The Origin and Development of Ilm al-Rijal from the First to the Ninth Century
علم الرجال نشأته وتطوره من القرن الأول إلى نهاية القرن التاسع
پژوهشگر
-
ناشر
دار الهجرة للنشر والتوزيع،الرياض
شماره نسخه
الأولى
سال انتشار
١٤١٧هـ/١٩٩٦م
محل انتشار
المملكة العربية السعودية
ژانرها
عِلْمُ الرِّجَال نَشْأَتُهُ وُتَطَوُّرُهُ من القرْنِ الأوَّل إلى نهاية القَرْنِ التَّاسع
تَأْليف د. محمَّد بن مَطَر الزَّهْراني
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة:
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيِّئات أعمالنا، من يهدهِ الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضْلِلْ فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا الله الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامِ إِنَّ الله كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَقُولُوا قَوْلًا شَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ .
أما بعد:
فإنه لما أُسند إليَّ تدريس مادتي "تدوين السنة" و"رواة الحديث وطبقاتهم" لطلاب السنة الأولى بكلية الحديث بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، ألفيت هاتين المادتين لتلازمهما تكمّل
1 / 7
على الفهم الصحيح والعمل بما علم ثم نشر علمه وبثه في الأمة.
ثالثًا: حاولت قدر المستطاع التقيد بمفردات منهج المادة المقرر على طلاب كلية الحديث إلا أن مقتضيات التأليف والتصنيف اضطرتني أحيانًا لبعض الإضافات أو الزيادات أو التوسع أحيانًا في بعض الفقرات.
كما حاولت جهدي أن لا أترك فقرة من المنهج دون دراسة إلا أنني تركت فقرتين من الممفردات قصدًا، وهما:
الأولى: تفسير المستشرقين للفتنة التي ورد ذكرها في قول ابن سيرين: "كانوا لا يسألون عن الإسناد حتى وقعت الفتنة".
والثانية: موقف الخوارج والشيعة من عدالة الصحابة ﵃
وكان تركي لها للأسباب الآتية:
١- بالنسبة لتفسير المستشرقين فكان سقوطه وعدم صحته واضحًا بحيث لا يساوي تسويد الصفحات بالرد عليه لاسيما وهم قد تناقضوا
فيه.
ثم إن فضيلة شيخنا الدكتور أكرم العُمري قد كشف عوار ذلك التفسير بما لا مزيد عليه وذلك في كتابه "بحوث في تاريخ السنة" (٥١ - ٥٢) .
٢- أما موقف الخوارج والشيعة من عدالة الصحابة فأهملت الرد عليه للأسباب الآتية:
١- إن التنزل لمناقشة مثل هذه الآراء يعني وضع الصحابة في
1 / 8
قفص الاتهام ونسلم به جدلًا ثم ننشغل بعد ذلك بالدفاع ورد الشبهات بدلًا من أن نشغل أنفسنا بتقرير منهجهم وبيان مكانتهم في الأمة كما وردت في الكتاب والسنة وإجماع الأمة.
٢- إنهم لا يحتاجون مع تزكية الله ﷿ لهم ورسوله ﷺ إلى تزكية أحد فضلًا عن دفاعه عنهم.
٣- إن سلفنا من علماء السنة لم يسودوا صفحات كتبهم بالرد على موقف هؤلاء المبتدعة من الصحابة، بل اكتفوا بسرد النصوص الواردة في تزكيتهم من الكتاب والسنة وإجماع الأمة وبيان فضلهم وجهادهم ثم انشغلوا بتقرير منهجهم في العلم والعمل.
انظر عن ذلك مثلًا: ما كتبه ابن أبي حاتم في مقدمة "الجرح والتعديل"، والخطيب البغدادي في "الكفاية" باب ما جاء في تعديل الله ورسوله للصحابة، وما كتبه الحافظ ابن حجر في مقدمة "الإصابة"، فضلًا عن صنيع صاحبي "الصحيح" الإمامين البخاري ومسلم حين خصصا في كتابيهما كتابًا لذكر ما ورد في فضائل الصحابة ومناقبهم وغير ذلك من الكتب.
٤- إن من منهج السلف عندما يضطرون للرد على مثل هؤلاء الطوائف أن ينقلوا المعركة إلى عُقر دارهم، فيهتكوا أستارهم ويفضحوا باطلهم ويبينوا فساد وعوار منهجهم، ولا ينشغلوا برد ما يثيرونه من شكوك أو يروجونه من شبهات إلا في أضيق نطاق.
والله تعالى أسأله أن يجعل عملي هذا خالصًا لوجهه الكريم
1 / 9
ويتقبله مني، والحمد لله أولًا وآخرًا، وصلى الله وسلم على أشرف خلق الله محمد رسول الله.
المؤلف
د. محمد بن مطر الزهراني
في العشرين من شهر جمادى الأول من شهور سنة أربع عشرة بعد الأربع مئة وألف المدينة النبوية حرسها الله
1 / 10
إحداهما الأخرى في بيان جهود سلف هذه الأمة في خدمة هذا الدين وخدمة السنة النبوية على وجه الخصوص، وبما أن موضوعاتها المبينة في المنهج المقرر على طلاب الكلية لا يجمعها أو جُلّها كتاب واحد - فيما أعلم -، فعقدت العزم على جمع مفرداتها من مختلف الكتب التي اعتنت بذلك من كتب المتقدمين أو كتب المتأخرين.
وقد يسر الله لي بمنه وفضله أن انتهيت منذ سنتين من جمع مفردات منهج مادة تدوين السنة فأخرجته في كتاب بعنوان "تدوين السنة النبوية نشأته وتطوره من القرن الأول إلى نهاية القرن التاسع الهجري"، وقد تقيدت فيه بمفردات المنهج حسب الإمكان ولذلك جاءت موضوعاته في شكل نبذ مختصرة وليست مستوعبة لكل الموضوعات التي يمكن أن تدخل تحت العنوان.
وها أنا الآن أتقدم بإخراج الكتاب الثاني في هذا الموضوع، والذي يعد مكملًا للكتاب الأول وسميته "علم الرجال نشأته وتطوره من القرن الأول إلى نهاية القرن التاسع الهجري" جمعت فيه مفردات منهج مادة "رواة الحديث وطبقاتهم" المقرر على طلاب السنة الأولى بكلية الحديث، وقد جاء الكتاب في مقدمة وتمهيد وخمسة أبواب فيها أربعة عشر فصلًا تحتها واحد وخمسون مبحثًا.
وبعد: فهناك أمور أُحِبُّ أن أُنَبِّه عليها في هذه المقدمة تتمة للفائدة:
أولًا: إن قواعد علوم الحديث أو ما يسمى بمصطلح الحديث، والتي منها ما يتعلق بالرواية ومنها ما يتعلق بالدراية، كانت ثمرة لتطور التدوين في متون السنة والتصنيف في علم الرجال وجهود السلف في
1 / 11
ذلك.
وقد مر التصنيف في مصطلح الحديث بعدة مراحل:
المرحلة الأولى: عندما كانت قواعده تتناقل إما مشافهة وإما منثورة في مصنفات شتَّى، وذلك طيلة القرون الثلاثة الأولى، إذ لم يوجد - فيما أعلم - مصنف واحد يجمع تلك القواعد في هذه القرون الثلاثة، وإنما وجد بعضها منثورًا في مثل: "الرسالة" للإمام الشافعي، وكتاب "التمييز" للإمام مسلم، وكذلك في مقدمة "صحيحه"، وفي كتب معرفة الرجال والعلل، وكتب الجرح والتعديل المختلفة وغيرها.
المرحلة الثانية: محاولة جمع هذه القواعد في كتاب واحد أو في كتب، وهذه المرحلة امتدت من أوائل القرن الرابع إلى نهاية القرن الخامس تقريبًا، ومن أهم هذه الكتب:
١- المحدث الفاصل لأبي محمد بن خلاد الرامهرمزي (ت ٣٦٠ هـ) .
٢- معرفة علوم الحديث لأبي عبد الله الحاكم (ت ٤٠٥ هـ) .
٣- الكفاية لأبي بكر الخطيب البغدادي (ت ٤٦٣ هـ) .
وغيره من كتبه الأخرى.
وتميزت هذه المؤلفات بسرد الراويات والأسانيد ثم استخلاص القواعد منها، وذكر من قال بها أو ذهب إليها من السلف.
المرحلة الثالثة: ما بعد القرن الخامس، وهي مرحلة جمع
1 / 12
القواعد من كتب من تقدم من الأئمة بدون ذكر الأسانيد أو الروايات، ثم محاولة إعادة ترتيبها وتهذيبها، ومن أبرز المؤلفات في ذلك كتاب "مقدمة في علوم الحديث" للحافظ أبي عمرو ابن الصلاح (ت ٦٤٣ هـ) وما تفرع منها من اختصار أو تنكيت أو نظم أو شرح وغير ذلك.
ثانيًا: إنه من خلال معايشتي لجهود سلف هذه الأمة في خدمة هذا الدين أثناء عملي في كتابي "تدوين السنة"، و"علم الرجال" لاحظت الأمور الآتية:
١- إن الإخلاص لله كان رائدهم في كل ما قاموا به من الأعمال وما بذلوه من جهود، حيث كان ذلك كله ابتغاء وجه الله ﷿ وذبًّا للكذب عن سنة رسول الله ﷺ.
٢- إن حياتهم وأوقاتهم كلها كانت إما في طلب علم أو عمل عبادة أو نشر للعلم وجهاد في سبيل الله، فما كانوا يرون الراحة إلا في طلب العلم والعمل به ثم نشره بين الناس.
٣- إنهم لم يكونوا يبتغون بأعمالهم منصبًا دنيويًّا أو جاهًا عند ذي سلطان أو التكثر من الأموال، بل كانوا يفرون من ذلك كله فرار الصحيح من المجذوم، وما كان الغرور والعجب والكبر والرياء ليجد إلى قلوبهم سبيلًا فضلًا من الله ونعمة، بل كان الاحتساب لله رائدهم، وإظهار العلم وإخفاء العمل هديهم.
٤- إنهم كانوا في طلب العلم يتدرجون وفق برنامج علمي وعملي سليم، فيبدأون بالتعبد والتأدب أولًا، ثم يشرع الطالب بعد ذلك في طلب العلم على أهله المعروفين مخلصًا نيته في طلبه حريصًا
1 / 13
التمهيد:
أولًا: الإسناد وأهميته:
أ- تعريف الإسناد:
قال الحافظ بدر الدين بن جماعة (ت ٧٣٣ هـ):
"السند: هو الإخبار عن طريق المتن، وهو مأخوذ:
إما من السند وهو ما ارتفع وعلا من سفح الجبل لأن المسند - بكسر النون - يرفعه إلى قائله.
أو من قولهم: فلان سند أي معتمد، فسمي الإخبار عن طريق المتن سندًا لاعتماد الحفاظ في صحة الحديث وضعفه عليه.
وأما الإسناد فهو رفع الحديث إلى قائله، والمحدثون يستعملون السند والإسناد لشيء واحد".
وقال: "وقبله المتن: فهو في اصطلاح المحدثين ما ينتهى إليه غاية السند من الكلام، وهو مأخوذ إما من المماتنة وهي المباعدة في الغاية لأن المتن غاية السند، أو من المتن وهو ما صلب وارتفع من الأرض، أو من تمتين القوس بالعصب وهو شدها به وإصلاحها" ١ اهـ. بتصرف يسير.
وقال الحافظ الحسين بن عبد الله الطيبي (ت ٧٤٣ هـ):
_________
١المنهل الروي لابن جماعة (ص: ٢٩ - ٣٠) .
1 / 15
"والسند: إخبار عن طريق المتن، من قولهم فلان سند أي معتمد، فسمي سندًا لاعتماد الحفاظ في صحة الحديث وضعفه عليه".
والإسناد: رفع الحديث إلى قائله. فعلى هذا السند والإسناد يتقاربان في معنى الاعتماد".
وقال قبله: "المتن: هو ما اكتنف الصلب من الحيوان وبه شبه المتن من الأرض، ومَتُنَ الشيءُ قَوِيَ متنُه، ومنه حبل متين، فمتنُ كل شيء ما يتقوم به ذلك الشيء، كما أن الإنسان يتقوم بالظهر ويتقوى به.
فمتن الحديث ألفاظه التي تتقوم بها المعاني.
واختلف في متن الحديث، أهو قول الصحابي عن رسول الله ﷺ كذا وكذا أو هو قول الرسول ﷺ فحسب، والأول أظهر لما تقرر من أن السنة إما قول أو فعل أو تقرير". ١ اهـ.
ب: أهمية الإسناد:
للإسناد مكانته وأهميته في الإسلام، إذ الأصل في ذلك تلقي الأمة لهذا الدين عن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، وهم تلقوه عن رسول رب العالمين محمد ﷺ، وهو تلقى عن رب العزة والجلال
_________
١الخلاصة في أصول الحديث (ص: ٣٠)، وانظر: تدريب الراوي (١ / ٤١ - ٤٢)، ونزهة النظر (ص: ١٩، ٢٥ - ٥٣)، وفتح المغيث للسخاوي (١ / ١٤)، وانظر: مادة "سند" من صحاح الجوهري (٢ / ٤٧٩)، وتاج العروس للزبيدي (٢ / ٣٨١ - ٣٨٢) .
1 / 16
بواسطة أو بغير واسطة كما هو معلوم من أقسام الوحي.
وكذلك ما صح عن ابن عباس أنه قال: قال رسول الله ﷺ: "تَسْمَعُون ويُسْمَع مِنْكُمْ وَيُسْمَعُ مِمَّنْ يَسْمَعُ مِنْكُمْ". ١
وللدلالة على أهمية ومكانة الإسناد من الإسلام، أذكر فيما يلي طائفة من أقوال السلف ﵏:
١- روى الإمام مسلم بسنده عن محمد بن سيرين قال: "الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء". ٢
٢- وبإسناده إلى محمد بن سيرين أيضًا قال: "إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم".٣ وذلك لأن الإسناد وسيلة لتمييز الأحاديث الصحيحة من الضعيفة مما يترتب عليه معرفة أحكام أو تعاليم الدين.
_________
١أخرجه أبو داود في كتاب العلم من السنن باب فضل نشر العلم (ح ٣٦٥٩)، وأخرجه الإمام أحمد كلاهما بسند صحيح، المسند (٤ / ٣٤٠) ح ٢٩٤٧، تحقيق الشيخ أحمد شاكر، وأخرجه الحاكم في معرفة علوم الحديث (ص: ٦٠) وقال: "لقد وصف رسول الله ﷺ في هذا الحديث أربع طباق في رواة الحديث وهذه الخامسة التي نحن فيها على ما وصفه".
وأخرجه الخطيب البغدادي في شرف أصحاب الحديث (ص: ٣٧ - ٣٨)، من طريقين يقوي أحدهما الآخر وعنون له بقوله: "بشارة النبي ﷺ أصحابه بكون طلبة الحديث بعده واتصال الإسناد بينهم وبينه".
٢مقدمة صحيح الإمام مسلم (١ / ١٥)، وروى هذا القول مسلم أيضًا عن ابن المبارك، وانظر: المحدث الفاصل (ص: ٢٠٩) .
٣مقدمة صحيح مسلم (١ / ١٤)، وانظر: المحدث الفاصل (ص: ٤١٤) .
1 / 17
٣- وأخرج مسلم أيضًا بإسناده إلى الإمام عبد الله بن المبارك أنه قال: "بيننا وبين القوم القوائم" يعني الإسناد. ١
٤- وأخرج ابن حبان عن سفيان الثوري قال: "الإسناد سلاح المؤمن، إذا لم يكن معه سلاح فبأيِّ شيءٍ يقاتل". ٢
٥- وبإسناده إلى شعبة قال: "كل حديث ليس فيه (حدثنا) و(أخبرنا) فهو مثل الرجل بالفلاة معه البعير ليس له خطام". ٣
٦- أخرج الخطيب بسنده إلى أبي بكر محمد بن أحمد (ت ٣٣١ هـ) قال: "بلغني أن الله خص هذه الأمة بثلاثة أشياء لم يعطها مَنْ قبلها من الأمم: الإسناد والأنساب والإعراب". ٤
٧- وقال الحافظ السيوطي: قال أبو علي الحسين بن محمد الجياني الغساني (ت ٤٩٨ هـ): "خص الله تعالى هذه الأمة بثلاثة أشياء لم يعطها مَنْ قبلها: الإسناد والأنساب والإعراب". ٥
٨- وقال الحافظ أبو محمد بن حزم (ت ٤٥٦ هـ):
"نقل الثقة عن الثقة يبلغ به النبي ﷺ مع الاتصال، نقل خص الله ﷿ به المسلمين، دون سائر أهل الملل كلها. وأما مع الإرسال والإعضال فمن هذا النوع كثير من نقل اليهود بل هو أعلى
_________
١مقدمة صحيح مسلم (١ / ١٥) .
٢مقدمة المجروحين لابن حبان (١ / ٢٧)، وشرف أصحاب الحديث للخطيب (ص: ٢٤) .
٣مقدمة المجروحين (١ / ٢٧) .
٤شرف أصحاب الحديث (ص: ٤٠) .
٥تدريب الراوي (١/١٥٩ - ١٦٠) .
1 / 18
ما عندهم إلا أنهم لا يقربون فيه من موسى ﵇ كقربنا فيه من محمد ﷺ ... وأما النصارى فليس عندهم من صفة هذا النقل إلا تحريم الطلاق وحده فقط على أن مخرجه من كذَّاب قد صحَّ كذبه، ثم قال: وأما النقل بالطريق المشتملة على كذَّاب أو مجهول العين فكثير في نقل اليهود والنصارى" اهـ ملخصًا. ١
٩- وقال أبو حاتم الرازي ﵀ (ت ٢٧٧ هـ):
"لم يكن في أمة من الأمم منذ خلق الله آدم أمناء يحفظون آثار الرسل إلا في هذه الأمة".
فقال له رجل: يا أبا حاتم ربما رووا حديثًا لا أصل له ولا يصح.
فقال: "علماؤهم يعرفون الصحيح من السقيم، فروايتهم ذلك للمعرفة ليتبين لمن بعدهم أنهم ميزوا الآثار وحفظوها"، ثم قال: "رحم الله أبا زرعة كان والله مجتهدًا في حفظ آثار رسول الله ﷺ". ٢
١٠- روى الخطيب البغدادي (ت ٤٦٣ هـ) بإسناده إلى أبى العباس محمد بن عبد الرحمن الدغولي قال: سمعت محمد بن حاتم بن المظفر يقول: "إن الله أكرم هذه الأمة وشرفها وفضلها
_________
١الفصل (٢ / ٢١٩ - ٢٢٣)، فصل: "كيف تم نقل القرآن وأمور الدين.." وهو فصل مهم جدًا في هذا الباب.
٢شرف أصحاب الحديث (ص: ٤٢ - ٤٣) .
1 / 19
بالإسناد، وليس لأحد من الأمم كلها قديمهم وحديثهم إسناد، وإنما هي صحف في أيديهم، وقد خلطوا بكتبهم أخبارهم، وليس عندهم تمييز بين ما نزل من التوراة والإنجيل مما جاءهم به أنبياؤهم، وتمييز بين ما ألحقوه بكتبهم من الأخبار التي أخذوها عن غير الثقات.
وهذه الأمة إنما تَنُصّ الحديث من الثقة المعروف في زمانه المشهور بالصدق والأمانة عن مثله حتى تتناهى أخبارهم، ثم يبحثون أشد البحث حتى يعرفوا الأحفظ فالأحفظ، والأضبط فالأضبط، والأطول مجالسة لمن فوقه ممن كان أقل مجالسة.
ثم يكتبون الحديث من عشرين وجهًا وأكثر حتى يهذّبوه من الغلط والزلل، ويضبطوا حروفه ويعدّوه عدًا، فهذا من أعظم نعم الله تعالى على هذه الأمة نستوزع الله شكره هذه النعمة ونسأله التثبيت والتوفيق لما يُقرب منه ويُزْلف لديه، ويمسكنا بطاعته إنه ولي حميد.
فليس أحد من أهل الحديث يحابي في الحديث أباه ولا أخاه ولا ولده، وهذا علي بن عبد الله المديني - وهو إمام الحديث في عصره -، لا يُروى عنه حرف واحد في تقوية أبيه بل يُروى ضد ذلك، فالحمد لله على ما وفقنا ". ١
١١- وقال أبو عبد الله الحاكم ت (٤٠٥ هـ): "فلولا الإسناد وطلب هذه الطائفة له وكثرة مواظبتهم على حفظه لدرس منار الإسلام ولتمكن أهل الإلحاد والبدع منه بوضع الأحاديث وقلب الأسانيد، فإن الأخبار إذا تعرَّت عن وجود الأسانيد فيها كانت بُتْرًا".
_________
١شرف أصحاب الحديث (ص: ٤٠ - ٤١) .
1 / 20
ثم ذكر بإسناده إلى عتبة بن أبي حكيم أنه كان عند إسحاق بن أبي فروة وعنده الزهري، قال: فجعل ابن أبي فروة يقول: قال رسول الله ﷺ، قال رسول الله ﷺ.
فقال له الزهري: قاتلك الله يا ابن أبي فروة، ما أجرأك على الله، ألا تسند حديثك تحدثنا بأحاديث ليس لها خُطُم ولا أزمة". ١
وقال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية (ت ٧٢٨ هـ):
"وعلم الإسناد والرواية مما خص الله به أمة محمد ﷺ، وجعله سلمًا إلى الدراية، فأهل الكتاب لا إسناد لهم يأثرون به المنقولات، وهكذا المبتدعون من هذه الأمة أهل الضلالات، وإنما الإسناد لمن أعظم الله عليه المنة أهل الإسلام والسنة، يفرقون به بين الصحيح والسقيم، والمعوج والقويم" ٢اهـ.
ثانيًا: بدء استعمال الإسناد والسؤال عنه:
تقدم في الفقرة السابقة عند الكلام عن أهمية الإسناد أن الأصل في ذلك تلقي الأمة الدين كله عن الصحابة وهم تلقوه عن رسول الله وهو تلقاه عن رب العزة والجلال.
وقال الحافظ أبو عبد الله الذهبي (ت ٧٤٨ هـ): في ترجمة أبي بكر الصديق ﵁: وكان أول من احتاط في قبول الأخبار، فروى ابن شهاب عن قبيصة بن ذؤيب: "أن الجدة جاءت إلى أبي بكر تلتمس أن تورث، فقال: ما أجد في كتاب الله شيئًا وما علمت أن رسول الله ﷺ ذكر
_________
١معرفة علوم الحديث (ص: ٦)، والكفاية (ص: ٥٥٥ - ٥٥٦) .
٢مجموع الفتاوى (١/٩) .
1 / 21
لك شيئًا، ثم سأل الناس فقام المغيرة فقال: حضرت رسول الله ﷺ يعطيها السدس، فقال له: هل معك أحد فشهد محمد بن مسلمة بمثل ذلك، فأنفذه لها أبو بكر". ١
وقال في ترجمة عمر ﵁:
"وهو الذي سن للمحدثين التثبت في النقل، وربما كان يتوقف في خبر الواحد إذا ارتاب".
"فروى الجريري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري قال: كنت في مجلس من مجالس الأنصار، إذ جاء أبو موسى كأنه مذعور، فقال: استأذنت على عمر ثلاثًا فلم يؤذن لي فرجعت، فقال: ما منعك؟ قلت: استأذنت فلم يؤذن فرجعت، وقال رسول الله ﷺ: "إذا اسْتأذَنَ أَحَدكُمْ ثَلاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِعْ"، فقال: والله لتقيمن عليه بينة، أمنكم أحد سمعه من النبي ﷺ فقال أبي بن كعب: والله لا يقوم معك إلا أصغر القوم، فكنت أصغر القوم فقمت معه فأخبرت عمر أن النبي ﷺ قال ذلك". ٢
وقال الحافظ ابن حجر (ت ٨٥٢ هـ): "فقد جاء في بعض طرقه أن عمر قال لأبي موسى: أما إني لم أتهمك، ولكني أردت أن لا
_________
١تذكرة الحفاظ (١ / ٢)، وقد وردت هذه القصة من أكثر من عشرين طريقًا كلها تنتهي إلى قبيصة، وهو لم يدرك أبا بكر، فتكون القصة مرسلة، لكنها مشهورة معروفة عند العلماء والله تعالى أعلم.
٢تذكرة الحفاظ (١ / ٦)، والحديث بهذا اللفظ رواه البخاري في كتاب الاستئذان باب التسليم والاستئذان ثلاثًا.
1 / 22
يتجرأ الناس على الحديث عن رسول الله ﷺ". ١
وقال الحافظ أبو حاتم بن حبان (ت ٣٥٤ هـ):"وتبع عمر على ذلك التثبت عليّ بن أبي طالب ﵁ باستحلاف من يحدثه عن رسول الله ﷺ، وإن كانوا ثقات مأمونين ليعلمهم توقي الكذب على رسول الله ﷺ".
ثم قال: "وهذان أول من فتش عن الرجال في الرواية وبحثا عن النقل في الأخبار ثم تبعهما الناس على ذلك ... وتشديدهم فيها على أصحاب رسول الله ﷺ كان منهم ذلك توقيًا للكذب عليه ممن بعدهم لا أنهم كانوا متهمين في الرواية". ٢
هذه النصوص تدل دلالة واضحة على أن التحري والتوقي في رواية الحديث والسؤال عن الإسناد قد بدأ في فترة مبكرة، لكن كثرة السؤال عن الإسناد والتفتيش عنه ازدادت بعد وقوع فتنة عبد الله بن سبأ اليهودي وأتباعه في آخر خلافة عثمان بن عفان ﵁، ولم يزل استعمال الإسناد ينتشر ويزداد السؤال عنه مع انتشار أصحاب الأهواء بين المسلمين وكثرة الفتن التي قد تحمل على الكذب حتى أصبح الناس لا يقبلون حديثًا بدون إسناد حتى يعرف رواته ويعرف حالهم.
وفيما يلي من النصوص دلالة واضحة على ذلك:
١- روى الإمام مسلم بإسناده إلى مجاهد قال: "جاء بشير بن كعب العدوي إلى ابن عباس فجعل يحدث ويقول: قال رسول الله ﷺ، قال رسول الله ﷺ، فجعل لا يأذن لحديثه ولا ينظر إليه فقال:
_________
١الفتح (١١ / ٢٦) ح ٦٢٤٥.
٢مقدمة المجروحين (١ / ٣٨) .
1 / 23
يا ابن عباس مالي لا أراك تسمع لحديثي أحدثك عن رسول الله ﷺ، ولا تسمع، فقال: إنا كنا مرة إذا سمعنا رجلًا يقول: قال رسول الله ﷺ، ابتدرته أبصارنا وأصغينا إليه بآذاننا، فلما ركب الناس الصعب والذلول لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف". ١
٢- وروى بسنده أيضًا إلى محمد بن سيرين قال:
"لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم". ٢
٣- وعن يعقوب بن شيبة قال: "سمعت علي بن المديني يقول: كان محمد بن سيرين ممن ينظر في الحديث ويفتش عن الإسناد، لا نعلم أحدًا أول منه ... ". ٣
٤- روى الإمام أحمد عن جابر بن نوح قال:
"أخبرنا الأعمش عن إبراهيم النخعي قال: إنما سُئل عن الإسناد أيام المختار". ٤
_________
١مقدمة صحيح الإمام مسلم (١ / ١٣) .
٢مقدمة صحيح الإمام مسلم (١ / ١٥) .
٣شرح علل الترمذي لابن رجب (١ / ٥٢) .
٤العلل للإمام أحمد برواية ابنه عبد الله (٣ / ٣٨٠) فقرة ٥٦٧٣.
والمختار هو ابن أبي عبيد الثقفي لأبيه صحبة، ولد سنة الهجرة وليس له صحبة، خرج على أولاد علي بن أبي طالب وانضم إلى عبد الله بن الزبير في أول أمره ثم تظاهر بعد ذلك بالمطالبة بدم الحسين بن علي ﵄، ثم ادعى في آخر أيامه أن الوحي ينزل عليه، وإليه تنسب فرقة المختارية المتفرعة من الكيسانية التي تقول بأن الإمام بعد علي ﵁ ابنه محمد بن الحنفية، وأنه حي وسيظهر في آخر الزمان، ويغلو بعضهم فيزعم ألوهيته، وقد قتل المختار على يد مصعب بن الزبير سنة (٦٧ هـ) .
انظر: اعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازي (ص: ٩٤)، لسان الميزان (٦ / ٦ - ٧) .
1 / 24
٥- وروى الحافظ أبو محمد بن خلاد الرامهرمزي (ت ٣٦٠ هـ) بسنده إلى الإمام الشعبي عن الربيع بن خثيم قال: من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد فله كذا وكذا، قال الشعبي: فقلت: من حدَّثك قال: عمرو بن ميمون، فلقيت عمرو ميمون وقلت: من حدَّثك فقال: أبو أيوب صاحب رسول الله ﷺ.
قال يحيى بن سعيد القطان: وهذا أول ما فتش عن الإسناد. ١
٦- وروى ابن أبي حاتم بإسناده إلى خالد بن نزار قال: سمعت مالكًا يقول: "أول من أسند الحديث ابن شهاب الزهري" (ت ١٢٤ هـ) . ٢
_________
١المحدث الفاصل (ص: ٢٠٨)، التمهيد لابن عبد البر (١ / ٥٥) .
٢تقدمة الجرح والتعديل (١ / ٢٠) .
وقد علل شيخنا الأستاذ الدكتور / أكرم العمري كلام الإمام مالك فقال:
"وبسبب تأكيد الزهري على الإسناد والتزامه به قال مالك: "إن أول من أسند الحديث الزهري"، ولعله قصد بذلك في بلاد الشام، فقد "ذكر الوليد بن مسلم أن الزهري قال: يا أهل الشام ما لي أرى أحاديثكم ليس لها أزمة ولا خطم وتمسك أصحابنا بالأسانيد من يومئذ". سير أعلام النبلاء (٥ / ٣٣٤) .
وتوجيه الكلام إلى أهل الشام يوحي بأن التزام الإسناد في مراكز العلم الأخرى كان أكثر بحيث بدا أهل الشام متساهلين في ذلك، فنبههم الزهري إلى تقصيرهم فأصبحوا يسندون أحاديثهم، ولا يعني هذا أن الإسناد لم يكن موجودًا قبل الزهري، فقد كان بدء السؤال عن الإسناد في عهد الصحابة ثم عند كبار التابعين لكنه في جيل الزهري أصبح الالتزام بالإسناد قويًا". بحوث في تاريخ السنة المشرفة (ص: ٥٠ - ٥١) .
1 / 25
ثالثًا: ظهور علم الرجال وبدء التصنيف فيه:
كان ظهور علم الرجال نتيجة لتطور استعمال الإسناد وانتشاره وكثرة السؤال عنه، وكلما تقادم الزمن كثرت الوسائط في الأسانيد وطالت، فاحتيج إلى بيان أحوال تلك الوسائط والتمييز بينها ولاسيما مع ظهور البدع والأهواء وكثرة أصحابها، لذلك نشأ علم الرجال الذي هو ميزة لهذه الأمة على سائر الأمم، وقد جاء التأليف فيه متأخر عن تدوين الأحاديث. ١
ولم تظهر كتب الرجال - فيما وقفت عليه - إلا من بعد منتصف القرن الثاني الهجري.
وأقدم ما وقفت على ذكره من هذه الكتب: كتاب "التأريخ" تأليف الليث بن سعد (ت ١٧٥ هـ)، و"التأريخ" للإمام عبد الله بن المبارك (ت ١٨١ هـ) ٢، وذكر الإمام الذهبي: أن للوليد بن مسلم (ت ١٩٥ هـ) كتابًا في تاريخ الرجال ٣، ثم تتابع التأليف في ذلك كما سيأتي بيانه في الباب الأول من هذا البحث.
وقد كان الكلام في الرواة وبيان أحوالهم قبل التأليف فيه يتناقل مشافهة يتلقاه العلماء بعضهم عن بعض جيلًا بعد جيل.
١- قال الحافظ ابن رجب (ت ٧٩٥ هـ): "ابن سيرين (ت ١١٠ هـ) ﵁ هو أول من انتقد الرجال وميز الثقات من غيرهم ... ".
_________
١انظر: تدوين السنة النبوية نشأته وتطوره (ص: ٦٥) .
٢انظر: فهرست النديم (ص: ٢٥٢، ٢٨٤) .
٣تذكرة الحفاظ (١/٢٧٥) .
1 / 26
وقال يعقوب بن شيبة: "قلت ليحيى بن معين: تعرف أحدًا من التابعين كان ينتقي الرجال كما كان ابن سيرين ينتقيهم؟ فقال برأسه، أي: لا".
وقال يعقوب أيضًا: "وسمعت علي بن المديني يقول: كان ابن سيرين ممن ينظر في الحديث ويفتش عن الإسناد، لا نعلم أحدًا أول منه، ثم كان أيوب (ت ١٣١ هـ)، وابن عون (ت ١٥٠)، ثم كان شعبة (ت ١٦٠ هـ)، ثم كان يحيى بن سعيد - القطان - (ت ١٩٨ هـ)، وعبد الرحمن بن مهدي (ت ١٩٨) .
قلت لعلي: فمالك بن أنس فقال: أخبرني سفيان بن عُيينة قال: ما كان أشد انتقاء مالك للرجال". ١
٢- وقال أبو عبد الله الذهبي (ت ٧٤٨ هـ):
"فأول من زكَّى وجرح عند انقراض عصر الصحابة: الشعبي (ت ١٠٣ هـ)، وابن سيرين (ت ١١٠ هـ) ونحوهما، وحفظ عنهم توثيق أُناس وتضعيف آخرين فلما كان عند انقراض عامَّة التابعين في حدود الخمسين ومئة، تكلم طائفة من الجهابذة في التوثيق والتضعيف، كالأعمش (١٤٨ هـ) وشعبة بن الحجاج (ت ١٦٠ هـ) ومالك بن أنس (ت ١٧٩ هـ) .
٣- بعد أن ذكر ابن حبان تفتيش الصحابة عن الرجال قال: "ثم أخذ مسلكهم واستن بسنتهم واهتدى بهديهم فيما
_________
١شرح العلل لابن رجب (١ / ٥٢) .
1 / 27