مبرهنة فِي الْعلم الَّذِي يتَوَقَّف الْبَحْث عَن مسَائِله عَلَيْهَا، وَقد يُقَال كَونهَا مبرهنة فِي كتب الْأُصُول لَا يستدعى كَونهَا جُزْءا من الْعلم لجَوَاز كَونهَا استطرادية (وَلما انقسم) النّظر (إِلَى مَا يُفِيد علما) (و) إِلَى مَا يُفِيد (ظنا ميزا) أَي الْعلم وَالظَّن بِأَن عرف كل مِنْهُمَا (لِأَن تمييزهما) يسْتَلْزم التَّمْيِيز بَين مفيديهما (وَتَمَامه) أَي تَمام تمييزهما (بالمقابلات) أَي تَمْيِيز مقابلاتهما من الْوَهم وَالشَّكّ وَالْجهل والتقليد، وَهَذَا مَا قيل من أَن الْأَشْيَاء تتبين بأضدادها، قَالَ حجَّة الْإِسْلَام: رُبمَا يعسر تَحْدِيد الْعلم بِالْجِنْسِ والفصل، لِأَن ذَلِك متعسر فِي أَكثر المدركات كرائحة الْمسك، فَكيف فِي الادراكات؟ لَكِن يقدر على شرح مَعْنَاهُ بتقسيم وَمِثَال، أما التَّقْسِيم فَهُوَ أَن تميزه عَمَّا يلتبس بِهِ من الظَّن وَالشَّكّ بِالْجَزْمِ، وَعَن الْجَهْل بالمطابقة وَعَن اعْتِقَاد الْمُقَلّد بِأَنَّهُ يبْقى مَعَ تغير المعتقد وَيصير جهلا، وَأما الْمِثَال فَهُوَ أَن إِدْرَاك البصيرة شَبيه إِدْرَاك الباصرة كانطباع الصُّورَة فِي الْمرْآة، كَذَلِك الْعلم عبارَة عَن انطباع صُورَة المعقولات فِي الْعقل، وَالنَّفس بِمَنْزِلَة حَدِيدَة الْمرْآة وغريزتها الَّتِي بهَا تتهيأ لقبُول الصُّور: أَعنِي الْعقل بِمَنْزِلَة صقالة الْمرْآة واستنارتها وَحُصُول الصُّور فِي مرْآة الْعقل هُوَ الْعلم، فالتقسيم يقطعهُ عَن مظان الِاشْتِبَاه، وَهَذَا الْمِثَال يفهمك حَقِيقَته، وَالْمُصَنّف ﵀ اقْتصر على الأول فَقَالَ (فالعلم) عِنْد الْأُصُولِيِّينَ (حكم) أَي إِدْرَاك وُقُوع النِّسْبَة أَو لَا وُقُوعهَا (لَا يحْتَمل طرفاه) أَي الْمَحْكُوم عَلَيْهِ وَبِه (نقيضه) أَي الحكم، فَإِن كَانَ إِدْرَاك الْوُقُوع فنقيضه إِدْرَاك اللاوقوع، وَإِلَّا فبالعكس (عِنْد من قَامَ) الحكم (بِهِ) وَهُوَ الْحَاكِم (لموجب) مُتَعَلق لَا يحْتَمل. وَسَيَجِيءُ بَيَان الْمُوجب، وَالْمرَاد باحتمالهما النقيض عِنْد الْحَاكِم كَونهمَا بِحَيْثُ لَو فرض بَينهمَا نقيض لَا يعده الْحَاكِم محالا، بل يجوزه تجويزا مَا، فالعلم حكم لَا يكون طرفاه مَوْصُوفا بِهَذَا الْكَوْن وَنقض التَّعْرِيف بِالْعلمِ بالأمور العادية كَالْحكمِ بِكَوْن الْجَبَل الْغَائِب عَن النّظر حجرا لاتصاف طَرفَيْهِ بالكون الْمَذْكُور لجَوَاز انقلابه ذَهَبا لتجانس الْجَوَاهِر واستوائها فِي قبُول الصِّفَات مَعَ ثُبُوت الْقَادِر الْمُخْتَار وَأجِيب بِأَنَّهُ إِذا علم كَونه حجرا فِي وَقت اسْتَحَالَ كَونه ذَهَبا فِي ذَلِك الْوَقْت، فَإِذا علم كَونه حجرا دَائِما اسْتَحَالَ كَونه ذَهَبا فِي وَقت من الْأَوْقَات، وَلَا يخفى ضعفه وَالْجَوَاب مَا ذكره المُصَنّف رَحمَه الله تَعَالَى بقوله (فَدخل العادي لِأَن إِمْكَان كَون الْجَبَل ذَهَبا لَا يمْنَع الْجَزْم بنقيضه عَن مُوجبه) وَأَنت خَبِير بِأَنَّهُ إِن أُرِيد بِالْجَزْمِ مَا لَا يُنَافِي تَجْوِيز النقيض فَهُوَ خَارج عَن المبحث، وَإِلَّا فالإمكان يمنعهُ، وَلذَا قَالَ (وَالْحق أَن إِمْكَان خرق الْعَادة الْآن) أَي آن الحكم بِكَوْنِهِ حجرا (وَهُوَ) أَي الْإِمْكَان (ثَابت) فِي نفس الْأَمر (يسْتَلْزم تَجْوِيز النقيض الْآن) أَي آن الحكم الْمَذْكُور (إِذا لوحظ النقيض) لِأَن عدم احْتِمَاله لخلو الذِّهْن عَنهُ خَارج عَن دَائِرَة الِاعْتِبَار، لِأَن الْعبْرَة بالتجويز وَعَدَمه عِنْد
1 / 25