The Bribe
الرشوة
ناشر
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
شماره نسخه
السنة الثانية عشر - العددان ٤٧
سال انتشار
٤٨ - رجب - ذو الحجة ١٤٠٠هـ
ژانرها
والفرق بينهما يظهر من موضوعه والغاية منه، واتفق العقلاء أن الواحد بالجنس يكون بعض آحاده مشروعا وبعض آحاده ممنوعا، كالسجود مثلا؛ فهو جنس يشمل السجود في الصلاة والسجود للسهو وسجود التلاوة وكله عبادة فهو جنس، فإذا وقعت سجدة لله فهي عبادة وفريضة وهي مشروعة، وإذا وقعت سجدة لغير الله فهي شرك وممنوعة، فالسجدة الأولى ليست هي نفسها السجدة الثانية ولكنهما من جنس واحد، أو إن كانتا سجدتان متغايرتان في زمنين مختلفين بل الواحد بالذات يكون ممنوعا باعتبار مشروعا باعتبار آخر، كما في حديث بريرة: تصدق عليها باللحم ووضع على النار للطبخ، ودخل ﷺ وطلب الطعام، فقدم إليه خبز وملح أو خل فقال: "ولم وأنا البرمة على النار؟ " فقالوا: هذا اللحم تصدق به على بريرة، فقال: "هو لها صدقة، وهو لنا منها هدية" فأكل منه.
فباعتباره صدقة حلّ لبريرة وحرم على رسول الله ﷺ، وباعتباره منها وبعد تملكه وإهدائها إياه بعينه لرسول الله صلى اله عليه وسلم صار حلالا، وأكل ﷺ منه.
ومن هنا نقول: إن الهدية مشروعة ومرغب فيها، ولها أثر ضد أثر الرشوة؛ لأنها تؤلف القلوب وتورث المحبة، كما قال ﷺ: "تهادوا تحابوا" وبين أن الهدية تزيل أضغان النفوس.
بينما الرشوة على العكس تورث القطيعة وتوقع العداوة، والهدية يدفع المهدي بطيب نفس تقديرا للمهديىإليه أو تطييبا لخاطره أو تأليفا له، وكلها مقاصد حسنة وعن طواعية، ولذا فهو لا يخفيها كما يخفي الراشي رشوته والمهدى إليه قد يكافأ عليها إن عاجلا أم آجلا.
بينما الرشوة يدفعها الراشي مكرها ويأخذها المرتشي متسترا، وقد جاء الحديث: "لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس"، وهو موافق للهدية معاكس للرشوة، وكما في قوله تعالى: ﴿فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا﴾ أي لطيب النفس به.
وقد روي عن علي ﵁ في الدواء أن تأخذ هبة من صداق زوجتك وتشتري به عسلا، أي لاجتماع الشفاء به.
والنصوص في قبول الهدية أكثر من أن تورد هنا، ويكفي إجماع المسلمين على قبولها.
وهناك ما هو أعم، وهو كل عطاء بغير مسألة سواء قصد بذلك الإهداء والمحبة أو قصد به العطف والمساعدة،
1 / 144