The Quranic Phenomenon
الظاهرة القرآنية
پژوهشگر
(إشراف ندوة مالك بن نبي)
ناشر
دار الفكر
شماره نسخه
الرابعة
سال انتشار
١٤٢٠ هـ -٢٠٠٠م
محل انتشار
دمشق سورية
ژانرها
وعلى هذا، فلو فرض أن الاختلاط أو (الهلوسة) لم تزل بتأثير الجزء الأول من الحوار، فإنها لا يمكن أن تبقى بعد الصدمة الصوتية الأولى، أي خلال المرتين الأخريين اللتين سيبقى تفسيرهما معلقًا: وهكذا، دون أن نتسرع في الحكم على طبيعة الظاهرة نفسها، لا يمكن على أية حال أن نفسرها بالاختلاط العقلي.
ولو أننا تناولنا الأمر من ظاهره فسنجد أن هذا الحوار يحدد- منذ البداية- الوضع النسبي للذات المحمدية في الخطاب القرآني، فتوضع هذه الذات منذ الوحي الأول في مقام المخاطب المفرد، وسينزل الوحي في الواقع على ذات مخاطبة، تؤديه واسطة عن الذات المتكلمة، تستعمل هنا مباشرة اللغة الإلهية لتأمر بالقراءة أميًا، لا يتخيل نفسه قارئًا، وهو لهذا قد اضطرب وأجفل.
وكل ما يهمنا هنا هو معرفة ما إذا كانت هذه الذات المخاطبة، وتلك الذات المتكلمة يمكن أن تجتمعا نفسيًا في ذات واحدة، هي ذات (محمد).
ومن الواجب أن نذكر- أولًا- مدى التباعد الرئيسي البين في الحوار، بين الذات المتكلمة الآمرة الحازمة، والذات المخاطَبة المضطربة المجفلة. فهذا الإجفال يعكس طبيعيًا لدى النبي- الذي يعرف أنه لا يعرف القراءة- الشعور والفكرة اللذين يعرفهما عن نفسه؛ فإجابته السلبية الخاشعة- ولكنها القاطعة- هي النهاية الطبيعية لعملية نفسية تنبثق عن هذه الفكرة التي يدرك موضوعيتها تمامًا: فكرة أميته.
ألا يمكن أن يفهم أن هذا الأمر الصارم- الذي أجفل منه هذا الأمي- قد ضرب صفحًا عن هذه الفكرة الموضوعية فأنكرها؟ إن هذا التباعد يصور لنا - على أية حال- عملية نفسية أخرى مختلفة تمامًا عن الأولى، ولكنها متحدة معها في الزمن، لأن كلتيهما تتلاقى وتتقاطع مع الأخرى في اللحظة نفسها. عندما تأمر الذات المتكلمة فتجفل الأخرى وقد انقلب حالها.
1 / 162