The Meaning of 'There is No God but Allah' and Its Implications and Effects on the Individual and Society
معنى لا إله إلا الله ومقتضاها وآثارها في الفرد والمجتمع
ناشر
الجامعة الإسلامية
شماره نسخه
الثالثة
سال انتشار
١٤٢٢هـ/٢٠٠٢م
محل انتشار
المدينة المنورة
ژانرها
مُقَدّمَة
...
معنى لَا إِلَه إِلَّا الله
تأليف: صَالح بن فوزان الفوزان
الْحَمد لله نحمد ونستعينه وَنَسْتَغْفِرهُ، ونتوب إِلَيْهِ ونعوذ بِاللَّه من شرور أَنْفُسنَا وسيئات أَعمالنَا، وَمن يهده الله فَلَا مضل لَهُ وَمن يضلل فَلَا هادي لَهُ، وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله، صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَأَصْحَابه، وكل من اتبعهُ وَتمسك بسنته إِلَى يَوْم الدّين.....أما بعد:
فَإِن الله ﷾ أمرنَا بِذكرِهِ وَأثْنى على الذكارين وَوَعدهمْ أجرا عَظِيما فَأمر بِذكرِهِ مُطلقًا، وَبعد الْفَرَاغ من الْعِبَادَات ... قَالَ تَعَالَى: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ﴾ ١.
وَقَالَ ﴿َإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا﴾ ٢
وَأمر بِذكرِهِ أثْنَاء أَدَاء الْمَنَاسِك الْحَج خَاصَّة فَقَالَ تَعَالَى:
_________
١ - الْآيَة من سُورَة النِّسَاء رقم (١٠٣) .
٢ - الْآيَة من سُورَة الْبَقَرَة رقم (٢٠٠) .
1 / 7
﴿فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ﴾ ١
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ﴾ ٢
وَشرع إِقَامَة الصَّلَاة لذكره فَقَالَ: ﴿وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي﴾
وَقَالَ النَّبِي ﷺ: "أَيَّام التَّشْرِيق أكل وَشرب وَذكر الله" ٣ ... وَقَالَ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ ٤
وَلما كَانَ أفضل الذّكر: لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك
_________
١ - الْآيَة من سُورَة الْبَقَرَة رقم (١٩٨) .
٢ - الْآيَة من سُورَة الْحَج رقم (٢٨) .
٣ - رَوَاهُ مُسلم.
٤ - الْآيَتَانِ من سُورَة الْأَحْزَاب رقم (٤١ - ٤٢) .
1 / 8
لَهُ كَمَا ورد عَن النَّبِي ﷺ أَنه قَالَ: "خير الدُّعَاء دُعَاء عَرَفَة وَخير مَا قلت أَنا والنبيين من قبلي لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، لَهُ الْملك لَهُ الْحَمد وَهُوَ على كل شَيْء قدير" ١ وَلما كَانَت هَذِه الْكَلِمَة الْعَظِيمَة (لَا إِلَه إِلَّا الله) لَهَا هَذِه الْمنزلَة الْعَالِيَة من بَين أَنْوَاع الذّكر وَيتَعَلَّق بهَا أَحْكَام وَلها شُرُوط وَلها معنى وَمُقْتَضى، فَلَيْسَتْ كلمة تقال بِاللِّسَانِ فَقَط - لمّا كَانَ الْأَمر كَذَلِك آثرت أَن تكون مَوْضُوع حَدِيثي راجيًا من الله تَعَالَى أَن يجعلنا وَإِيَّاكُم من أَهلهَا المستمسكين بهَا والعرفين لمعناها، العاملين بمقتضاها ظَاهرا وَبَاطنا.
وسيكون حَدِيثي عَن هَذِه الْكَلِمَة فِي حُدُود النقاط التالية: -
مكانة لَا إِلَه إِلَّا الله فِي الْحَيَاة، وفضلها، إعرابها، وأركانها وشروطها وَمَعْنَاهَا، ومقتضاها، وَمَتى ينفع الأنسان التَّلَفُّظ بهَا، وَمَتى يَنْفَعهُ ذَلِك وآثار فَأَقُول مستعينًا بِاللَّه تَعَالَى: -
_________
١ - رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ.
1 / 9
١ - ـ مكانة لَا إِلَه إِلَّا الله فِي الْحَيَاة
إِنَّهَا كلنة يعلنها الْمُسلمُونَ فِي أذانهم وإقامتهم وَفِي خطبهم ومحادثاتهم وَهِي كلمة قَامَت بهَا الأَرْض وَالسَّمَاوَات، وخلقت لأَجلهَا جَمِيع الْمَخْلُوقَات، وَبهَا أرسل الله وَرُسُله وَأنزل كتبه وَشرع شرائعه، ولأجلها نصبت الموازين وَوضعت الدَّوَاوِين وَقَامَ سوق الْجنَّة وَالنَّار، وَبهَا انقسمت الخليقة إِلَى الْمُؤمنِينَ وكفار، فَهِيَ منشأ الْخلق وَالْأَمر وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب، وَعَلَيْهَا نصبت الْقبْلَة، وَعَلَيْهَا أسست الْملَّة، ولأجلها جردت سيوف الْجِهَاد، وَهِي حق الله على جَمِيع الْعباد، فَهِيَ كلمة الْإِسْلَام، ومفتاح دَار السَّلَام، وعنها يسْأَل الْأَولونَ وَالْآخرُونَ ... فَلَا تَزُول قدما العَبْد بَين يَدي الله حَتَّى يسْأَل عَن مَسْأَلَتَيْنِ: (مَاذَا كُنْتُم تَعْبدُونَ، وماذا أجبتم الْمُرْسلين)، وَالْجَوَاب الأولى بتحقيق لَا إِلَه إِلَّا الله معرفَة وَإِقْرَار وَعَملا، وَجَوَاب الثَّانِيَة بتحقيق مُحَمَّدًا رَسُول الله معرفَة وإنقيادًا وَطَاعَة١.
_________
١ - زَاد الْمعَاد لِابْنِ الْقيم (١/٢) .
1 / 10
هَذِه الْكَلِمَة هِيَ الفارقة بَين الْكفْر وَالْإِسْلَام، وَهِي كلمة التَّقْوَى. والعروة الوثقي وَهِي الَّتِي جعلهَا إِبْرَاهِيم ﴿كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ ١. وَهِي الَّتِي شهد الله بهَا لنَفسِهِ وَشهِدت بهَا مَلَائكَته وألوا الْعلم من خلقه، قَالَ تَعَالَى: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إلاّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلاّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ ٢. وَهِي كلمة الْإِخْلَاص وَشَهَادَة الْحق، ودعوة الْحق، وَبَرَاءَة من الشّرك، ولأجلها خلق الْخلق كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ﴾ ٣. ولأجلها أرْسلت الرُّسُل وأنزلت الْكتب، كَمَا قَالَ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إلاّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إلاّ أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ ٤.
_________
١ - من الْآيَة (٢٨) من سُورَة الزخرف.
٢ - سُورَة آل عمرَان الْآيَة (١٨) . وَأنْظر مَجْمُوعَة التَّوْحِيد (١٠٥ - ١٦٧) .
٣ - سُورَة الذاريات الْآيَة (٥٦) .
٤ - سُورَة الذاريات الْآيَة (٥٦) .
1 / 11
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إلاّ أَنَا فَاتَّقُونِ﴾ ١.
قَالَ ابْن عُيَيْنَة: مَا أنعم الله على عبد من الْعباد نعْمَة أعظم من أَن عرفهم لَا إِلَه إِلَّا الله. وَإِن لَا إِلَه إِلَّا الله لأهل الدُّنْيَا٢، فَمن قَالَهَا عصم مَاله وَدَمه، وَمن أَبَاهَا فَمَاله وَدَمه هدر، فَفِي الصَّحِيح عَن النَّبِي ﷺ قَالَ: " من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله وَكفر بِمَا يعبد من دون الله حرم مَاله وَدَمه وحسابه على الله" ٣. وَهِي أول مَا يطْلب من الْكفَّار عِنْدَمَا يدعونَ إِلَى الْإِسْلَام فَإِن النَّبِي ﷺ لما بعث معَاذًا إِلَى الْيمن قَالَ لَهُ: "إِنَّك تَأتي قوما من أهل الْكتاب فَلْيَكُن أول مَا تدعوهم إِلَيْهِ شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله " الحَدِيث أَخْرجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ٤.
_________
١ - سُورَة النَّحْل الْآيَة (٢) .
٢ - كلمة الْإِخْلَاص لِابْنِ رَجَب ص ٥٢ - ٥٣.
٣ - رَوَاهُ مُسلم فِي الْإِيمَان برقم (٢٣) .
٤ - رَوَاهُ البُخَارِيّ (٣/٢٥٥) . وَمُسلم فِي الْإِيمَان برقم (١٩) .
1 / 12
وَبِهَذَا تعلم فِي الدّين وأهميتها فِي الْحَيَاة وَأَنَّهَا أول وَاجِب على الْعباد لِأَنَّهَا أساس الَّذِي تبنى عَلَيْهِ جَمِيع الْأَعْمَال.
٢ - ـ فضل لَا إِلَه إِلَّا الله فلهَا فَضَائِل عَظِيمَة وَلها من الله مكانة، من قَالَهَا صَادِقا أدخلهُ الله الْجنَّة. وَمن قَالَهَا كَاذِبًا حقنت دَمه وأحرزت مَاله فِي الدُّنْيَا وحسابه على الله عزوجل، وَهِي كلمة وجيزة اللَّفْظ قَليلَة الْحُرُوف خَفِيفَة على اللِّسَان ثَقيلَة فِي الْمِيزَان، فقد روى ابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ ﵁ عَن رَسُول الله ﷺ: " قَالَ مُوسَى يَا رب عَلمنِي شَيْئا أذكرك وأدعوك بِهِ قَالَ يَا مُوسَى قل لَا إِلَه إِلَّا الله قَالَ كل عِبَادك يَقُولُونَ هَذَا قَالَ يَا مُوسَى لَو أَن السَّمَوَات السَّبع وعامرهن غَيْرِي والأرضيين السَّبع فِي كفة وَلَا إِلَه إِلَّا الله فِي كفة مَالَتْ بِهن لَا إِلَه إِلَّا الله" ١ فَالْحَدِيث يدل على أَن لَا إِلَه إِلَّا الله هِيَ أفضل الذّكر، وَفِي حَدِيث عبد الله بن عمر مَرْفُوعا: "خير دُعَاء دُعَاء يَوْم عَرَفَة، وَخير مَا قلت أَنا والنبييون _________ ١ - رَوَاهُ الْحَاكِم (١/٥٢٨) . وَابْن حبَان برقم (٢٣٢٤) مورد الضمآن.
٢ - ـ فضل لَا إِلَه إِلَّا الله فلهَا فَضَائِل عَظِيمَة وَلها من الله مكانة، من قَالَهَا صَادِقا أدخلهُ الله الْجنَّة. وَمن قَالَهَا كَاذِبًا حقنت دَمه وأحرزت مَاله فِي الدُّنْيَا وحسابه على الله عزوجل، وَهِي كلمة وجيزة اللَّفْظ قَليلَة الْحُرُوف خَفِيفَة على اللِّسَان ثَقيلَة فِي الْمِيزَان، فقد روى ابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ ﵁ عَن رَسُول الله ﷺ: " قَالَ مُوسَى يَا رب عَلمنِي شَيْئا أذكرك وأدعوك بِهِ قَالَ يَا مُوسَى قل لَا إِلَه إِلَّا الله قَالَ كل عِبَادك يَقُولُونَ هَذَا قَالَ يَا مُوسَى لَو أَن السَّمَوَات السَّبع وعامرهن غَيْرِي والأرضيين السَّبع فِي كفة وَلَا إِلَه إِلَّا الله فِي كفة مَالَتْ بِهن لَا إِلَه إِلَّا الله" ١ فَالْحَدِيث يدل على أَن لَا إِلَه إِلَّا الله هِيَ أفضل الذّكر، وَفِي حَدِيث عبد الله بن عمر مَرْفُوعا: "خير دُعَاء دُعَاء يَوْم عَرَفَة، وَخير مَا قلت أَنا والنبييون _________ ١ - رَوَاهُ الْحَاكِم (١/٥٢٨) . وَابْن حبَان برقم (٢٣٢٤) مورد الضمآن.
1 / 13
من قبلي لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ لَهُ الْملك وَله الْحَمد وَهُوَ على كل شَيْء قدير" رَوَاهُ أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ١، وَمِمَّا يدل على ثقلهَا فِي الْمِيزَان أَيْضا مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وحسنة، وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَقَالَ: صَحِيح على شَرط مُسلم، عَن عبد الله بن عَمْرو: قَالَ النَّبِي ﷺ: "يصاح بِرَجُل من أمتِي على رُءُوس الْخَلَائق يَوْم الْقِيَامَة فينشر لَهُ تِسْعَة وَتسْعُونَ سجلا كل سجل مِنْهَا مد الْبَصَر ثمَّ يُقَال أتنكر من هَذَا شَيْئا، فَيَقُول لَا يَا رب، فَيُقَال: أَلَك عذر أَو حَسَنَة فيهاب الرجل فَيَقُول لَا - فَيُقَال بلَى إِن لَك عندنَا حَسَنَات، إِنَّه لَا ظلم عَلَيْك فَيخرج لَهُ بطاقة فِيهَا أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله. وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله، فَيَقُول يَا رب مَا هَذِه البطاقة مَعَ هَذِه السجلات فَيُقَال أَنَّك لَا تظلم، فتوضع السجلات فِي كفة والبطاقة فِي كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة" ٢ ولهذه الْكَلِمَة الْعَظِيمَة فَضَائِل كَثِيرَة ذكر جملَة مِنْهَا الْحَافِظ ابْن رَجَب فِي رسَالَته
_________
١ - التِّرْمِذِيّ فِي الدَّعْوَات رقم (٣٥٧٩) .
٢ - رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ رقم (٢٦٤١) فِي الْإِيمَان. وَالْحَاكِم (١/٦ - ٥) وَغَيرهمَا.
1 / 14
الْمُسَمَّاة (كلمة الْإِخْلَاص) وَاسْتدلَّ لكل فَضِيلَة وَمِنْهَا: أَنَّهَا ثمن الْجنَّة، وَمن كَانَت آخر كَلَامه دخل الْجنَّة، وَهِي نجاة من النَّار: وَهِي توجب الْمَغْفِرَة، وَهِي أحسن الْحَسَنَات، وَهِي تمحو الذُّنُوب والخطايا وَهِي تجدّد مَا درس من الْإِيمَان فِي الْقلب وترجح بصحائف الذُّنُوب، وَهِي تخرق الْحجب حَتَّى تضل إِلَى الله عزوجل وَهِي كلمة الَّتِي يصدق الله قَائِلهَا وَهِي أفضل الْأَعْمَال وأكثرها تضعيفًا وتعدل عتق الرّقاب وَتَكون حرْزا من الشَّيْطَان، وَهِي أَمَان وَحْشَة الْقَبْر وهول الْحَشْر، وَهِي شعار الْمُؤمنِينَ إِذا قَامُوا من قُبُورهم. وَمن فضائلها أَنَّهَا تفتح لقائلها أَبْوَاب الْجنَّة الثَّمَانِية يدْخل من أَيهَا شَاءَ، وَمن فضائلها أَن أَهلهَا وَإِن دخلُوا النَّار بتقصيرهم فِي حُقُوقهَا فَإِنَّهُم لابد أَن يخرجُوا مِنْهَا، هَذِه عناوين الْفَضَائِل الَّتِي ذكرهَا ابْن رَجَب فِي رسَالَته وَاسْتدلَّ لكل وَاحِد مِنْهَا١.
_________
١ - كلمة الْإِخْلَاص لِابْنِ رَجَب ٥٤ - ٦٦.
1 / 15
٣ - ـ إعرابها وأركانها وشروطها
أ - إعرابها
إِذا كَانَ فهم يتَوَقَّف على معرفَة إعربا - الْجمل فَإِن الْعلمَاء ﵏ قد اهتموا بإعراب لَا إِلَه إِلَّا الله - فَقَالُوا: لَا - نَافِيَة مَحْذُوف تَقْدِيره -: (حق) أَي لَا إِلَه حق، وَإِلَّا وَالله اسْتثِْنَاء من الْخَبَر الْمَرْفُوع - والإله مَعْنَاهُ: المألوة بِالْعبَادَة - وَهُوَ الَّذِي تألهه الْقُلُوب وتقصده رَغْبَة إِلَيْهِ فِي حُصُول نفع أَو دفع ضَرَر، ويغلط من قدر خَبَرهَا بِكَلِمَة: (مَوْجُودَة أَو معبود) فَقَط، لِأَنَّهُ يُوجد معبودات كَثِيرَة من الْأَصْنَام والأضرحة وَغَيرهَا وَلَكِن المعبود بِحَق هُوَ الله، وَمَا سواهُ فمعبود لالباطل وعبادته بَاطِلَة، وَهَذَا مُقْتَضى ركني لَا إِلَه إِلَّا الله.
ب - ركنا لَا إِلَه إِلَّا الله:
لَهَا ركنان: الرُّكْن الأول: النَّفْي - والركن الثَّانِي الْإِثْبَات. وَالْمرَاد بِالنَّفْيِ الإلهية عَمَّا سوى الله تَعَالَى من سَائِر الْمَخْلُوقَات.
1 / 16
وَالْمرَاد بالإثبات إِثْبَات الإلهية لله سُبْحَانَهُ فَهُوَ الْإِلَه الْحق وَمَا سواهُ من الْآلهَة الَّتِي اتخذها الْمُشْركُونَ فَكلهَا بَاطِلَة، ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ﴾ ١.
قَالَ الإِمَام ابْن الْقيم: فدلالة لَا إِلَه إِلَّا الله على إِثْبَات إلهيته أعظم من دلَالَة قَوْله: الله إِلَه وهذ لِأَن قَوْله (الله إِلَه) لَا يَنْفِي إلهة مَا سواهُ بِخِلَاف قَول: لَا إِلَه إِلَّا الله فَإِنَّهُ يَقْتَضِي حصر الألوهية ونفيها عَمَّا سواهُ، وَقد غلط غلطًاَ فَاحِشا كَذَلِك من فسر الْإِلَه بِأَنَّهُ الْقَادِر على الاختراع فَقَط.
قَالَ الشَّيْخ سُلَيْمَان بن عبد الله فِي شرح كتاب التَّوْحِيد - فَإِن قيل تبين معنى الْإِلَه والإلهية فَمَا الْجَواب عَن قَول من قَالَ بِأَن معنى الْإِلَه الْقَادِر على اختراع وَنَحْو هَذِه الْعبارَة - قيل الْجَواب من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن هَذَا القَوْل مُبْتَدع لَا يعرف أحد قَالَه من الْعلمَاء
_________
١ - من الْآيَة (٦٢) . من سُورَة الْحَج.
1 / 17
وَلَا من أَئِمَّة اللُّغَة وَكَلَام الْعلمَاء وأئمة اللُّغَة هُوَ معنى مَا ذكرنَا كَمَا تقدم١ فَيكون بَاطِلا.
الثَّانِي: على تَقْدِير فَهُوَ تَفْسِير باللازم للإله الْحق، فَإِن اللَّازِم خَالِقًا قَادِرًا على الإختراع، وَمَتى لم يكن كَذَلِك فَلَيْسَ بإله حق وَإِن سمي إِلَهًا، وَلَيْسَ مُرَاده أَن من عرف أَن الْإِلَه هُوَ الْقَادِر على الإختراع فقد دخل الْإِسْلَام وأتى بتحقيق المرام من مِفْتَاح السَّلَام فَإِن هَذَا لَا يَقُوله أحد، لِأَنَّهُ يسْتَلْزم أَن يكون كفار الْعَرَب مُسلمين، وَلَو قدر أَن بعض الْمُتَأَخِّرين أَرَادَ ذَلِك فَهُوَ مُخطئ يرد عَلَيْهِ الدَّلَائِل السمعية والعقلية٢.
حـ - وَأما شُرُوط لَا إِلَه إِلَّا الله: -
فَإِنَّهَا لَا تَنْفَع قَائِلهَا - إِلَّا بسبعة شُرُوط: -
الأول: الْعلم بمعناها نفيا وإثباتًا. فَمن تلفظ بهَا وَهُوَ لَا يعرف مَعْنَاهَا ومقتضاها فَإِنَّهَا لَا تَنْفَعهُ
_________
١ - وَهُوَ مل ذكرته فِي أَرْكَان لَا إِلَه إِلَّا الله.
٢ - تيسير الْعَزِيز الحميد ص ٨٠.
1 / 18
لِأَنَّهُ لم يعْتَقد مَا تدل عَلَيْهِ كَالَّذي يتَكَلَّم بلغَة لَا يفهمها.
الثَّانِي: الْيَقِين وَهُوَ كَمَال الْعلم بهَا الْمنَافِي للشَّكّ والريب.
الثَّالِث: الْإِخْلَاص الْمنَافِي للشرك، وَهُوَ مَا تدل عَلَيْهِ لَا إِلَه إِلَّا الله.
الرَّابِع: الصدْق الْمَانِع من النِّفَاق، فَإِنَّهُم يَقُولُونَهَا بألسنتهم غير معتقدين لمدلولها.
الْخَامِس: الْمحبَّة لهَذِهِ الْكَلِمَة وَلما دلّت عَلَيْهِ وَالسُّرُور بذلك. بِخِلَاف مَا عَلَيْهِ المُنَافِقُونَ.
السَّادِس: الانقياد بأَدَاء حُقُوقهَا وَهِي الْأَعْمَال الْوَاجِبَة إخلاصًا لله وطلبًا لمرضاته، وَهَذَا هُوَ مقتضاها.
السَّابِع: الْقبُول الْمنَافِي للرَّدّ١ وَذَلِكَ بالانقياد لأوامر الله وَترك مَا نهى عَنهُ.
وَهَذِه الشُّرُوط قد استنبطها الْعلمَاء من نُصُوص الْكتاب وَالسّنة الَّتِي جَاءَت بِخُصُوص هَذِه الْكَلِمَة
_________
١ - فتح الْمجِيد ص ٩١.
1 / 19
الْعَظِيمَة وَبَيَان حُقُوقهَا وقيودها وَأَنَّهَا لَيست مُجَرّد لفظ يُقَال بِاللِّسَانِ.
٤ - ـ معنى الْكَلِمَة ومقتضاها: - إتضح مِمَّا سبق أَن معنى لَا إِلَه إِلَّا الله لَا معبود بِحَق إِلَّا إِلَه وَاحِد وَهُوَ الله وَحده لَا شريك لَهُ، لِأَنَّهُ الْمُسْتَحق لِلْعِبَادَةِ فتضمنت هَذِه الْكَلِمَة الْعَظِيمَة أَن مَا سوى الله من سَائِر المعبودات لَيْسَ بإله حق وَأَنه بَاطِل، لِأَنَّهُ لَا يسْتَحق الْعِبَادَة. وَلِهَذَا كثيرا مَا يرد الْأَمر بِعبَادة الله مقرنًا يَنْفِي عبَادَة مَا سواهُ، لِأَن عبَادَة الله لَا تصح مَعَ إشراك غَيره مَعَه قَالَ تَعَالَى: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ ١. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ ٢. _________ ١ - الْآيَة (٣٦) من سُورَة النِّسَاء. ٢ - الْآيَة (٢٥٦) من سُورَة الْبَقَرَة.
٤ - ـ معنى الْكَلِمَة ومقتضاها: - إتضح مِمَّا سبق أَن معنى لَا إِلَه إِلَّا الله لَا معبود بِحَق إِلَّا إِلَه وَاحِد وَهُوَ الله وَحده لَا شريك لَهُ، لِأَنَّهُ الْمُسْتَحق لِلْعِبَادَةِ فتضمنت هَذِه الْكَلِمَة الْعَظِيمَة أَن مَا سوى الله من سَائِر المعبودات لَيْسَ بإله حق وَأَنه بَاطِل، لِأَنَّهُ لَا يسْتَحق الْعِبَادَة. وَلِهَذَا كثيرا مَا يرد الْأَمر بِعبَادة الله مقرنًا يَنْفِي عبَادَة مَا سواهُ، لِأَن عبَادَة الله لَا تصح مَعَ إشراك غَيره مَعَه قَالَ تَعَالَى: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ ١. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ ٢. _________ ١ - الْآيَة (٣٦) من سُورَة النِّسَاء. ٢ - الْآيَة (٢٥٦) من سُورَة الْبَقَرَة.
1 / 20
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوت﴾ ١.
وَقَالَ ﷺ "وَمن قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله وَكفر بِمَا يعبد من دون الله حرم دَمه وَمَاله " ٢.
وكل رَسُول يَقُول لِقَوْمِهِ: ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ﴾ ٣.
إِلَى غير ذَلِك من الْأَدِلَّة قَالَ الإِمَام ابْن رَجَب ﵀: وَتَحْقِيق هَذَا الْمَعْنى وإيضاحه أَن قَول العَبْد: لَا إِلَه إِلَّا الله يَقْتَضِي أَن لَا إِلَه لَهُ غير الله والإله هُوَ الَّذِي يطاع فَلَا يَعْصِي هَيْبَة لَهُ إجلالًا، ومحبة وخوفًا ورجاء وتوكلا عَلَيْهِ وسؤالًا مِنْهُ وَدُعَاء لَهُ وَلَا يصلح ذَلِك كُله إِلَّا الله عزوجل.
وَلِهَذَا لما قَالَ النَّبِي ﷺ لكفار قُرَيْش: " قُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله"، قَالُوا:
_________
١ - الْآيَة (٣٦) من سُورَة النَّحْل.
٢ - صَحِيح مُسلم رقم (٢٣) . كتاب الْإِيمَان.
٣ - الْآيَة (٥٩) من سُورَة الْأَعْرَاف.
1 / 21
﴿أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾ ١.
ففهموا من هَذِه الْكَلِمَة أَنَّهَا تبطل عبَادَة الْأَصْنَام كلهَا وتحصر الْعِبَادَة لله وَحده وَهُوَ لَا يُرِيدُونَ ذَلِك، فَتبين بِهَذَا الْمَعْنى أَن معنى لَا إِلَه إِلَّا الله ومقتضاها إِفْرَاد الله بِالْعبَادَة وَترك عبَادَة مَا سواهُ، فَإِذا قَالَ العَبْد: لَا إِلَه إِلَّا الله فقد أعلن وجوب إِفْرَاد الله بِالْعبَادَة وَبطلَان مَا سواهُ والقبور والأولياء وَالصَّالِحِينَ، وَبِهَذَا لَا يبطل مَا يعْتَقد عباد الْقُبُور الْيَوْم وأشباههم من أَن معنى لَا إِلَه إِلَّا الله هُوَ الْإِقْرَار بِأَن الله مَوْجُود أَو أَنه هُوَ الْخَالِق الْقَادِر على الأختراع وَأَشْبَاه ذَلِك. وَأَن مَعْنَاهَا لَا حاكمية إِلَّا لله ويظنون أَن من اعْتقد ذَلِك وَفسّر بِهِ لَا إِلَه إِلَّا الله فقد حقق التَّوْحِيد الْمُطلق وَلَو فعل مَا فعل من عبَادَة غير الله والإعتقاد بالأموات والتقرب إِلَيْهِم بالذبائح وَالنُّذُور وَالطّواف بقبورهم والتبرك بتربتهم، وَمَا شعر هَؤُلَاءِ أَن كفار الْعَرَب الْأَوَّلين يشاركونهم فِي هَذَا الإعتقاد ويعرفون أَن الله هُوَ خَالق الْقَادِر على الإختراع ويقرون بذلك وَأَنَّهُمْ مَا عبدُوا غَيره إِلَّا لزعمهم أَنهم يقربونهم إِلَى الله
_________
١ - الْآيَة (٥) من سُورَة ص.
1 / 22
زلفى لَا أَنهم يخلقون وَيُرْزَقُونَ فالحاكمية جُزْء من معنى لَا إِلَه إِلَّا الله وَلَيْسَت هِيَ مَعْنَاهَا الْحَقِيقِيّ الْمَطْلُوب فَلَا يَكْفِي الحكم بالشريعة فِي الْحُقُوق وَالْحُدُود والخصومات مَعَ وجود الشّرك فِي الْعِبَادَة.
وَلَو كَانَ معنى لَا إِلَه إِلَّا الله مَا زَعمه هَؤُلَاءِ لم يكن بَين الرَّسُول ﷺ وَبَين الْمُشْركين نزاع بل كَانُوا يبادرون إِلَى إِجَابَة الرَّسُول ﷺ إِذا قَالَ لَهُم أقرُّوا بِأَن الله هُوَ الْقَادِر على الإختراع أَو أقرُّوا أَن الله مَوْجُود. أَو قَالَ لَهُم تحاكموا إِلَى الشَّرِيعَة فِي الدِّمَاء وَالْأَمْوَال والحقوق وَسكت عَن الْعِبَادَة. وَلَكِن الْقَوْم وهم أهل اللِّسَان الْعَرَبِيّ فَهموا أَنهم إِذا قَالُوا (لَا إِلَه إِلَّا الله) فقد أقرُّوا بِبُطْلَان عبَادَة الْأَصْنَام وَأَن هَذِه الْكَلِمَة لَيست مُجَرّد لفظ لَا معنى لَهُ، وَلِهَذَا نفروا مِنْهَا وَقَالُوا: ﴿أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾ ١.
كَمَا قَالَ الله عَنْهُم: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إلاّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ وَيَقُولُونَ
_________
١ - الْآيَة (٥) من سُورَة ص.
1 / 23
أَإِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ﴾ ١.
فعرفوا أَن لَا إِلَه إِلَّا الله تَقْتَضِي ترك عبَادَة مَا سوى الله وإفراد الله بِالْعبَادَة، لَو قالوها على عبَادَة الْأَصْنَام لتناقضوا مَعَ أنفسهم واستمروا على عبَادَة التَّنَاقُض، وَعباد الْقُبُور الْيَوْم لَا يأنفون من هَذَا التَّنَاقُض الشنيع فهم يَقُولُونَ لَا إِلَه إِلَّا الله، ثمَّ ينقضونها بِعبَادة الْأَمْوَات والتقرب إِلَى الأضرحة بأنواع من الْعِبَادَات فتبًا لمن كَانَ أَبُو جهل وَأَبُو لَهب أعلم مِنْهُ بِمَعْنى لَا إِلَه إِلَّا الله.
وَالْحَاصِل أَن من قَالَ هَذِه الْكَلِمَة عَارِفًا لمعناها عَاملا بمقتضاها ظَاهرا وَبَاطنا من نفى الشّرك وَإِثْبَات الْعِبَادَة لله مَعَ الإعتقاد الْجَازِم لما تضمنته وَالْعَمَل بِهِ فَهُوَ الْمُسلم حَقًا، وَمن قَالَهَا وَعمل بهَا وبمقتضاها ظَاهرا من غير اعْتِقَاد لما دلّت عَلَيْهِ فَهُوَ مُنَافِق، وَمن قَالَهَا بِلِسَانِهِ وَعمل بِخِلَافِهَا من الشّرك الْمنَافِي لَهَا فَهُوَ الْمُشرك المتناقض فلابد مَعَ النُّطْق بِهَذِهِ الْكَلِمَة من معرفَة مَعْنَاهَا، لِأَن ذَلِك وَسِيلَة للْعَمَل بمقتضاها قَالَ تَعَالَى:
_________
١ - الْآيَتَانِ (٣٥/٣٦) من سُورَة صافات.
1 / 24
﴿إِلاّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ ١.
وَالْعَمَل بمقتضاها هُوَ عبَادَة الله وَالْكفْر بِعبَادة مَا سواهُ وَهُوَ الْغَايَة الْمَقْصُود من هَذِه الْكَلِمَة؛ وَمن يَقْتَضِي لَا إِلَه إِلَّا الله قبُول تشريع الله فِي الْعِبَادَات والمعاملات والتحليل وَالتَّحْرِيم، ورفض تشريع من سواهُ قَالَ تَعَالَى: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾ ٢.
فلابد من قبُول تشريع الله فِي الْعِبَادَات والمعاملات وَالْحكم بَين النَّاس فِيمَا اخْتلفُوا فِيهِ فِي الْأَحْوَال الشخصية وَغَيرهَا رفض القوانين الوضيعة، وَمعنى ذَلِك رفض الْجَمِيع الْبدع والخرافات الَّتِي يبتدعها ويروجها شياطين الْإِنْس وَالْجِنّ فِي الْعِبَادَات وَمن تقبل شَيْئا من ذَلِك فَهُوَ مُشْرك كَمَا قَالَ فِي هَذِه الْآيَة: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾ .
_________
١ - الْآيَة (٨٦) من سُورَة الزخرف
٢ - الْآيَة (٢١) من سُورَة شُورَى.
1 / 25
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿إِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ﴾ ١.
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ ٢.
وَفِي الحَدِيث الصَّحِيح أَن النَّبِي ﷺ: تلى هَذِه الْآيَة على عدي بن حَاتِم الطَّائِي ﵁ فَقَالَ: " يَا رَسُول الله لسنا نعبدهم، قَالَ: أَلَيْسَ يحلونَ لكم مَا حرم الله فَتحِلُّونَهُ، ويحرمون مَا أحل الله فَتُحَرِّمُونَهُ، قَالَ: بلَى_ قَالَ النَّبِي ﷺ: فَتلك عِبَادَتهم " ٣.
قَالَ الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن بن حسن ﵀: فَصَارَت طاعتهم فِي الْمعْصِيَة عبَادَة لغير الله وَبهَا اتخذوهم أَرْبَابًا الْمنَافِي للتوحيدالذي هُوَ مَدْلُول شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا
_________
١ - الْآيَة (١٢١) من سُورَة الْأَنْعَام.
٢ - الْآيَة (٣١) من سُورَة التَّوْبَة
٣ - رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ رقم (٣٠٩٤) . فِي التَّفْسِير
1 / 26