The Salutation to the Prophet ﷺ: Its Virtues and How to Perform It
الصلاة على النبي ﷺ فضلها وكيفيتها
ناشر
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
شماره نسخه
السنة السابعة-العدد الأول
سال انتشار
رجب ١٣٩٤هـ/ أغسطس ١٩٧٤م
ژانرها
مدخل
...
الصلاة على النبي ﷺ، فضلها وكيفيتها
بقلم فضيلة الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد
نائب رئيس الجامعة الإسلامية
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم ارض عن الصحابة الكرام ومن تبعهم بإحسان، أما بعد:
فإن نعم الله تعالى على عباده كثيرة لا تحصى وأعظم نعمة أنعم الله بها على الثقلين الجن والإنس أن بعث فيهم عبده ورسوله وخليله وحبيبه وخيرته من خلقه محمدًا ﷺ ليخرجهم به من الظلمات إلى النور وينقلهم من ذل العبودية للمخلوق إلى عز العبودية للخالق ﷾ يرشدهم إلى سبيل النجاة والسعادة ويحذرهم من سبل الهلاك والشقاوة وقد نوه الله بهذه النعمة العظيمة والمنة الجسيمة في كتابه العزيز: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾
. وقال ﷾: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ
1 / 47
لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾
وقد قام عليه أفضل الصلاة والسلام بإبلاغ الرسالة وأداء الأمانة والنصح للأمة على التمام والكمال فبشر وأنذر ودل على كل خير وحذّر من كل شر وأنزل الله تعالى عليه وهو واقف بعرفة قبل وفاته ﷺ بمدة يسيرة قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا﴾ ..
وكان ﷺ حريصا على سعادة الأمة غاية الحرص كمال قال الله تعالى منوها بما حباه الله به من صفات جليلة: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾
وهذا الذي قام به ﷺ من إبلاغ الرسالة وأداء الأمانة والنصح للأمة هو حق الأمة عليه كما قال الله تعالى: ﴿وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ﴾ . وقال: ﴿فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ﴾ . وروى البخاري في صحيحه عن الزهري أنه قال: من الله الرسالة وعلى الرسول البلاغ وعلينا التسليم. انتهى.
وإن علامة سعادة المسلم أن يستسلم وينقاد لما جاء به رسول الله ﷺ كما قال الله تعالى: ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ وقال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا﴾، وقال تعالى: ﴿لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾، وعبادة الله تكون مقبولة عند الله ونافعة لديه إذا اشتملت على أمرين أساسين:أولهما: أن تكون العبادة لله خالصة لا شركة لغيره فيها كما أنه تعالى ليس له شريك في الملك فليس له شريك في العبادة كما قال تعالى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ وقال: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ .
الثاني: أن تكون العبادة عل وفق الشريعة التي جاء بها رسوله محمد ﷺ كما قال الله تعالى: ﴿وَمَا
1 / 48
آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾، وقال تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيم﴾ وقال ﷺ في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن عائشة ﵂: "من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد"، وفي رواية لمسلم "من عمل عمل ليس عليه أمرها فهو رد". وقال ﷺ: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة".
ولما كانت نعمة الله تعالى على المؤمنين بإرسال رسوله ﷺ إليهم عظيمة أمرهم الله تعالى في كتابه أن يصلوا عليه ويسلموا تسليما بعد أن أخبرهم أنه وملائكته يصلون عليه فقال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ . وبين النبي ﷺ في السنة المطهرة فضل الصلاة عليه ﷺ وكيفيتها وغير ذلك من الأحكام المتعلقة بها..
وسأتحدث عن فضل الصلاة على النبي ﷺ وبيان كيفيتها ثم أشير إلى نماذج من الكتب المؤلفة في هذه العبادة العظيمة وأسأل الله تعالى التوفيق والسداد.
معنى الصلاة عليه ﷺ وبيان كيفيتها صلاة الله على نبيه ﷺ فسرت بثنائه عليه عند الملائكة وصلاة الملائكة عليه فسرت بدعائهم له فسرها بذلك أبو العالية كما ذكره عنه البخاري في صحيحه في مطلع باب ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ وقال البخاري في تفسير صلاة الملائكة عليه بعد ذكر تفسير أبي العالية قال ابن عباس: يصلون يبركون أي يدعون له بالبركة. وفسرت صلاة الله عليه بالمغفرة وبالرحمة كما نقله الحافظ ابن حجر في الفتح عن جماعة وتعقب تفسيرها بذلك ثم قال: وأولى الأقوال ما تقدم عن أبي العالية أن معنى صلاة الله على نبيه ثناؤه عليه وتعظيمه وصلاة الملائكة وغيرهم عليه طلب ذلك له من الله
معنى الصلاة عليه ﷺ وبيان كيفيتها صلاة الله على نبيه ﷺ فسرت بثنائه عليه عند الملائكة وصلاة الملائكة عليه فسرت بدعائهم له فسرها بذلك أبو العالية كما ذكره عنه البخاري في صحيحه في مطلع باب ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ وقال البخاري في تفسير صلاة الملائكة عليه بعد ذكر تفسير أبي العالية قال ابن عباس: يصلون يبركون أي يدعون له بالبركة. وفسرت صلاة الله عليه بالمغفرة وبالرحمة كما نقله الحافظ ابن حجر في الفتح عن جماعة وتعقب تفسيرها بذلك ثم قال: وأولى الأقوال ما تقدم عن أبي العالية أن معنى صلاة الله على نبيه ثناؤه عليه وتعظيمه وصلاة الملائكة وغيرهم عليه طلب ذلك له من الله
1 / 49
تعالى والمراد طلب الزيادة لا طلب أصل الصلاة وقال الحافظ: وقال الحليمي في الشعب: معنى الصلاة على النبي ﷺ تعظيمه فمعنى قولنا اللهم صلى على محمد عظم محمدًا والمراد تعظيمه في الدنيا بإعلاء ذكره وإظهار دينه وإبقاء شريعته وفي الآخرة بإجزال مثوبته وتشفيعه في أمته وإبداء فضيلته بالمقام المحمود وعلى هذا فالمراد بقوله تعالى: ﴿صَلُّوا عَلَيْهِ﴾ ادعوا ربكم بالصلاة عليه. انتهى.
وقال العلامة ابن القيم في كتابه جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام في معرض الكلام على صلاة الله وملائكته على رسوله ﷺ: وأمر عباده المؤمنين بأن يصلوا عليه بعد أن رد أن يكون المعنى الرحمة والاستغفار قال: بل الصلاة المأمور بها فيها - يعني آية الأحزاب - هي الطلب من الله ما أخبر به عن صلاته وصلاة ملائكته وهي ثناء عليه وإظهار لفضله وشرفه وإرادة تكريمه وتقريبه فهي تتضمن الخبر والطلب وسمى هذا السؤال والدعاء منا نحن صلاةً عليه لوجهين أحدهما أنه يتضمن ثناء المصلى عليه والإشادة بذكر شرفه وفضله والإرادة والمحبة لذلك من الله فقد تضمنت الخبر والطلب والوجه الثاني أن ذلك سمى صلاة منا لسؤالنا من الله أن يصلي عليه فصلاة الله ثناؤه لرفع ذكره وتقريبه وصلاتنا نحن عليه سؤالنا الله تعالى أن يفعل ذلك به انتهى.
وأما معنى التسليم على النبي صلى الله لعيه وسلم فقد قال فيه المجد الفيروزآبادي في كتابه: الصلات والبشر في الصلاة على خير البشر. ومعناه: السلام الذي هو اسم من أسماء الله تالى عليك وتأويله: لا خلوت من الخيرات والبركات وسلمت من المكاره والآفات إذ كان اسم الله تعالى إنما يذكر على الأمور توقعا لاجتماع معاني الخير والبركة فيها وانتفاء عوارض الخلل والفساد عنها ويحتمل أن يكون السلام بمعنى السلامة أي ليكن قضاء الله تعالى عليك السلامة أي سلمت من الملام والنقائص فإذا قلت اللهم سلم على محمد فإنما تريد منه اللهم اكتب لمحمد في دعوته وأمته وذكره السلامة من كل نقص فتزداد
1 / 50
دعوته على ممر الأيام علوًا وأمته تكثرًا وذكره ارتفاعًا.
أما كيفية الصلاة على النبي ﷺ فقد بينها رسول الله ﷺ لأصحابه حين سألوه عن ذلك،وقد وردت هذه الكيفية من طرق كثيرة عن جماعة من الصحابة ﵃، أذكر منها هنا ما كان في الصحيحين أو في أحدهما، روى البخاري في كتاب الأنبياء من صحيحه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: لقيني كعب بن عجرة فقال: " ألا أهدي لك هدية سمعتها من النبي ﷺ فقلت بلى فأهدها إلي فقال: سألت رسول الله ﷺ فقلت: يا رسول الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت فإن الله علمنا كيف نسلم قال قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد". وأخرج أيضا حديث كعب بن عجرة في كتاب التفسير من صحيحه في تفسير سورة الأحزاب ولفظه: " قيل يا رسول الله أما السلام عليك فقد عرفناه فكيف الصلاة عليك قال قولوا اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد". وأخرجه أيضا في كتاب الدعوات من صحيحه وقد أخرج هذا الحديث مسلم عن كعب بن عجرة ﵁ من طرق متعددة عنه.
وأخرج البخاري في كتاب الدعوات من صحيحه عن أبي سعيد الخدري "قال قلنا يا رسول الله هذا السلام عليك فكيف نصلي قال قولوا اللهم صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم" وأخرجه عنه أيضا في تفسير سورة الأحزاب.
وأخرج البخاري في كتاب الأنبياء من صحيحه عن أبي حميد الساعدي ﵁ أنهم قالوا يا رسول الله كيف نصلي عليك فقال رسول الله ﷺ: " قولوا اللهم صل
1 / 51
على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد". وأخرج عنه أيضا في كتاب الدعوات بمثل هذا اللفظ، وأخرج هذا الحديث عن أبي حميد ﵁ مسلم في صحيحه.
وأخرج مسلم في صحيحه عن أبي مسعود الأنصاري ﵁ قال. " أتانا رسول الله ﷺ ونحن في مجلس سعد بن عبادة فقال له بشير بن سعد: أمرنا الله تعالى أن نصلي عليك فكيف نصلي عليك قال فسكت رسول الله ﷺ حتى تمنينا أنه لم يسأله ثم قال رسول الله ﷺ: قولوا اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد والسلام كما علمتم"
هذه هي المواضع التي خرج فيها هذا الحديث في الصحيحين أو أحدهما وهي عن أربعة من الصحابة: كعب بن عجرة وأبي سعيد الخدري وأبي حميد الساعدي وأبي مسعود الأنصاري وقد اتفق البخاري ومسلم على إخراجه من حديث كعب وأبي حميد وانفرد البخاري بإخراجه من حديث أبي سعيد وانفرد مسلم بإخراجه من حديث أبي مسعود الأنصاري وقد أخرجه عن هؤلاء الأربعة غير الشيخين فرواه عن كعب بن عجرة أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والإمام أحمد والدارمي ورواه عن أبي سعيد الخدري النسائي وابن ماجه ورواه عن أبي حميد أبو داود والنسائي وابن ماجه ورواه عن أبي مسعود الأنصاري أبو داود والنسائي والدارمي.
وروى حديث كيفية الصلاة على النبي ﷺ جماعة من الصحابة غير هؤلاء الأربعة منهم طلحة بن عبيد الله وأبو هريرة وبريدة بن الحصيب وابن مسعود ﵃ أجمعين.
وهذه الكيفية التي علم ﷺ أصحابه إياها عندما سألوه عن كيفية الصلاة عليه ﷺ هي أفضل كيفيات الصلاة عليه
1 / 52
ﷺ وأكملها الصيغة التي فيها الجمع بين الصلاة على النبي ﷺ وآله والصلاة على إبراهيم ﷺ وآله وممن استدل بتفصيل الكيفية التي أجاب النبي ﷺ أصحابه بها الحافظ ابن حجر في فتح الباري فقد قال فيه (١١/١٦٦) قلت واستدل بتعليمه ﷺ لأصحابه بالكيفية بعد سؤالهم عنها بأنها أفضل كيفيات الصلاة عليه لأنه لا يختار لنفسه إلا الأشرف الأفضل ويترتب على ذلك لو حلف أن يصلي عليه أفضل الصلاة فطريق البر أن يأتي بذلك ثم ذكر أن النووي صوب ذلك في الروضة وذكر كيفيات أخرى يحصل بها بر الحلف ثم قال والذي يرشد إليه الدليل أن البر يحصل بما في حديث أبي هريرة ﵁ لقوله من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى إذا صلى علينا فليقل: اللهم صلى على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت على إبراهيم.. الحديث والله أعلم انتهى.
وقد درج السلف الصالح ومنهم المحدثون بذكر الصلاة والسلام عليه ﷺ عند ذكره بصيغتين مختصرتين إحداهما ﷺ والثانية ﵊ وهاتان الصيغتان قد امتلأت بهما ولله الحمد كتب الحديث بل إنهم يدونون في مؤلفاتهم الوصايا بالمحافظة على ذلك على الوجه الأكمل من الجمع بين الصلاة والتسليم عليه ﷺ. يقول الإمام ابن الصلاح في كتابه علوم الحديث: ينبغي له - يعني كاتب الحديث - أن يحافظ على كتبة الصلاة والسلام على رسول الله ﷺ عند ذكره ولا يسأم من تكرير ذلك عند تكرره فإن ذلك من أكبر الفوائد التي يتعجلها طلبة الحديث وكتبته ومن أغفل ذلك حرم حظا عظيما - إلى أن قال -: وليتجنب في إثباتها نقصين: أحدهما أن يكتبها منقوصة صورة رامزا إليها بحرفين أو نحو ذلك والثاني أن يكتبها منقوصة معنى بأن لا يكتب (وسلم) وإن وجد ذلك في خط بعض المتقدمين انتهى محل الغرض منه.
وقال النووي في كتاب الأذكار: إذا صلى على النبي ﷺ فليجمع بين الصلاة والتسليم ولا يقتصر
1 / 53
على أحدهما فلا يقل (صلى الله عليه) فقط ولا ﵇ فقط انتهى.
وقد نقل هذا عنه ابن كثير في ختام تفسيره آية الأحزاب من كتاب التفسير ثم قال ابن كثير: وهذا الذي قاله منتزع من هذه الآية الكريمة وهي قوله: ﴿ِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ فالأولى أن يقال: ﷺ تسليما. انتهى.
وقال الفيروزبادي في كتابه الصلات والبشر: ولا ينبغي أن ترمز للصلاة كما يفعله بعض الكسالى والجهلة وعوام الطلبة فيكتبون صورة (صلعم) بدلا من ﷺ.
فضل الصلاة على النبي ﷺ قد ورد في فضل الصلاة على النبي ﷺ أحاديث كثيرة جمعها الحافظ إسماعيل بن إسحاق القاضي في كتاب أفرده لها وقد أشار الحافظ ابن حجر في فتح الباري عند شرحه حديث كيفية الصلاة على النبي ﷺ الذي أورده البخاري في كتاب الدعوات من صحيحه إلى الجيد من أحاديث فضل الصلاة على النبي ﷺ والحافظ ابن حجر من أهل الاستقراء التام والإطلاع الواسع على دواوين السنة النبوية فأنا أورد هنا ما ذكره في هذا الموضوع قال ﵀ (١١/ ١٦٧) واستدل به على فضيلة الصلاة على النبي ﷺ من جهة ورود الأمر بها واعتناء الصحابة بالسؤال عن كيفيتها وقد ورد في التصريح بفضلها أحاديث قوية لم يخرج البخاري منها شيئا. منها ما أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة رفعه: "من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشرا" وله شاهد عن أنس عند أحمد والنسائي وصححه ابن حبان وعن أبي بردة بن نيار وأبي طلحة كلاهما عند النسائي ورواتهما ثقات ولفظ أبي بردة: "من صلى علي من أمتي صلاة مخلصا من قلبه صلى الله عليه بها عشر صلوات ورفعه بها عشر درجات وكتب له بها عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات" ولفظ أبي طلحة عنده نحوه وصححه ابن حبان. ومنها حديث ابن مسعود رفعه: "إن أولى الناس بي
فضل الصلاة على النبي ﷺ قد ورد في فضل الصلاة على النبي ﷺ أحاديث كثيرة جمعها الحافظ إسماعيل بن إسحاق القاضي في كتاب أفرده لها وقد أشار الحافظ ابن حجر في فتح الباري عند شرحه حديث كيفية الصلاة على النبي ﷺ الذي أورده البخاري في كتاب الدعوات من صحيحه إلى الجيد من أحاديث فضل الصلاة على النبي ﷺ والحافظ ابن حجر من أهل الاستقراء التام والإطلاع الواسع على دواوين السنة النبوية فأنا أورد هنا ما ذكره في هذا الموضوع قال ﵀ (١١/ ١٦٧) واستدل به على فضيلة الصلاة على النبي ﷺ من جهة ورود الأمر بها واعتناء الصحابة بالسؤال عن كيفيتها وقد ورد في التصريح بفضلها أحاديث قوية لم يخرج البخاري منها شيئا. منها ما أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة رفعه: "من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشرا" وله شاهد عن أنس عند أحمد والنسائي وصححه ابن حبان وعن أبي بردة بن نيار وأبي طلحة كلاهما عند النسائي ورواتهما ثقات ولفظ أبي بردة: "من صلى علي من أمتي صلاة مخلصا من قلبه صلى الله عليه بها عشر صلوات ورفعه بها عشر درجات وكتب له بها عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات" ولفظ أبي طلحة عنده نحوه وصححه ابن حبان. ومنها حديث ابن مسعود رفعه: "إن أولى الناس بي
1 / 54
يوم القيامة أكثرهم علي صلاة". وحسنه الترمذي وصححه ابن حبان وله شاهد عند البيهقي عن أبي أمامة بلفظ: "صلاة أمتي تعرض علي في كل يوم جمعة فمن كان أكثرهم علي صلاة كان أقربهم مني منزلة" ولا بأس بسنده، وورد الأمر بإكثار الصلاة عليه يوم الجمعة من حديث أوس بن أوس وهو عند أحمد وأبي داود وصححه ابن حبان والحاكم.
ومنها حديث "البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي" أخرجه الترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم وإسماعيل القاضي وأطنب في تخريج طرقه وبيان الاختلاف فيه من حديث علي ومن حديث ابنه الحسين ولا يقصر عن درجة الحسن. ومنها "من نسي الصلاة علي خطئ طريق الجنة" أخرجه ابن ماجه عن ابن عباس والبيهقي في الشعب من حديث أبي هريرة وابن أبي حاتم من حديث جابر والطبراني من حديث حسين بن علي وهذه الطرق يشد بعضها بعضا.
وحديث "رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل عليّ" أخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة بلفظ " من ذكرت عنده فلم يصل علي فمات فدخل النار فأبعده الله " وله شاهد عنده وصححه الحاكم وله شاهد من حديث أبي ذر في الطبراني وآخر عن أنس عند ابن أبي شيبة وآخر مرسل عن الحسن عند سعيد بن منصور وأخرجه ابن حبان من حديث أبي هريرة ومن حديث مالك بن الحويرث ومن حديث عبد الله بن عباس عند الطبراني ومن حديث عبد الله بن جعفر عند الفريابي وعند الحاكم من حديث كعب بن عجرة بلفظ "بعد من ذكرت عنده فلم يصل علي" وعند الطبراني من حديث جابر رفعه "شقي عبد ذكرت عنده فلم يصل علي" وعند عبد الرزاق من مرسل قتادة "من الجفاء أن أذكر عند رجل فلا يصلي علي".
ومنها حديث أبي بن كعب "أن رجلا قال يا رسول الله إني أكثر الصلاة فما أجعل لك من صلاتي قال ما شئت قال الثلث قال ما شئت وإن زدت فهو خير - إلى أن قال - أجعل لك كل صلاتي قال " إذا تكفي
1 / 55
همك" الحديث أخرجه أحمد وغيره بسند حسن.
فهذا الجيد من الأحاديث الواردة في ذلك وفي الباب أحاديث كثيرة ضعيفة وواهية. وأما ما وضعه القصاص في ذلك فلا يحصى كثرة، وفي الأحاديث القوية غنية عن ذلك انتهى كلام الحافظ ابن حجر ﵀ والمراد من الصلاة في حديث أبي بن كعب (فما أجعل لك من صلاتي) الدعاء.
مما ألف في الصلاة على النبي ﷺ وقد اعتنى العلماء بهذه العبادة العظيمة فأفردوها بالتأليف وأول من علمتاه ألف في ذلك الإمام إسماعيل ابن إسحاق القاضي المتوفى سنة ٢٨٢هـ واسم كتابه فضل الصلاة على النبي ﷺ وقد طبع بتحقيق الشيخ محمد ناصر الدين الألباني وهو يشتمل على مائة وسبعة أحاديث كلها مسندة ومن الكتب المطبوعة المتداولة في هذا الباب كتاب جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام للعلامة ابن القيم وكتاب الصلات والبشر في الصلاة على خير البشر للفيروزبادي صاحب القاموس وكتاب القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع للسخاوي المتوفى سنة ٩٠٢هـ وقد ختم كتابه هذا ببيان الكتب المصنفة في الصلاة على النبي ﷺ وذكر جملة كبيرة من هذه الكتب مرتبة وخامسها بالترتيب كتاب جلاء الأفهام لابن القيم وقد أشار إلى قيمة كل منها ثم قال: " وفي الجملة فأحسنها وأكثرها فوائد خامسها يعني كتاب ابن القيم أقول: وهو في الحقيقة كتاب قيم جمع مؤلفه فيه بين ذكر الأحاديث عن النبي ﷺ في العبادة العظيمة والكلام عليها صحة وضعفا فقها واستنباطا وقد قال عنه في مقدمته: وهو كتاب فرد في معناه لم يسبق إلى مثله في كثرة فوائده وغزارتها بينا فيه الأحاديث الواردة في الصلاة والسلام عليه ﷺ وصحيحها من حسنها ومعلولها وبينا ما في معلولها من العلل بيانا شافيا ثم أسرار هذا الدعاء وشرفه وما اشتمل عليه من الحكم والفوائد ثم مواطن الصلاة عليه ﷺ
مما ألف في الصلاة على النبي ﷺ وقد اعتنى العلماء بهذه العبادة العظيمة فأفردوها بالتأليف وأول من علمتاه ألف في ذلك الإمام إسماعيل ابن إسحاق القاضي المتوفى سنة ٢٨٢هـ واسم كتابه فضل الصلاة على النبي ﷺ وقد طبع بتحقيق الشيخ محمد ناصر الدين الألباني وهو يشتمل على مائة وسبعة أحاديث كلها مسندة ومن الكتب المطبوعة المتداولة في هذا الباب كتاب جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام للعلامة ابن القيم وكتاب الصلات والبشر في الصلاة على خير البشر للفيروزبادي صاحب القاموس وكتاب القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع للسخاوي المتوفى سنة ٩٠٢هـ وقد ختم كتابه هذا ببيان الكتب المصنفة في الصلاة على النبي ﷺ وذكر جملة كبيرة من هذه الكتب مرتبة وخامسها بالترتيب كتاب جلاء الأفهام لابن القيم وقد أشار إلى قيمة كل منها ثم قال: " وفي الجملة فأحسنها وأكثرها فوائد خامسها يعني كتاب ابن القيم أقول: وهو في الحقيقة كتاب قيم جمع مؤلفه فيه بين ذكر الأحاديث عن النبي ﷺ في العبادة العظيمة والكلام عليها صحة وضعفا فقها واستنباطا وقد قال عنه في مقدمته: وهو كتاب فرد في معناه لم يسبق إلى مثله في كثرة فوائده وغزارتها بينا فيه الأحاديث الواردة في الصلاة والسلام عليه ﷺ وصحيحها من حسنها ومعلولها وبينا ما في معلولها من العلل بيانا شافيا ثم أسرار هذا الدعاء وشرفه وما اشتمل عليه من الحكم والفوائد ثم مواطن الصلاة عليه ﷺ
1 / 56
ومحالها ثم الكلام في مقدار الواجب منها واختلاف أهل العلم فيه وترجيح الراجح وتزييف الزائف، ومخبر الكتاب فوق وصفه والحمد لله رب العالمين. انتهى.
ومما ألف في الصلاة على النبي ﷺ مبنيًا على غير علم ومشتملًا على فضائل وكيفيات للصلاة على النبي ﷺ ما أنزل بها من سلطان كتاب دلائل الخيرات للجزولي المتوفى سنة ٨٥٤هـ وقد شاع وانتشر في كثير من أقطار الأرض قال عنه صاحب كشف الظنون (١/٤٩٥):
"دلائل الخيرات وشوارق الأنوار في ذكر الصلاة على النبي المختار ﵊ أوله الحمد لله الذي هدانا للإيمان الخ للشيخ أبي عبد الله محمد بن سليمان بن أبي بكر الجزولي السملالي الشريف الحسني المتوفى سنة ٨٥٤هـ وهذا الكتاب آية من آيات الله في الصلاة على النبي ﷺ يواظب بقراءته في المشارق والمغارب لا سيما في بلاد الروم" ثم أشار إلى بعض شروح هذا الكتاب:
أقول: ولم يكن إقبال الكثير من الناس على تلاوته مبنيًا على أساس يعتمد عليه وإنما كان تقليدًا عن جهل من بعضهم لبعض والأمر في ذلك كما قال الشيخ محمد الخضر بن مايابي الشنقيطي في كتابه مشتهى الخارف الجاني في رد زلقات التجاني الجاني قال في أثناء رده على التجاني: فإن الناس مولعة بحب الطارئ ولذلك تراهم يرغبون دائما في الصلوات المروية في دلائل الخيرات ونحوه وكثير منها لم يثبت له سند صحيح ويرغبون عن الصلوات الواردة عن النبي ﷺ في صحيح البخاري فقل أن تجد أحدًا من المشايخ أهل الفضل له وردٌ منها وما ذلك إلا للولوع بالطارئ وأمّا لو كان الفضل منظورا إليه لما عدل عاقل فضلا عن شيخ فاضل عن صلاة واردة عن النبي ﷺ بعد سؤاله كيف نصلي عليك يا رسول الله فقال: قولوا كذا وهو لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى إلى صلاة لم يرد فيها حديث صحيح بل ربما كانت منامية من رجل صالح في الظاهر " انتهى.
ولا شك أن ما جاءت به السنة وفعله
1 / 57
وخزائن رحمتك ... إنسان عين الوجود والسبب في كل موجود...
وقال في ص٦٤: اللهم صل على من تفتقت من نوره الأزهار .... اللهم صل على من اخضرت من بقية وضوئه الأشجار اللهم صل على من فاضت من نوره جميع الأنوار.
وقال في ص ١٤٤ و١٤٥: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ما سجعت الحمائم وحمت الحوائم وسرحت البهائم ونفعت التمائم وشدت العمائم ونمت النوائم.
نماذج مما فيه من الأحاديث الموضوعة وأذكر فيما يلي أمثلة لما فيه من أحاديث موضوعة أو ضعيفة جدا مع الإشارة إلى بعض ما قاله أهل العلم فيها وذلك على سبيل التمثيل لا الحصر. قال في ص١٥: وروى عنه ﷺ أنه قال: من صل علي صلاة تعظيما لحقي خلق الله ﷿ من ذلك القول ملكا له جناح بالمشرق والآخر بالمغرب ورجلاه مقرورتان في الأرض السابعة السفلى وعنقه ملتوية تحت العرش يقول الله ﷿ له: صل على عبدي كما صلى على نبيي فهو يصلي عليه إلى يوم القيامة. وقال في ص١٦: وقال النبي ﷺ: "ما من عبد صلى علي إلا خرجت الصلاة مسرعة من فيه فلا يبقى بر ولا بحر ولا شرق ولا غرب إلا وتمر به وتقول أنا صلاة فلان بن فلان صلى على محمد المختار خير خلق الله فلا يبقى شيء إلا وصلى عليه ويخلق من تلك الصلاة طائر له سبعون ألف جناح في كل جناح سبعون ألف ريشة في كل ريشة سبعون ألف وجه في كل وجه سبعون ألف فم في كل فم سبعون ألف لسان يسبح الله تعالى بسبعين ألف لغة ويكتب الله له ثواب ذلك كله. هذان حديثان من أحاديث دلائل الخيرات يصدق عليهما قول العلامة ابن القيم ﵀ في كتابه المنار المنيف: والأحاديث الموضوعة عليها ظلمة وركاكة ومجازفات باردة تنادي على وضعها واختلاقها ثم ضرب لذلك بعض الأمثلة ثم قال: فصل: ونحن ننبه على أمور كلية يعرف بها كون الحديث موضوعا
نماذج مما فيه من الأحاديث الموضوعة وأذكر فيما يلي أمثلة لما فيه من أحاديث موضوعة أو ضعيفة جدا مع الإشارة إلى بعض ما قاله أهل العلم فيها وذلك على سبيل التمثيل لا الحصر. قال في ص١٥: وروى عنه ﷺ أنه قال: من صل علي صلاة تعظيما لحقي خلق الله ﷿ من ذلك القول ملكا له جناح بالمشرق والآخر بالمغرب ورجلاه مقرورتان في الأرض السابعة السفلى وعنقه ملتوية تحت العرش يقول الله ﷿ له: صل على عبدي كما صلى على نبيي فهو يصلي عليه إلى يوم القيامة. وقال في ص١٦: وقال النبي ﷺ: "ما من عبد صلى علي إلا خرجت الصلاة مسرعة من فيه فلا يبقى بر ولا بحر ولا شرق ولا غرب إلا وتمر به وتقول أنا صلاة فلان بن فلان صلى على محمد المختار خير خلق الله فلا يبقى شيء إلا وصلى عليه ويخلق من تلك الصلاة طائر له سبعون ألف جناح في كل جناح سبعون ألف ريشة في كل ريشة سبعون ألف وجه في كل وجه سبعون ألف فم في كل فم سبعون ألف لسان يسبح الله تعالى بسبعين ألف لغة ويكتب الله له ثواب ذلك كله. هذان حديثان من أحاديث دلائل الخيرات يصدق عليهما قول العلامة ابن القيم ﵀ في كتابه المنار المنيف: والأحاديث الموضوعة عليها ظلمة وركاكة ومجازفات باردة تنادي على وضعها واختلاقها ثم ضرب لذلك بعض الأمثلة ثم قال: فصل: ونحن ننبه على أمور كلية يعرف بها كون الحديث موضوعا
1 / 59
فمنها اشتماله على أمثال هذه المجازفات التي لا يقول مثلها رسول الله ﷺ وهي كثيرة جدا كقوله في الحديث المكذوب: من قال لا إله إلا الله خلق الله من تلك الكلمة طائرا له سبعون ألف لسان لكل لسان سبعون ألف لغة يستغفرون الله له ومن فعل كذا وكذا أعطي في الجنة سبعين ألف مدينة في كل مدينة سبعون ألف قصر في كل قصر سبعين ألف حوراء وأمثال هذه المجازفات الباردة التي لا يخلو حال واضعها من أحد أمرين: إما أن يكون في غاية الجهل والحمق وإما أن يكون زنديقا قصد التنقيص بالرسول ﷺ بإضافة مثل هذه الكلمات إليه. انتهى.
وممن حكم على بطلان أمثال هذه الأحاديث من المعاصرين أبو الفضل عبد الله الصديق الغماري قال في تعليقه على كتاب بشارة المحبوب بتكفير الذنوب للأذرعي ص ١٢٥:
تنبيه: جاء في كثير من الأحاديث من عمل كذا خلق الله من ذلك العمل ملكا يسبح أو يحمد الله وكلها أحاديث باطلة.قال ذلك هنا، ومع هذا أثنى على كتاب دلائل الخيرات ثناءً عظيمًا في كتابه خواطر دينية، ووصفه بأنه سار مسير الشمس.
ويطيب لي أن أختم هذه المحاضرة بإثبات قطعة مما كتبته في شرح حديث كعب بن عجرة ﵁ في كيفية الصلاة على النبي ﷺ وهو الحديث التاسع عشر من الأحاديث العشرين التي اخترتها من صحيح مسلم والتي طبعت تحت عنوان: (عشرون حديثا من صحيح مسلم دراسة أسانيدها وشرح متونها) وهذه القطعة هي:
قول كعب بن عجرة ﵁ لابن أبي ليلى: ألا أهدي لك هدية.. يدل على أن أحاديث رسول الله ﷺ ومعرفة سنته ﷺ وتطبيقها أنفس الأشياء عندهم وأحبها إلى نفوسهم ولهذا قال كعب ما قال منبها إلى أهمية ما سيلقيه على ابن أبي ليلى ليستعد لفهمه ويهيئ نفسه لتلقيه والإحاطة به، ولما كان السلف معنيين بسنة نبيهم ﷺ حريصين عليها وهي أنفس هداياهم لما قام في قلوبهم من محبتها والحرص على تطبيقها كانوا سادة الأمم ومحط
1 / 60
أنظار العالم وكان النصر على الأعداء حليفهم وكانت الشوكة والغلبة للإسلام وأهله كما قال الله تعالى: ﴿يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ وعلى العكس من ذلك ما نشاهده اليوم من واقع المسلمين المؤلم من التخاذل والتفكك والزهد في تعاليم الشريعة والبعد عنها إلا من ﵀ وقليل ما هم، لما كانوا كذلك لم يحسب أعداؤهم لهم أي حساب ولم يقيموا لهم أدنى وزن وكانوا هائبين بعد أن كان أسلافهم مهيبين وغزوا في عقر دارهم من عدوهم وممن تربى على أيديه من أبنائهم، وإذا تأمل العاقل ما تضمنه هذا الحديث الشريف من بيان قيمة السنة النبوية في نفوس السلف الصالح وعظيم منزلتها في نفوسهم وأنها أنفس هداياهم ثم نظر إلى حالة الكثير من المنتسبين إلى الإسلام اليوم وما ابتلوا به من الزهد في الشريعة والتحاكم إلى غيرها أقول: إذا تأمل العاقل أحوال أولئك وأحوال هؤلاء عرف السر الذي من أجله كان أولئك ينتصرون على أعدائهم مع قلة عددهم وكان هؤلاء ينهزمون وهو كثيرون أمام الأعداء ولن يقوم للمسلمين قائمة إلا إذا رجعوا إلى الكتاب العزيز والسنة المطهرة ولفظوا القوانين الوضعية الوضيغة وغيرها من البضائع الرديئة المستوردة مما وراء البحار ونظفوا نفوسهم وأوطانهم منها.
وأسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يوفق المسلمين جميعا حاكمين ومحكومين إلى الرجوع إلى كتاب ربهم وسنة نبيهم محمد ﷺ ليظفروا بالأسباب الحقيقية لحصول النصر والغلبة على الأعداء إنه سميع مجيب والحمد لله رب العالمين اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حكيم مجيد.
1 / 61