وقيل: ترى النار أصحابها من مسيرة مئة عام١، وقيل: خمسمئة عام٢، وهذا هو معنى ﴿مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾ عند بعض المفسرين، وهذه الروايات غير مرفوعة إلى المعصوم ﷺ، فهي ليست إلا من باب الحشو والتزيد.
١- فسرت الرؤية بمعنى: إذا رآهم خزنتها، سمع المعذبون تغيظا وزفيرا، وهذا من الآراء المذكورة في تفسير الآية٣، وجوزه الزمخشري بقوله٤: "ويجوز أن يراد: إذا رأتهم زبانيتها نغيظوا وزفروا غضبا على الكفار، وشهوة للانتقام منهم" ا؟.
٢- حمل الرؤية على المجاز بمعنى: إذا ظهرت لهم فكانت بمرأى الناظر٥ أو بعبارة الزمخشري٦: "..رأتهم.. من قولهم: "دورهم تتراءى وتتناظر، ومن قوله ﷺ: "لا تتراءى نارهما"٧، كأن بعضها يرى بعضا على سبيل المجاز، والمعنى إذا كانت منهم بمرأى الناظر في البعد سمعوا صوت غليانها، وشبه ذلك بصوت المتغيظ والزافر" ا؟.
رد ابن المنير على الزمخشري:
وجرى ابن المنير على محمود عادته في الرد على الزمخشري فقال٨: "لا حاجة إلى حمله على المجاز، فإن رؤية جهنم جائزة، وقدرة الله تعالى صالحة٩، وقد تظافرت الظواهر على وقوع هذا الجائز، وعلى أن الله تعالى يخلق لها إدراكا حسيا وعقليا، ألا ترى إلى قوله: ﴿سَمِعُوا لهَا تَغَيُّظًا﴾؟ وإلى محاجتها مع الجنة، وإلى قولها: ﴿هَل مِنْ مَزِيدٍ﴾، وإلى اشتكائها إلى ربها فأذن لها في نفسي؟، إلى غير ذلك من الظواهر التي لا سبيل إلى تأويلها؛ إذ لا محوج إليه، ولو فتح باب التأويل والمجاز في أحوال المعاد، لتطوَّح الذي يسلك ذلك إلى وادي الضلالة والتحيز إلى فرق الفلاسفة١٠، فالحق أنا متعبدون بالظاهر ما لم يمنع مانع، والله أعلم".