال بإنكاره الحكيم كثيرًا من المنكرات، وباشر تبطيل بعضها بنفسه، ومن ذلك: إبطاله كثيرًا من البدع المنتشرة: كصلاة الرغائب، وصلاة ليلة النصف من شعبان، وبدعة دق المنبر بالسيف (٢)، وحكمته في بيع الملوك الأرقاء وصرف ثمنهم في بيت مال المسلمين (٣)، وذوده الحكيم عن أموال المسلمين، ومن ذلك أن السلطان وعساكره - عندما دهمت التتار البلاد عقب وقعة بغداد - استشاروا الشيخ فقال: اخرجوا وأنا أضمن لكم على اللَّه النصر. فقال السلطان: إن المال في خزانتي
_________
(١) هو: عبد العزيز بن عبد السلام، ابن أبي القاسم، الشافعي، له مصنفات حسان، جمع علومًا كثيرة، وأفاد الطلبة، وولي خطابة دمشق، ثم سافر إلى مصر ودرس بها وخطب، وحكم، وأعز الله به الإسلام والمسلمين، فلقبه شيخ الإسلام ابن دقيق العيد - تلميذه - بسلطان العلماء، وسيرته ﵁ مملوءة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصح للملوك والسلاطين، فلم تأخذه في الله لومة لائم. ولد ﵁ سنة ٥٧٧هـ، أو ٥٧٨هـ، وتوفي ﵁ في عاشر جمادى الأولى، سنة ٦٦٠هـ، وحضر جنازته السلطان الظاهر وخلق كثير ﵀.
انظر: البداية والنهاية، ١٣/ ٢٣٥، وطبقات الشافعية لعبد الوهاب بن تقي الدين السبكي ٥/ ٨٠ - ١٢، والأعلام لخير الدين الزركلي، ٤/ ١٠٢.
(٢) انظر: طبقات الشافعية للسبكي، ٥/ ٨٠ - ١٠٢.
(٣) انظر: المرجع السابق، ٥/ ٨٤، وصفحات مطوية من حياة سلطان العلماء العز بن عبد السلام، لسليم بن عيد الهلالي، ص٣١.
1 / 11
قليل وأنا أريد أن أقترض من التجار، فقال الشيخ عز الدين: إذا أحضرت ما عندك وعند حريمك، وأحضر الأمراء ما عندهم من الحلي الحرام وضربته سكة ونقدًا، وفرقته في الجيش، ولم يقم بكفايتهم ذلك الوقت اطلب القرض، وأما قبل ذلك فلا. فأحضر السلطان والعسكر ما عندهم من ذلك وامتثلوا أمره فانتصروا بإذن اللَّه - تعالى - (١).
ومن أعظم مواقفه الحكيمة التي تجلت حكمته فيها في دعوته إلى اللَّه - تعالى - موقفه مع سلطان الديار المصرية: أيوب بن الكامل (٢)، فقد دخل سلطان العلماء مرة إلى هذا السلطان في يوم عيد، فشاهد العسكر مصطفين بين يديه، وقد خرج على قومه في زينته، وأخذت الأمراء تُقبِّل الأرض بين يديه، والعز بن عبد السلام يرى هذا الموكب العظيم، فالتفت ﵀ إلى السلطان وناداه: يا أيوب! ما حجتك عند اللَّه إذا قال لك: ألم أُبوِّئ لك ملك مصر ثم تبيح الخمور؟! فقال: هل جرى هذا؟ فقال العز: نعم الخانة الفلانية يباع فيها الخمور، وغيرها من المنكرات، وأنت تتقلب في نعمة هذه المملكة، يناديه كذلك بأعلى صوته والعساكر واقفون.
_________
(١) انظر: طبقات الشافعية، ٥/ ٨٣.
(٢) هو الملك الصالح أيوب، ابن السلطان الملك الكامل محمد بن العادل، ولد سنة ٦٠٣ بالقاهرة، وتوفي في ليلة النصف من شعبان سنة ٦٤٧هـ، انظر: سير أعلام النبلاء، ٢٣/ ١٨٧ - ١٩٢.
1 / 12
فقال السلطان أيوب: يا سيدي! أنا ما عملته هذا من زمان أبي. فقال العزُّ: أنت من الذين يقولون: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ﴾ (١)، فرسم السلطان بإبطال تلك الخانة ومنع بيع الخمور. ورجع العزُّ منتصرًا، مسرورًا؛ لتغيير هذا المنكر، وقال له بعض تلاميذه (الباجي): يا سيدي كيف الحال؟ فقال العز بن عبد السلام: يا بني رأيته في تلك العظمة، فأردت أن أهينه؛ لئلا تكبر عليه نفسه فتؤذيه. فقال له: يا سيدي؟ أما خفته؟ فقال: واللَّه يا بني لقد استحضرت هيبة اللَّه – تعالى – فصار السلطان قدَّامي كالقط (٢)!
اللَّه أكبر، ما أحكم هذا الموقف! الذي بسببه أُزيلت أم المنكرات، وأم الخبائث، مع ما أُزيل معها من المنكرات الأخرى، وانتشار الخير بين الناس.
فرحم اللَّه العز بن عبد السلام، وجزاه اللَّه خيرًا، ورفع درجته.
_________
(١) سورة الزخرف، الآية: ٢٢.
(٢) طبقات الشافعية، ٥/ ٨١ – ٨٢.
1 / 13
المبحث الثالث: من مواقف شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ -
منذ نهاية القرن الرابع الهجري بدأت عوامل الضعف والانحلال تدب في كيان الأمة الإسلامية، وتوالت عليهم المحن والنكبات، فتعرضوا لموجات التتار من الشرق، والحروب الصليبية من الغرب، وبقيت بلاد الشام حوالي قرنين من الزمان تحت حكم الأوربيين، فاحتل الصليبيون دمشق وما جاورها سنة ٤٩١هـ، وبيت المقدس سنة ٤٩٢هـ، وظلت الحرب مستمرة بين المسلمين والإفرنج مدة طويلة، ثم احتل الإفرنج مدينة دمياط بمصر، وخرج التتار من أطراف الصين، فاحتلوا بلاد تركستان، ثم منها إلى بلاد ما وراء النهر، مثل سمرقند، وبخارى، وغيرهما، ثم عبرت طائفة منهم إلى خراسان، وإلى حد العراق، ثم تمكن التتار عام ٦٥٧هـأو ٦٥٦هـمن احتلال بغداد، وبذلك سقطت هيبة الخلافة الإسلامية، وانتهت الخلافة العباسية، وبعد ذلك احتل التتار بلاد الشام، ثم جاء بعد ذلك دور المماليك في القيادة الإسلامية (١).
ومن هذا يعلم أن شيخ الإسلام (٢) ظهر في عصر قد اضطربت
_________
(١) انظر: البداية والنهاية، ١٠/ ٣١٧، و١١/ ٩٨، ١٢/ ١٥٥، ١٢/ ١٥٦ - ٣٣٢، ١٣/ ١ - ٢٢٧، ١٤/ ٢ - ١٧٣، والتاريخ الإسلامي، لمحمود شاكر، ٦/ ٥ - ٣٤٥، ٧/ ١١ - ٣٢١، وشيخ الإسلام أحمد تقي الدين: جهاده ودعوته، للشيخ أحمد القطان ومحمد الزين، ص٨.
(٢) هو شيخ الإسلام وحافظ الدنيا المجتهد في الأحكام تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن الخضر بن محمد بن تيمية الحراني الحنبلي، ولد بحران يوم الاثنين ١٠/ ٣/٦٦١هـ، وتوفي ﵁ ليلة الاثنين ٢٠ من ذي القعدة ٧٢٨هـ، انظر: الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية، ص١٤، والبداية والنهاية، ١٤/ ١٣٥.
1 / 14
فيه السياسة والحكم، وظهرت فيه انحرافات في العادات والتقاليد والسلوك والحياة، واشتدت فيه غربة الإسلام، وتفرقت كلمة المسلمين، وظهرت الفرق المخالفة لما كان عليه السلف الصالح في العقائد والفروع، وخيَّم الجمود الفكري والتقليد الأعمى، فأثر في الجو العلمي، وظهرت فرق الشيعة، والصوفية المنحرفة، والقبورية، ونفاة الصفات: كالجهمية، والمعتزلة، والقدرية، وطغى علم الكلام والفلسفة حتى حلاَّ محل الكتاب والسنة لدى الأكثرية من المتعلمين في الاستدلال، هذا كله في داخل المجتمع الإسلامي في ذلك العصر، مع تكالب أعدائه من الخارج، فحصل من البلاء ما اللَّه به عليم (١).
في هذا الجو المعتم عاش شيخ الإسلام، فكيف يعمل حتى يصلح هذه المفاسد ويظهر النور في هذه الظلمات؟ ما هو الموقف الحكيم الذي سلكه حتى أنار اللَّه به الطريق لهذا المجتمع وألزمهم بالكتاب والسنة والإجماع وعقيدة السلف الصالح الصافية النقية؟
وبالنظر في ذلك نجد أن الشيخ ‘ وقف مواقف حكيمة لإظهار علم الكتاب والسنة، وقمع أهل البدع والأهواء.
_________
(١) انظر: من مشاهير المجددين في الإسلام للدكتور صالح بن فوزان، ص٥٢.
1 / 15
ومن مواقفه في رفع وإزالة هذا البلاء الواقع ما يلي:
١ - عنايته بالعلم قبل العمل:
عندما علم شيخ الإسلام أنه لا يزيل هذه الظلمات إلا نور علم الكتاب والسنة، بدأ بطلب العلم النافع، فتعلم وتفقه، وهذا مما يدل على حكمته؛ لأنه لا حكيم إلا بالعلم النافع، وفاقد الشيء لا يُعطيه.
٢ - بث النور ونشر العلم ونفع الأمة:
بعد أن تسلح بسلاح علم الكتاب والسنة بدأ يبث النور بنشر العلم في هذا المجتمع المعتم، ويؤسس أركانًا من تلاميذه حتى يستفيد الناس، وكان يحضر المحافل ويناظر ويفحم الكبار، ويأتي بما يُحار منه أعيان البلد في العلم والمواقف الحكيمة في دعوته إلى اللَّه.
٣ - مواقفه الحكيمة مع قازان وقوات التتار:
لم يقتصر الشيخ تقي الدين على طلب العلم النافع وتعليمه الناس، وترسيخ العقيدة في أذهانهم، وحثهم على الجهاد في سبيل اللَّه تعالى، بل قد قام بتطبيق ما يدعو إليه، ويرغب في ثوابه من الجهاد في سبيل اللَّه - تعالى - فقد هجم التتار على دمشق، وكانت حينئذ ولاية تابعة لسلطان المماليك في مصر، فجهز السلطان جيشًا ليرد التتار عن بلاد الشام، فكانت الوقعة بين الجيش وقوات (قازان) في ٢٧ ربيع الأول ٦٩٩هـ، ولكن كانت الغلبة لجيش التتار، وعادت
1 / 16
عساكر السلطان إلى مصر، ودخل التتار إلى دمشق، وعاثوا في الأرض فسادًا، وحينئذ اجتمع الشيخ تقي الدين بأعيان البلد، واتفقوا على السير إلى قازان في يوم الاثنين الثالث من ربيع الثاني سنة ٦٩٩هـ) (١) والتحدث إليه، فلما وصلوا إلى قازان قائد التتار في بلدة النبك، المجاورة لدمشق، قابله الشيخ، وطلب منه الأمان لأهل دمشق، ورد الأسرى من المسلمين وأهل الذمة، ثم تكلم معه كلام الأبطال الشجعان، فأنزل اللَّه الرعب في قلب السلطان، وسأل: من هذا الشيخ؟ فإني لم أر مثله، ولا أثبت قلبًا منه، ولا أوقع منه حديثًا في قلبي، ولا رأيتني أعظم انقيادًا لأحد منه، فأُخبر بما له وما هو عليه من العلم والعمل، ثم قال له الشيخ بواسطة الترجمان: «إنك تزعم أنك مسلم، ومعك قاض، وإمام وشيخ، ومؤذنون، فغزوتنا، وأبوك وجدك كانا كافرين، وما عملا الذي عملت عاهدا فوفّيا، وأنت عاهدت فغدرت، وقلت فما وفيّت، وجُرْتَ».
ثم قدم لهم قازان طعامًا فأكلوا، ولم يأكل ابن تيمية، فسُئل عن ذلك؟ فقال: كيف آكل من طعامكم، وكله مما نهبتم من أغنام الناس، وطبختموه بما قطعتم من أشجار الناس، فطلب منه قازان الدعاء، فقال في دعائه: «اللَّهم إن كان عبدك هذا إنما يقاتل لتكون كلمتك هي العليا؛ وليكون الدين كله لك، فانصره وأيده، وملّكه
_________
(١) انظر: البداية والنهاية ١٤/ ٧، ١٠، ١٤.
1 / 17
البلاد والعباد، وإن كان إنما قام رياءً وسمعةً وطلبًا للدنيا ولتكون كلمته هي العليا، وليذل الإسلام وأهله، فاخذله وزلزله ودمّره واقطع دابره»، وقازان يرفع يديه ويؤمن على دعائه.
وقد خاف الناس على الشيخ القتل في هذا الموقف، ولكن اللَّه أنزل الرعب في قلوب أعدائه (١).
وقد أجابه قازان إلى حقن دماء المسلمين، وبلغه ما أراد، ورد عليه الأسرى من المسلمين، فلم يقبل الشيخ حتى رد جميع الأسرى من المسلمين ومن أهل الذمة من اليهود والنصارى، ثم رجع الشيخ مكرمًا معززًا، قد وفقه اللَّه ونصره لحسن قصده وإخلاصه في نيته، فنفع اللَّه به المسلمين وأعزهم ونصرهم (٢).
ولم يكن هذا الموقف هو الوحيد، بل له مواقف حكيمة ظهرت فيها شجاعته، منها حثه السلطان على الجهاد، وذلك أنه ركب إلى مصر يطلب من السلطان أن يُرسل جيوشًا، أو يتخلى عن الشام ويولّي عليه ابن تيمية غيره، فأجابه السلطان وأرسل الجيوش، وذلك سنة ٧٠٠هـثم رجع الشيخ من مصر إلى الشام، ووصل في ٢٧ من جمادى الأولى سنة ٧٠٠هـ، وحث جميع الناس على الجهاد في سبيل اللَّه، فوصلت الجيوش، ورجع جيش التتار، وعبر الفرات (٣)،
_________
(١) البداية والنهاية، ١٤/ ٨٩، وانظر: حياة شيخ الإسلام ابن تيمية، لمحمد البيطار، ص٢٣ - ٢٥.
(٢) انظر: الأعلام العلية في مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية لعمر بن علي البزار، ص٧١ - ٧٤.
(٣) البداية والنهاية ١٤/ ١٥، ١٦.
1 / 18
وكفى اللَّه المؤمنين القتال.
ولم يقتصر ابن تيمية على ما سبق، بل له مواقف أخرى تدل على بطولته وحكمته، فقد جاء التتار بجموعهم مرة أخرى بعد أن عبروا الفرات، فجاءوا سنة ٧٠٢هـوهجموا على الديار الشامية، فقام ابن تيمية وحث سلطان مصر على الجهاد ورغب فيه، وحث الناس أيضًا ورغبهم في الجهاد في سبيل اللَّه، ووعدهم بالنصر من اللَّه – ﷿ – وكان يحلف باللَّه العظيم: إنكم في هذه الكرة منصورون. فيقول له الأمراء ومن معهم: قل – إن شاء اللَّه – فيقول: - إن شاء اللَّه – تحقيقًا لا تعليقًا. وكان يتأول قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ﴾ (١)، وقد كان اللَّه عند حسن ظنه به؛ فإنه كان يحلف لهذه الآية، وثقة باللَّه – تعالى – وأنه لا يخلف وعده، ثم التقى المسلمون بالتتار في يوم السبت الثاني من رمضان سنة ٧٠٢هـفي وقعة» شقحب «، فامتد القتال من عصر يوم السبت إلى الساعة الثانية من يوم الأحد، واشترك ابن تيمية في المعركة بلسانه ويديه وسيفه، وبكل ما يملك من قوة وبلاغة في تثبيت الأمراء والجنود وجميع الجيش، وقد كان السلطان يقول لابن تيمية في هذه المعركة: يا خالد بن الوليد! فيقول ابن تيمية: قل يا ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ
_________
(١) سورة الحج، الآية: ٦٠.
1 / 19
نَسْتَعِينُ﴾ (١)، واشتدت المعركة، وحلف ابن تيمية للناس باللَّه الذي لا إله إلا هو إنكم لمنصورون، وأمر الناس بالإفطار، وأفطر هو أمامهم، ثم أنزل اللَّه النصر على المسلمين، ثم هرب التتار، واقتحموا الجبال والتلول والآكام، وصاروا يتساقطون في الأودية، وهربوا ليلًا، وغرق منهم خلق كثير في الفرات بسبب الظلام، وعاد الشيخ ومن معه إلى دمشق في اليوم الخامس من رمضان سنة ٧٠٢هـ، وقد نصرهم اللَّه تعالى (٢).
وله مواقف بطولية فذة حكيمة مع السلاطين، تدل على صدقه وإخلاصه وشجاعته في الحق (٣).
وقد ظهرت حكمة ابن تيمية ﵁ في أثناء لقائه مع التتار وقائدهم في النقاط الآتية:
١ - طلبه الأمان لأهل دمشق على دمائهم وأعراضهم وأموالهم، فأجابه قازان إلى ذلك.
_________
(١) سورة الفاتحة، الآيتان: ٤ - ٥.
(٢) انظر: البداية والنهاية، ١٤/ ٢٢ - ٢٦، وأوراق مجموعة من حياة ابن تيمية، ص٣٣.
(٣) انظر موقفه مع الملك الناصر لدين الله في حياة ابن تيمية لمحمد بهجة البيطار، ص٢٥، والأعلام العلية في مناقب ابن تيمية، ص٧٤.
وللشيخ مواقف أخرى في جهاده مع الباطنية سنة ٧٠٥هـفي ثاني محرم، فقد خرج إليهم مع نائب السلطان، فهزمهم الله، وقتلوا منهم خلقًا كثيرًا.
انظر: ابن تيمية: جهاده ودعوته، للقطان، ص٥٠.
1 / 20
٢ - إصراره على رد جميع الأسرى من المسلمين وأهل الذمة.
٣ - جرأته وشجاعته في الكلام مع قازان حتى أنزل اللَّه الرعب في قلبه.
٤ - تذكيره لقازان بنقضه للعهد، ولا سيما وهو يدعي الإسلام.
٥ - عدم أكله من الطعام الذي قدمه قازان؛ لأنه من أغنام الناس المنتهبة، وقد أوقد عليه بما قطع من أشجارهم.
٦ - دعاؤه الذي دل على حكمته وعدله ونصرته لدين اللَّه تعالى.
٧ - حثه سلطان المسلمين على الجهاد في سبيل اللَّه - تعالى - أو يتخلى عن الشام، ويولي غيره ممن يحمي حوزة الدين، ويذب عن أعراض المسلمين وأموالهم.
٨ - حثه الناس على الجهاد وإقسامه بأن اللَّه سينزل النصر على المسلمين، وهذا يدل على ثقته باللَّه - تعالى - وبوعده، وأنه لا يخلف الميعاد، ولهذا ازداد المسلمون شجاعة وإقدامًا، فأنزل اللَّه النصر، وهزم أعداء المسلمين.
٩ - مشاركته الفعلية في الدفاع عن المسلمين بلسانه ويده وسيفه.
١٠ - قوله لسلطان المسلمين حينما قال له عند اشتداد المعركة:» يا خالد بن الوليد «، فقال ابن تيمية: قل: يا ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾.
فرحم اللَّه ابن تيمية وغفر له.
1 / 21