The Description of the Island of al-Andalus
صفة جزيرة الأندلس
ناشر
دار الجيل
شماره نسخه
الثانية
سال انتشار
١٤٠٨ هـ - ١٩٨٨ م
محل انتشار
بيروت - لبنان
ژانرها
مقدمة كتاب الروض المعطار
قال أبو عبد الله محمد بن أبي محمد عبد الله بن المنعم الحميري: الحمد لله الذي جعل الأرض قرارا، وفجر خلالها أنهارا، وجعل لها رواسي ألزمتها استقرارا، ومنعتها اضطرابًا وانتثارا، جعلها قسمين فيافى وبحارا، وأودع فيها من بدائع الحكم وفنون المنافع ما بهر ظهورًا وانتشارا، وأطلع في آفاقها شموسًا وأقمارا؛ جعلها ذلولا، وأوسعها عرضًا وطولا، وأمتع بها شيبًا وشبابًا وكهولا، وعاقب عليها غيوثًا وقبولا، وأغرى بالمشي في مناكبها تسويغًا للنعمة الطولى، وتتميمًا لإحسانه الذي نرجوه في الآخرة والألى، وإن في ذلك لعبرةً لمن صار له قلب وسمع وبصر وفهم منقولًا ومعقولا، إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤلا؛ أحمده على جزائل آلائه التي وإلى أمدادها، وأحصى أعدادها، وعم بها البرية وبلادها؛ وصلى الله على نبيه الكريم الذي زويت له الأرض فرأى غايتها، وأبصر نهايتها؛ وأخبر أن ملك أمته سيبلغ ما رآه، وينتهي إلى حيث قدره الخالق وأنهاه. وبعد فإني قصدت في هذا المجموع ذكر المواضع المشهورة عند الناس من العربية والعجمية، والأصقاع التي تعلقت بها قصة، أو كان في ذكرها فائدة، أو كلام فيه حكمة، أولها خبر ظريف، أو معنى يستملح أو يستغرب ويحسن إيراده، أما ما كان غريبًا عند الناس، ولم يتعلق بذكره فائدة، ولا له خبر يحسن إيراده، فلا ألم بذكره، ولا أتعرض له غالبًا استغناء عنه واستثقالًا لذكره؛ ولو ذهبت إلى إيراد المواضع والبقاع على
1 / 9
الاستقصاء لطال الكتاب، وقل إمتاعه؛ فقتصرت لذلك على المشهور من البقاع وما في ذكره فائدة ونكتفى عما سوى ذلك، ورتبته على حروف المعجم لما في ذلك من الإحماض المرغوب فيه، ولما فيه من سرعة هجوم الطالب على اسم الموضع الخاص من غير تكلف عناء ولا تجشم تعبٍ؛ فقد صار هذا الكتاب محتويًا على فنين مختلفين: أحدهما ذكر الأقطار الجهات، وما اشتملت عليه من النعوت والصفات؛ وثانيها الأخبار والوقائع والمعاني المختلفة بها، الصادرة عن مجتليها؛ واختلست ذلك ساعات زماني، وجعلته فكاهة نفسي؛ وأنصبت فيه بفكري وبدني؛ ورضته حتى انقاد للعمل، وجاء حسب الأصل، فأصبح طاردًا للهموم، ملقيا للغموم، وشاهدًا بقدرة القيوم؛ مغنيا عن مؤانسة الصحب، منبها على حكمة الرب؛ باعثًا على الاعتبار، مستحضرًا لخصائص الأقطار؛ مشيرًا لآثار الأمم وأحداثها، مشيرًا إلى وقائع الأخباز وأنبائها؛ ثم إني قسته بالكتاب الأخبارى المسمى بنزهة المشتاق فوجدته أعظم فائدةً وأكثر أخبارًا وأوسع في فنون التواريخ وصنوف الأحداث مجالًا حتى في وصف البلاد فإنه إنما ذكر نبذة منها شيئًا قليلًا في مواضع مخصوصةٍ معدودة، بل إنما عظم حجمه بما اشتمل عليه من قوله: من فلانة إلى فلانة خمسون ميلًا أو عشرون فرسخًا، ومن فلانة إلى فلانة كذا وكذا، أما الخبر عن الأصقاع مما يحسن إيراده، ويلذ سماعه، من خبرٍ ظريف، أو وصفٍ يستغرب أو يستملح، فإنما يوجد فيه في مواضع قليلةٍ معدودةٍ، إلى غير ذلك من عسر وجدان الناظر فيه بمطلوبه بأول وهلةٍ بل بعد البحث والتفتيش.
وجعلت الإيجاز في هذا الكتاب قصدى، وحرصت على الاختصار جهدي؛
1 / 10
حتى جاء نسيج وحده ميليحًا في فنه، غريبًا في معناه، مبهجًا للنفوس المتشوقة، ومذهبًا للأفكار المحرقة؛ مؤنسا لمن استولى عليه الانفراد ورغب عن معاشرة الناس، ومع هذا فقد لمت نفسي على التشاغل بهذا الوضع الصاد عن الاشتغال بما لا يغنى عن أمر الآخرة والمهم عن العلم المزلف عند الله تعالى وقلت: هذا من شأن البطالين وشغل من لا يهمه وقته، ثم رأيت ذلك من قبيل ما فيه ترويح لهذه النفوس، ومن حسن تعليلها بالمباح لمن ينشط إلى ما هي به أعنى؛ ثم هو مهيع يسلكه الناس، واعتنى به طائفة من العلماء، وقيده جماعة من أهل التحصيل؛ فلا حرج في الاقتداء بهم بل أقول: أعوذ بالله من علمٍ لا ينفع، وأستغفره وأستقيله، واسأله التجاوز عن الهفوات، والصفح عن الاشتغال بما لا يفيد في الآخرة، فيا رب عفوًا عن اقتراف ما لا رضى لك فيه فأنت على كل شيء قدير؟!
1 / 11
حرف الألف
الأندلس
هذه الجزيرة في آخر الإقليم الرابع إلى المغرب، هذا قول الرازي، وقال صاعد ابن أحمد في تأليفه في طبقات الحكماء: معظم الأندلس في الإقليم الخامس وجانب منها في الرابع كإشبيلية ومالقة وقرطبة وغرناطة والمرية ومرسية.
واسم الأندلس في اللغة اليونانية إشبانيا، والأندلس بقعة كريمتة طيبة كثيرة الفواكه، والخيرات فيها دائمة، وبها المدن الكثيرة والقواعد العظيمة، وفيها معادن الذهب والفضة والنحاس والرصاص والزيبق واللازورد والشب والتوتيا والزاج والطفل.
والأندلس آخر المعمور في المغرب لأنها متصلة ببحر أقيانس الأعظم الذي لا عمارة وراءه، ويقال: إن أول من اختط الأندلس بنو طوبال بن يافت بن نوح، سكنوا الأندلس في أول الزمان، وملوكهم مائة وخمسون ملكًا، ويقال إن الأندلس خربت وأقفرت وانجلى عنها أهلها لمحلٍ أصابهم فبقيت خالية مائة سنةٍ، ثم وقع ببلاد إفريقية محل شديد ومجاعة عظيمة فرقت أهلها، فلما رأى ملك إفريقية ما وقع ببلاده اتخذ مراكب وشحنها بالرجال، وقدم عليهم رجلًا من إفريقية ووجههم، فرمى بهم البحر إلى حائط إفرنجة وهم يومئذ مجوس، فوجههم صاحب إفرنجة إلى الأندلس.
1 / 1
وقيل اسمها في القديم: إبارية، ثم سميت بعد ذلك: باطقة، ثم سميت: إشبانيا من اسم رجل ملكها في القديم كان اسمه إشبان، وقيل سميت بالإشبان الذين سكنوها في الأول من الزمان، وسميت بعد ذلك بالأندلس من أسماء الأندليش الذين سكنوها.
وسميت جزيرة الأندلس بجزيرة لأنها شكل مثلث وتضيق من ناحية شرق الأندلس حتى تكون بين البحر الشأمى والبحر المظلم المحيط بالأندلس خمسة أيام، ورأسها العريض نحو من سبعة عشر يومًا، وهذا الرأس هو في أقصى المغرب في نهاية انتهاء المعمور من الأرض محصور في البحر المظلم، ولا يعلم أحد ما خلف هذا البحر المظلم، ولا وقف منه بشر على خبرٍ صحيحٍ لصعوبة عبوره وإظلامه، وتعاظم موجه وكثرة أهواله، وتسلط دوابه وهيجان رياحه، حسبما يرد ذلك في موضعه اللائق به إن شاء الله تعالى، وبلاد الأندلس مثلث الشكل كما قلناه.
ويحيط بها البحر من جميع جهاتها الثلاث؛ فجنوبيها يحيط به البحر الشأمى، وجوفيها يحيط به البحر المظلم، وشماليها يحيط به بحر الأنقليشيين من الروم، وطول الأندلس من كنيسة الغراب التي على البحر المظلم إلى الجبل المسمى بهيكل الزهرة ألف ميل ومائة ميلٍ، وعرضها ستمائة ميلٍ.
والأندلس أقاليم عدة ورساتيق جملة، وفي كل إقليم منها عدة مدنٍ، والركن الواحد من أركانها الثلاثة هو الموضع الذي فيه صنم قادس بين المغرب والقبلة، والركن الثاني شرقي الأندلس بين مدينة نربونة ومدينة برذيل بإزاء جزيرتي ميورقة
1 / 2
ومنورقة، والركن الثالث حيث يتعطف البحر من الجوف إلى المغرب حيث المنارة في الجبل الموفى على البحر، وفيه الصنم العالي المشبه بصنم قادس، وهو في البلد الطالع على بلد برطانية.
والأندلس شأمية في طيبها وهوائها، يمانية في اعتدالها واستوائها، هندية في عطرها وذكائها، أهوازية في عظم جبايتها، صينية في جواهر معادنها، عدنية في منافع سواحلها؛ وفيها آثار عظيمة لليونانيين أهل الحكمة وحاملي الفلسفة، وكان من ملوكهم الذين أثروا الآثار بالأندلس هرقلش، وله الأثر في الصنم بجزيرة قادس، وصنم جليقية، والأثر في مدينة طر كونه الذي لا نظير له.
وفي غربي شنترين على مقدار خمسين ميلا فيما بين أشبونة وشنترة، في جبلٍ هناك كان حصنًا فيما مضى، يوجد الحجر اليهودي، وهو على شكل البلوط سواء، ومن خاصيته تفتيت الحصى التي تكون في المثانة والكلية ويقع في الأكحال، وفي جوفي بطليوس على قدر أربعين ميلًا معدن المهى.
والأندلس دار جهاد وموطن رباط، وقد أحاط بشرقيها وشماليها وبعض غربيها أصناف أهل الكفر؛ وروى عن عثمان ﵁ أنه كتب إلى من انتدب إلى غزو الأندلس: أما بعد فإن القسطنطينية إنما تفتح من قبل الأندلس، وإنكم إن فتحتموها كنتم شركاء من يفتحها في الأخير والسلام؛ وعن كعب الأحبار أنه قال: يعبر البحر إلى الأندلس أقوام يفتحونها يعرفون بنورهم يوم القيامة. ودخل الأندلس رجل واحد من أصحاب النبي " ﷺ "، قال عبد الملك بن حبيب: اسمه المنذر الإفريقي، وإنه
1 / 3
يروى عنه ﵊ أنه قال: من قال رضيت بالله ربا إلى آخرها فأنا الزعيم لآخذن بيده وأدخله الجنة! ودخلها من التابعين حنش بن عبد الله الصنعاني وهو الذي أسس جامع سرقسطة وكان مع علىٍ " رضه " بالكوفة، فلما قتل على " رضه " انتقل إلى مصر وقبره بسر قسطة معروف، ومنهم على بن رباح اللخمى، وعمرو بن العاصي، وعلقمة بن عامر، وأبو عبد الرحمن عبد الله الجبلي الأنصار، وعياض بن عقبة الفهرى، وموسى بن نصير، يقال بكرى ويقال لخمى؛ ويقال إن نصيرا من سبى عين التمر أعتقه صبيح مولى أبي العاص بن أمية، يقال أصابه خالد في علوج عين التمر وادعوا أنهم من بكر بن وائلٍ، فصار نصير وصيفًا لعبد العزيز بن مروان وأعتقه فمن أجل هبذا يختلف في نسبه؛ وعقد الوليد لموسى على إفريقية سنة٨٣، وكان مولد موسى سنة١٩ في خلافة عمر " رضه "، وكان معاوية " رضه " قد جعل نصيرًا أبا موسى على حرسه، فلم يقاتل معه عليا " رضه "، فقال له معاوية " رضه ": ما منعك من الخروج على علي ولم تكاف يدي عليك؟ فقال: لم يمكنني أن أشكرك بكفر من هو أولى بشكرى منك، فقال: ومن هو؟ قال: الله ﷿! ومسافة ما يملكه المسلمون من الأندلس ثلاثمائة فرسخٍ طولًا في ثمانين فرسخًا عرضًا؛ والذي يملك منها النصارى مثل ما يملكه المسلمون أو نيفا، ثم حدث فيها من تغلب الثوار ما أضاع ثغورهم وأذهب أكثر بلادهم، ولم يبق من ذلك إلا الأقل. وبها الجبال المشهورة والحمامات الكثيرة.
قال الرازي: أول من سكن الأندلس بعد الطوفان على ما يذكره علماء عجمها قوم يعرفون بالأندلس بشين معجمة بهم سمى البلد ثم عرب، وكانوا أهل تمجسٍ
1 / 4
فحبس الله تعالى عنهم المطر حتى غارت عيونها ويبست أنهارها، فهلك أكثرهم وفر من قدر على الفرار منهم فأقفرت الأندلس وبقيت خالية مائة عامٍ، وملكها إشبان ابن طيطش، وهو الذي غزا الأفارقة وحاصر ملكهم بطالقة، ونقل رخامها إلى إشبيلية وبه سميت، فاتخذها دار مملكته وكثرت جموعه فعلا في الأرض وغزا من إشبيلية إيلياء بعد سنتين من ملكه، خرج إليها في السفن وهدمها، وقتل من اليهود مائة ألفٍ واسترق مائة ألفٍ، وفرق في البلاد مائة ألف، وانتقل رخام إيلياء وآلاتها إلى الأندلس؛ والغرائب التي أصيبت في مغانم الأندلس كمائدة سليمان التي ألفاها طارق ابن زياد بكنيسة طليطلة، وقليلة الدر التي ألفاها موسى بن نصير بكنيسة ماردة، وغيرهما من الذخائر، إنما كانت مما حازه صاحب الأندلس من غنيمة بيت المقدس إذ حضر فتحها مع بخت نصر.
وذكروا أن الخضر وقف بإشبان هذا وهو يحرث الأرض بفدانٍ له أيام حداثته فقال: يا إشبان، إنك لذو شأنٍ، وسوف يحظيك زمان، ويعلي سلطان، فإذا أنت تغلبت على إيلياء فارفق بورثة الأنبياء! فقال له إشبان: أساحر أنت رحمك الله أني يكون هذا، وأنا ضعيف مهين حقير؟ فقال: قدر ذلك من قدر في عصاك اليابسة ما تراه! فنظر إشبان إلى عصاه فرآها قد أورقت، فريع لما رأى وذهب الخضر عنه؛ وقد وقر ذلك الكلام في نفسه والثقة بكونه، فترك الامتهان وداخل الناس، وصحب أجل الناس وسما به جده فارتقى في طلب السلطان حتى نال منه عظيما، وكان ملكه عشرين سنة، واتصلت مملكة
1 / 5
الإشبان بعده إلى أن ملك منهم الأندلس خمسة وخمسون ملكًا، ثم دخل عليهم من عجم رومة أمة أخرى تعرف بالشبونقات، وذلك زمان مبعث المسيح ﵇، فملكوا الأندلس وإفرنجة معها واتخذوا دار مملكتهم مدينة ماردة واتصلت مملكتهم إلى أن ملك منهم أربعة وعشرون ملكًا، ويقال إن منهم كان ذو القرنين.
ثم دخل على هؤلاء الشبونقات أمة القوط فغلبوا على الأندلس واقتطعوها من يؤمئذٍ عن صاحب رومة وانفردوا بسلطانهم واتخذوا مدينة طليطلة دار سلطانهم؛ ودخشوش ملك القوط هو أول من تنصر من هؤلاء، فدعا الحواريين ودعا قومه إلى النصرانية، وكان أعدل ملوكهم وأحسنهم سيرةً، وهو الذي أصل النصرانية؛ والإنجيلات أو المصاحف الأربعة من انتساخه وجمعه وتثقيفه؛ فتنافست ملوك القوط بالأندلس بعده حتى غلبهم عليها العرب؛ وعدد من ملك منهم إلى آخرهم وهو لذريق ستة وثلاثون ملكًا.
والذريق لم يكن من أبناء الملوك ولا بصحيح النسب في القوط، وإنما نال الملك من طريق الغصب والتسور عندما مات غيطشة الملك وكان أثيرًا لديه فاستصغر أولاده واستمال طائفةً من الرجال مالوا إليه فانترع الملك من ولد غيطشة، وغيطشة آخر ملوك القوط بالأندلس، ولى سنة٧٧ من الهجرة فملك خمسة عشرة سنة.
وكانت طليطلة دار المملكة بالأندلس حينئذٍ، وكان بها بيت مغلق متحامى الفتح يلزمه من ثقات القوط قوم قدو كلوا به لئلا يفتح، قد عهد الأول في ذلك إلى الآخر، كلما ملك منهم ملك زاد على البيت قفلًا، فلما ولى لذريق عزم على فتح الباب
1 / 6
والاطلاع على ما في البيت، فأعظم ذلك أكابرهم، وتضرعوا إليه في الكف فأبى، وظن أنه بيت مالٍ، ففض الأقفال عنه ودخله فأصابه فارغًا لا شيء فيه إلا تابوتًا عليه قفل، فأمر بفتحه فألفاه أيضًا فارغًا ليس فيه إلا شقة مدرجة قد صورت فيها صور العرب على الخيول وعليهم العمائم، متقلدي السيوف، متنكبى القسى، رافعى الرايات على الرماح، وفي أعلاها كتابة بالعجمية فقرئت فإذا هي: إذا كسرت هذه الأقفال من هذا البيت وفتح هذا التابوت فظهر ما فيه من هذه الصور فإن الأمة المصورة فيه تغلب على الأندلس وتملكها، فوجم لذريق وعظم غمه وغم العجم وأمر برد الأقفال وإقرار الحراس على حالهم.
وكان من سير الأعاجم بالأندلس أن يبعث أكابرهم إلى بساط الملك ليتأدبوا بأدبه، وينالوا من كراماته، حتى إذا بلغوا أنكح بعضهم بعضا استئلافًا لآبائهم، وحمل صدقاتهم وتولى تجهيز إناثهم إلى أزواجهن؛ فاتفق أن فعل ذلك يليان عامل لذريق على سبتة، وجه ابنةً له بارعة الجمال تكرم عليه، فوقعت عين لذريق عليها فأعجبته فاستكرهها على نفسها واحتالت حتى أعلمت أباها بذلك سرًا بمكاتبةٍ خفيةٍ، فأحفظه شأنها وقال: ودين المسيح لأزيلن سلطانه! وكان امتعاضه من فاحشة ابنته السبب لفتح الأندلس بالذي سبق من قدر الله سبحانه؛ ثم إن يليان ركب بحر الزقاق من سبتة في أصعب الأوقات في شهر ينير، وأقبل حتى احتل بطليطلة حضرة لذريق، فأنكر عليه مجيئه في ذلك الوقت وسأله عن السبب في ذلك، فذكر له أن زوجته اشتد شوقها إلى ابنتها التي عنده، وتمنت لقاءها قبل الموت، وألحت عليه في إحضارها،
1 / 7
وأحب إسعافها بها، وسأل الملك إخراجها إليه وتعجيل إطلاقه للمبادرة بها؛ ففعل وأجاز الجارية، وتوثق منها بالكتمان عليه، وأفضل عليها وعلى أبيها وانقلب عنه.
وذكر أنه لما دخل عليه قال له لذريق: إذا أنت قدمت علينا فاستفره لنا من الشذانقات! فقال له: أيها الملك، والمسيح لأدخلن عليك شذانقات ما دخل عليك بمثلها قط! يعرض له بما أضمره من السعي في إدخال رجال العرب الأندلس عليه، وهو لا يفطن؛ فلم يتنهنه يليان إذ وصل سبته أن تهيأ للمسير نحو موسى بن نصير، فأتاه بإفريقية، فحرضه على غزو الأندلس ووصف له حسنها وفوائدها وفضلها، وهون عليه حال رجالها، فعاقده موسى على الانحراف إلى المسلمين وسامه مكاشفة أهل ملته من أهل الأندلس، ففعل يليان ذلك وحل بساحل الجزيرة الخضراء، فقتل وسبى وغنم وأقام بها أيامًا يشن الغارات، وشاع الخبر عند المسلمين، فآنسوا بيليان، وذلك عقب سنة٩٠.
وكتب موسى بن نصير إلى الوليد يعلمه بما دعاه إليه يليان ويستأذنه في افتتاح الأندلس، فكتب إليه الوليد أن خضها بالسرايا حتى تختبر شأنها ولا تغرر بالمسلمين في بحرٍ شديد الأهوال، فراجعه أنه ليس ببحراٍ وإنما هو خليج يتبين للناظر ما وراءه، فكتب إليه: وإن كان فلا بد من اختباره بالسرايا! فبعث موسى عند ذلك رجلًا من مواليه من البربر اسمه طريف بن ملوك المعافى يكنى أبا زرع في أربعمائة رجلٍ فعبر بهم ونزل في الجزيرة المنسوبة إليه؛ ثم أغار على الجزيرة الخضراء ونواحيها فأصاب سبيًا لم ير موسى فميا أصابه مثله حسنًا، وأصاب مالًا جسيمًا وأمتعة، وذلك في شهر رمضان من سنة٩١
1 / 8
فلما رأى ذلك الناس أسرعوا إلى الدخول، فدعا موسى مولىً له كان على مقدماته يسمى طارق بن زياد، قيل هو فارسي وقيل هو من الصدف وقيل ليس بمولى، وقيل هو بربري من نفزه، فعقد له وبعثه في سبعة آلاف من البربر والموالى، ليس فيهم عربي إلا القليل. فهيأ له يليان المراكب وحل بجبل طارق يوم سبت في شعبان من سنة٩٢، وهو من شهور العجم شهر أغشت، وقيل في رجب من السنة، في اثنى عشر ألفًا غير ستة عشر رجلًا لم يكن فيهم من العرب إلا القليل.
وأصاب طارق عجوزًا من أهل الجزيرة فقالت له: كان لي زوج عالم بالحدثان، وكان يحدث عن أميرٍ يدخل بلدنا هذا ويصفه ضخم الهامة وأنت كذلك! ومنها أن بكتفه الأيسر شامةً عليها شعر، فإن كانت بك هذه الشامة فأنت هو، فكشف طارق ثوبه فإذا بالشامة على كتفه كما ذكرت العجوز، فاستبشر بذلك هو ومن معه.
وذكر عن طارق أنه كان نائمًا في المركب فرأى في منامه النبي " ﷺ " والخلفاء الأربعة يمشون على الماء حتى مروا به، فبشره النبي " ﷺ " بالفتح وأمره بالرفق على المسلمين والوفاء بالعهد؛ وفي حكايةٍ إنه لما ركب البحر غلبته عيناه فرأى النبي " ﷺ " وحوله المهاجرون والأنصار قد تقلدوا السيوف، وتنكبوا القسى، فيقول له النبي: يا طارق تقدم لشأنك! ونظر إليه وإلى أصحابه قد دخلوا الأندلس قدامه فهب من نومه مستبشرًا وبشر أصحابه ولم يشك في الظفر، فنزل بالجبل شانًا للغارات في البسائط، ولذريق يومئذٍ غائب في غزاةٍ له، واتصل به الخبر فعظم عليه أمره، وفهم الخبر الذي أتى منه مع يليان، وأقبل مبادرًا في جموعه حتى احتل بقرطبة أيامًا والجنود تتوافى عليه،
1 / 9
وكان في وجهته ولى ششبوت بن الملك غيطشه ميمنته وأخاه ميسرته، وهما الولدان الذان سلبهما ملك أبيهما، فبعثا إلى طارق يسألانه الأمان إذا مالا إليه عند اللقاء بمن معهما، وعلى أن يسلم إليهما ضياع والدهما غيطشة إن ظفر، فأجابهما طارق إلى ذلك، وعاقدهما عليه؛ فلما التقى الجمعان انحاز هذان الغلامان إلى طارق، فكان ذلك سبب الفتح، وكان الطاغية لذريق في ستمائة ألف فارسٍ.
وقد خرجت عن حكم الاختصار الذى التزمت في هذا الوضع فلنقتصر على هذا القدر، وأما ذكر بلاد الأندلس فتأتى في مواضعها اللائقة بها إن شاء الله تعالى.
وافتتحت الأندلس في أيام الوليد بن عبد الملك، فكان فتحها من أعظم الفتوح الذاهبة بالصيت في ظهور الملة الحنيفية؛ وكان عمر بن عبد العزيز معتنيًا بها، مهتمًا بشأنها، وهو الذي قطعها عن نظر وإلى إفريقية وجرد لها عاملًا من قبله.
أبال
حصن بالأندلس في شمال قرطبة وعلى مرحلة منها، وهو الحصن الذي فيه معدن الزئبق.
وفيه يعمل الزنجفور ومنه يتجهز بالزئبق والزنجفور إلى جميع أقطار الأرض، ويخدم هذا المعدن أكثر من ألف رجلٍ، فقوم للنزول وقطع الحجر، وقوم لنقل الحطب لحرق المعدن، وقوم لعمل أواني السبك والتصفية، وقوم لبنيان الأفران والحرق، ومن وجه الأرض إلى أسفله فيما حكى أكثر من مائة قامةٍ.
1 / 10
أبذة
مدينة بالأندلس.
بينها وبينب بياسة سبعة أميال، وهي مدينة صغيرة وعلى مقربة من النهر الكبير، ولها مزارع وغلات، قمح وشعير، كثيرة جدًا.
وفي سنة ٦٠٩ مالت عليها جموع النصرانية بعد كائنة العقاب، وكان أهلها قد أنفوا من إخلائها كما فعل جيرانها أهل بياسة، ولم ترفع تلك الجموع يدًا عن قتالها حتى ملكتها بالسيف، وقتل فيها كثير، وأسروا كثيرًا، ووقع على ما كان فيها بين أجناس النصارى خصام آل إلى الشحناء والافتراق، وكفى الله المسلمين بذلك شرًا كثيرًا، وكان بعضهم قد طلب أبذة فتنافسوا فيها ولم يأخذها أحد منهم وخربوا أسوارها.
أبطير
حصن بالأندلس بمقربة من بطليوس، من بناء محمد بن أبي بعامر من جليل الصخر، داخله عين ماء خرارة، وهو اليوم خالٍ.
وعلى مقربة منه، بنحو ثلاث غلاءٍ، قبر في نشزٍ من الأرض قد نحت في حجرٍ وقد نضد عليه صفائح الحجارة، ويعرف بقبر الشهيد، ولا يعلم له وقت لقدمه، يرفع عنه بعض تلك الصفائح فيرى صحيح الجسم لم يتغير، نابت الشعر.
أربونة
مدينة هي آخر ما كان بأيدي المسلمين من مدن الأندلس وثغورها مما يلي بلاد
1 / 11
الإفرنجة، وقد خرجت من أيدي المسلمين سنة ٣٣٠مع غيرها مما كان في أيدي المسلمين من المدن والحصون.
أرجونة
مدينة أو قلعة بالأندلس، إليها ينسب محمد بن يوسف بن الأحمر الارجوني من متأخرى سلاطين الأندلس.
أرشذونة
بالأندلس وهي قاعدة كورةٍ، ومنزل الولاة والعمال، وهي بقبلى قرطبة، تسقى أرضها وتطرد في نواحيها عيون غزار، وأنهار كبار، وهي برية بحرية، سهلها واسع وجبلها مانع، وسورها الآن مهدوم، ولها حصن فوق المدينة، ولها مدن كثيرة، وبها آثار قديمة، ومن مدنها مالقة، بينهما وعشرون ميلًا.
أرغون
هو اسم بلاد غرسية بن شانجه تشتمل على بلادٍ ومنازل وأعمالٍ.
الأرك
هو حصن منيع بمقربة من قلعة رباح أول حصون إذ فونش بالأندلس، وهناك كانت وقعة الأرك على صاحب قشتالة وجموع النصارى على يد المنصور يعقوب ابن يوسف بن عبد المؤمن بن علي ملك المغرب في سنة ٥٩١؛ وكان بلغ المنصور يعقوب
1 / 12
أن صاحب قشتالة شن الغارات على بلاد المسلمين بالأندلس شرقًا وغربًا في يوم واحدٍ، وعم ذلك جهة إشبيلية ونواحيها، فامتعض من ذلك ثم تحرك من حضرته مراكش إلى الأندلس واستقر بإشبيلية فأعرض الجند وأعطى البركات، ثم نهض في الحادي عشر من جمادى الأخرى ووصل قرطبة فروح بها فالتقى الجمعان بجسر الأرك والتحم القتال فانهزم العدو وركبهم بالسيف من ضحى يوم الأربعاء تاسع شعبان إلى الزوال وانتهب محلة الروم وقتل منهم زهاء ثلاثين ألفًا، واستشهد من المسلمين دون الخمسمائة، وأفلت إذ فونش واجتاز على طليطلة لا يعرج على شئ في عشرين فارسًا، وحصر المسلمون فلهم بحصن الأرك وكانوا خمسة آلاف فصالحوا بقدرهم من أسارى المسلمين.
وسمعت من يحدث أن هذا الفتح كان اتفاقيا بسبب إحراز الروم بعض رايات المسلمين وذهابهم بها قائمةً منتصبةً وانبعاث حفائظ بعض القبائل لما عاينوا راية إخوانهم مقدمةً على العدو، وإذ ظنوا أن أصحابهم حملوا على العدو فأوغلوا وهم لا يعلمون الحال، وكيفما كان فهو فتح مبين ونصر مؤزر.
ثم رجع المنصور إلى إشبيلية ظافرًا فأقام مدة ثم غزا بلاد الجوف فحاصر ترجاله ونزل على بلنسية ففتحها عنوةً، وقبض على قائدها يومئذ مع مائة وخمسين من أعيان كفارها، ووجههم إلى خدمة بناء الجامع الكبير بسلا مع أسارى الأرك، ثم انتقل إلى طلبيرة ومكادة فخربهما، ثم برز على طليطلة فشن عليها الغارات، ثم نازل مجريط وشرع في القفول، فأخذ على جيان إلى قرطبة إلى
إستجة إلى قرمونة، ووصل إلى إشبيلية في رمضان.
1 / 13
أركش
حصن بالأندلس على وادي لكه وهو مدينة أزلية قد خربت مرارًا وعمرت، وعندها زيتون كثير.
أرنيط
مدينة بالأندلس أولية بينها وبين تطيلة ثلاثون ميلًا، وحواليها بطاح طيبة المزارع، وهي قلعة عظيمة منيعة من أجل القلاع، وفيها بئر عذبة لا تنزح، قد أنبطت في الحجر الصلد؛ وهذه القلعة مطلة على أرض العدو، وبينها وبين تطيلة ثلاثون ميلًا.
إستجة
بين القبلة والغرب من قرطبة بينهما مرحلة كاملة، وهي مدينة قديمة لم يزل أهلها في جاهليةٍ وإسلامٍ على انحرافٍ وخروج عن الطاعة. ومعنى هذا الاسم عندهم جمعت الفوائد؛ وفي أخبار الحدثان إنه كان يقال: إستجة البغي، مذكورة باللعنة والخزى، ويذهب خيارها، ويبقى شرارها.
وكانت هيئتها التي ألفاها عليها طارق بن زياد أن سورها كان قد عقد بسورين أحدهما صخر أبيض والثاني صخر أحمر بأجمل صنعةٍ وأحكم بناءٍ، وردم وسوى
1 / 14
ووضع في مواضع الشرفات من المرمر صور بني آدم من كل الجهات تواجه القاصد نحوها فلا يشك الناظر أنها رجال وقوف، وكان لها من الأبواب باب القنطرة شرقي، باب أشونة قبلي، باب رزق غربي، باب السويقة جوفي، وغير ذلك من الأبواب، والمدينة مبنية على الرصيف الأعظم المسلوك عليه من البحر إلى البحر.
وكانت إستجة واسعة الأرباض ذات أسواقٍ عامرةٍ وفنادق جمةٍ، وجامعها في ربضها مبنى بالصخر له خمس بلاطات على أعمدة رخامٍ، وتجاوره كنيسة للنصارى؛ وبإستجة آثار كثيرة ورسوم تحت الأرض موجودة وهي منفسحة الخطة، عذبة الأرض، زكية الريع، كثيرة الثمار والبساتين، نضيرة الفواكه والزرع، ولها أقاليم خمسة.
وكان أهل إستجة ممن خلع وخالف، فافتتحها عبد الرحمن بن محمد على يد بدر الحاجب سنة٣٠٠، فهدم سورها ووضع بالأرض قواعدها، وألحق أعاليها بأسافلها، وهدم قنطرة نهرها، وفي ذلك يقول أحمد بن محمد بن عبد ربه " طويل ".
ألا إنه فتح يقر له الفتح ... فأوله سعد وآخره نجح
سرى القاعد الميمون خير سريةٍ ... تقدمها نصر وتابعها فتح
ألم تره أردى بإستجة العدا ... فلقوا عذابًا كان موعده الصبح
فلا عهد للمراء من بعد هذه ... يتم له عند الإمام ولا صلح
فولوا عباديد بكل ثنيةٍ ... وقد مسهم قدح وما مسنا قدح
وبين إستجة ومرشانة عشرون ميلًا، وكذلك بينها وبين قرمونة.
1 / 15
أشبونة
بالأندلس من كور باجة المختلطة بها، وهي مدينة الاشبونة، والأشبونة بغربي باجة، وهي مدينة قديمة على سيف البحر تنكسر أمواجه في سورها، واسمها قودية، وسورها رائق البنيان، بديع الشأن، وبابها الغربي قد عقدت عليه حنايا فوق حنايا على عمدٍ من رخام مثبتةٍ على حجارة من رخام وهو أكبر أبوابها، ولها باب غربي أيضًا يعرف بباب الخوخة مشرف على سرح فسيح يشقه جدولا ماء يصبان في البحر، ولها باب قبلي يسمى باب البحر تدخل أمواج البحر فيه عند مده وترتفع في سوره ثلاث قيم، وباب شرقي يعرف بباب الحمة، والحمة على مقربةٍ منه ومن البحر ديماس ماءٍ حارٍ وماءٍ باردٍ، فإذا مد البحر واراهما؛ وباب شرقي أيضًا يعرف بباب المقبرة.
والمدينة في ذاتها حسنة ممتدة مع النهر، لها سور وقصبة منيعة؛ والأشبونة على نحر البحر المظلم؛ وعلى ضفة البحر من جنوبه قبالة مدينة الأشبونة حصن المعدن؛ ويسمى بذلك لأن عند هيجان البحر يقذف بالذهب التبر هناك؛ فإذا كان الشتاء قصد إلى هذا الحصن أهل تلك البلاد فيخدمون المعدن الذي به إلى انقضاء الشتاء، وهو من عجائب الأرض.
ومن مدينة الأشبونة كان خروج المغرورين في ركوب بحر الظلمات ليعرفوا ما فيه وإلى أين انتهاؤه، ولهم بأشبونة موضع بقرب الحمة منسوب إليهم يعرف
1 / 16
بدرب المغرورين، وذلك أن ثمانية رجال، كلهم أبناء عمٍ، اجتمعوا فابتغوا مركبًا وأدخلوا فيه من الماء والزاد ما يكفيهم لأشهرٍ، ثم دخلوا البحر في أول طاروس الريح الشرقية، فجروا بها نحوًا من إحدى عشر يومًا؛ فوصلوا إلى بحرٍ غليظ الموج، كدر الروائح، كثير التروش، قليل الضوء، فأيقنوا بالتلف، فردوا قلعهم في اليد الأخرى، وجروا في البحر في ناحية اثنى عشر يومًا؛ فخرجوا إلى جزية الغنم، وفيها من الغنم مالا يأخذه عدو لا تحصيل، وهي سلوحة لا ناظر لها ولا راع، فقصدوا الجزيرة ونزلوها فوجدوا عين بماء جاريةً، عليها شجرة تينٍ برىٍ، فأخذوا من تلك الغنيم فذبحوها فوجدوا لحومها مرةً لا يقدر أحد على أكلها، فأخذوا من جلودها وساروا مع الجنوب اثنى عشر يومًا إلى أن لا حت لهم جزيرة، فنظروا فيها إلى عمارةٍ وحرثٍ، فقصدوا إليها ليروا ما فيها، فما كان إلا غير بعيدٍ حتى أحيط بهم في زوارق، فأخذوا وحملوا إلى مدينةٍ على ضفة البحر، فأنزلوا بها في دارٍ، فرأوا بها رجالًا شقرًا زعرًا، شعورهم سبطة، وهم طوال القدود، ولنسائهم جمال عجيب، فاعتقلوا في بيت ثلاثة أيام ثم دخل عليهم في اليوم الرابع رجل يتكلم باللسان العربي، فسألهم عن حالهم، وفيم جاؤوا، وأين بلادهم فأخبروه بكل خبرهم فوعدهم خيرًا، وأعلمهم أنه ترجمان؛ فلما كان في اليوم الثاني من ذلك اليوم أحضروا بين يدي الملك، فسألهم عما سألهم عنه الترجمان فأخبروه بما أخبروا به الترجمان بالأمس، وأنهم اقتحموا البحر ليروا ما فيه من العجائب، وليقفوا على نهايته، فلما علم الملك ذلك ضحك وقال للترجمان: أخبر القوم أن أبي أمر قومًا من عبيده بركوب هذا البحر، وأنهم جروا في عرضه شهرًا
1 / 17