The Prophet in Fair Western Eyes
الرسول ﵌ في عيون غربية منصفة
ناشر
دار الكتاب العربى
شماره نسخه
الأول
سال انتشار
١٤١٩
محل انتشار
دمشق
ژانرها
آيات من الذكر الحكيم
قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا (الأعراف: ١٥٨) .
وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (الأنبياء: ١٠٧) .
وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا (سبأ: ٢٨) .
لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (آل عمران: ١٨٦)
إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (الحجر: ٩٥) .
يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (٣٢) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (التوبة: ٣٢، ٣٣) .
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (الأنفال: ٦٤) .
إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذابًا مُهِينًا (الأحزاب: ٥٧) .
وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ (النور: ١١) .
1 / 5
الإهداء
يشرفنى أن أقدم هذا العمل خالصا لوجه الله الكريم، وأهديه لحبيبه وخليله ورسوله سيدنا ومولانا محمد- ﷺ عسى أن أنال شفاعته يوم الحشر العظيم.
إلى الذين وهبهم الله البصيرة والإنصاف وحمدا لله أنهم ليسوا قلة فى هذا العالم.
إلى كل من يبحث عن الحقيقة ولا يخشى فى الله لومة لائم.
إلى كل من يساهم فى إظهار صورة الإسلام الصحيحة ونبيه محمد- ﷺ فى المجتمعات الغربية.
أهدى هذا الكتاب
1 / 7
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد النبى الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد،، كان محمد- ﷺ خير الخلق فى طفولته، وأطهر المطهرين فى شبابه، وأنجب البرية فى كهولته، وأزهد الناس فى حياته، وأعدل القضاة فى قضائه، وأشجع قائد فى دفاعه عن الحق، وخير قدوة للمصلحين، وخير أسوة للمربين.
اختصه الله بكل خلق نبيل، وحرسه بعنايته، وحفظه برعايته، وأيده بجوامع الكلم، مع الفصاحة وقوة الحجة، وأمر العالمين بطاعته، وجعل طاعته ﷺ مقرونة بطاعته تعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ (النساء: ٨٠)
كما عصمه من كل خطأ ومن الناس: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ (المائدة: ٦٧) .
وطهره من كل دنس، وهداه الصراط المستقيم، ومنح من الآيات والمعجزات مالم يمنحه غيره، وأدبه فأحسن تأديبه، وعلمه ما لم يكن يعلم.
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيدًا (الفتح: ٢٨) ولم يسجد ﷺ لصنم من الأصنام ولم يشرك فى عيد من أعيادها.
كان محمد مثلا كاملا للإنسان الكامل، ذا شخصية قوية جذابة، لا يدانيه أحد فى كماله وعظمته، وصدقه وأمانته، وزهده وعفته.
1 / 9
اعترف كل من عرفه بعلو نفسه، وصفاء طبعه، وطهارة قلبه، ونبل خلقه، ورجاحة عقله، وتفوق ذكائه، وحضور بديهته، وقوة إرادته، وثبات عزيمته، ولين جانبه، وتمسكه بالحق، وإقامة العدل. فكان خير قدوة للناس جميعا.
لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (الأحزاب: ٢١) .
خلقه الله عظيما، فكانت عظمة فطرية طبيعية، وكان عظيما منذ ولادته، عظيما فى صباه، عظيما فى شبابه، عظيما فى رجولته، عظيما فى كهولته، عظيما فى شيخوخته، عظيما فى صغره وكبره، عظيما قبل الرسالة، عظيما بعدها.
خلقه الله عظيما كما شاء ليعده لأداء رسالته، وهو فى الأربعين فأداها خير أداء. وكان رسولا وهاديا للبشرية المتنازعة المتنافرة، وقدوة مثالية سامية للناس كافة.
ولقد تعرض الأنبياء والرسل الكرام ﵈ للتكذيب والتنكيل حتى وصل الأمر إلى درجة قتل بعضهم. ويبين تاريخ الرسالات الإلهية الكبرى أن أنبياء الله الذين حملوها إلى الناس قد تعرضوا لكثير من صنوف الآلام والمحن والعذاب على أيدى الذين حسبوهم من الكاذبين وما أفظعها من تهمة خاصة حين يقذف بها وجوه أصدق الناس حديثا ويزداد الأمر سوآ وتشتد المحنة عند ما يأتى التكذيب والسخرية من الأهل والعشيرة والأصحاب.
فها هى التوراة تقول إن موسى تعرض للنقد الجارح من أخيه هارون وأخته مريم عندما تزوج ثانية من امرأة سمراء أعجبته: «وتكلمات مريم وهارون على موسى بسبب المرأة الكوشية التى اتخذها لأنه كان قد اتخذ امرأة كوشية فحمى غضب الرب عليهما.. فالتفت هارون إلى مريم وإذا هى برصاء فقال هارون لموسى: أسألك يا سيدى لا تجعل علينا الخطيئة التى جمعتتا وأخطأنا بها» (سفر الأعمال ١٢: ١- ١١) .
1 / 10
وها هو المسيح يشك فيه أقرباؤه ويعتبرونه مختل العقل: «ولما سمع أقرباؤه خرجوا ليمسكوه، لأنهم قالوا إنه مختل» (إنجيل مرقس ٣: ٢١)، وكان إخوته- أبناء أمه مريم حسب رواية الإنجيل- يشكون فيه: «قال له إخوته: انتقل من هنا واذهب إلى اليهودية لكى يرى تلاميذك أيضا الأعمال التى تعمل،.. لأن إخوته أيضا لم يكونوا يؤمنون به» (إنجيل يوحنا ٧: ٣- ٥)، «وحين سمع كثير من تلاميذه بعض مواعظه فإنهم ارتدوا عنه وتركوا صحبته فلم يبق معه إلا اثنا عشر حواريا، قال كثير من تلاميذه إلى الوراء ولم يعودوا يمشون معه. فقال يسوع للاثنى عشر. ألعلكم أنتم أيضا تريدون أن تمضوا؟» (إنجيل يوحنا ٦: ٦٠- ٦٦) .
وقد سجل القرآن الكريم افتراآت الكفار والمشركين على الإسلام ونبيه محمد- ﷺ حتى حديث الإفك ضد زوجه عائشة جعله الله قرآنا يتلى، ولو كان الأمر بيد النبى- ﷺ لنحاه جانبا. ولكنه عبد لله مأمور قال له ربه: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ (آل عمران: ١٢٨)، إذ (إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ (آل عمران: ١٥٤) . وهذه بعض مفترياتهم على رسول الله محمد- ﷺ والسخرية منه.
١- اتهامه بالجنون والكهانة والسحر والكذب:
وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ (ص: ٤) .
وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (القلم: ٥١) .
إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (٣٥) وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ (الصافات: ٣٥، ٣٦) .
فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ (الطور: ٢٩) .
٢- اتهامه بتأليف القرآن وافترائه كذبا على الله:
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جاؤُ ظُلْمًا وَزُورًا (٤) وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (الفرقان: ٤- ٥) .
1 / 11
- وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (النحل: ١٠٣) .
٣- السخرية من النبى- ﷺ-:
وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (الزخرف: ٣١) .
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (٧) أَفْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ (سبأ: ٧، ٨) .
ولقد كان ما تعرض له محمد رسول الله- ﷺ فى الحرب الدعائية الظالمة، استمرارا لما تعرض له إخوانه السابقون من الأنبياء والمرسلين.
كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٥٢) أَتَواصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ (الذاريات: ٥٢، ٥٣) .
هذا ولقد دأب الغرب المسيحى الصليبى على الطعن فى الإسلام ونبيه.
وتعرضت سيرة خاتم النبيين إلى التشويه والمغالطات والمفتريات والأباطيل على أيدى رجال الكهنوت المسيحى وتلاميذهم من المستشرقين والمبشرين والمنصرين ومن بعض الكتاب والإعلاميين الضالين ... إلخ.
لقد تنبأ القرآن بهذا الواقع الأليم فقال: وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (آل عمران: ١٨٦)
واشتد الهجوم فى الغرب على الإسلام والمسلمين بعد الهجوم على مركز التجارة العالمى فى نيويورك، ومبنى البنتاجون فى واشنطن يوم ١١ سبتمبر ٢٠٠١، وأصبح الهجوم على الإسلام ونبيه مادة يومية فى الصحافة والتليفزيون وشبكة الإنترنت والقنوات الفضائية والأفلام السينمائية والكاريكيتير.. إلخ.
وكل مسلم موضع اتهام فى الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا بمجرد اكتشاف أنه مسلم.
1 / 12
ولم يعد أمر العداء للإسلام فى الغرب خافيا على أحد فى العالم الإسلامى بعد أن صرح بذلك عشرات الكتاب والمفكرين والباحثين والعلماء والقادة والسياسيين- من الدول الغربية فى كثير من الكتب والإصدارات ووسائل الإعلام.
وأعتقد أن الذين ينكرون وجود هذا العداء بعد الحملات الكثيرة والمتكررة لتشويه صورة الإسلام ونبيه منذ فجر الإسلام هم فى الحقيقة يتهربون من مواجهة الحقيقة لأنها تفرض عليهم واجب العمل للدفاع عن الإسلام ورسوله محمد- ﷺ.
ولا ننكر أن فى الغرب مفكرين يتحدثون عن الإسلام بإنصاف ولكن تضيع أصواتهم داخل صناعة ضخمة تمولها المخططات الصهيونية الصليبية فى الغرب، هى صناعة الكراهية والعداء للإسلام والمسلمين.
ومما لا ريب فيه، أن هناك أيضا مفكرين عالميين منصفين درسوا الإسلام دراسة عميقة، فأحبه البعض وناصره، وآمن به البعض الآخر، وأعلن إسلامه وصدق فيه..
وهؤلاء الكتاب المفكرون، ينقسمون إلى فريقين:
فريق أعلن إسلامه، فى غير لبس ولا مراآة، وجابه الرأى العام فى بيئته بعقيدته، ثم أخذ يدعو إليه مكرسا وقته وجهده لنشره.
وفريق أحب الإسلام ومدحه. ولا ندرى ماذا أسر فى نفسه؟
وإذا كان الأمر كذلك، فما الذى يمنع الغربيين من الدخول فى الإسلام زرافات ووحدانا؟
إن الإسلام واضح جلى، وإن تعاليمه سهلة ميسورة، تنسجم مع العقل والمنطق، فما السر فى عدم أخذ الغربيين والأوربيين بهذا الدين، وعدم اعتناقهم له فى سرعة سريعة، وفى كثرة هائلة؟
الواقع أن العوامل التى تمنع الغربيين من اعتناق الإسلام كثيرة قوية، ومن
1 / 13
المؤسف أن بعض هذه العوامل يرجع إلى المسلمين أنفسهم بسبب عدم تطبيقهم وتمسكهم بالإسلام، وتكاد الصلة التى بينهم وبينه تكون مجرد صلة اسمية، وينسون عظمة المسلمين وقوتهم أيام كانوا متمسكين بالإسلام، وأيام أن كانت الدنيا لهم.
ولعل المسلمين يعودون إلى دينهم صافيا نقيا، ويستمسكون به فيكونون مرآة حقيقية يتمثل فيها الإسلام قويا ساميا.
ومن العوامل التى ساعدت على تشويه صورة الإسلام ونبيه محمد- ﷺ والمسلمين فى الغرب وإحجام الكثير منهم عن دخول الإسلام تجربة الكنيسة مع الدين، وما استتبع ذلك من وسائل التبشير والتنصير، ومحاربة الدين الإسلامى على كافة الأصعدة، وبمختلف الوسائل والطرق، ومما ساعد على ذلك أيضا تحالف الصهيونية مع الصليبية فى الغرب، وتخاذل وضعف بعض المسلمين وتقصيرهم فى الدفاع عن دينهم، والدعوة إليه ونشره فى جميع أنحاء العالم، وعدم تصحيح الصورة المغلوطة عن الإسلام فى الغرب.
ويقول جمال الدين الأفغانى: «إن الغربيين يستمدون فكرتهم عن الإسلام من مجرد رؤيتهم للمسلمين، فإنهم يرون المسلمين متخاذلين ضعفاء أذلاء مستكينين، فرقت بينهم الأهواء والشهوات، وقعدت بهم الصغائر، وانصرفوا عن عظائم الأمور، وأصبحوا مستعبدين مستذلين، ويقولون لو كان الإسلام دينا قويا لما كان المسلمون هكذا ...» .
ويقول أيضا: «إذا أردنا أن ندعو للإسلام، فليكن أول ما نبدأ به أن نبرهن للغربيين أننا مسلمون» .
والكتاب الذى نقدمه اليوم يعرض جملا من أقوال وشهادات بعض المستشرقين والمفكرين الغربيين الذين أعجبوا بشخصية الرسول العظيم ﷺ، ومع كونهم لم يرتدوا عباءة الإسلام فإنهم قالوا كلمة حق سطرها التاريخ على ألسنتهم وفى كتبهم وتراثهم، وما أحبوه كذلك إلا لأن أنصبته قد فاضت بكم عظيم من الرقى الشخصى والأخلاقى والحضارى إلى أبعد حد مما جعلهم
1 / 14
معجبين به إلى حد أن جعلهم يسطرون فيه الكتب ويذكرون شخصه فى كل وقت. وهذا جزء من بعض ما قالوا فى عظيم شخصه وصفاته الجليلة.
وأخيرا-
فالكتاب لا يكتفى بسرد الشهادات الإيجابية والمنصفة للرسول- ﷺ فقط وإنما يقوم بالتحليل والنقد لتاريخ العدوان الفكرى الغربى على الإسلام ونبيه محمد ﷺ، ويتساءل عن مضمون الإساءة إلى الإسلام فى الغرب. هل هى حرية تعبير أم عقيدة صليبية منذ فجر الإسلام؟
وعلاوة على ذلك يعرض الكتاب وسائل وأساليب لمواجهة حملات الإساءة والتشويه لصورة النبى- ﷺ فى الغرب.
وفى النهاية يلقى الضوء على بعض المعلومات المهمة عن الرسول- ﷺ متضمنة لصفاته الخلقيّة والخلقيّة، وما تفرد به- ﷺ عن باقى الأنبياء.
أيضا يتحدث عن واجب المسلمين فى الدفاع عن دينهم والتصدى لحملات التشكيك فى الإسلام والموجودة فى الغرب حاليا.
وأسأل الله العلى القدير أن أكون قد وفقت فى الدفاع عن سيد الأنبياء والمرسلين محمد- ﷺ ضد حملات الإساءة والتشوية التى يتعرض لها نبى الإسلام محمد- ﷺ فى الغرب.
كما أسأله ﷾ أن يعيد للمسلمين وحدتهم، حتى يعود إليهم مجدهم وعظمتهم، ويصيروا سادة العالم وقادة الفكر بتطبيقهم لدينهم وشريعتهم كما كانوا.
وأرجوه تعالى أن يعز الإسلام ونبيه الكريم ﷺ، وأن يظهره على الدين كله ولو كره الكافرون. إنه سميع النداء مجيب الدعاء.
وصلّى الله وسلم على سائر الأنبياء والمرسلين/ والحمد لله رب العالمين
الحسينى الحسينى معدّى
1 / 15
الفصل الأول الإساءة للرسول ص هوس غربى قديم
تاريخ العدوان الفكرى الغربى على الإسلام وعلى نبيه محمد- ﵊-
العدوان الإعلامى الشرس وتصوير الإسلام ونبيه- ﵊ فى صورة مغايرة للحقيقة بالغة البشاعة ومعاكسة تماما، ليست جديدة، بل هى عقيدة غربية موروثة تشكلت ونمت خلال ثمانية قرون منذ القرن الأول وحتى نهاية القرن الثامن الهجرى.
قد يظن كثير من المسلمين أن العدوان الغربى على الإسلام وتشويه صورة الرسول محمد- ﵊ واختراع صورة بشعة ومعاكسة لحقيقة دين الإسلام ونبيه من طرف وسائل الإعلام فى الغرب، لا سيما فى أمريكا، من جانب رؤساء بعض الكنائس الإنجيلية أمر جديد حدث بعد هجمات الحادى عشر من سبتمبر ٢٠٠١ م وقيام الحرب الصليبية المقنّعة الجديدة التى تقودها الولايات المتحدة ضد الإسلام والمسلمين تحت قناع «الحرب على الإرهاب وإزالة أسلحة الدمار الشامل» .
1 / 17
والحق أن هذا العدوان الإعلامى الشرس وتصوير الإسلام ونبيه ﵊ فى صورة مغايرة بالغة البشاعة ومعاكسة تماما، ليست جديدة، بل هى: عقيدة غربية موروثة تشكلت ونمت خلال ثمانية قرون منذ القرن الأول وحتى نهاية القرن الثامن الهجرى.
وانتقلت هذه العقيدة كاملة متماسكة عبر القرون لتصل إلى القرون الحديثة والمعاصرة. وأصبحت أشبه بالمستنقع الآسن العفن الذى تغرف منه وسائل الإعلام الغربية وبعض رجال الدين الأنجيليين فى أمريكا، وينشرونها عبر وسائلهم المختلفة.
وقبل أن نلقى نظرة موجزة جدّا على تاريخ تلك العقيدة الغربية القائمة على أساس التلفيق والاختراع لتصوير الإسلام فى أشكال مشوهة وبشعة، نعرض لمقتطفات من أقوال بعض رجال الدين الإنجيليين فى أمريكا عن الإسلام ونبيه محمد- ﵊ ليتضح لكل صاحب فكر خصيب مدى اعتناق هؤلاء لتلك العقيدة الموروثة التى لفقها أسلافهم خلال العصور الوسطى فى أوروبا.
١- جيرى فالويل:Jerry Falwell وهو قسيس إنجيلى معروف له برنامج إذاعى وتلفزيونى يصل إلى أكثر من عشرة ملايين أسبوعيا وله جامعة أصولية خاصة تسمى جامعة الحرية Liberty University وهو الذى يروج فى موقعه على الإنترنت لكتابه «فلنتقدم إلى معركة هرمجدون March To Armgeddon «وهى معركة نهاية التاريخ كما فى معتقدات الإنجيليين. وفى الصفحة الأولى من موقعه على الإنترنت يضع تاريخا ملفقا عن النبى ﵊؛ مستمدا بكامله من كتابات بعض الرهبان الأوربيين فى العصور الوسطى.
ويهاجم فالويل النبى؛ من خلال بعض وسائل الإعلام الأمريكية الكبرى.
ومما قاله فالويل مساء يوم الأحد ٦ أكتوبر ٢٠٠٢ م فى برنامجه ٦٠ دقيقة ما نصه: «أنا أعتقد أن محمدا كان إرهابيا، لقد قرأت ما يكفى من المسلمين
1 / 18
وغير المسلمين أنه رجل عنف، ورجل حروب.. فى اعتقادى المسيح وضع مثالا للحب كما فعل موسى، وأنا أعتقد أن محمدا وضع مثالا عكسيا!!.
٢- بات روبرتسون:Pat Robertson وهو قسيس إنجيلى معروف باهتماماته السياسية وتأييده المعلن لإسرائيل، ويمتلك عددا من المؤسسات الإعلامية من بينها نادى ال) Club ٧٠٠ (٧٠٠ وهو برنامج تلفزيونى يصل إلى عشرات الملايين فى الولايات المتحدة الأمريكية إضافة إلى محطة فضائية تصل إلى ٩٠ دولة فى العالم بأكثر من ٥٠٠ لغة مختلفة وهى محطة (البث النصرانى Christian Broadcasting (ومنها إذاعة الشرق الأوسط المتخصصة فى التنصير فى منطقة العالم العربى.
كما سعى بات روبرتسون إلى الترشيخ لمنصب الرئيس الأمريكى فى عام ١٩٨٨ م، ويقف خلف أقوى تحالف سياسى دينى فى الحزب الجمهورى وهو (التحالف النصرانى saitsirhC) Coalition «ويملك أيضا جامعة أصولية هى جامعة ريجنت ytisrevinU tneqeR وفى هجومه على النبى ﵊ من خلال برنامج هانتى وكولمز ssemloC dna ytinnaH فى قناة فوكس الإخبارية ssweN xaF قال ما يلى: «كل ما عليك هو أن تقرأ ما كتبه محمد فى القرآن، إنه كان يدعو قومه إلى قتل المشركين.. إنه رجل متعصب إلى أقصى حد ... إنه كان لصا وقاطع طريق.. «إن ما يدعو إليه هذا الرجل (محمد) فى رأيى الشخصى ليس إلا خديعة وحيلة ضخمة» «إن ٨٠ من القرآن من النصوص النصرانية واليهودية. ولقد ذكر موسى أكثر من ٥٠٠ مرة فى القرآن. أنا أقول إن هذا القرآن ما هو إلا سرقة من المعتقدات اليهودية..
ثم استدار محمد بعد ذلك ليقتل اليهود والنصارى فى المدينة. أنا أقصد.. أن هذا الرجل (محمد) كان قاتلا (سافكا للدماء)» - قطع الله لسان (روبرتسون) وإنا أنقل هذا ليعلم المنصفون مدى افتراء هذا الأفاك- وسنثبت بعد قليل أن هذا القسيس بات روبرتسون هو اللص والسارق عندما نورد أقوال الرهبان المتعصبين فى العصور الوسطى ليتبين للقارئ الكريم مدى تطابق أقوال هذا
1 / 19
المأفون مع أقوال عصر الظلمات فى أوربا فى العصور الوسطى ونقله لأقوالهم وأفكارهم.
٣- فرانكلين جراهام:Franklin Graham وهو ابن القسيس الأمريكى بيلى جراهام وقد عمل والده قسيسا خاصا للرؤساء الأمريكيين منذ عهد ريتشارد نيكسون، وحتى الرئيس الأمريكى السابق بيل كلينتون. ويتولى ابنه فرانكلين جراهام الآن نفس المهمة بعد تقاعد الأب، وقام بعمل الطقوس الدينية لتنصيب الرئيس الأمريكى الحالى جورج دبليو بوش. ويتولى جميع مسئوليات الكنيسة التى أنشأها أبوه والتى تعد من أكبر الكنائس الأمريكية عددا وتأثيرا، وقامت خلال السنوات الماضية بأكثر من ٤٥٠ حملة تنصير فى جميع أنحاء العالم. وقد أدلى فرانكلين جراهام بتصريحات إعلامية قال فيها إن الإرهاب جزء من التيار العام للإسلام، وأن القرآن (يحض على العنف) وكرر جراهام خلال برنامج (هاينتى وكولمز) المذاع على قناة فوكس نيوز الأمريكية فى الخامس من أغسطس ٢٠٠٢ م رفضه الاعتذار عن تصريحات أدلى بها بعد حوادث سبتمبر ٢٠٠١ م وصف فيها الإسلام بأنه دين (شرير) وفى كتاب جديد لفرانكلين جراهام يسمى (الاسم، The name (يحتوى على نصوص تتسم بالسفه والحطة بهدف الإساءة إلى الإسلام ومنها ما يلى: فى الصفحة رقم ٧١ يقول: «الإسلام.. أسّس بواسطة فرد بشرى مقاتل يسمى محمدا، وفى تعاليمه ترى تكتيك (نشر الإسلام من خلال التوسع العسكرى)، ومن خلال العنف إذا كان ضروريا، من الواضح أن هدف الإسلام النهائى هو السيطرة على العالم» ويقول فى الصحفة ٧٢ من كتابه إن «القرآن يحتوى على قصص أخذت وحرّفت عن العهدين القديم والجديد.. لم يكن للقرآن التأثير الواسع على الثقافتين الغربية والمتحضرة الذى كان للإنجيل. الاختلاف رقم واحد بين الإسلام والمسيحية أن إله الإسلام ليس إله الديانة المسيحية» .
٤- جيرى فاينز:Jerry Vines وهو راعى كنيسة فى جاكسون يل فى فلوريدا، يصل عدد أتباعها إلى ٢٥ ألف شخص، وهو من أبرز المتحدثين
1 / 20
الأمريكيين فى المؤتمر السنوى للكنائس المعمدانية الجنوبية، وهو أكبر مؤتمر دينى يعقد كل عام. وقام الرئيس الحالى والرئيس السابق بمدح هذا القسيس واعتباره من المتحدثين بصدق عن دينهم وقد أدلى جيرى فاينز بتصريحات تتصف بالقذارة والسفه مليئة بالكراهية والحقد على الإسلام خلال الاجتماع السنوى للكنيسة المعمدانية الجنوبية، والذى عقد مؤخرا فى مدينة سانت لويس بولاية ميسورى الأمريكية.
وخلال الاجتماع افترى جيرى فينزى على الرسول ﵊ واتهمه زورا وبهتانا بأنه «شاذ يميل للأطفال ويتملكه الشيطان، وتزوج من ١٢ زوجة آخرهن طفلة عمرها تسع سنوات» وأضاف فاينز أن «الله (الذى يؤمن به المسلمون) ليس الرب الذى يؤمن به المسيحيون» .
هذه الصور الملفقة المشوهة هى عقيدة دينية غربية موروثة ضمن عقائد المجتمع الغربى النصرانى، أصبحت راسخة فى العقل الجمعى الغربى منذ نهاية القرن الثامن الهجرى. وكانت هى المصدر الرئيس للمستشرقين والمنصرين المتعصبين فى العصور الحديثة وهى التى نراها الآن ونسمع بها.
ويمكن أن نوجز مصادر تلك العقيدة الموروثة فى أربعة مصادر رئيسية هى:
١- ما كتبه النصارى الشرقيون وأشهرهم:
يوحنا الدمشقى وتلميذه أبو قرة ويوحنا النقيوسى، ويحيى بن عدى، ومؤلف مجهول لمقالة تسمى الدفاع السريانى.
٢- ما كتبه الكتّاب البيزنطيون (الروم) وعلى رأسهم:
ثيوفانس المعترف، ونيقتاس البيزنطى، وجرمانوس.
٣- المصادر الأسبانية:
وعلى رأسها المقالة الأسبانية عن محمد ﵊ وما كتبه ايزدور الأشبيلى، وأولوخيو، وبول الفارو، وغيرهم.
٤- ما كتبه ولفقه واخترعه الكتاب الغربيون حتى نهاية القرن الثامن الهجرى
ويأتى على رأس تلك الكتابات: المشروع الكلونى. وهو أول وأكبر مشروع
1 / 21
استشراقى يهدف بالدرجة الأولى الإساءة إلى الإسلام. وكتاب لمؤلف مجهول يسمى: الدحض الرباعى، وكتاب آخر لمؤلف مجهول يسمى (المتناقضات) وما كتبه كل من: بدرودى الفونسو، وسان بدرو باسكوال، وريكولدو دى مونت كروس، ورامون مارتى، وريموندلول، ووليم الطرابلسى، ووليم الصورى، ووليم آدم، وجاكيوس دى فترى، وهامبرت الرومانى، وفيدينزو أوف بافيا، وغيرهم كثيرون.
ولا مجال هنا لعرض كل ما كتبته تلك المصادر الأربعة الرئيسية عن الإسلام، فالمادة العلمية التى جمعناها عن كل مصدر تغطى مجلدا كاملا.
وسوف نعرض مجرد نماذج مختصرة لبعض تلك الكتابات حتى نرى كيف تشكلت وتكونت تلك العقيدة الغربية الموروثة عن الإسلام ونبى الإسلام محمد ﵊.
من النصارى الشرقيين يوحنا الدمشقى (٥٥- ١٣١ هـ/ ٦٧٥- ٧٤٩ م) وهو من نصارى الشام، ولد وعاش فى العصر الأموى، وتضلع فى اللاهوت، وكتب كتبا كثيرة، ومن ضمنها كتاب كتبه باليونانية بعنوان الهرطقات. وأفرد فيه فصلا عن الإسلام أطلق عليه اسم (هرطقة الإسماعيليين) ويقصد بالإسماعيليين العرب من أبناء إسماعيل بن إبراهيم ﵉. وهذا الفصل شديد الطعن، اتهم فيه يوحنا العرب بالهرطقة والضلال والخرافة، واعتبرهم فرقة نصرانية متهرطقة، وزعم أن محمدا ﵊ كان رسولا زائفا ادّعى النبوة زمن الإمبراطور هرقل، بعد أن قرأ العهد القديم والعهد الجديد وتعلّم من راهب أريوسى فتظاهر بالتقوى حتى استمال العرب إليه وأخبرهم أنه تلقى كتابا من السماء، وقدّم فيه تلك الشرائع المضحكة على حد قوله- التى تسمى بالإسلام. ومن التلفيقات التى وضعها يوحنا فى فصله هذا لتشويه صورة النبى ﵊ زعمه الكاذب أن النبى ﵊ دخل إلى بيت زينب بنت جحش فى غياب زوجها فافتتن بها وخرج وهو يقول سبحان مقلب القلوب ... إلى آخر القصة التى تسربت إلى
1 / 22
. ةيدوهيلا ت ادقتعملا ن م ةقرس لاإ وه ام ن آرقلا اذه ن إ ل وقأ انأ. ن آرقلا ى ف ةرم ٠٠٥ ن م رثكأ ى سوم ركذ دقل و. ةيدوهيلا وةينارصنلا ص وصنلا ن م ن آرقلا ن م ٠٨ ن إ «» ةمخض ةليح وةعيدخ لاإ س يل ى صخشلا ى يأر ى ف) دمحم (ل جرلا اذه هـ يلإ وعدي ام ن إ «.. ق يرط ع طاق واصل ن اك هـ نإ ... دح ى صقأ ى لإ ب صعتم ل جر هـ نإ.. ن يكرشملا ل تق ى لإ هـ موق وعدي ن اك هـ نإ، ن آرقلا ى ف دمحم هـ بتك ام أرقت ن أوه ك يلع ام ل ك «: ى لي ام ل اق Fax Newss ةيرابخإلا س كوف ةانق ى ف Hannity and Colmess زملوك وى تناه ج مانرب ل لاخ ن م م لاسلا وةلاصلا هـ يلع ى بنلا ى لع هـ موجه ى ف وReqent University ت نجير ةعماج ى هـ ةيلوصأ ةعماج اضيأ ك لمي و) Christias
ثم استدار محمد بعد ذلك ليقتل اليهود والنصارى فى المدينة. أنا أقصد.. أن هذا الرجل (محمد) كان قاتلا (سافكا للدماء)» - قطع الله لسان (روبرتسون) وإنا أنقل هذا ليعلم المنصفون مدى افتراء هذا الأفاك- وسنثبت بعد قليل أن هذا القسيس بات روبرتسون هو اللص والسارق عندما نورد أقوال الرهبان المتعصبين فى العصور الوسطى ليتبين للقارئ الكريم مدى تطابق أقوال هذا
1 / 23
المأفون مع أقوال عصر الظلمات فى أوربا فى العصور الوسطى ونقله لأقوالهم وأفكارهم.
٣- فرانكلين جراهام:Franklin Graham وهو ابن القسيس الأمريكى بيلى جراهام وقد عمل والده قسيسا خاصا للرؤساء الأمريكيين منذ عهد ريتشارد نيكسون، وحتى الرئيس الأمريكى السابق بيل كلينتون. ويتولى ابنه فرانكلين جراهام الآن نفس المهمة بعد تقاعد الأب، وقام بعمل الطقوس الدينية لتنصيب الرئيس الأمريكى الحالى جورج دبليو بوش. ويتولى جميع مسئوليات الكنيسة التى أنشأها أبوه والتى تعد من أكبر الكنائس الأمريكية عددا وتأثيرا، وقامت خلال السنوات الماضية بأكثر من ٤٥٠ حملة تنصير فى جميع أنحاء العالم. وقد أدلى فرانكلين جراهام بتصريحات إعلامية قال فيها إن الإرهاب جزء من التيار العام للإسلام، وأن القرآن (يحض على العنف) وكرر جراهام خلال برنامج (هاينتى وكولمز) المذاع على قناة فوكس نيوز الأمريكية فى الخامس من أغسطس ٢٠٠٢ م رفضه الاعتذار عن تصريحات أدلى بها بعد حوادث سبتمبر ٢٠٠١ م وصف فيها الإسلام بأنه دين (شرير) وفى كتاب جديد لفرانكلين جراهام يسمى (الاسم، The name (يحتوى على نصوص تتسم بالسفه والحطة بهدف الإساءة إلى الإسلام ومنها ما يلى: فى الصفحة رقم ٧١ يقول: «الإسلام.. أسّس بواسطة فرد بشرى مقاتل يسمى محمدا، وفى تعاليمه ترى تكتيك (نشر الإسلام من خلال التوسع العسكرى)، ومن خلال العنف إذا كان ضروريا، من الواضح أن هدف الإسلام النهائى هو السيطرة على العالم» ويقول فى الصحفة ٧٢ من كتابه إن «القرآن يحتوى على قصص أخذت وحرّفت عن العهدين القديم والجديد.. لم يكن للقرآن التأثير الواسع على الثقافتين الغربية والمتحضرة الذى كان للإنجيل. الاختلاف رقم واحد بين الإسلام والمسيحية أن إله الإسلام ليس إله الديانة المسيحية» .
٤- جيرى فاينز:Jerry Vines وهو راعى كنيسة فى جاكسون يل فى فلوريدا، يصل عدد أتباعها إلى ٢٥ ألف شخص، وهو من أبرز المتحدثين
1 / 20
الأمريكيين فى المؤتمر السنوى للكنائس المعمدانية الجنوبية، وهو أكبر مؤتمر دينى يعقد كل عام. وقام الرئيس الحالى والرئيس السابق بمدح هذا القسيس واعتباره من المتحدثين بصدق عن دينهم وقد أدلى جيرى فاينز بتصريحات تتصف بالقذارة والسفه مليئة بالكراهية والحقد على الإسلام خلال الاجتماع السنوى للكنيسة المعمدانية الجنوبية، والذى عقد مؤخرا فى مدينة سانت لويس بولاية ميسورى الأمريكية.
وخلال الاجتماع افترى جيرى فينزى على الرسول ﵊ واتهمه زورا وبهتانا بأنه «شاذ يميل للأطفال ويتملكه الشيطان، وتزوج من ١٢ زوجة آخرهن طفلة عمرها تسع سنوات» وأضاف فاينز أن «الله (الذى يؤمن به المسلمون) ليس الرب الذى يؤمن به المسيحيون» .
هذه الصور الملفقة المشوهة هى عقيدة دينية غربية موروثة ضمن عقائد المجتمع الغربى النصرانى، أصبحت راسخة فى العقل الجمعى الغربى منذ نهاية القرن الثامن الهجرى. وكانت هى المصدر الرئيس للمستشرقين والمنصرين المتعصبين فى العصور الحديثة وهى التى نراها الآن ونسمع بها.
ويمكن أن نوجز مصادر تلك العقيدة الموروثة فى أربعة مصادر رئيسية هى:
١- ما كتبه النصارى الشرقيون وأشهرهم:
يوحنا الدمشقى وتلميذه أبو قرة ويوحنا النقيوسى، ويحيى بن عدى، ومؤلف مجهول لمقالة تسمى الدفاع السريانى.
٢- ما كتبه الكتّاب البيزنطيون (الروم) وعلى رأسهم:
ثيوفانس المعترف، ونيقتاس البيزنطى، وجرمانوس.
٣- المصادر الأسبانية:
وعلى رأسها المقالة الأسبانية عن محمد ﵊ وما كتبه ايزدور الأشبيلى، وأولوخيو، وبول الفارو، وغيرهم.
٤- ما كتبه ولفقه واخترعه الكتاب الغربيون حتى نهاية القرن الثامن الهجرى.
ويأتى على رأس تلك الكتابات: المشروع الكلونى. وهو أول وأكبر مشروع
1 / 21
استشراقى يهدف بالدرجة الأولى الإساءة إلى الإسلام. وكتاب لمؤلف مجهول يسمى: الدحض الرباعى، وكتاب آخر لمؤلف مجهول يسمى (المتناقضات) وما كتبه كل من: بدرودى الفونسو، وسان بدرو باسكوال، وريكولدو دى مونت كروس، ورامون مارتى، وريموندلول، ووليم الطرابلسى، ووليم الصورى، ووليم آدم، وجاكيوس دى فترى، وهامبرت الرومانى، وفيدينزو أوف بافيا، وغيرهم كثيرون.
ولا مجال هنا لعرض كل ما كتبته تلك المصادر الأربعة الرئيسية عن الإسلام، فالمادة العلمية التى جمعناها عن كل مصدر تغطى مجلدا كاملا.
وسوف نعرض مجرد نماذج مختصرة لبعض تلك الكتابات حتى نرى كيف تشكلت وتكونت تلك العقيدة الغربية الموروثة عن الإسلام ونبى الإسلام محمد ﵊.
من النصارى الشرقيين يوحنا الدمشقى (٥٥- ١٣١ هـ/ ٦٧٥- ٧٤٩ م) وهو من نصارى الشام، ولد وعاش فى العصر الأموى، وتضلع فى اللاهوت، وكتب كتبا كثيرة، ومن ضمنها كتاب كتبه باليونانية بعنوان الهرطقات. وأفرد فيه فصلا عن الإسلام أطلق عليه اسم (هرطقة الإسماعيليين) ويقصد بالإسماعيليين العرب من أبناء إسماعيل بن إبراهيم ﵉. وهذا الفصل شديد الطعن، اتهم فيه يوحنا العرب بالهرطقة والضلال والخرافة، واعتبرهم فرقة نصرانية متهرطقة، وزعم أن محمدا ﵊ كان رسولا زائفا ادّعى النبوة زمن الإمبراطور هرقل، بعد أن قرأ العهد القديم والعهد الجديد وتعلّم من راهب أريوسى فتظاهر بالتقوى حتى استمال العرب إليه وأخبرهم أنه تلقى كتابا من السماء، وقدّم فيه تلك الشرائع المضحكة على حد قوله- التى تسمى بالإسلام. ومن التلفيقات التى وضعها يوحنا فى فصله هذا لتشويه صورة النبى ﵊ زعمه الكاذب أن النبى ﵊ دخل إلى بيت زينب بنت جحش فى غياب زوجها فافتتن بها وخرج وهو يقول سبحان مقلب القلوب ... إلى آخر القصة التى تسربت إلى
1 / 22
بعض كتب التفسير، وأدرك ابن كثير زيفها فأعرض عن ذكرها فى تفسيره وأشار إلى أنها ملفقة لا تصح.
وكان هدف يوحنا الدمشقى من ذلك التشويه تحصين النصارى من أهل الذمة والحيلولة بينهم فى بلاد الشام وبين اعتناق الإسلام حين رأى تسامح المسلمين مع أهل الذمة، ودخول كثير من النصارى فى الإسلام فلم يجد وسيلة لتثبيت النصارى على دينهم سوى اتهام الإسلام بالهرطقة وتشويه سيرة النبى ﵊، لتكون صورته فى نظر النصارى صورة كريهة حتى لا يقبلوا على اعتناق الإسلام. وقد انتشر هذا الكتاب فى بلاد الدولة البيزنطية (دولة الروم) واستخدمه الكتّاب البيزنطيون فى هجماتهم الفكرية على الإسلام ثم ترجم إلى اللاتينية وأسهم فى صياغة العقيدة الغربية تجاه الإسلام والمسلمين طوال العصور الوسطى وحتى العصر الحاضر.
ومن الكتّاب البيزنطيين نيقتاس البيزنطى الذى عاش فى القرن الثالث الهجرى/ التاسع الميلادى. وكتب كتابا زعم أنه دحض للقرآن الكريم، ذلك أن الإمبراطور البيزنطى ميخائيل الثالث (٢٢٧- ٢٥٤/ ٨٤٢- ٨٦٧) تلقى مقالتين من بعض العلماء المسلمين تفندان مزاعم النصارى بأن الله جل وعلا ابن يشاركه فى أسمائه وصفاته، وبطلان مقولة الأقانيم الثلاثة. فكلّف الإمبراطور نيقتاس بالرد عليه فقام نيقتاس بتأليف رده الذى وصفه بأنه (دحض لكتاب محمد المزوّر) . ولم يكن نيقتاس متضلعا فى اللغة العربية، فقام حسب زعمه بالاطلاع على القرآن، وقام باستعراض سوره من سورة البقرة إلى سورة الكهف، وكل سورة يسميها الأسطورة المحمدية رقم كذا. مثلما هو رقمها فى القرآن- ثم يذكر اسمها. وأصدر حكمه الباطل بأن القرآن يصوّر الله- جل وعلا على شكل كروى كامل، أو على شكل مطرقة معدنية مطروقة فى السماء.
ويبدو أن نيقتاس اقتبس هذا الزعم من المقالة الأسبانية التى سأشير إليها بعد قليل. ثم أخذ يسخر من المسلمين على مناصرتهم لهذا التصور المادى- بزعمه-، وقال بأن محمدا ﵊ قاد المسلمين ليعبدوا فى مكة
1 / 23