The Biography of the Prophet - Ragheb Al-Sergani
السيرة النبوية - راغب السرجاني
ژانرها
إسلام حمزة
وقع حدث مهم ما بين الهجرتين الأولى والثانية إلى الحبشة، كان سببًا في تغيير كبير في مسار الدعوة، وهو إسلام حمزة بن عبد المطلب ﵁ وأرضاه، ثم إسلام عمر بن الخطاب ﵁ بعده بثلاثة أيام فقط، وذلك في أواخر السنة السادسة من النبوة ﴿إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [القصص:٥٦].
نبدأ بإسلام حمزة بن عبد المطلب ﵁؛ لأنه كان الأسبق: كان حمزة بن عبد المطلب فارسًا من فرسان قريش الأشداء، كان من أقواهم شكيمة ﵁ وأرضاه، وفي يوم من الأيام -وكان ما يزال كافرًا- خرج إلى الصيد، وفي هذا اليوم مر أبو جهل برسول الله ﷺ فوجده جالسًا وحيدًا عند الصفا، وكانت بعيدة قليلًا عن بيوت مكة، فتطاول على الرسول ﷺ بلسانه وسبه سبًا قبيحًا، والرسول ﷺ ساكت لم يرد عليه: ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا﴾ [الفرقان:٦٣]، وهذا ليس أي جاهل، بل هو أبو جهل نفسه، ولم يزده حلم رسول الله ﷺ إلا جهلًا، فأخذ حجرًا ورماه في رأس الرسول ﷺ، فسالت الدماء من رأسه! فذهب أبو جهل فرحًا بعمله، ويظن أنه لم يره أحد، لكن الله ﷿ الذي لا يغفل ولا ينام له تدبير عجيب، فقد سخر الله ﷿ مولاة لـ عبد الله بن جدعان رأت الذي دار بين رسول الله ﷺ وبين أبي جهل، فلما أتى حمزة بن عبد المطلب وقفت الجارية تقص عليه الحادث.
الجارية كافرة ومولاها كافر، والذي تحكي له كافر، لكن: ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ﴾ [المدثر:٣١].
قالت الجارية: يا أبا عمارة! لو رأيت ما لقي ابن أخيك محمد.
فأثارت الحمية في قلب حمزة ﵁، خصوصًا عندما زادت كلمة (ابن أخيك).
قالت: لو رأيت ما لقي ابن أخيك محمد آنفًا من أبي الحكم بن هشام، وجده ها هنا جالسًا فآذاه وسبه وبلغ منه ما يكره، ثم انصرف عنه محمد ولم يكلمه.
انصرف محمد ﷺ؛ لأنه لا يوجد أحد يدافع عنه، فقد كان الوحيد في أعمامه الذي يدافع عنه أبو طالب، لكن أين بقية الأعمام؟ أين أبو لهب؟ كان من أشد المحاربين له.
أين العباس وحمزة؟ لا يوجد أحد مشغول برسول الله ﷺ، لا يوجد أحد فيهم متذكر لـ عبد الله والد الرسول ﷺ، يا ترى لو كان حيًا هل سيكون الموقف مثل هذا؟ أين بنو هاشم؟ وأين بنو عبد مناف؟ أبو جهل زعيم بني مخزوم يضرب أشرف شرفاء بني هاشم على الإطلاق، بل أشرف إنسان في الأرض.
عندها تجمعت المشاعر في قلب حمزة مشاعر الحب لمحمد ﷺ، ولأبيه عبد الله الذي مات وترك محمدًا لهم، مشاعر القبلية الهاشمية القرشية الشريفة، مشاعر الغيظ من زعيم بني مخزوم، مشاعر النخوة والنصرة للمظلوم، مشاعر الإحراج أمام شباب وفرسان مكة، مشاعر كثيرة جعلت الدم يغلي في قلب حمزة.
ذهب حمزة مسرعًا إلى أبي جهل، فعرف أنه في المسجد الحرام، فأقبل نحوه لا يقوى أحد على معارضته، حتى وقف أمامه، ثم رفع قوسه وضرب رأس أبي جهل ضربة شجت رأسه وتفجر منها الدم، قصاص ضربة بضربة، ودماء بدماء، وإذا كان الرسول ﷺ ضرب بعيدًا عن الناس فقد ضربه بين الناس في المسجد الحرام، فضيحة بكل المقاييس.
هذا الرد في عرف الناس يشفي الغليل، لكن حمزة ما زال لم يشف غليله، ما زال يريد أن يغيظه أكثر، ولو قتله ستنشب حرب هائلة في مكة بين بني هاشم وبني مخزوم، ولكنه فكر في أشد ما يغيظ أبا جهل، إنه الدين الجديد الإسلام، فاندفع حمزة دون تفكير وقال: أتشتمه وأنا على دينه، أقول ما يقول، فرد علي ذلك إن استطعت، يريد أن يغيظه بكل طاقته، لم يفكر في عواقب هذه الكلمة الخطيرة، المهم في هذا الوقت أن أبا جهل يذل وسط الناس.
كان أبو جهل غارقًا في فضيحته، ولم يعد يعرف بم يفكر، وحمزة أمامه يقول بأنه قد أسلم، فقام رجال من بني مخزوم لينتصروا لـ أبي جهل، لكن أبا جهل كان يخشى من ذلك، فقال في ذلة شديدة: دعوا أبا عمارة، فإني والله قد سببت ابن أخيه سبًا قبيحًا.
جلس حمزة بعد هذا مع نفسه، أبهذه السهولة يدخل في دين الإسلام؟ أبهذه السهولة يقول في لحظة واحدة الكلمة التي رفض أن يقولها في سنوات مضت، يسمع فيها عن الإسلا
9 / 7