¬ومن خفي استهزاء ابن حزم بالحنفية، تمنيه التوفيق لهم، إسمع له يقول: "واحتجوا لقولهم الفاسد في أن المقر بالحد، إنْ رجع عن إقراره سقط عنه الحد بما رُوي عن بريدة الأسلمي من قوله: "كنا نتحدث لو أن ماعزا رجع لم يطلبه رسول الله"، فجعلوا هذا الظن من بريدة إسقاطًا لحدود الله تعالى الواجبة، ثم لم يروا قول خزيمة بن ثابت: (أمرنا رسول الله بالمسح ثلاثا، ولو استزدناه لزادنا)، فلم يجعلوا ظن خزيمة مُسقطا لتوقيته ﵇، ووقفوا في هذه، ولو التزموا هذا العمل هنالك لَوُفِّقوا" (^١).
ويريد ابن حزم أن يرفع ثقة الناس بأقوال الحنفية، فيقول بعد تعقبهم في قول أو رأي: ". . . فهل ههنا للحياء مدخلٌ، أو للتقوى ولوج؟ ! " (^٢)، أو يقول: "فقولوا يا عباد الله كيف لا تسوء الظنون بقوم هذه مقالاتهم في دينهم؟ ! ! أم كيف لا يُعذر سلفنا الطيب من أئمة أصحاب الحديث، فيما قد قالوه في أبي حنيفة وأصحابه إذْ سمعوا هذه الأقوال الملعونة" (^٣).
ويسمي ابنُ حزم ما انفرد به الحنفية جُنونا فيقول: ". . . ولا يحفظ هذا الجنون والإقدام عن أحد من أهل الإسلام قبلهم. . ." (^٤)، وقد
(^١) الإعراب عن الحيرة والالتباس (ج ١/ ل ٥٥).
(^٢) الإعراب عن الحيرة والالتباس (ج ١/ ل ١٢).
(^٣) الإعراب عن الحيرة والالتباس (ج ١/ ل ٢٣٨).
(^٤) الإعراب عن الحيرة والالتباس (ج ١/ ل ٢٣٠).