The Scientific Foundations of the Salafi Da'wah
الأصول العلمية للدعوة السلفية
ناشر
الدار السلفية
شماره نسخه
الثانية
سال انتشار
١٣٩٨ هـ
محل انتشار
الكويت
ژانرها
بسم الله الرحمن الرحيم
الأصول العلمية للدعوة السلفية
الباب الأول بين يدي الكتاب
مقدمة الطبعة الثانية
الحمد لله حمدًا يليق بذاته، ويكافئ مزيد إحسانه، ويتجدد بتجدد نعمه وأفضاله. والصلاة والسلام على نبيه ورسوله الداعي إلى الصراط المستقيم، والهادي إلى دينه القويم. وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله.
وبعد:
فمنذ سبع سنوات تقريبًا صدرت أول طبعة لهذه الرسالة المباركة، التي تلقفتها أيدي إخواننا السلفيين في كل مكان، حيث استنسخها بعضهم بقلمه، وتداول آخرون النسخة الواحدة واحدًا بعد واحد، وصورها آخرون ووزعوها ونشروها، وكل ذلك من فضل الله وإحسانه.
ولقد كانت -على صغر حجمها- وافية بحمد الله في موضوعها، واضعة معالم الطريق السلفي، مرشدة لأهداف الرسالة الإسلامية، موضحة غايات الدعوة السلفية، واضعة أصول المنهج السلفي الذي هو المنهج القويم لفهم الإسلام والعمل به، والذي هو بحمد الله طريق الخلاص للأمة وسبيل عزتها ونصرها.
ولقد شاهدنا بركات ذلك ودلائله بحمد الله؛ فالنماذج السلفية الفريدة التي تربت على هذا المنهج قد أثبتت بأخلاقها وصفاتها وعلمها وعملها أنها على طريق السلف الصالح حقًا، وعلى مثال قرون الخير الأولى صدقًا، وأن هذا الدين لا تنتهي عجائبه ولا تنفد ذخائره، وأنه لا تزال طائفة من هذه الأمة على الحق ظاهرين حتى يقاتل آخرهم الدجال.
رأينا بحمد الله الأخوة السلفيين الذين درسوا على هذا المنهج فهموا الإسلام فهمًا سليمًا صحيحًا، وطبقوه في أنفسهم وذويهم، وقاموا بواجب الدعوة إلى الله على علم وبصيرة، وتصدوا لكل انحراف في العقيدة والشريعة والسلوك، وقاوموا أهل الباطل، وجاهدوا بكل أنواع الجهاد المتاحة لهم، وأعادوا للإسلام إشراقته وبهجته وحياته وحركته وشبابه ونضرته. ولا يزال ركب الخير والحمد لله كل يوم في زيادة. شبهات وردود: ولم تسلم الدعوة السلفية المعاصرة من أهل الهون الذين ما فتئوا يلقون شبهاتهم حول الدعوة، ونحمد الله ﷾ أن هذه الشبهات تسقط دائمًا تحت الأقدام، وتتعرى دائما مع الأيام، ويستطيع كل طالب مبتدئ فهم الإسلام على منهج السلف الصالح أن يرد على هذه الشبهات. ومن هذه الشبهات على سبيل المثال: قولهم: لماذا تتسمون بالسلفية وهو لم يرد في كتاب ولا سنة؟ ". والرد على ذلك أن نقول: إن إطلاق الأسماء على أي حقيقة لا ضرر منه مطلقًا، سواء في الشرعيات أو المباحات، والتسمية لأي أمر شرعي -إذا لم يشتمل على باطل- فليس فيه ضرر، بل قد يكون هذا من الواجبات: كما أطلق المسلمون على علم الإسناد: (مصطلح الحديث)، ولم يكن على عهد الرسول مثل هذا العلم، وليس هذا بدعة؛ لأن التثبت في الأخبار والنقل عن الرسول مطلوب. وكذلك سمي بعض المسلمين بـ (المهاجرين) من أجل الهجرة، وبعضهم بـ (الأنصار) من أجل النصرة، وبعضهم بـ (التابعين) من أجل اتباعهم للسلف من المهاجرين والأنصار المشهود لهم بالخير. فما هو الضير من أن نتسمى بـ (السلفيين)؛ أي: الذين يتبعون منهج السلف الصالح في فهم الدين، والسلف الصالح الذين نتبعهم هم الصحابة وتابعوهم بإحسان، وهم خير القرون.
وهذه التسمية ضرورية؛ لتميز هذه الطائفة المهتدية عن سائر طوائف الضلال الذين تركوا منهج الصحابة في فهم الدين، واتبعوا طريق الخوارج الغالين المتشددين، أو المؤولين المتنطعين، أو المقلدين الجامدين.. الخ. ومع هذا؛ فنحن لا نتعصب لهذا الاسم، بل نحب كل مسلم يشهد الشهادتين ويعمل حسب استطاعته بمقتضاهما، ونوالي كل مسلم يحب الله ورسوله، ولا ننصر السلفي إن كان مبطلًا، ولو كان عدوه كافرًا؛ فنحن لا نوالي السلفي في الظلم، بل نوالي كل مسلم حسب دينه واعتقاده وإيمانه. ونحن في النهاية حملة دعوة تسمى (الدعوة السلفية) . وهذه الدعوة منهج كامل لفهم الإسلام والعمل به والدعوة إليه ... وقد تضافر العلماء السلفيون على شرح هذه الدعوة وبيانها عبر القرون وإلى يومنا هذا، ونحن على منهج هؤلاء العلماء العاملين: فمن يستطيع أن يستغني عن أصول الفقه التي كتبها الإمام الشافعي في كتابه "الرسالة"؟! ومن يستطيع أن يستغني عن مناقشات ابن عباس وعلي بن أبي طالب ﵄ للخوارج ورده عليهم في استحلال أعراض المسلمين وأموالهم بالمعصية؟! ومن يستطيع أن يستغني عن فقه مالك وردود الإمام أحمد على شبهات الزنادقة وكتابات الإمام ابن تيمية في المصالح الشرعية وردوده على الفرق الضالة؟! كل هذا وغيره مما يشكل قواعد المنهج السلفي لا غنى عنها بتاتًا لطالب العلم المعاصر، هذا بالإضافة -أولًا وقبل كل شيء- إلى نصوص الكتاب والسنة. وهذه هي السلفية، تعني في جملتها الاتباع المستبصر لنصوص القرآن والسنة، واحترام العلماء الذين قاموا بفهم هذا الدين وتبليغه، واقتفاء آثارهم في ذلك. وعلى كل حال؛ الذين ينكرون على السلفيين اسمهم لم يسلموا هم أيضا من أن يطلقوا على أنفسهم اسمًا ما يتميزون به.. وهكذا يتهمون غيرهم بما هو فيهم، وهذا هو اتباع الهوى.
والفرق بيننا وبين غيرنا أننا لا نتعصب لهذا الاسم، ولا نهادي عليه، ولا نجعله شعارًا بديلًا عن الإسلام، بل نحن مسلمون أولًا وأخيرا إن شاء الله، بهذا سمًانا الله، وقد رضينا بالإسلام دينًا.. و(السلفية) لا تعني عندنا أكثر من الإسلام الصحيح الموافق للكتاب والسنة والمتبع للسلف الصالح رضوان الله عليهم. الشبهة الثانية: قول بعضهم: "أنتم مقلدون". وهذا افتراء؛ فلسنا مقلدين، وإنما السلفي الحقيقي متبع للحق والدليل، معظم لعلماء الأمة، مقدر لجهودهم، وغير متطاول على فقههم وعلمهم. ومتبع للحق أنَى وجده؛ غير طعّان ولا لعّان ولا فاحش ولا بذئ. والسلفي الحقيقي أيضًا يستحيل أن يكون غلامًا لم يبلغ الحلم بعد وقد درس قليلًا من القرآن والسنة، ثم يضع نفسه موضع علماء الأمة المشهود لهم بالخير والفضل، فيقول مثلا: أنا مثل مالك أو الشافعي! أو أفهم كما يفهم أحمد بن حنبل وأبو حنيفة!! بل يضع نفسه موضعها، ويعرف حق سلف الأمة وعلمائها، ويجلهم، ويحترمهم، ويقدسهم؛ بقدر تقديسهم للحق واتباعهم له، وإذا رأى شيئا من أقوالهم مخالفًا للدليل؛ اتهم نفسه أولًا بعدم فهم الدليل، وعذرهم ثانيًا في اجتهادهم، لربما لم يصل إليهم الدليل، وربما فهموا من دلالته غير ما فهمنا نحن؛ كما نصً على ذلك الإمام ابن تيمية ﵀ في كتاب "رفع الملام عن الأئمة الأعلام". وقد رأيت بعيني غلمانا لم يتجاوزوا السابعة عشرة من عمرهم، لم يحصلوا من العلم إلا قليلًا، إذا ذكر له اجتهاد إمام؛ يقول: "نحن رجال وهم رجال". عجبًا! متى كنت رجلًا في العلم حتى تضع نفسك على قدم المساواة مع أولئك؟! وكان الأولى أن تقول: هذا ما فهمته، أو: هذا حد علمي، ولم يتعبدني الله إلا بما استطعت فهمه وإدراكه. باختصار: السلفيون ليسوا مقلدين، وإنما هم متبعون.
ثم هم أيضا ليسوا من أهل الوقاحة والتطاول على مقام العلماء بالتجريح والطعن والتشنيع، وإنما مقالتهم دائمًا: ﴿رَبنَا اغفرْ لَنَا وَلإخوَننَا الذينَ سَبَقونَا باَلإيمَن وَلاَ تَجعَل في قلوبنَا غلا للذينَ ءامَنوا رَبَنَا إنَكَ رَءوف رَحيم﴾ (الحشر: ١٠) . وكذلك السلفيون يردون ما اختلف فيه من علم إلى كلام الله وكلام رسوله، ويسترشدون في فهم كلام الله وكلام رسوله بكلام أئمتهم وسلفهم الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين. وليس عيبا أن نسترشد بأقوال هؤلاء لنفهم مراد الله ومراد رسوله؛ لأننا لم نشاهد التنزيل أولًا، والصحابة أعلم منا بكلام الله وكلام رسوله، وكذلك العلماء المشهود لهم بالخير أفقه منا وأعلم، وذلك بإخلاصهم وتفرغهم الطويل للعلم والعمل. وأما أن يكون الأطفال والغلمان الذين لم يحسنوا بعد النطق بالقرآن وفهم الجار والمجرور والفعل والفاعل على قدم المساواة مع أئمة الدين وسادة المسلمين؛ فهذا هو الضلال المبين. ولقد رأيت بنفسي كيف يتلاعب بكلام الله وكلام رسوله من بعض الغلمان؛ ممن جعلوا أنفسهم علماء بالقرآن والسنة، وأخذوا يفتون في الحلال والحرام والدعوة والسياسة والعبادات وسائر المعاملات بمخاريق وألاعيب تجعل دين الإسلام الحكيم أشبه بدين المجانين والحمقى والمغفلين! فأي حماقة أكبر من أن يتصدى لتبليغ الذين واستنباط الأحكام من القرآن والسنة من لا يفهم العربية ولا يدرك من أصول الفقه وقواعده شيئا؟! وباختصار؛ السلفي ليس مقلدًا، وهو أيضًا ليس متبجحًا وقحًا، يزعم أنه يستطيع الاستغناء عن فهم الصحابة والتابعين وعلماء الأمة وسادتها الذين حملوا هذا الدين بحق وبلغوه بإخلاص عبر عصور الإسلام إلى يومنا هذا.
ولكن السلفي الحقيقي متبع مسترشد مبصر، باحث عن الحق أبدًا، وعن الدليل مطلقًا، معظم لعلماء الأمة وساداتها، غير مفتش عن العيوب والهفوات التي لم ينج منها أحد بعد الرسول ﷺ، ملتزم بجماعة المسلمين، عامل على وحدتهم، غير داع إلى فرقة وخصام لجاجة. هذا هو السلفي الحقيقي، ونسأل الله أن يجعلنا كذلك. هذه إضافة لا بد منها في مقدمة هذه الرسالة المباركة إن شاء الله، وقد يسر الله لي أن انظر في الرسالة مرة ثانية، وأنقح بعض عباراتها، وأزيد في آخرها إضافة جديدة عن أهم مميزات الدعوة السلفية وبركاتها. والله سبحانه أسأل أن يكتب هذا عنده في ميزان حسناتنا، وأن يجمع هذه الأمة على كلمة سواء، وأن يأخذ بأيدينا لعزة الإسلام ونصره، والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون. عبد الرحمن عبد الخالق الكويت الجمعة ٢٦ محرم ١٤٠٣هـ ١٢ نوفمبر ١٩٨٢م
رأينا بحمد الله الأخوة السلفيين الذين درسوا على هذا المنهج فهموا الإسلام فهمًا سليمًا صحيحًا، وطبقوه في أنفسهم وذويهم، وقاموا بواجب الدعوة إلى الله على علم وبصيرة، وتصدوا لكل انحراف في العقيدة والشريعة والسلوك، وقاوموا أهل الباطل، وجاهدوا بكل أنواع الجهاد المتاحة لهم، وأعادوا للإسلام إشراقته وبهجته وحياته وحركته وشبابه ونضرته. ولا يزال ركب الخير والحمد لله كل يوم في زيادة. شبهات وردود: ولم تسلم الدعوة السلفية المعاصرة من أهل الهون الذين ما فتئوا يلقون شبهاتهم حول الدعوة، ونحمد الله ﷾ أن هذه الشبهات تسقط دائمًا تحت الأقدام، وتتعرى دائما مع الأيام، ويستطيع كل طالب مبتدئ فهم الإسلام على منهج السلف الصالح أن يرد على هذه الشبهات. ومن هذه الشبهات على سبيل المثال: قولهم: لماذا تتسمون بالسلفية وهو لم يرد في كتاب ولا سنة؟ ". والرد على ذلك أن نقول: إن إطلاق الأسماء على أي حقيقة لا ضرر منه مطلقًا، سواء في الشرعيات أو المباحات، والتسمية لأي أمر شرعي -إذا لم يشتمل على باطل- فليس فيه ضرر، بل قد يكون هذا من الواجبات: كما أطلق المسلمون على علم الإسناد: (مصطلح الحديث)، ولم يكن على عهد الرسول مثل هذا العلم، وليس هذا بدعة؛ لأن التثبت في الأخبار والنقل عن الرسول مطلوب. وكذلك سمي بعض المسلمين بـ (المهاجرين) من أجل الهجرة، وبعضهم بـ (الأنصار) من أجل النصرة، وبعضهم بـ (التابعين) من أجل اتباعهم للسلف من المهاجرين والأنصار المشهود لهم بالخير. فما هو الضير من أن نتسمى بـ (السلفيين)؛ أي: الذين يتبعون منهج السلف الصالح في فهم الدين، والسلف الصالح الذين نتبعهم هم الصحابة وتابعوهم بإحسان، وهم خير القرون.
وهذه التسمية ضرورية؛ لتميز هذه الطائفة المهتدية عن سائر طوائف الضلال الذين تركوا منهج الصحابة في فهم الدين، واتبعوا طريق الخوارج الغالين المتشددين، أو المؤولين المتنطعين، أو المقلدين الجامدين.. الخ. ومع هذا؛ فنحن لا نتعصب لهذا الاسم، بل نحب كل مسلم يشهد الشهادتين ويعمل حسب استطاعته بمقتضاهما، ونوالي كل مسلم يحب الله ورسوله، ولا ننصر السلفي إن كان مبطلًا، ولو كان عدوه كافرًا؛ فنحن لا نوالي السلفي في الظلم، بل نوالي كل مسلم حسب دينه واعتقاده وإيمانه. ونحن في النهاية حملة دعوة تسمى (الدعوة السلفية) . وهذه الدعوة منهج كامل لفهم الإسلام والعمل به والدعوة إليه ... وقد تضافر العلماء السلفيون على شرح هذه الدعوة وبيانها عبر القرون وإلى يومنا هذا، ونحن على منهج هؤلاء العلماء العاملين: فمن يستطيع أن يستغني عن أصول الفقه التي كتبها الإمام الشافعي في كتابه "الرسالة"؟! ومن يستطيع أن يستغني عن مناقشات ابن عباس وعلي بن أبي طالب ﵄ للخوارج ورده عليهم في استحلال أعراض المسلمين وأموالهم بالمعصية؟! ومن يستطيع أن يستغني عن فقه مالك وردود الإمام أحمد على شبهات الزنادقة وكتابات الإمام ابن تيمية في المصالح الشرعية وردوده على الفرق الضالة؟! كل هذا وغيره مما يشكل قواعد المنهج السلفي لا غنى عنها بتاتًا لطالب العلم المعاصر، هذا بالإضافة -أولًا وقبل كل شيء- إلى نصوص الكتاب والسنة. وهذه هي السلفية، تعني في جملتها الاتباع المستبصر لنصوص القرآن والسنة، واحترام العلماء الذين قاموا بفهم هذا الدين وتبليغه، واقتفاء آثارهم في ذلك. وعلى كل حال؛ الذين ينكرون على السلفيين اسمهم لم يسلموا هم أيضا من أن يطلقوا على أنفسهم اسمًا ما يتميزون به.. وهكذا يتهمون غيرهم بما هو فيهم، وهذا هو اتباع الهوى.
والفرق بيننا وبين غيرنا أننا لا نتعصب لهذا الاسم، ولا نهادي عليه، ولا نجعله شعارًا بديلًا عن الإسلام، بل نحن مسلمون أولًا وأخيرا إن شاء الله، بهذا سمًانا الله، وقد رضينا بالإسلام دينًا.. و(السلفية) لا تعني عندنا أكثر من الإسلام الصحيح الموافق للكتاب والسنة والمتبع للسلف الصالح رضوان الله عليهم. الشبهة الثانية: قول بعضهم: "أنتم مقلدون". وهذا افتراء؛ فلسنا مقلدين، وإنما السلفي الحقيقي متبع للحق والدليل، معظم لعلماء الأمة، مقدر لجهودهم، وغير متطاول على فقههم وعلمهم. ومتبع للحق أنَى وجده؛ غير طعّان ولا لعّان ولا فاحش ولا بذئ. والسلفي الحقيقي أيضًا يستحيل أن يكون غلامًا لم يبلغ الحلم بعد وقد درس قليلًا من القرآن والسنة، ثم يضع نفسه موضع علماء الأمة المشهود لهم بالخير والفضل، فيقول مثلا: أنا مثل مالك أو الشافعي! أو أفهم كما يفهم أحمد بن حنبل وأبو حنيفة!! بل يضع نفسه موضعها، ويعرف حق سلف الأمة وعلمائها، ويجلهم، ويحترمهم، ويقدسهم؛ بقدر تقديسهم للحق واتباعهم له، وإذا رأى شيئا من أقوالهم مخالفًا للدليل؛ اتهم نفسه أولًا بعدم فهم الدليل، وعذرهم ثانيًا في اجتهادهم، لربما لم يصل إليهم الدليل، وربما فهموا من دلالته غير ما فهمنا نحن؛ كما نصً على ذلك الإمام ابن تيمية ﵀ في كتاب "رفع الملام عن الأئمة الأعلام". وقد رأيت بعيني غلمانا لم يتجاوزوا السابعة عشرة من عمرهم، لم يحصلوا من العلم إلا قليلًا، إذا ذكر له اجتهاد إمام؛ يقول: "نحن رجال وهم رجال". عجبًا! متى كنت رجلًا في العلم حتى تضع نفسك على قدم المساواة مع أولئك؟! وكان الأولى أن تقول: هذا ما فهمته، أو: هذا حد علمي، ولم يتعبدني الله إلا بما استطعت فهمه وإدراكه. باختصار: السلفيون ليسوا مقلدين، وإنما هم متبعون.
ثم هم أيضا ليسوا من أهل الوقاحة والتطاول على مقام العلماء بالتجريح والطعن والتشنيع، وإنما مقالتهم دائمًا: ﴿رَبنَا اغفرْ لَنَا وَلإخوَننَا الذينَ سَبَقونَا باَلإيمَن وَلاَ تَجعَل في قلوبنَا غلا للذينَ ءامَنوا رَبَنَا إنَكَ رَءوف رَحيم﴾ (الحشر: ١٠) . وكذلك السلفيون يردون ما اختلف فيه من علم إلى كلام الله وكلام رسوله، ويسترشدون في فهم كلام الله وكلام رسوله بكلام أئمتهم وسلفهم الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين. وليس عيبا أن نسترشد بأقوال هؤلاء لنفهم مراد الله ومراد رسوله؛ لأننا لم نشاهد التنزيل أولًا، والصحابة أعلم منا بكلام الله وكلام رسوله، وكذلك العلماء المشهود لهم بالخير أفقه منا وأعلم، وذلك بإخلاصهم وتفرغهم الطويل للعلم والعمل. وأما أن يكون الأطفال والغلمان الذين لم يحسنوا بعد النطق بالقرآن وفهم الجار والمجرور والفعل والفاعل على قدم المساواة مع أئمة الدين وسادة المسلمين؛ فهذا هو الضلال المبين. ولقد رأيت بنفسي كيف يتلاعب بكلام الله وكلام رسوله من بعض الغلمان؛ ممن جعلوا أنفسهم علماء بالقرآن والسنة، وأخذوا يفتون في الحلال والحرام والدعوة والسياسة والعبادات وسائر المعاملات بمخاريق وألاعيب تجعل دين الإسلام الحكيم أشبه بدين المجانين والحمقى والمغفلين! فأي حماقة أكبر من أن يتصدى لتبليغ الذين واستنباط الأحكام من القرآن والسنة من لا يفهم العربية ولا يدرك من أصول الفقه وقواعده شيئا؟! وباختصار؛ السلفي ليس مقلدًا، وهو أيضًا ليس متبجحًا وقحًا، يزعم أنه يستطيع الاستغناء عن فهم الصحابة والتابعين وعلماء الأمة وسادتها الذين حملوا هذا الدين بحق وبلغوه بإخلاص عبر عصور الإسلام إلى يومنا هذا.
ولكن السلفي الحقيقي متبع مسترشد مبصر، باحث عن الحق أبدًا، وعن الدليل مطلقًا، معظم لعلماء الأمة وساداتها، غير مفتش عن العيوب والهفوات التي لم ينج منها أحد بعد الرسول ﷺ، ملتزم بجماعة المسلمين، عامل على وحدتهم، غير داع إلى فرقة وخصام لجاجة. هذا هو السلفي الحقيقي، ونسأل الله أن يجعلنا كذلك. هذه إضافة لا بد منها في مقدمة هذه الرسالة المباركة إن شاء الله، وقد يسر الله لي أن انظر في الرسالة مرة ثانية، وأنقح بعض عباراتها، وأزيد في آخرها إضافة جديدة عن أهم مميزات الدعوة السلفية وبركاتها. والله سبحانه أسأل أن يكتب هذا عنده في ميزان حسناتنا، وأن يجمع هذه الأمة على كلمة سواء، وأن يأخذ بأيدينا لعزة الإسلام ونصره، والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون. عبد الرحمن عبد الخالق الكويت الجمعة ٢٦ محرم ١٤٠٣هـ ١٢ نوفمبر ١٩٨٢م
صفحه نامشخص