The Biography of the Prophet - Ragheb Al-Sergani

راغب السرجاني d. Unknown
100

The Biography of the Prophet - Ragheb Al-Sergani

السيرة النبوية - راغب السرجاني

ژانرها

سبب مكث المهاجرين في الحبشة إلى ما بعد هجرة النبي ﷺ إلى المدينة متى عاد المهاجرون من الحبشة إلى الصف المسلم من جديد في فترة مكة أم في فترة المدينة؟ مكث المهاجرون في الحبشة مدة تزيد على (١٥) سنة متتالية، كانت هجرتهم الأولى إلى الحبشة في العام الخامس من البعثة في شهر رجب ثم عادوا سريعًا إلى مكة بعد ثلاثة أشهر، ثم هاجروا من جديد هجرتهم الثانية إلى الحبشة في السنة السابعة، ولكنهم مكثوا في الهجرة الثانية طويلًا، ولم يرجعوا إلا بعد غزوة خيبر. مرت أحداث في غاية الأهمية والخطورة على المسلمين في بناء الأمة الإسلامية، ومع ذلك لم يرجع المهاجرون من الحبشة، ولم يكن هذا اجتهادًا شخصيًا من المهاجرين، بل كان بأمر من قيادة المسلمين المتمثلة آنذاك في رسول الله ﷺ، مرت الهجرة النبوية إلى المدينة المنورة، ومر تأسيس الدولة الإسلامية، وكان البناء صعبًا، وكان عدد المسلمين قليلًا، والعدد في الحبشة كبيرًا تجاوز الثمانين، وهم قوة لا يستهان بها، فعدد المهاجرين في غزوة بدر كان نفس عدد المهاجرين إلى الحبشة، ومع ذلك لم يطلبهم رسول الله ﷺ، مرت الغزوات العظام بدر ثم بنو قينقاع ثم أحد ثم بنو النضير ثم الأحزاب ثم بنو قريظة، ثم الحدث الكبير العظيم الهام وهو صلح الحديبية. وبعد صلح الحديبية أمن المسلمون على أنفسهم، وأصبحت لهم دولة لها كيان محترم تعقد به الأحلاف والمعاهدات على أعلى مستوى، يرهب جانبها ويحترم رأيها، فهنا شعر رسول الله ﷺ أنه أصبح من الصعب استئصال المسلمين، لقد كان ممكنًا في أي لحظة قبل صلح الحديبية أن يستأصل المسلمون، وأقرب مثال على هذا غزوة الأحزاب؛ حيث أراد الكفار الإنهاء الجذري للإسلام في المدينة، لكن الله ﷿ كتب النصر للمؤمنين، حتى قال الرسول ﷺ: (الآن نغزوهم ولا يغزونا). عندما شعر رسول الله ﷺ بأول لحظات الأمان في المدينة أرسل في طلب المهاجرين في الحبشة، أرسل إليهم عمرو بن أمية ﵁ وأرضاه، فجاءوا في العام السابع من الهجرة بعد فتح خيبر. كان رسول الله ﷺ يتعامل مع الأمور بحكمة سياسية رائعة، كان يحافظ على نواة للمسلمين هناك في مكان آخر بعيد مثل الحبشة، فإذا هلك المسلمون في المدينة حمل المهاجرون في الحبشة اللواء، وكان المسلمون في الحبشة يقومون بدور المخزون الإستراتيجي الهام للمسلمين، وكانوا على استعداد للرجوع إلى المدينة في أي لحظة إذا طلبت منهم القيادة ذلك. كانت الأدوار موزعة على المسلمين بدقة، طائفة من المسلمين يقومون بالبناء هناك في أواخر الفترة المكية، وفي فترة المدينة هذه الطائفة معرضة لخطر شديد تقابل الموت في كل لحظة، وهناك طائفة أخرى كامنة في الحبشة، في ظاهر الأمر هم غير معرضين للأذى، لكن مهمتهم في غاية الخطورة، لقد كان عليهم أن يحملوا الدعوة بمفردهم إذا هلك المسلمون في المدينة، وقد يموت رسول الله ﷺ شخصيًا وتصبح الأمانة معلقة في رقابهم وحدهم، وهنا يتضح أمران: الأول: أن هذا التوزيع للأدوار تم بمعرفة قيادة المسلمين المتمثلة في رسول الله ﷺ، وكان هناك طاعة عظيمة جدًا من الطرفين؛ الطرف الذي يعمل في المدينة، والطرف الذي يعمل في الحبشة، ولو ترك الأمر لكل فرد لدخل الهوى في الاختيار، قد يكون هوى المرء أن يظل بعيدًا عن أرض القتال هناك في الأمان في الحبشة، وقد يكون هوى المرء أن يعمل للإسلام في مكان معين، كأن يعمل بجوار رسول الله ﷺ أو في قبيلة كذا أو كذا. فحتى لا يتدخل الهوى في الاختيار وزع القائد ﷺ الأدوار على المسلمين، وأطاع المسلمون في أدب جم، إذ لا يشترط الجندي الصادق عملًا معينًا أو مكانًا معينًا؛ لأن الجندي في الإسلام يعمل لله ﷿، وفي كل مكان يوضع فيه بنفس الحمية، كما أن الأمر يحتاج أيضًا إلى تنظيم، مَنِ الذي يقوم بهذا الدور؟ ومن الذي يقوم بالدور الآخر؟ وحتى لا تختلط الأدوار على الناس يرجع في هذا إلى قيادة المسلمين والشورى ورأي المجموعة، وكل ذلك من أساسيات العمل الجماعي السليم الذي علمنا إياه رسول الله ﷺ. الثاني: أن المسلمين المهاجرين في الحبشة لم يكونوا في حالة ركون أو فتور، بل كانوا في إعداد وتدريب مستمر، لقد كان مستوى الإيمان لديهم رائعًا، وكان الاستعداد النفسي للعودة والمشاركة والوقوف في الصدارة ومواجهة الموت كاملًا، يثبت ذلك أنهم لما جاءتهم إشارة العودة عادوا دونما ضجر ولا اعتراض ولا إبطاء ولا طلب لفترة تجهيز وانتقال، ولما وصلوا إلى المدينة انخرطوا في الصف بسرعة، وحملوا المشاق مع المسلمين وكأنهم عاشوا معهم كل التجارب السابقة، حتى إنهم لما وصلوا إلى المدينة علموا أن رسول الله ﷺ يفتح خيبر، وهي على بعد مائة كيلو في شمال المدينة المنورة، فتوجهوا جميعًا إلى خيبر للمشاركة في الغزو فوجدوها قد فتحت، وسر بهم رسول الله ﷺ جدًا، وقال: (

8 / 5