The Foundational Methodology for Studying Analytical Exegesis

Arfa Bin Tantaoui d. Unknown

The Foundational Methodology for Studying Analytical Exegesis

المنهج التأصيلي لدراسة التفسير التحليلي

ژانرها

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ دراسات جامعية لمرحلتي الماجستير والدكتوراة المنهج التأصيلي لدراسة التفسير التحليلي من صريف قلم الدكتور عرفة بن طنطاوي

1 / 1

الحمدُ لله الذي أنزلَ كتابَه المجيدَ على أحسنِ أسلوب، وبهرَ بحسنِ أساليبِه وبلاغةِ تركيبِه القلوب، نزَّله آياتٍ بيِّناتٍ، وفصَّله سورًا وآياتٍ، ورتَّبَه بحكمتِه البالغةِ أحسنَ ترتيب، نظَمَه أعظمَ نظامٍ بأفصحِ لفظٍ وأبلغِ تركيبٍ، وصلَّى الله على من أُنزل إليه لينذرَ به وذكرى، ونزله على قلبهِ الشَّريفِ فنفى عنه الحرجَ وشرحَ له صدرًا، وعلى آله وصحبِه مهاجرةً ونصرًا (^١).

(^١) أسرار ترتيب القرآن، جلال الدين السيوطي (ت: ٩١١ هـ)، تحقيق: عبدالقادر أحمد عطا، ص ٣٧، دار الفضيلة، القاهرة.

1 / 2

الفصل الأول • التفسير والتأويل المبحث الأول: مفهوم التفسير وفيه مطلبان: المطلب الأول: مفهوم التفسير لغةً التفسير في اللغة: اسمٌ، وجمعه؛ تفسيرات، وتفاسير، ويراد به: الشرح والبيان، وتفسير القرآن الكريم: توضيح معانيه، وبيان وجوه البلاغة والإعجاز فيه، وشرح في آياته؛ من أسباب النزول، والعقائد، والأحكام والحكم (^١). فمن تأمل معاني التفسير وجدها مادة تدور حول الكشف، والإيضاح، والبيان للشيء. وحول توضيح مادته يقول ابن فارس (^٢): " (فَسَرَ) الفاء، والسين، والراء كلمة واحدة تدلُّ على بيانِ شيءٍ وإيضاحِه" (^٣). ويقول ابن منظور (^٤): " (فسر) الفَسْرُ: البيان، فَسَر الشيءَ يفسِرُه بالكَسر وتَفْسُرُه بالضم فَسْرًا وفَسَّرَهُ: أَبانه. وقوله ﷿:

(^١) عن قاموس معاني "الجامع". معجم مقاييس اللغة المؤلف: أحمد بن فارس، الناشر: دار الفكر عام النشر: ١٣٩٩ هـ - ١٩٧٩ م، الجزء (٤)، الصفحة (٥٠٤) (^٢) هو أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا بن حبيب الرازي، ولد في قرية كرسفة، منطقة رستاق الزهراء، كان أحد أئمة اللغة الأعلام نزيل همذان، كان من الرحالة في طلب العلم، توفى سنة خمس وتسعين وثلاثمائة للهجرة بالري ودفن بها، يُنظر: سير أعلام النبلاء، شمس الدين أبو عبدالله محمد بن أحمد الذهبي ١٧/ ١٠٣، تحقيق: مجموعة بإشراف شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، (بدون). (^٣) معجم مقاييس اللغة، أحمد بن فارس ٤/ ٤٠٢، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، دار الفكر، ١٣٩٩ هـ. (^٤) هو محمد بن مكرم بن علي بن أحمد الأنصاري الأفريقي ثم المصري أبو الفضل يعرف بابن منظور، ولد سنة ثلاثين وستمائة، بمصر وقيل في طرابلس، خدم في ديوان الآثار بالقاهرة ثم ولي القضاء في طرابلس ثم رجع إلى مصر ومات فيها سنة إحدى عشرة =

1 / 3

﴿وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا﴾ [الفرقان: ٣٣]، ولم يَرِد هذا اللفظ في القرآن الكريم إلا في هذه الآية فقط" (^١)؛ والفَسْرُ: كشف المُغَطّى، والتَّفْسير كَشف المُراد عن اللفظ المُشْكل، والتأْويل: ردّ أَحد المحتملين إلى ما يطابق الظاهرواسْتَفْسَرْتُه كذا أَي سأَلته أَن يُفَسِّره لي. والفَسْر: نظر الطبيب إلى الماء، وكذلك التَّفْسِرةُ؛ قال الجوهري: وأَظنه مولَّدًا، وقيل: التَّفْسِرةُ البول الذي يُسْتَدَلُّ به على المرض وينظر فيه الأطباء يستدلون بلونه على علة العليل، وهو اسم كالتَّنْهِيَةِ، وكل شيء يعرف به تفسير الشيء ومعناه، فهو تَفْسِرَتُه (^٢). ويقول السيوطي: "إنه مقلوب السَّفر، تقول: أسفَر الصبح، إذا أضاء، وقيل: مأخوذ من التَّفْسِرة؛ وهي اسم لما يَعرف به الطبيبُ المرضَ" (^٣). وقد سبق بيان ابن منظور له آنفًا، وأما معنى قول السيوطي (مقلوب) أي: مقلوب الجذر. ومن يرى أنّه مقلوب الجذر عن «السفر» كذلك يقول: سفرت المرأة سفورًا، إذا ألقت خمارها عن وجهها فهي سافرة (^٤)، وتقول: أسفر الصبح إذا أضاء (^٥). ومما عُرِّف به كذلك أنه: "الاستبانة، والكشف، والعبارة عن الشيء بلفظ أسهل وأيسر من لفظ الأصل" (^٦). ومما سبق يتبين أنّ المعاني اللغوية للتفسير متقاربة المعنى وأن اختلاف تناول اللغويون للأصل الاشتقاقي الذي انبثقت منه لفظة: "تفسير"، هو اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد،

=وسبعمائة وترك من مختصراته بخطه خمسمائة مجلد، يُنظر: الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، لابن حجر، أبي الفضل أحمد بن علي العسقلاني ٢/ ١٠٧، مجلس دائرة المعارف العثمانية، حيدر أباد، الهند، ١٣٩٢ هـ - ١٩٧٢ م، ط ٢، تحقيق: محمد عبد المعيد ضان. (^١) المدخل إلى التفسير الموضوعي (١٣)؛ د. عبدالستار فتح الله سعيد، دار التوزيع والنشر الإسلامية، القاهرة، الطبعة الثانية، ١٤١١ هـ، ١٩٩١ م. (^٢) يُنظر: لسان العرب لابن منظور: (٥/ ٥٥). (^٣) الإتقان في علوم القرآن (٦/ ٢٢٦١)؛ جلال الدين السيوطي، مركز الدراسات القرآنية، طبعة مجمع الملك فهد، السعودية، ط ١ (^٤) البرهان في علوم القرآن ٢: ١٤٧. (^٥) الإتقان في علوم القرآن ٤: ١٦٧. (^٦) لسان العرب لابن منظور ١١/ ١٢٨.

1 / 4

وذلك لتقارب المعنى واتحاد دلالة المادتين، أعني مادة "فسر"، ومادة "سفر" وأن مادتيها تدوران حول الكشف "للمغلق" والمستور، والإيضاح "للمبهم"، والبيان "لما خفي"؛ «فالدلالة فيه واحدة في اللغة، تعني كشف المغلق، وتيسر البيان، والإظهار من الخفي إلى الجلي» (^١) .. ومن هنا يتبين أنه: يستوي أن يكون التفسير مشتقًا من «الفسر» أو من «السفر» فدلالة المادتين واحدة في النهاية وهي الكشف عن شيء مختبئ (^٢)، وهو في اللغة: اسم، وجمعه؛ تفسيرات، وتفاسير، ويراد به: الشرح والبيان، وتفسير القرآن الكريم: توضيح معانيه، وبيان وجوه البلاغة، والإعجاز فيه، وشرح في آياته؛ من أسباب النزول، والعقائد، والأحكام والحكم (^٣). المطلب الثاني: بيان مفهوم التفسير اصطلاحًا أما معنى التفسير اصطلاحًا، فقد اختلفت عبارات العلماء في ذلك، ومن أشهرها: ١. تعريف أبي حيان في مقدمة تفسيره بقوله: "التفسير: وهو: علم يُبحث فيه عن كيفية النطق بألفاظ القرآن ومدلولاتها، وأحكامها الإفرادية والتركيبية، ومعانيها التى تحمل عليها حالة التركيب، وتتمات لذلك". ثم شرحه بقوله: "فقولنا: (علم) هو جنس يشمل سائر العلوم، وقولنا: (يبحث فيه عن كيفية النطق بألفاظ القرآن) هذا هو علم القراءات، وقولنا: (ومدلولاتها) أي مدلولات تلك الألفاظ، وهذا هو علم اللغة، وقولنا: (وأحكامها الإفرادية والتركيبية) هذا يشمل علم التصريف، وعلم الإعراب، وعلم البيان، وعلم البديع، وقولنا: (ومعانيها التى تحمل عليها حالة التركيب)

(^١) دراسات قرآنية ٢: ١٥ - ١٦. (^٢) مفهوم النص، دراسة في علوم القرآن: ٢٢٥. (^٣) يُنظر: تعريف ومعنى التفسير في معجم المعاني الجامع.

1 / 5

يشمل ما دلالته بالحقيقة وما دلالته بالمجاز، وقولنا: (وتتمات لذلك) هو معرفة النسخ، وسبب النزول، وقصة توضح ما انبهم فى القرآن، ونحو ذلك" (^١). ٢. وعرّفه الزركشي بقوله: "علم يعرف به فهم كتاب الله تعالى، المنزل على نبيه محمد ﷺ، وبيان معانيه، واستخراج أحكامه وحكمه" (^٢). ٣. وقد ذكر السيوطي فى إتقانه عدة تعريفات كثيرة للتفسير، واعتبر في كتابه «التحبير في علم التفسير» تعريف أبى حيان أحسن تعريف (^٣). ولعل خير ما يجمع تلك التعاريف كلها، ذلك الذى ذكره الزرقاني فى مناهله، حيث يقول: "والتفسير فى الاصطلاح: علم يبحث فيه عن القرآن الكريم، من حيث دلالته على مراد الله تعالى، بقدر الطاقة البشرية" (^٤). وهذا التعريف -على الرغم من إيجاز عبارته- تعريف جامع مانع، يناسب المطلوب من الصياغة في مثل هذا المقام. ثم شرح الزرقاني تعريفه هذا شرحًا وافيًا، ثم بيّن لنا سبب تسمية هذا العلم بذلك الاسم، ووجه اختصاصه بها دون بقية العلوم، فقال: "وسمي علم التفسير لما فيه من الكشف والتبيين، واختص بهذا الاسم دون بقية العلوم -مع أنها كلها مشتملة على الكشف والتبيين-

(^١) البحر المحيط: ١/ ١٣، ١٤ باختصار يسير. (^٢) البرهان: ٢/ ١٠٤، ١٠٥، ط./ دار المعرفة. (^٣) التحبير ٣٦، ط./ دار المنار. (^٤) مناهل العرفان: ٢/ ٣، ط./ الفنية المتحدة بالقاهرة.

1 / 6

لأنه لجلالة قدره، واحتياجه إلى زيادة الاستعداد، وقصده إلى تبيين مراد الله من كلامه، كان كأنه هو التفسير وحده، دون ما عداه" (^١) (^٢). ٤. ومن أبين ما قيل في تعريفه كذلك: أنه علم: "استخراج المعاني المحتبسة والمستورة تحت الألفاظ، والكشف عن مدلولاتها ومقاصدها، وفق مجموعة من القواعد والضوابط التي تراعى عند الإجراء" (^٣). ٥. وقيل هو: "العلم الذي يبحث فيه المفسر عن كيفية النّطق بألفاظ القرآن الكريم، ومدلولات هذه الألفاظ، وأحكامها الإفرادية والتركيبية، ومعانيها التي تحمل عليها حال التركيب، وغير ذلك كمعرفة النسخ، وسبب النزول، وما به من توضيح المقام كالقصة والمثل" (^٤).

(^١) المصدر السابق: ٢/ ١٠. (^٢) يُنظر: الموسوعة القرآنية المتخصصة المؤلف: مجموعة من الأساتذة والعلماء المتخصصين: (١/ ٢٤١ - ٢٤٢)، الناشر: المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، مصر عام النشر: ١٤٢٣ هـ. (^٣) أساسيات علم التفسير، إعداد: مركز المعارف للتأليف والتحقيق، الناشر: دار المعارف الإسلامية الثقافية، الطبعة الأولى: ٢٠١٧ م، الصفحة (١٦) (^٤) موسوعة التفسير قبل عهد التدوين المؤلف: محمد عمر الحاجي الناشر: دار المكتبي، دمشق الطبعة: الأولى، ١٤٢٧ هـ، ٢٠٠٧ م، الصفحة (١٦١).

1 / 7

المبحث الثاني: مفهوم التأويل وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: مفهوم التأويل لغًة التأويل لغة: "مصدر أوّل يؤوّل، وأوّل فعّل -بتشديد أوسطه- ثلاثيه آل يؤول أولا"، قال أهل اللغة: الأوْل الرجوع، وهذا تفسير تقريبي، وأغلب ما تستعمل في الرجوع الذي فيه معنى الصيرورة، ومن أمثلة اللغويين: "طبخ الشراب؛ فآل إلى قدر كذاو كذا". ولذلك وضع بعض النحاة "آل" في الأفعال التي تجيء بمعنى "صار"، وتعمل عملها. و" آل" قريب من معنى "حال"، أي: تحول من حال إلى حال. والتأويل مأخوذ من هذا، فهو أن يجعل الكلام يؤول إلى معنى لم يكن ظاهرًا منه، فآل الكلام إلى أن حمل على ذلك المعنى بعد أن كان غير ظاهر فيه (^١). ومما قيل في ذلك أنه: "مأخوذ من الأَوْل، وهو الرجوع، قال ابن منظور: الأول: الرجوع، آل الشيء يؤول أوْلًا، ومآلًا: رجع، وقال أبو عبيد: التأويل: (المرجع والمصير) " (^٢). وقيل: إن التأويل مأخوذ من الإيالة، وهي السياسة، قال الزبيدي: "آل الملك رعيته يؤول إِيَالًا: ساسهم وأحسن رعايتهم، وآل المال: أصلحه وساسه" (^٣). وعلى ذلك: فإن قلنا: إن التأويل مأخوذ من الأول، وهو الرجوع، فلأن فيه إرجاع الآية إلى ما تحتمله من المعاني، وإن قلنا: إنه مأخوذ من الإيالة وهي السياسة، فلأن المؤول يسوس الكلام، ويضعه في معناه اللائق به. المطلب الثاني: مفهوم التأويل اصطلاحًا أما التأويل واستعمالاته في الاصطلاح، فإنه يطلق على معان عدة: من أهمها وأبرزها ما يأتي: ١. يطلق على التفسير، وهو الإيضاح والتبيين، فيكون التفسير والتأويل بمعنى واحد، وهذا ما جرى عليه ابن جرير الطبري في تفسيره، حينما يقول: القول فى تأويل قوله تعالى كذا وكذا، وبقوله: اختلف أهل التأويل فى هذه الآية. ٢. ويطلق على حقيقة الشيء ذاته، ونفس المراد بالكلام، فإذا قيل: غربت الشمس، فتأويل هذا هو نفس غروبها، وهذا، في نظر ابن تيمية ﵀ (^٤)، هو لغة القرآن التي نزل بها. ٣. ويطلق على صرف اللفظ عن ظاهره الراجح إلي معنى آخر مرجوح، وهو بهذا الإطلاق نوعان: صحيح، وفاسد. المطلب الثالث: بيان معاني التأويل في القرآن إجمالًا فالتأويل لفظ مجمل يحتاج إلى تفسير وبيان؛ وله أربعة معان في كتاب الله تعالى على التفصيل التالي: المعنى الأول: التفسير والمرجع وما يؤول إليه الكلام؛ يقول الجوهري (ت ٣٩٣ هـ): التأويل: تفسير ما يَؤُولُ إليه الشيء، أي: تفسيره ومرجعه" (^٥). المعنى الثاني: عاقبة الشيء؛ يقال: "آل الأمر إلى كذ" إذا صار إليه ورجع (^٦)؛ ومنه قوله تعالى: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء: ٥٩]، يقول ابن جرير الطبري (ت ٣١٠ هـ): يعني: وأحمد مَوْئلا ومغبّة، وأجمل عاقبة" (^٧).

(^١) يُنظر: رسالة في حقيقة التأويل لعبد الرحمن بن يحيى بن علي بن محمد المعلمي العتمي اليماني (المتوفى: ١٣٨٦ هـ) المحقق: جرير بن العربي أبي مالك الجزائري الناشر: دار اطلس الخضراء للنشر والتوزيع، الرياض الطبعة الأولى، ١٤٢٦ هـ - ٢٠٠٥ م-عدد الأجزاء: ١ (١/ ٤١)، بتصرف واختصار. (^٢) لسان العرب (أول) ط./ دار المعارف. (^٣) تاج العروس للزبيدي (أول) ط./ الكويت. (^٤) كما يقول الدكتور محمد حسين الذهبي فى: التفسير والمفسرون: ١/ ٢٠، طبعة المدني. (^٥) الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية: (٤/ ١٦٢٧). (^٦) يُنظر: تفسير الطبري: (٦/ ٢٠٥). (^٧) تفسير الطبري، مرجع سابق: (٨/ ٥٠٦).

1 / 8

وبنحو قول الطبري يقول الشوكاني: (ت: ١٢٥٥ هـ) أحسن تأويلًا: أي أحسن عاقبة من آل إذا رجع وعليه يكون المعنى: أحسن مرجعًا ومآلًا (^١). المعنى الثالث: الحقيقةُ التي يصيرُ إليها الشيء ويرجع، حقيقة الشيء المخبر عنه؛ ومنه قوله تعالى: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ﴾ [الأعراف: ٥٣]، قال ابن زيد: "يوم يأتي حقيقته؛ وقرأ قول الله تعالى: ﴿هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ﴾ [يوسف: ١٠٠]، قال: هذا تحقيقها"، يقول: "ما آلت إليه رؤياي التي كنت رأيتها"، أي: تحقيق رؤياي (^٢). وقوله: ﴿يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ﴾ [الأعراف: ٥٣]، أي: تحقيقه ووقوعُه، أي: يوم القيامة، قاله ابن عباس ﵄ (^٣): والمعني بذلك والذي يعود عليه الضمير: هو يوم القيامة. المعنى الرابع: العلة الغائية والحكمة المطلوبة بالفعل؛ ومنه قوله تعالى فيما قصه علينا من قصة الخضر مع موسى ﵉: ﴿سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا﴾ [الكهف: ٧٨] (^٤). قال الطبري: يقول: بما يؤول إليه عاقبة أفعالي التي فعلتها، فلم تستطع على تَرك المسألة عنها، وعن النكير على فيها صبرًا، والله أعلم (^٥). وقال البغوي (ت ٣١٧ هـ): تأويل الشيء مآله أي قال له: إني أخبرك لم فعلت ما فعلت (^٦). إذًا فالتأويل: "رجوع الشيء إلى مآله" (^٧). وهي معان متقاربة في لفظها ومعناها.

(^١) فتح القدير للشوكاني: (١/ ٨٢٤)، تفسير-فتح القدير: الجامع بين فني الرواية والدراية، الشوكاني: محمد بن على بن محمد الشوكاني، دار المعرفة، سنة النشر: ١٤٢٣ هـ -٢٠٠٤ م، عدد الأجزاء: جزء واحد. (^٢) تفسير الطبري-مرجع سابق: (١٦/ ٢٧١). (^٣) تفسير ابن كثير: (٣/ ٤٢٦)، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، أبو الفداء عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير بن زرع القرشي، طبعة: دار النهضة العربية للطباعة والنشر، بيروت، ط ٥، ١٤١٧ هـ (^٤) ينظر: الصواعق المرسلة: (١/ ١٧٧). (^٥) تفسير الطبري - مرجع سابق: (١٨/ ٨١). ويُنظر كذلك: موقع مركز سلف للبحوث والدارسات، مقال رقم: (١٧٣) بتصرف غير يسير من الباحث. (^٦) تفسير البغوي - مرجع سابق: (١٠/ ٤٠٦) (^٧) فتح القدير للشوكاني - مرجع سابق: (١/ ٨٧١).

1 / 9

المبحث الثالث: أنواع التأويل وفيه مطلبان: المطلب الأول: بيان النوع الأول وهو التأويل الصحيح الذي يُحمَدُ طَالِبُهُ هذا التأويل من شأن صاحبه محاولة معرفة مراد الله تعالى دون أن يكون له هوى أو غرض آخر؛ ولذلك فهو يهتم بالقرائن والضوابط والأدلة؛ فإذا حتم ذلك التأويل وكان المعنى لا يستقيم بغير ذلك مال إليه؛ وإلا فهو لا يؤول ما لا يقبل التأويل ولا يقول بالمجاز في المواضع التي لا تحتمل المجاز، ولا يصرف المعنى عن ظاهره إذا كانت الدلائل تشير إلى أن المعنى الظاهر هو المقصود، وإذا كان المؤول يتغلغل وراء الظواهر والألفاظ مستخرجًا منها المعاني الحسان والدقائق الفريدة فهذا وجه مطلوب لا يهتدي إليه إلا من آتاه الله بصيرة ثاقبة وعقلًا لماحًا وطبعًا صحيحًا وفهمًا عاليًا وإدراكًا متميزًا، ولذلك دعا رسول الله ﷺ لابن العباس، ﵄، وهو حبر الأمة بقوله: "اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل" (^١) (^٢). ومن صوره "البحث عن تفسير الأسماء والصفات ومعرفة معانيها على الوجه الذي تعرفه العرب من كلامها، فنحن نعرف معاني ما أخبرنا الله به من معاني أسمائه وصفاته سبحانه، كما نعلم معاني ما أخبرنا الله به من نعيم القبر وعذابه، وقيام الساعة، والبعث

(^١) قوله ﷺ: "اللهمَّ فقِّههُ في الدِّين". بهذا اللفظ فقط، ففي صحيحي البخاري ١/ ٤١ رقم ١٤٣، ومسلم ٤/ ١٩٢٧ رقم ٢٤٧٧ أما الحديث بطوله: (اللهمَّ فقِّههُ في الدِّين وعلمه التأويل) فهو في مسند الإمام أحمد ٤/ ٢٢٥ رقم ٢٣٩٧، ٥/ ٦٥ رقم ٢٨٧٩، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم ٢٥٨٩. (^٢) مشكلات التأويل، مقال عن موقع أهل التفسير/ لجمال الدين عبد العزيز، بتاريخ، ٨/ ٣/ ١٤٣٠ هـ.

1 / 10

والنشور، والموقف وأهواله، والحساب والجزاء والميزان، والجنة ونعيمها، والنار وأهوالها" (^١). المطلب الثاني: بيان النوع الثاني وهو التأويل الفاسد الذي يُذَمُّ طَالِبُهُ "التأويل الفاسد بخلاف التأويل الصحيح، إذ يكون فيه لي أعناق النصوص حتى توافق غرض المستدل بها، وهنا يلوح للمستدل معنى ما كان ليلوح له لولا الغرض والهوى، أو قد لا يكون للمستدل غرض أو هوى، ولكنه يخطئ في إدراك المعنى لأمر توهمه ولم تنهض الأدلة أبدًا لإثباته أو تعضيده؛ ولهذا قال الإمام أحمد بن حنبل ﵀: " أكثر ما يخطئ الناس من جهة التأويل والقياس" (^٢) (^٣) ويكون التأويل الفاسد في كل ما ورد في عقيدة لم يُكَلَّف العبادُ بحقائقها وتفاصيلها، ولكن أُمِروا باعتقادها إجمالًا. ومن أمثلته: "البحث عن حقيقة ما أخبرنا الله به من الغيوب التي لا يستطيع العباد بعقولهم المجردة إدراك حقيقتها، فالله أخبرنا بنعيم القبر وعذابه في عالم البرزخ، كما أخبرنا بالبعث والنشور، والحشر وأهواله، والجنة وأنهارها وثمارها وأطيارها وحورها، والنار وسمومها وحميمها وغسلينها، ونحن لا ندري حقيقة ما أخبرنا الله عنه، قال تعالى نافيًا علم العباد بحقيقة ما أخبر الله به من نعيم أهل الجنة: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [السجدة: ١٧]، وفي الحديث القدسي: «أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر» (^٤). وصفات الباري غيب لا نعرف حقيقتها، فالكلام عن الصفات فرع عن الكلام عن الذات، وحقيقة الذات غير معروفة لنا، فكذلك صفاته ﵎" (^٥).

(^١) يُنظر: التأويل، خطورته وآثاره، عمر بن سليمان الأشقر العتيبي المتوفى (١٤٣٣ هـ): الناشر: دار النفائس للنشر والتوزيع، الأردن، الطبعة الأولى: ١٤١٢ هـ:، (١/ ١٨ - ٢٠) (^٢) نقل ذلك عنه شيخ الإسلام في القواعد النورانية، (ص: ٣٦٤)، ومجموع الفتاوى (٣/ ٦٣). (^٣) مشكلات التأويل، مرجع سابق، نفس الموضع. (^٤) رواه البخاري (٣٠٧٢) ومسلم (٢٨٢٤) وعنده: (بَلْهَ مَا أَطْلَعَكُمْ اللَّهُ عَلَيْهِ). (^٥) يُنظر: التأويل خطورته وآثاره، مرجع سابق (١/ ١٨ - ٢٠).

1 / 11

المبحث الرابع: ما يتعلق بالتأويل من جهة: "ضوابطه وشروطه"، ومن جهة: "حكمه ومعناه" وفيه مطلبان: المطلب الأول: أهم شروط وضوابط التأويل الصحيح عند المتأخرين أهل التأويل الفاسد لهم في تأويلهم مقصدان إما أنهم يقصدون بتأويلهم إبطال معنى شرعي صحيح، وهذا النوع هو أكثر ما يتطرقون إليه، وإما أنهم يقصدون بتأويلهم إبطال لفظ شرعي صريح، ولذلك وضع أهل العلم شروطًا للتأويل الصحيح، ومن أبرز ما ذكروا في هذا الشأن ما يلي: ١. أن يكون اللفظ المرادُ تأويله يحتمله المعنى المؤول لغة أو شرعًا؛ فلا يصح على هذا تأويلات الباطنية التي لا مستند لها في اللغة أو الشرع، بل ولا العقل. ٢. أن يكون السياق محتملًا، مثل لفظ (النظر) فهو يَحْتَمل معانيَ في اللغة، ولكنه إذا عدِّي بـ: (إلى) لا يحتمل إلا الرؤية. ٣. أن يقوم الدليل على أن المراد هو المعنى المؤول. ٤. أن يسلم دليل التأويل من معارض أقوى؛ فإذا اختل شرط من الشروط فهو تأويل فاسد. مثال للتأويل الصحيح: قال الله ﷿: ﴿نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ﴾ [التوبة: ٦٧]، فقد ثبت عن ابن عباس ﵄ "أن النسيان هنا هو الترك" (^١) وقد دل على هذا التأويل تصريحًا قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾ [مريم: ٦٤]، وقوله سبحانه: ﴿فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى﴾ [طه: ٥٢] (^٢).

(^١) يُنظر الدر المنثور للسيوطي (٧/ ٤٣١). (^٢) يُنظر: إرشاد الفحول للشوكاني ص ١٧٧، والتوضيحات الأثرية على متن الرسالة التدمرية للشيخ فخر الدين المحيسي ص ١٨٥.

1 / 12

المطلب الثاني: حكم التأويل بمعناه الحادث عند المتأخرين ١. قد يكون صحيحًا إذا اجتمعت فيه الشروط كما مرَّ. ٢. قد يكون خطأ كتأويلات بعض العلماء الذين أخطأوا في تأويل بعض نصوص الصفات. ٣. قد يكون بدعة كتأويلات الأشاعرة، والمعتزلة. ٤. قد يكون كفرًا كتأويلات الباطنية (^١). "وبالجملة فالتأويل الذي يوافق ما دلت عليه النصوص وجاءت به السنة ويطابقها هو التأويل الصحيح، والتأويل الذي يخالف ما دلت عليه النصوص وجاءت به السنة هو التأويل الفاسد، ولا فرق بين باب الخبر والأمر في ذلك، وكل تأويل وافق ما جاء به الرسول فهو المقبول وما خالفه فهو المردود" (^٢).

(^١) التأويل: مفهومه - معانيه - أمثلة عليه، محمد بن إبراهيم الحمد، عن موقع ملتقى أهل التفسير، بتاريخ، ١٨/ ١٠/ ١٤٢٦ هـ. (^٢) الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة لابن القيم، المؤلف: محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية (المتوفى: ٧٥١ هـ) المحقق: علي بن محمد الدخيل (١/ ١٧٨).

1 / 13

المبحث الخامس: بيان الفَرْق بين التفسير والتأويل وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: بيان اختلاف العلماء في بيان الفَرْق بين التفسير والتأويل، وفي تحديد النسبة بينهما ١. قال أبو عُبَيدة بن المثنى النحوي (^١)، وطائفة: هما بمعنًى واحد، وعليه فهُما مترادفان، وهذا هو الشائعُ عند المتقدِّمين من علماء التفسير، كالإمام ابن جرير وغيره (^٢). ٢. قال الراغب الأصفهاني: التفسيرُ أعمُّ من التأويل، وأكثرُ استعماله في الألْفاظ ومفرداتها، وأكثر استعمال التأويل في المعاني والجُمَل، وأكثر ما يُستعمَل في الكتب الإلهية، والتفسير يُستعمل فيها وفي غيرها (^٣)، فالتفسير إمَّا أن يُستعمل في غريب الألفاظ كالبَحِيرة والسائبة والوَصِيلة والحَام، أو في تبيين المراد وشرْحه؛ كقوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ [البقرة: ٤٣]، وإمَّا في كلام مضمَّن بقِصَّة لا يمكن تصوُّرُه إلا بمعرفتها؛ نحوَ قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ﴾ [التوبة: ٣٧]. وأمَّا التأويل: فإنَّه يُستعمَل مَرَّةً عامًّا، ومرةً خاصًّا، نحو (الكفر) المستعمَل تارةً في الجحود المطلَق، وتارةً في جحود الباري خاصَّة، و(الإيمان) المستعمل في التصديق المطلَق تارة، وفي تصديق دِين الحقِّ تارة، وإمَّا في لفظ مُشْتَرك بين معانٍ مختلفة، ونحو لفظ (وجد) المستعمل في الجد والوجد والوجود (^٤). ٣. قول السيوطي في الإتقان: قيل إن التفسير: هو ما وقع مبينا في كتاب الله تعالى، أو معينا عليه في صحيح السنة لأن معناه قد ظهر واتضح. والتأويل: هو ما استنبطه العلماء، ولذا قال بعضهم التفسير هو ما يتعلق بالرواية والتأويل هو ما يتعلق بالدراية " (^٥).

(^١) أبو عُبَيدة: هو معْمَر بن المثنى النحوي العلامة، يقال: إنَّه وُلِد سنة ١١٠ هـ، توفي سنة ٢١٣ هـ، تاريخ بغداد: (١٣/ ٢٥٢). (^٢) مجاز القرآن (١/ ٨٦)، تحقيق: سزكين، ط: الخانجي، الإتقان في علوم القرآن: (٤/ ١٦٧). (^٣) الإتقان في علوم القرآن) ٤/ ١٦٧ (. (^٤) البرهان (٢/ ١٤٩)، والتفسير المفسرون (١/ ٢٠). (^٥) يُنظر: الإتقان للسيوطي: (٢/ ١٧٣ - ١٧٤).

1 / 14

٤. وقال قوم: التفسير بيان وضْع اللفظ؛ إما حقيقةً وإما مجازًا، كتفسير (الصراط) بالطريق و(الصيب) بالمطر، والتأويل تفسير باطن اللفظ، مأخوذٌ من الأَوْل، وهو الرجوع لعاقبة الأمر، فالتأويل إخبارٌ عن حقيقة المراد، والتفسير إخبارٌ عن دليل المراد؛ لأنَّ اللفظ يكشِف عن المراد، والكاشف دليل، مثال ذلك: قوله تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾ [الفجر: ١٤]، تفسيره: أنَّه من الرَّصْد، يقال: رصدته؛ أي: رقبته، والمرصاد: مِفْعال منه، وتأويله التحذير مِن التهاون بأمر الله والغَفْلة، والاستعداد للعَرْض عليه، وقواطع الأدلَّة تقتضي بيانَ المراد منه على خِلاف وضْع اللفظ في اللغة (^١)، وعلى هذا فالنِّسبة بينهما التباين. ٥. وقال قوم: التأويل: صرْف الآية إلى معنًى محتمل موافِق لِمَا قبلها وما بعدها، غير مخالف للكتاب والسُّنة من طريق الاستنباط، فقد رُخِّص فيه لأهل العلم، والتفسير: هو الكلام في أسباب نزول الآية وشأنِها وقصتها، فلا يجوز إلا بالسماع بعدَ ثبوته من طريق النقْل (^٢)، وعليه فالنسبة بينهما التباين أيضًا. ٦. وقال قوم: التفسير يتعلق بالرِّواية، والتأويل يتعلَّق بالدِّراية (^٣)، والنسبة بينهما التباين أيضًا ٧. وقال قوم: ما وقع مبيَّنًا في كتاب الله، ومعيَّنًا في صحيح السنة، سُمِّي تفسيرًا؛ لأنَّ معناه قد وضح وظهر، وليس لأحد أن يتعرَّض إليه باجتهاد ولا غيره؛ بل يحمله على المعنى الذي ورَد لا يتعدَّاه، والتأويل: ما استنبطه العلماءُ العاملون لمعانِي الخطاب، الماهرون في آلاتِ العلوم (^٤). ٨. وقال قوم: التفسير: هو بيان المعاني التي تُستفاد من وضْع العبارة، والتأويل: هو بيانُ المعاني التي تُستفاد بطريق الإشارة، فالنِّسبة بينهما التباين، وهذا هو المشهورُ عندَ المتأخرين، وقد نبَّه إليه الألوسي في مقدِّمة تفسيره (^٥).

(^١) الإتقان في علوم القرآن (٤/ ١٦٨)، التفسير والمفسرون (١٠/ ٢٠). (^٢) مقدمة تفسير البغوي (١/ ٤٦)، البرهان في علوم القرآن (٢/ ١٥٠)، الإتقان: (٤/ ١٦٩). (^٣) الإتقان للسيوطي: (٤/ ١٩٦). (^٤) الإتقان: (٤/ ١٦٨، ١٦٩). (^٥) روح المعاني (١/ ٦)، التفسير والمفسرون: (١/ ٢١).

1 / 15

المطلب الثاني: بيان القول الراجح من أقوال العلماء في بيان معنى التفسير والتأويل ولعلَّ أظهر الأقوال وأولاها بالقَبول: هو أنَّ التفسير: ما كان راجعًا إلى الرِّواية، والتأويل: ما كان راجعًا إلى الدِّراية؛ وذلك لأنَّ التفسير معناه الكشْف والبيان، والكشْف عن مراد الله تعالى لا يُجْزَم به إلا إذا وردَ عن رسول الله ﷺ أو عن بعضِ أصحابه الذين شَهِدوا نزولَ الوحي، وعلموا ما أحاط به من حوادثَ ووقائع، وخالطوا رسولَ الله ﷺ ورجعوا إليه فيما أشكل عليهم من معاني القرآن الكريم. وأما التأويل: فملحوظٌ فيه ترجيح أحدِ محتملات اللفظ بالدليل، والترجيح يَعتمِد على الاجتهاد، ويُتوصَّل إليه بمعرفة مفردات الألفاظ ومدلولاتها في لُغة العرب، واستعمالها بحسب السِّياق، ومعرفة الأساليب العربية، واستنباط المعاني من كلِّ ذلك (^١). قال أبو نصر القُشَيري (^٢) قال الزَّركشي (^٣): ويُعتبَر في التفسير الاتباع والسَّماع، وإنما الاستنباط فيما يَتعلَّق بالتأويل. قال الزَّركشي: وكأنَّ السبب في اصطلاح كثير على التفرِقة بين التفسير والتأويل التمييزُ بين المنقول والمستنبَط؛ ليحمل على الاعتماد في المنقول، وعلى النظر في المستنبط، تجويزًا له وازديادًا، وهذا من الفروع في الدِّين (^٤).

(^١) التفسير والمفسرون: (١/ ٢٢). (^٢) هو: الإمام المفسِّر أبو نصر عبد الرحيم بن شيخ الصوفية أبي القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري النيسابوري النحوي المتكلم، مات سنة ٥٢٤ هـ، سير أعلام النبلاء: (١٩/ ٤٢٤). (^٣) البرهان في علوم القرآن (٢/ ١٦٥)، دار الكتب العلمية. (^٤) الإتقان في علوم القرآن (٣/ ١٦٧)، والبرهان (٢/ ١٧٢)، والتفسير والمفسرون: (١/ ٢٢).

1 / 16

المطلب الثالث: الخلاصة التي توصلت لها الدراسة في مبحث الفرق بين التفسير والتأويل أولًا: فإنَّ التأويل أعمُّ من التفسير؛ وذلك لأنَّ كلمة التأويل وردت في القرآن الكريم بأكثر من معنى، في حين أنَّ الله تبارك تعالى لم يذكرْ كلمةَ التفسير ومشتقاتها إلا مرَّةً واحدة فقط في القرآن كله في قوله تعالى: ﴿وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا﴾ [الفرقان: ٣٣]. ثانيًا: إذا ذُكِر أحد اللفظين منفردًا قُصِد به المعنى الشامل للفظين معًا إذا اجتمع اللفظان معًا. ثالثًا: إذا اجتمع اللفظان معًا "التفسير والتأويل" في شيء يخصُّ القرآن الكريم، كان المراد -والله أعلم - بالتفسير بيانَ المعاني التي تُستفاد من وضْع العبارة، وبالتأويل بيانَ المعاني التي تُستفادُ بطريق الإشارة، والله تعالى أعلم (^١). وبهذا ينتهي الفصل الأول والحمد لله رب العالمين.

(^١) يُنظر: الفرق بين التفسير والتأويل، د. هاني البشبيشي، تاريخ الإضافة: ٤/ ٤/ ٢٠١٣ ميلادي - ٢٣/ ٥/ ١٤٣٤ هجري، عن موقع الألوكة، بتصرف يسير.

1 / 17

الفصل الثاني • التعريف بالمنهج التأصيلي لدراسة التفسير التحليلي المبحث الأول: التعريف بالمنهج التأصيلي لدراسة التفسير التحليلي من جهة ألفاظه التي تتكون من خمس كلمات أ- المنهج ب- التاصيلي ج- لدراسة د- التفسير (^١) هـ- التحليلي ولا بد أولًا: من التعرف على مفهوم هذه الكلمات ومدلولاتها في اللغة والاصطلاح، وذلك على النحو التالي: المطلب الأول: مفهوم ومدلول كلمة المنهج في اللغة والاصطلاح أ- بيان مفهوم ومدلول كلمة "منهج" في اللغة: قال الرّاغب في المفردات: "النَّهْجُ: الطريقُ الوَاضِحُ، ونَهَجَ الأمْرُ وأَنْهَجَ: وَضَحَ، ومَنْهَجُ الطَّرِيقِ ومِنْهَاجُهُ، قال تعالى: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ الآية [المائدة: ٤٨] " (^٢). قال أبو جعفر النحاس في معاني القرآن: والصراط في اللغة المنهاج الواضح (^٣). والمنهاج: الطريق الواضح البيِّنُ المستقيم، وقوله: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الفاتحة: ٦]؛ أي: ثبتنا على المنهاج الواضح.

(^١) وقد سبق تعريفه في الفصل الأول. (^٢) المفردات للرّاغب الأصفهانيُّ (ص: ٨٢٥) (^٣) معاني القرآن للنحاس (٣/ ٣٥٩)

1 / 18

وهو كما قال الزبيدي في تاج العروس (ت: ١٢٠٥ هـ) (^١): السراط بالكسر: السبيل الواضح، وبه فسر قوله تعالى: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الفاتحة: ٦]، أي ثبتنا على المنهاج الواضح كما قاله الأزهري. وكما قال ابن منظور في لسان العرب: الصراط، والسراط، والزراط، الطريق، قال الشاعر: أَكُرُّ على الحَرورِيِّنَ مُهْري … وأَحْمِلُهُمْ على وَضَحِ الصِراطِ (^٢) قال شيخ المفسرين الإمام الطبريّ في تفسير قوله تعالى: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ الآية [المائدة: ٤٨]: "وأما (المنهاج)، فإنّ أصله: الطريقُ البيِّنُ الواضح، … ثم يُستعمل في كل شيءٍ كان بيِّنًا واضحًا سهلًا" (^٣). وختامًا: فإن المنهج والمنهاج في اللغة لفظان مشتقان من النهج، الذي هو الطريق الواضح البيِّنُ. ويمكننا في ضوء ما سلف أن نعرف المنهج في اللغة تعريفًا جامعًا مانعًا بأنه: هو الطريق الواضح البين، وهو الصراط المستقيم، وهو السبيل السوي الّذي لا يتيه ولا يضل ولا ينحرف عنه سالكُه، بل يصلُ إلى غايته من ورائه مباشرةً، من غير التواءٍ ولا تعرُّج ولا انحراف ولا انجراف ولا اعوجاج. ب- مفهوم ومدلول كلمة "منهج" في الاصطلاح المنهج في الاصطلاح: هو: الطريقة التي ينهجها الفرد حتى يصل إلى هدف معين (^٤).

(^١) تاج العروس من جواهر القاموس للزبيدي (١٩/ ٣٤٥)، تاج العروس من جواهر القاموس-المؤلف: محمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الحسيني، أبو الفيض، الملقّب بمرتضى، الزَّبيدي (المتوفى: ١٢٠٥ هـ - تحقيق: مجموعة من المحققين-الناشر: دار الهداية. (د. ط) (^٢) لسان العرب لا بن منظور (٢/ ٤٣٠) (^٣) تفسير الطبريّ (١٠/ ٣٨٤). (^٤) محاضرات في العلوم التربوية والسلوكية: مجموعة مؤلفين (ص: ٩٢).

1 / 19

أو هو: خطوات منظمة يتبعها الباحث في معالجة الموضوعات التي يقوم بدراستها إلى أن يصل إلى نتيجة معينة (^١). بالنظر إلى التعريفين السابقين، نجد أن التعريف الأول فيه دَوْر، حيث عرف المنهج بما يُنهج، فإذا أردنا شرح التعريف درنا لنعرف (ينهجها) بالمنهج، وهو عيب في التعريف. والتعريف الثاني اقتصر على منهج البحث العلمي. لذلك وانطلاقًا من قوله تعالى: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ [المائدة: ٤٨]، يمكن تعريف المنهج والمنهاج بأنه: الوسيلة والبرنامج الذي يُوصَل من خلال اتباعه إلى هدف ما (^٢). ورود كلمة "منهاج " في القرآن الكريم: قد وردت كلمة المنهج في كتاب الله تعالى مرة واحدة، وذلك في قوله سبحانه: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ الآية [المائدة: ٤٨]. قال الطاهر بن عاشور، ﵀، في التحرير والتنوير: وقوله تعالى: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ الآية [المائدة: ٤٨]، كالتعليل للنهي، أي إذا كانت أهواؤهم في متابعة شريعتهم أو عوائدهم، فدعهم وما اعتادوه وتمسكوا بشرعكم، والشرعة والشريعة: الماء الكثير من نهر أو واد، يقال: شريعة الفرات، وسميت الديانة شريعة على التشبيه، لأن فيها شفاء النفوس وطهارتها، والعرب تشبه بالماء وأحواله كثيرًا (^٣). وإذا كان الماء وما ينبت من أثره من النبات هو من أس مقومات حياة أبدان البشر، فكذلك جعل الله تعالى الشرعة والمنهاج أس حياة قلوبهم، وبهجة أرواح نفوسهم، وإذا كان الله قد

(^١) مناهج البحث العلمي: عمار بوحوش، ومحمد محمود الذنيبات (ص: ١٣)، الناشر: ديوان المطبوعات الجامعية-مدينة النشر: الجزائر العاصمة: سنة النشر: ٢٠٠٠ م (^٢) يُنظر: الطريق ونظائرها في القرآن الكريم دراسة تفسيرية بيانية (ص: ٢٤ - ٢٥) -إعداد: الدكتور زكريا إبراهيم الزميلي، الأستاذ مازن رشاد الحلو- الجامعة الإسلامية - غزة- كلية أصول الدين-١٤٢٨ هـ - بحث غير منشور. بتصرف غير يسير من الباحث. (^٣) التحرير والتنوير: ابن عاشور (٦/ ٢٢٣)، بتصرف.

1 / 20