The Excuse of Ignorance Under Shariah Scrutiny
العذر بالجهل تحت المجهر الشرعي
ناشر
دار الكتاب والسنة
شماره نسخه
الثانية
سال انتشار
١٤١٦ هـ - ١٩٩٥ م
محل انتشار
باكستان
ژانرها
أما الأول: ففي قوله تعالى: (رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) (١) ... (ذَلِكَ أَن لَّمْ يَكُن رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ) (٢). وعلى أحد القولين، وهو أن يكون المعنى: لم يهلكهم بظلمهم قبل إرسال الرسل، فتكون الآية دالة على الأصلين: أن أفعالهم وشركهم ظلم قبيح قبل البعثة، وأنه لا يعاقبهم عليه إلا بعد إرسال الرسل، وتكون هذه الآية في دلالتها على الأمرين نظير الآية التي في القصص: (وَلَوْلَا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (٣). فهذا يدل: على أن ما قدمت أيديهم سبب لنزول المصيبة بهم، ولولا قبحه لم يكن سببًا، لكن امتنع إصابة المصيبة لانتفاء شرطها، وهو عدم مجيء الرسول إليهم، فمذ جاء الرسول انعقد السبب ووجد الشرط، فأصابهم سيئات ما عملوا وعوقبوا بالأول والآخر.
وأما الأصل الثاني: وهو دلالته على أن الفعل في نفسه حسن وقبيح، فكثيرة جدًا ...
فكون ذلك فاحشة وإثمًا وبغيًا بمنزلة: كون الشرك شركًا، فهو شرك في نفسه قبل النهي وبعده.
فمن قال: إن الفاحشة والقبائح والآثام إنما صارت كذلك بعد النهي. فهو بمنزلة من يقول: الشرك إنما صار شركًا بعد النهي وليس شركًا قبل ذلك.
[إلى أن قال في ص: ٢٥٣]: وكذلك إنكاره سبحانه قبح الشرك به في إلهيته، وعبادة غيره معه بما ضر به لهم من الأمثال، وأقام على بطلانه من الأدلة العقلية، ولو كان إنما قبح بالشرع لم يكن لتلك الأدلة والأمثال معنى، وعند نفاة التحسين والتقبيح يجوز في العقل أن يأمر بالإشراك وبعبادة غيره، وإنما علم قبحه بمجرد النهي عنه، فيا عجبًا! أي فائدة تبقى في تلك الأمثال والحجج والبراهين الدالة على قبحه في صريح العقل والفطرة! وأنه أقبح القبيح وأظلم الظلم؟ وأي شيء يصح في العقل إذا لم يكن فيه علم بقبح الشرك الذاتي، وأن العلم بقبحه بديهي معلوم بضرورة العقل، وأن الرسل نبهوا الأمم على ما في عقولهم وفطرهم من قبحه ...
_________
(١) الإسراء: ١٥.
(٢) الأنعام: ١٣١.
(٣) القصص: ٤٧.
1 / 50