خُرُوجُ الرَّسُولِ ﷺ بتِجَارَةِ خَدِيجَةَ ﵂
وفِي الخَامِسَةِ والعِشْرِينَ مِنْ عُمُرِهِ المُبَارَكِ خَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ تاجِرًا إِلَي الشَّامِ في مَالِ خَدِيجَةَ ﵂.
وكانَتْ خَدِيجَةُ نِجْتُ خُوَيْلِدٍ امْرَأَة تَاجِرَةً ذَاتَ شَرَفٍ، وَمَالٍ، تَسْتَأْجِرُ الرِّجَالَ في مَالِهَا وتُضَارِبُهُمْ (١) إيَّاهُ، بِشَيْءٍ تَجْعَلُهُ لَهُمْ.
فَلَمَّا بَلَغَهَا عَنْ رَسُولِ اللَّه ﷺ ما بَلَغَهَا مِنْ صِدْقِ حَدِيثِهِ، وعِظَمِ أمَانَتِهِ وكَرَمِ أخْلَاقِهِ، بَعَثَتْ إِلَيْهِ فَعَرَضَتْ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ فِي مَالِهَا إِلَى الشَّامِ تَاجِرًا وتُعْطِيَهُ أَفْضَلَ مَا كَانَتْ تُعْطِي غَيْرَهُ مِنَ التُّجَّارِ، فَقَبِلَهُ رسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْهَا.
وفِي رِوَايَةٍ: أَنَّ أَبَا طَالِبٍ قَالَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: أنَا رَجُلٌ لَا مَالَ لِي، وقَدِ اشْتَدَّ الزَّمَانُ عَلَيْنَا، وهَذِهِ عِيرُ قَوْمِكَ وقَدْ حَضَرَ خُرُوجُهَا إِلَي الشَّامِ، وخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ تَبْعَثُ رِجَالًا مِنْ قَوْمِكَ فِي عِيرَاتِهَا (٢)، فَلَوْ جِئتهَا فَعَرَضْتَ نَفْسَكَ عَلَيْهَا لَأَسْرَعَتْ إِلَيْكَ، لِمَا يَبْلُغُهَا عَنْكَ مِنْ طَهَارَتِكَ، وفَضْلِكَ عَلَى غَيْرِكَ، فَبَلَغَ خَدِيجَةَ الخَبَرُ فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ، وقَالَتْ لَهُ: أنَا أُعْطِيكَ ضِعْفَ مَا أُعْطِي رَجُلًا مِنْ
(١) المُضَاربَةُ: هيَ أن تُعْطِي مَالًا لغَيْرِكَ يتَّجِرُ فيه فيكون له سَهْمٌ معلومٌ من الرِّبْحِ، وهي مفاعلةٌ مِنَ الضَّرْبِ في الأرض، السَّيْر فيها للتِّجَارَةِ. انظر النهاية (٣/ ٧٢).
(٢) عِيرَاتُهَا: جمعُ عِيرٍ، وهي الإبل بأحْمَالِهَا. انظر النهاية (٣/ ٢٩٧).