لقاء العشر الأواخر بالمسجد الحرام (٩)
ثمرة التسارع إلى الحب في الله تعالى وترك التقاطع
تأليف
العلامة الشيخ محمد جمال الدين القاسمي الدمشقي (١٢٨٣ - ١٣٣٢ هـ)
تحقيق وتعليق
محمد بن ناصر العجمي
ساهم بطبعه بعض أهل الخير بالمدينة المنورة
دار البشائر الإسلامية
صفحه نامشخص
الورقة الأولى من "ثمرة التسارع" بخط المصنف
1 / 36
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمَّد وآله أجمعين، وبعد:
فهذه رسالة سمَّيتها: "ثَمَرةُ التَّسارع إِلى الحب في الله تعالى وترك التقاطع" ذكرت فيها شذرة ممَّا ورد في ذلك عن النبي ﷺ.
فممَّا وَرَدَ في الحُبِّ في الله تعالى: قوله ﷺ: "إِنَّ اللهَ يقولُ يَوْمَ القِيَامَةِ: أَيْنَ المُتَحابُّونَ بِجَلاَلِي، اليَوْمَ أُظِلُّهُمْ في ظِلِّي، يَوْمَ لَا ظِلَّ إلا ظِلِّي". رواه مسلم عن أبي هريرة (١).
وعنه ﷺ: "أنَّ رَجُلًا زارَ أَخًا لَهُ في قَرْيةٍ أُخرى، فَأَرْصَدَ (٢) الله لَهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ (٣) مَلَكًا، قَال: أَيْنَ تُرِيد؟ قَال: أُرِيدُ أَخًا لِي في هذِهِ الْقَرْيةِ. قَال: هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تربُّها (٤)؟ قَال: لَا، غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ في اللهِ.
_________
(١) (٤/ ١٩٨٨).
(٢) (فأرصد) أي أقعده يرقبه.
(٣) (على مدرجته) المدرجة هي الطريق، سُمِّيت بذلك لأنَّ الناس يدرجون عليها، أي يمضون ويمشون.
(٤) (تَربُّها) أي تقوم بإصلاحها، وتنهض إليه بسبب ذلك. من "شرح صحيح مسلم".
1 / 37
قَال: فَإِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكَ، بِأَنَّ الله قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ". رواه مسلم عن أبي هريرة (١).
وَعَنْ أَنَس أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُول الله، مَتَى السَّاعَةُ؟ قَال: "وَمَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟ "، قَال: مَا أَعْدَدْتُ لَهَا إلا أَنِّي أُحِبُّ الله وَرَسُولَهُ. قَال: "أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ".
قَالَ أَنَس: فَمَا رَأَيْتُ الْمُسْلِمِينَ فَرِحُوا بِشَيء بَعْدَ الإِسْلاَمِ فَرَحَهُم بِهَا. رواه البخاري ومسلم (٢).
وَعَن مُعَاذ بن جبل قَال: سمعت رَسُول الله ﷺ يقول: "قال الله تعالى: "وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ، والمُتَجَالِسِينَ فيَّ، والمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ، والمُتبَاذِلِينَ فِيَّ"". رواه مالك (٣).
وفي رواية التِّرمذي (٤): "قَال: يقُولُ الله تَعَالى: المُتَحَابُّونَ في جَلاَلِي لَهُمْ مَنَابِرُ مِن نُورٍ، يَغْبِطُهُمُ النَّبِيُّونَ والشُهَدَاءُ".
وَعَن عمر قَال: قَال رَسُول اللهِ ﷺ: "إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللهِ لأُنَاسًا مَا هُمْ بِأَنْبِيَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ، يَغْبِطُهُمُ الأَنْبِيَاءُ والشُهَدَاءُ يَوْمَ القِيَامَةِ بِمَكَانِهِمْ مِنَ الله"، قَالُوا: يَا رَسُول الله، تُخْبِرُنَا مَنْ هُمْ؟ قَالَ: "هُمْ قَوْمٌ تَحَابُّوا بِرَوحِ الله عَلَى غَيْرِ أَرْحَامٍ بَيْنَهُمْ، وَلَا أَمْوَالٍ يَتَعَاطَوْنَهَا، فَوَاللهِ إِنَّ
_________
(١) (٤/ ١٩٨٨).
(٢) البخاري (٧/ ٤٢، ١٠/ ٥٥٣)، ومسلم (٤/ ٢٠٣٢).
(٣) في "الموطإ" (٢/ ٩٥٣، ٩٥٤)، وأحمد (٥/ ٢٣٣)، وابن حبان (٥٧٥)، والحاكم (٤/ ١٦٨)، وصحَّحه الحافظ المنذري في "الترغيب" (٣/ ٦٠٦).
(٤) (٢٣٩٠) وقال: "حسن صحيح"، وهو كما قال.
1 / 38
وُجُوهَهُمْ لَنُورٌ وإِنَّهُمْ لَعَلَى نُورٍ، لَا يَخَافُونَ إِذَا خَافَ النَّاسُ، وَلَا يَحْزنونَ إِذَا حَزِنَ النَّاسَ"، وقَرَأَ هذا الآيةَ: ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [يونس: ٦٢]. رواه أبو داود (١).
وَعَن ابنِ عبَّاس قَال: قَال رَسُول الله ﷺ لأبي ذرٍّ: "يَا أَبَا ذَرّ، أَيُّ عُرَى الإِيمانِ أَوْثَق؟ "، قَالَ: الله وَرَسُوله أَعْلم. قَال: "المُوَالاَةُ في اللهِ، والحُبُّ في الله". رواه البيهقي في "شعب الإِيمان" (٢).
وَعَن أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: "إِذَا عَادَ المُسْلِمُ أَخَاهُ أَوْ زَارَهُ، قَال الله تعالى: طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ وتَبَوَّأْتَ مِنَ الجَنَّة مَنْزِلًا". رواه الترمذي (٣).
_________
(١) في "سننه" (٣٥٢٧)، وفي إسناده انقطاع، إلَّا أنَّه حسن بشواهده التي منها: حديث أبي هريرة عند ابن حبان (٥٧٣)، وحديث أبي مالك الأشعري عند أحمد (٥/ ٣٤٣).
(٢) أخرجه الطبراني في "الكبير" (١١/ ٢٥١)، والبيهقي في "شعب الإِيمان" (٩٠٦٨)، والبغوي في "شرح السُّنَّة" (١٣/ ٥٣) وإسناده ضعيف جدًّا؛ فيه الحسين بن قيس الرحبي، متروك الحديث، إلَّا أنَّ أصل الحديث حسن بشواهده التي منها: حديث البراء بن عازب، الذي أخرجه أحمد (٤/ ٢٨٦)، وابن أبي شيبة في "الإِيمان" (١١٠)، وإسناده ضعيف. ومرسل عمرو بن مرَّة: أخرجه وكيع بن الجرَّاح في "الزُّهد" (٣٢٩)، فالحديث حسن لغيره، والله أعلم.
(٣) في "سننه" (٢٠٠٨)، وأحمد (٢/ ٣٢٦، ٣٤٤، ٣٥٤)، والبخاري في "الأدب المفرد" (٣٤٥)، وقال الترمذي: "حديثٌ حسن"، وهو كما قال بشاهد له عند أبي يعلى في "مسنده" (٤١٣٩)، وأبي نُعيم في "الحلية" (٣/ ١٥٧) من حديث أنس. وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (٨/ ١٧٣): "رجاله رجال الصحيح غير ميمون بن عجلان، وهو ثقة".
1 / 39