فرهنگ ما در برابر عصر
ثقافتنا في مواجهة العصر
ژانرها
إن العلماء بالمعنى القديم هم كالعناكب، ينسجون النسيج من أجوافهم، وإذا كان ذلك لا يقدم من الدنيا ولا يؤخر، فكذلك لا يقدم منها ولا يؤخر أن يجيء علماء من طراز جديد، يزعمون لأنفسهم أنهم علماء «تجريبيون»، ثم لا يزيدون على تكديس المعلومات فوق المعلومات، والإحصاءات فوق الإحصاءات، فذلك التجميع يجعل منهم طائفة من النمل، تخزن مخزونها دون أن تغير منه شيئا، وأما العلماء الذين كان يحلم بهم بيكون فهم كالنحل، يمتصون من الطبيعة رحيقا، ثم يصيرونه عسلا حلو المذاق.
العلم قوة - وهذه عبارة قالها بيكون - بمعنى أنه أداة لتغيير البيئة المحيطة بنا على النحو الذي يحقق أغراضنا، فإذا كنت قد حصلت «كلاما» تسميه علما، ثم لا تعرف كيف تستخدمه أداة للتغيير والخلق، فاعلم أنك لم تحصل من «العلم» شيئا.
يروي لنا الراوي في هذه «اليوتوبيا» العلمية، كيف أقلع مع رفقائه من بلاد بيرو، حيث صوبوا نحو شواطئ الصين واليابان، لكن الرياح أخذت تهب عليهم أثناء الطريق، مواتية حينا، معاكسة حينا، حتى طال بهم الأمر، وقل من خزائنهم الزاد، ثم شاءت لهم عناية الله أن يصادفوا في الطريق هذه الجزيرة التي أذهلهم أهلوها بمستوى عيشهم الرفيع، وبمحصولهم العلمي الغزير، وسرعان ما استضيفوا هناك في بيت هو بين البيوت آية فريدة، يطلق عليه «بيت سليمان»، خصص للبحوث العلمية، وهي بحوث لم يكن العالم قد سمع بمثلها إلى ذلك الحين، وإنما سمي بيت سليمان تذكيرا للباحثين برسالتهم، وهي أن يدرسوا النبات والحيوان - كما حاول سليمان أن يفعل - دراسة لا تترك من كائنات الأرض والبحر والهواء كائنا ما دامت فيه حركة وحياة، وإنهم ليطلقون على هذا البيت أحيانا اسما آخر، هو «معهد مخلوقات الأيام الستة» - وهي المخلوقات التي خلقها الخالق في ستة أيام، أعني أنها هي الكائنات جميعا.
أخذ الزائرون إلى بيت سليمان، حيث أدخلوا على رئيس البيت في غرفة جميلة، مزدانة بما علق على جدرانها، وبما فرشت به أرضها، وكان الرئيس متربعا على عرش وطيء لكنه عني بزخارفه، متشحا بوشاح رسمي على رأسه، صنع من الحرير الأزرق الموشى، وكان وحيدا في غرفته إلا غلامين معاونين، وقفا عن يمين عرشه ويساره، وقد ارتديا ثيابا ناصعة البياض. وبعد أن حياه الزائرون تحية الخشوع، انصرف الجميع إلا واحدا منهم - بحسب ما أوصوا بفعله قبل دخولهم - وأذن لهذا الواحد بالجلوس، ثم أخذ الرئيس يحدثه بالإسبانية عن بيت سليمان، فقال: بارك الله فيك يا بني، إنني سأقدم إليك الآن أنفس جوهرة في حوزتي، وذلك لأني سأصف لك - في سبيل محبة الله والإنسان - بيت سليمان، ولكي تكون الصورة التي أقدمها واضحة؛ سأسلك في تقديمها هذا الترتيب الآتي:
سأبدأ بأن أدلك على الغاية التي قصد إليها من إقامة هذا البيت، ثم أعقب على ذلك بذكر ما هنالك من معدات وأجهزة نستعين بها على أداء بحوثنا العلمية، وبعدئذ أنبئك بمختلف المناصب والمهام التي يشغلها ويؤديها العاملون في هذا البيت، وأخيرا أبين لك ما ينبغي لنا اتباعه هنا في هذا البيت العلمي من مبادئ ومن شعائر.
أما الغاية التي قصد إليها من إقامة هذه المؤسسة العلمية، فهي معرفة الكائنات من حيث علل حدوثها وما يسري فيها من حركات خافية؛ ابتغاء أن نوسع من رقعة السيادة للإنسان على عالم الأشياء.
وأما المعدات والأجهزة التي نستعين بها في بحوثنا فهي هذه: لدينا كهوف فسيحة وعميقة، تتفاوت فيما بينها سعة وعمقا، أما أعمقها فيبلغ ثلاثة آلاف وستمائة قدم، ولقد احتفرنا بعض هذه الكهوف تحت التلال العالية والجبال، فإذا ما أضفت ارتفاع الجبل إلى عمق الكهف؛ وجدت قاع الكهف على بعد ثلاثة أميال وأكثر، فانظر كم يبعد هذا القاع عن ضوء الشمس وتيار الهواء، وإننا لنسمي هذه الكهوف باسم «المنطقة السفلى»، ونستخدمها في أعمال كالتبريد وحفظ الأجسام من الفساد، كما نستخدمها في أن تفعل بالعناصر فعلا شبيها بما يتم في المناجم الطبيعية، وبذلك يمكن استخراج معادن جديدة نبتكرها لأنفسنا ابتكارا، بما نصنعه من تركيبات وتكوينات نضم بها العناصر بعضها إلى بعض في صور جديدة، ثم نتركها في أعماق الكهوف، لتفعل هناك فعلها على مر السنين، بل إنا لنستخدم تلك الكهوف (وقد يبدو هذا غريبا) في معالجة بعض الأمراض، وفي إطالة أمد الحياة لمن شاء من الزهاد أن يعتصم بتلك الصوامع، وكذلك نستخدم الكهوف في صناعة صنوف من الخزف تفوق ما يصنعه أهل الصين من ذلك، كما نستخدمها في تكوين مخصبات للأرض مختلفة الشكول.
وفي مقابل تلك الكهوف، أقمنا «الأبراج العالية» يبلغ أعلاها نحو نصف ميل. وكما حفرنا الكهوف تحت الجبال ليضاف ارتفاع الجبل إلى عمق الكهف، فكذلك أقمنا الأبراج فوق قمم الجبال لتزداد بها ارتفاعا، وبذلك يصل أعلى الأبراج أكثر من ثلاثة أميال، ونطلق على هذه الأبراج اسم «المنطقة العليا»، ونعد المنطقة التي تقع وسطا بين «العليا» و«السفلى» منطقة وسطى، وإنا لنستخدم هذه الأبراج بما يتناسب مع تفاوتها في الارتفاع وتباعدها في الموقع؛ نستخدمها في عمليات العزل والتبريد والحفظ، ونستخدمها مراصد فلكية نرصد بها مسار الشهب، ومهب الريح، وسقوط المطر والصقيع، وكما صنعنا في الكهوف فكذلك نصنع في الأبراج، بأن نجعلها ملاذا للزهاد، وإننا في كلتا الحالين لنمدهم بما يتطلبون في عزلتهم، لقاء أن نوصيهم بملاحظة ما نريد لهم أن يلاحظوه.
ولدينا بحيرات فسيحة، بعضها ملح الماء، وبعضها عذب، وفيها نربي الأسماك والطير، كما ندفن في قاعها بعض الأجسام الطبيعية؛ فقد وجدنا أن حالة الجسم الدفين تتغير على نحو وهو تحت تربة الأرض المعرضة للهواء، وتتغير على نحو آخر وهو تحت الماء، وعندنا برك (جمع بركة) أعددناها لنستخلص الماء العذب من الماء الأجاج، بعزلها الملح عن الماء، أو لتحول الماء العذب إلى ماء ملح، بحسب ما نريد. وكذلك أقمنا صخورا وسط البحر، وصنعنا خلجانا على شاطئه؛ لنجعل من هذه وتلك معامل للتجارب العلمية، إذا ما كانت تلك التجارب بحاجة إلى هواء البحر وبخره، كما أن لدينا تيارات مائية قوية الدفع، سريعة الجريان، وشلالات؛ لنستخدم هذه وتلك في إدارة الآلات، أو لإحداث السرعة في حركة الرياح إذا ما أردنا استخدام الريح السريعة القوية في إدارة الآلات أيضا.
واحتفرنا آبارا على نحو يجعلها قريبة من الينابيع الطبيعية؛ لتكون لها من الفوائد ما ندبر لها، كما أعددنا المراصد، ومعامل التفريخ التي نفحص فيها توالد الحشرات والزواحف، ومصحات مكيفة الهواء بالدرجة الحرارية التي نحتاج إليها لمختلف صنوف المرضى، وحمامات للاستشفاء، وكذلك عندنا حدائق وبساتين على أنواع مختلفة، لا نقصد فيها إلى التمتع بالجمال، قدر ما نبغي لها أن تكون معامل تجريبية لزراعة صنوف الشجر والعشب، وفي هذه الحدائق والبساتين تستخلص عينات تجريبية لأنواع العصير والشراب، المستخرجة من النبات والثمر، كما نستغل تلك المعامل التجريبية في خلق أنواع جديدة من النبات عن طريق التهجين، وكذلك نتحكم بالنسبة إلى بعض الزهر والثمر في توقيت نضجه، فنجعله ينضج قبل أوانه الطبيعي أو بعد أوانه، كما نجعله يحمل محصولا أوفر وأغزر مما أرادت له الطبيعة أن يحمل. ونزيد من حلاوة الثمر إذا أردنا ذلك، ونزيد من حجمه، وننوع درجات الطعم كما نشاء لكل فاكهة، كما ننوع من الشكل واللون والرائحة، وأضف إلى هذا كله أننا نستخرج من تلك المزارع التجريبية ما نراه يصلح في باب الطب والعلاج.
صفحه نامشخص