Tazkiyat an-Nafs
تزكية النفوس
ناشر
دار العقيدة للتراث
محل انتشار
الإسكندرية
ژانرها
لئن يخر من السماء إلى الأرض أحب إليه من أن يجدها، فهذا كما قال النبى ﷺ: " صريح الإيمان (١)، وكذلك يطمئن من قلق المعصية، وانزعاجها إلى سكون التوبة وحلاوتها.
فإذا اطمأن من الشكّ إلى اليقين، ومن الجهل إلى العلم، ومن الغفلة إلى الذكر، ومن الخيانة إلى التوبة ومن الرياء إلى الإخلاص، ومن الكذب إلى الصدق، ومن العجز إلى الكيس، ومن صولة العجب إلى ذلة الإخبات، ومن التيه إلى التواضع، فعند ذلك تكون نفسه مطمئنة.
وأصل ذلك كله هى اليقظة، التى كشفت عن قلبه سِنة الغفلة وأضاءت له قصور الجنة، فصاح قائلًا:
ألا يا نفس ويحك ساعدينى ... بسعى منك فى ظلم الليالى
لعلك فى القيامة أن تفوزى ... بطيب العيش فى تلك العلالى
فرأى فى ضوء هذه اليقظة ما خلق له، وما سيلقاه بين يديه من حين الموت إلى دخول دار القرار، ورأى سرعة انقضاء الدنيا، وقلة وفائها لبنيها وقتلها لعشاقها، وفعلها بهم أنواع المثلات، فنهض فى ذلك الضوء على ساق عزمه قائلًا: ﴿يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ﴾ (الزمر: من الآية ٥٦).
فاستقبل بقية عمره مستدركًا ما فات، محييًا ما مات، مستقبلًا ما تقدم
(١) رواه مسلم (٢/ ١٥٣) الإيمان ولفظه عن أبى هريرة قال: جاء ناس من أصحاب النبى ﷺ فسألوه، إنا نجد فى أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به قال: " وقد وجدموه؟ قالوا: نعم، قال: " ذاك صريح الإيمان". وروى مسلم كذلك عن ابن مسعود قال: سئل النبى ﷺ عن الوسوسة قال: " تلك محض الإيمان " قال النووى: استعظامكم الكلام به هو صريح الإيمان فإن استعظام هذا وشدة الخوف منه ومن النطق به فضلًا عن اعتقاده إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالا محققًا وانتفت عنه الريبة والشك - شرح النووى على صحيح مسلم (٢/ ١٥٤).
1 / 68