٦ - ومال شيخ المشايخ الشاه ولي الله الدهلوي في "تراجمه" أنه أثر تعطل الحواس، إذ قال: أعلم أن من تعطلت حاسة من حواسه يظهر له في تلك الحاسة ما لا يتميز فيه، مثل من تعطلت حاسته البصرية يرى ألوانًا مختلفة متكثرة، ومن تعطلت حاسته السمعية يسمع أصواتًا ممتزجة مختلفة غير متميزة، فقوله: "مثل صلصلة الجرس"، عبارة عن تعطل حاسة السمع عن مسموعات عالم الشهادة، لكي يتفرغ لحفظ ما أوحي عليه، ويعيه كما هو حقه، فتدبر.
وأشكل عليه أن صوت الجرس مذموم لصحة النهي عنه كما في "مسلم" و"أبي داود"، فكيف يشبه به ما فعله الملك مع أن الملائكة تنفر عنه؟
وأجيب: بأنه لا يلزم من التشبيه تساوي المشبَّه والمشبَّه به في جميع الصفات، كمن شَبَّه رجلًا بالأسد فيكون التشبيه في شجاعته لا في نتن رائحة الفم، فذكر ما ألِفَ السامعون سماعه تقريبًا لأفهامهم كما قيل في توجيه العتمة.
فإن قيل: قد روي عن عمر عند أبي داود: "كنا نسمع عنده مثل دَويِّ النحل" (^١)، وها هنا كصلصلة الجرس وبينهما تفاوت، أجيب: بأن ذلك بالنسبة إلى الصحابة، وهذا بالنسبة إلى النبي ﷺ، كذا أفاده الشراح.
والأوجه عندي أنه ليس بحقيقة، بل تقريب وتشبيه، فلا يخالف أيضًا ما ورد: "إذا قضى الله في السماء أمرًا ضربَتْ الملائكةُ بأجنحتها خضعانًا لقوله كأنها سلسلة على صفوان"، انتهى مختصرًا من "الأوجز" (^٢).
(وهو أشده عليّ) لكون الصوت لم يفهم، أو لانقطاعه إلى عالم
(^١) لم أجده في "سنن أبي داود"، وأخرجه النسائي في "الكبرى" (رقم ١٤٣٩)، والمقدسي في "الأحاديث المختارة" (رقم ٢٣٤)، والحاكم في "المستدرك" (٤٢٥١٢)، وأحمد في "مسنده" (١/ ٣٤).
(^٢) انظر: "أوجز المسالك" (٤/ ٢٥٦، ٢٥٧)، والحديث أخرجه: "البخاري" (ح: ٤٧٠١)، و"ابن حبان" (رقم ٣٦)، و"الترمذي" (ح: ٣٢٢٣).