The Biography of the Prophet - Ragheb Al-Sergani
السيرة النبوية - راغب السرجاني
ژانرها
ردة فعل أهل مكة بعد إسلام عمر وحمزة ومساومتها للرسول
اجتمع أهل مكة حول سيدنا عمر بن الخطاب وقاموا بضربه، فظل يضرب وهم يضربون حتى تعب ﵁ وأرضاه وجلس على الأرض، وهو يقول: افعلوا ما بدا لكم، فأحلف بالله أن لو كنا ثلاثمائة رجل لقد تركناها لكم أو تركتموها لنا.
يعني: اصبروا علينا حتى نصل إلى ثلاثمائة، وهذا الرقم الذي قاله هو عدد المسلمين في غزوة بدر.
فـ عمر من أول يوم أسلم فيه ضرب، وكأن الله ﷾ يعرفه طريق الدعوة وهو لا يزال في أول أيام إسلامه، كل الناس التي تحملت هم الدعوة تعبوا، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة! ومع أن عمر ضُرب في أول يوم من إسلامه إلا أن هذه كان ردة فعل استثنائية نتيجة للمفاجأة، ثم إن مكة رجعت للصواب فـ عمر تخاف منه الناس، ويؤكد على ذلك كلام صهيب الرومي ﵁ وأرضاه، يقول: لما أسلم عمر ظهر الإسلام، ودعي إليه علانية، وجلسنا حول البيت حلقًا، وطفنا بالبيت، وانتصفنا ممن غلظ علينا، ورددنا عليه بعض ما يأتي به.
ويقول عبد الله بن مسعود ﵁ وأرضاه: ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر.
ومع أن وضع المسلمين تحسن بهذه الصورة، وأصبح أهل الإسلام يظهرون عباداتهم وشرائعهم في مكة، إلا أن الرسول ﷺ لم يعلن الحرب على قريش، ولم يبدأ في مواجهة عنترية مع صور الباطل في مكة، وما زالت الأصنام منتشرة في مكة، بل ما زالت الرايات الحمر للزانيات مرفوعة في مكة، والخمور تشرب، والمشركون يعبدون آلهة غير الله ﷿، والقتال ممنوع على المسلمين، وهذا من فقه المرحلة.
ربما يتحمس الشباب للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالقوة والسلاح والعنف، يظنون أنهم في زمن التمكين والسيادة، وينسون أن الرسول ﷺ نفسه كف عن كل هذا في فترة مكة.
الجرأة لو حصلت من شباب المسلمين في فترة مكة على المشركين لا تعد شجاعة ولا جهادًا إنما تعد تهورًا وتسرعًا وجهلًا بفقه المرحلة، وميزان المسلمين ثقل بـ حمزة وبـ عمر لكن بحساب.
وهي رسالة إلى كل المتحمسين من الشباب، ممن يعيشون ظروفًا مشابهة لظروف مكة، وأيضًا من غير حمزة وعمر، ومع ذلك يحدث تهور واندفاع، أقول لهم: كم تخسر الدعوات من حماسة في غير موضعها تمامًا، كما تخسر من روية في غير موضعها.
إذًا: كان وضع المسلمين التعذيب، ولا يوجد قتال، وأيضًا لا توجد مواجهة مع المشركين في مكة، مع كون قوتهم زادت؛ لأن هناك الكثير في مكة سيفكر في الإسلام، وسوف يتحفزون بإسلام حمزة وعمر؛ ولأن المسلمين أعلنوا إسلامهم وبدءوا بالصلاة وقراءة القرآن أمام الناس، ومكة بدأت تنظر إلى حلاوة الإسلام وشرائعه.
وأهل الباطل كانوا في موقف صعب، وكأن الموضوع سيخرج من أيديهم، فالدعوة تتسلل وتدخل إلى كل بيت حتى بيوت الزعماء منهم، فماذا صنعوا؟ عقد أهل مكة اجتماعًا على مستوى القادة والزعماء، وحضره كل زعماء مكة، وتقدم عتبة بن ربيعة -زعيم بني أمية، وأحد حكماء قريش باقتراح، قال: يا معشر قريش! ألا أقوم إلى محمد ﷺ فأكلمه وأعرض عليه أمورًا لعله يقبل بعضها فنعطيه أيها شاء، ويكف عنا.
وهي أمور مغرية، والرسول ﷺ هو الذي سيختار، وهذا يمثل تنازلًا خطيرًا من زعماء قريش، يفسر الوضع الذي أصبحت فيه مكة بعد إسلام حمزة وعمر ﵄، ومع أن هذا على غير هوى المعظم، إلا أنهم وافقوا مضطرين، قالوا: بلى يا أبا الوليد قم إليه فكلمه.
ذهب عتبة إلى الرسول ﷺ فوجده جالسًا لوحده بجانب البيت الحرام، فتلطف معه وابتسم وقعد وبدأ يتكلم، وكان ذكيًا، وكلامه في عرف كل الناس لا يرفض، قال عتبة: يا ابن أخي! إنك منا حيث قد علمت من الثقة في العشيرة، والمكان في النسب.
يعني: مكانتك عندنا كبيرة، ونحن نحبك ونحترمك، وهذه طريقة ثعبانية مشهورة عند عتبة وعند أمثال عتبة.
ثم بدأ يذكر مراده، فقال: ومع مكانتك العالية إلا أنك عملت أشياء تعتبر في عرف مكة جرائم عظمى، فأنت متهم بكذا وكذا وكذا، وهذا شيء خطير وموقفك صعب! قال له: إنك قد أتيت قومك بأمر عظيم، فرقت به جماعتهم، وسفهت به أحلامهم، وعبت به آلهتهم ودينهم، وكفرت به من مضى من آبائهم.
يعني: أنت متهم بزعزعة نظام الحكم في مكة، فاترك الدين لأهله من الكهان وسدنة الأصنام، وإلا فإن مستقبلك في خطر، وأنت لك مكانة، وعندك أولاد، ونحن نريد مصلحتك ونحبك، ولأننا نحبك سنعرض عليك كذا وكذا من الاقتراحات فاختر منها ما يعجبك ونحن تحت أمرك.
إذًا: بهذه المقدمة الثعبانية يقدم له الاقتراحات المغرية، ويبين له أن رفضها معناه تأكيد هذه التهم الخطيرة في حقك، وأما عقابها فأنت تعلمه.
10 / 5