The Biography of the Prophet - Ragheb Al-Sergani
السيرة النبوية - راغب السرجاني
ژانرها
عمر قبل الإسلام
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد: فمع الدرس العاشر من دروس السيرة النبوية.
تكلمنا من قبل عن الهجرة الثانية إلى الحبشة، وعن استقرار المسلمين فيها، وعن الانتصار الكبير الذي حققه المسلمون على عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة أمام النجاشي ﵃.
ثم ذكرنا قصة إسلام حمزة ﵁، وكيف كان إيمانه إضافة عظيمة للصف المسلم، ثم بعد ثلاثة أيام فقط من إيمان حمزة آمن رجل آخر، آمن عظيم سيغير الله ﷿ به وجه الأرض وحركة التاريخ، وسيزلزل به عروش ملوك الأرض في زمانه كسرى وقيصر وغيرهما، هذا المؤمن الجديد هو عمر الفاروق ﵁ وأرضاه.
منذ أول لحظات إيمانه وحتى آخر لحظات حياته ﵁ وأرضاه وهو فاروق.
كانت قصة إسلامه أعجب من قصة إسلام حمزة ﵁، فـ حمزة ﵁ خلال السنوات الست التي سبقت إسلامه كان بالنسبة للرسول ﷺ، وبالنسبة للمؤمنين لا معهم ولا عليهم، أما عمر بن الخطاب ﵁ فقد كان تاريخه مع المسلمين كله قسوة وعنفًا.
كان عمر مثل حمزة رجل مغمور في التاريخ ككل رجال قريش قبل أن يسلموا، نعم كانت له سفارة قريش، كان مسموع الكلمة في قبيلته بني عدي وفي قريته مكة، لكن في النهاية ما هي قبيلة بني عدي، وما هي مكة بالنسبة للعالم قبل الإسلام؟ ما هي مكة بالنسبة لفارس والروم والحبشة ومصر والصين والهند؟ مجموعة من القبائل البدوية البسيطة تعيش وسط الصحراء على الرعي والتجارة وبيع الأصنام.
هؤلاء هم أهل مكة قبل الإسلام، وكان عمر مثله مثل آلاف أو ملايين أو بلايين الرجال الذين مروا في التاريخ الذين لم يسمع بهم أحد قبل ذلك ولا بعد.
وعمر فوق ذلك كله كانت فيه قسوة على المسلمين قبل إسلامه، كان يعذب جارية له أسلمت من أول النهار إلى آخره، ويقول: والله ما تركتها إلا ملالة.
يعني: ضجرت من كثرة الضرب والتعذيب.
شعرت زوجة عامر بن ربيعة ﵂ برقة في كلام عمر، لما رآها تجهز نفسها لهجرة الحبشة الأولى، قال لها كلمة رقيقة، قال لها: صحبكما الله.
وهي غير معتادة منه على هذه الرقة، فقالت لزوجها في ذلك، فقال لها: أطمعت في إسلامه؟ قالت: نعم، قال: فلا يسلم الذي رأيت -يعني: عمر بن الخطاب - حتى يسلم حمار الخطاب، يأس كامل في إسلام عمر.
يرى عامر أن فرصة إسلام حمار الخطاب أكبر من فرصة إسلام عمر، إلا أن نظرة المرأة كانت أدق من نظرة الرجل، ورأت بقلبها ما لم يره زوجها بعقله.
كان عمر يعيش في صراع نفسي بين أن يكون زعيمًا قائدًا في مكة، وبين أن يكون تابعًا لأمر هذا الدين، فقلبه يقول له: لعل هؤلاء على الحق، فرئيسهم الرسول ﷺ الذي لم تكن حوله أي شبهات، فهو الصادق الأمين ﷺ، لكن عقله يقول له: أنت سفير قريش وقائد من قوادها، والإسلام سيضيع عليك كل هذا، قسم الإسلام مكة نصفين: نصفًا يؤمن به، والنصف الثاني يحاربه، ومنذ ستة أعوام ونحن في صراع وخلافات ومناظرات ومحاورات، وقد عشنا مئات السنين نعبد الآلهة دون اعتراض من أحد أو تخطئة، فلماذا محمد ﷺ تجرأ وخطأنا؟ صراع شديد يدور في نفس عمر، فقلبه في طريق وعقله في طريق آخر، وأصدقاء السوء كثر في مكة، وكلهم يزينون له المنكر، في النهاية شعر بكراهية شديدة للرسول ﷺ الذي وضعه في مثل هذا الصراع النفسي الرهيب، فقد عاش عمر لا يعرف التردد، وهو الآن يريد أن يخلص نفسه ومكة من الرجل الذي كان سببًا في كل هذه المشاكل، أراد أن يحسم القضية كطبعه دائمًا؛ لذا قرر أن يقتل الرسول ﷺ، وأن يفعل الذي فكرت فيه قريش ولم تستطع فعله، أتى القرار في ذهنه في لحظة، ومحاولة التنفيذ كانت في اللحظة الثانية مباشرة.
وكان مما زاد الأمر حماسة أن أبا جهل من يومين فُضح فضيحة غير مسبوقة في مكة، والذي فضحه حمزة عم الرسول ﷺ، وحمزة يدعي بأنه قد أصبح على دين محمد ﷺ، وأبو جهل خال عمر بن الخطاب.
فهذه المشاكل كلها بسبب محمد ﷺ، وعمر أصيب في كرامته كما أصيب أبو جهل،
10 / 2