بقوله (لانتظامها) أَي الصُّغْرَى (عَن) أَمر (محسوس) وَهِي (كَهَذا أَمر و) هَذَا (نهي) وكل أَمر للْوُجُوب فَهَذَا للْوُجُوب، وكل نهي للتَّحْرِيم فَهَذَا للتَّحْرِيم، فقولنا الْأَمر للْوُجُوب قَضِيَّة جعلت كبرى لصغرى وَهِي كَقَوْلِنَا أقِيمُوا الصَّلَاة أَمر وسهولة حُصُولهَا ظَاهِرَة، لِأَن الْعلم بِكَوْنِهَا أمرا للْعَالم باللغة والاصطلاح بديهي لَا يحْتَاج إِلَى تَأمل، والنتيجة، وَهِي أَن أقِيمُوا الصَّلَاة للْوُجُوب من جزئيات الْأَمر للْوُجُوب فَيرجع مآل هَذَا التَّعْرِيف إِلَى مَا مر من تَعْرِيفهَا، وَمعنى انتظام الصُّغْرَى تركب أَجْزَائِهَا من الْمَوْضُوع والمحمول وَالْحكم، وَإِنَّمَا ينشأ هَذَا الانتظام عَن محسوس، وَهُوَ موضوعها، وَإِنَّمَا حكم بِكَوْن موضوعها محسوسا على الْإِطْلَاق لاندراجها تَحت مَوْضُوع الْكُبْرَى الَّتِي هِيَ من مسَائِل الْأُصُول، وموضوع مسَائِل الْأُصُول على الْإِطْلَاق مندرج تَحت مَوْضُوع الْأُصُول، وَهُوَ الدَّلِيل السمعي، وَهُوَ محسوس بحاسة السّمع، وَكَيْفِيَّة الانتظام أَنَّك إِذا نظرت فِي المحسوس الَّذِي هُوَ أقِيمُوا الصَّلَاة مثلا وجدت أَنه أَمر، فتحكم أَنه أَمر ثمَّ تضم هَذِه الْقَضِيَّة الَّتِي انتظمت إِلَى الْكُلية الَّتِي تكون النتيجة من جزئياتها (وَهَذَا) التَّعْرِيف (حد أسمى) الْحَد عِنْد الْأُصُولِيِّينَ مَا يُمَيّز الشَّيْء عَن غَيره، وينقسم إِلَى حَقِيقِيّ وأسمى ولفظي، فالحقيقي مَا أنبأ عَن ذاتياته الْكُلية المركبة، لِأَنَّهَا فُرَادَى لَا تفِيد الْحَقِيقَة لفقد الصُّورَة، والأسمى مَا أنبأ عَن الشَّيْء بلازمه مثل الْخمر مَائِع يقذف بالزبد، واللفظي مَا أنبأ عَن الشَّيْء بِلَفْظ أظهر مرادف، كَذَا ذكر الشَّيْخ ابْن الْحَاجِب فِي مُخْتَصره، وَقَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ فِي حَاشِيَته عَلَيْهِ: الْحَد اللَّفْظِيّ عِنْد الْمُحَقِّقين هُوَ أَن يقْصد بَيَان مَا تعقله الْوَاضِع، فَوضع الِاسْم بإزائه سَوَاء كَانَ بِلَفْظ مرادف، أَو باللوازم، أَو بالذاتيات حَتَّى أَن مَا يُقَال فِي أول الهندسة أَن المثلث شكل يُحِيط بِهِ ثَلَاثَة أضلاع تَعْرِيف اسْمِي، ثمَّ بعد مَا يتَبَيَّن وجوده يصير هُوَ بِعَيْنِه حدا حَقِيقِيًّا انْتهى، وَالْمرَاد بِالْحَدِّ الأسمى هُنَا مَا ذكره الْمُحَقق يُشِير إِلَى قَوْله (وَلَا يُنَافِي الْحَقِيقِيّ) أَي لَا يُنَافِي كَونه الْحَد الأسمى كَونه الْحَد الْحَقِيقِيّ، وَقد عرفت لجَوَاز أَن يبين وجوده، وَتَكون الْمَذْكُورَات ذاتيات الْمُعَرّف (وَاخْتلف) بَين الْأُصُولِيِّينَ (فِيهِ) أَي الْحَد من حَيْثُ كَونه (مُقَدّمَة الشُّرُوع وَلَا خلاف) بَينهم (فِي خِلَافه) وَهُوَ الْحَد بِدُونِ الْقَيْد الْمَذْكُور: أَي لم يَخْتَلِفُوا فِي جَوَاز أَن أَن يكون للْعلم حد حَقِيقِيّ من غير أَن يَجْعَل مُقَدّمَة، فَالضَّمِير للمقيد (كَمَا قيل) من أَنه لَا خلاف فِيهِ بَينهم، وَيحْتَمل أَن يكون الْمَعْنى كَمَا قيل من أَن بَينهم فِيهِ خلافًا، وَإِنَّمَا لم يَخْتَلِفُوا (لِإِمْكَان تصور) الْعقل (مَا يَتَّصِف بِهِ) الضَّمِير الْمَرْفُوع لِلْعَقْلِ المرموز إِلَيْهِ بِذكر التَّصَوُّر، وَالْمَجْرُور للموصول حَاصِل التَّعْلِيل رفع مَا يتَوَهَّم أَن يكون مَانِعا عَن التَّحْدِيد من أَنه لَا يجوز تَحْدِيد الْعلم، لِأَنَّهُ إِدْرَاك، وَالْحَد كَذَلِك فَلَا يتَعَلَّق بِهِ إِلَّا يلْزم إِدْرَاك الْإِدْرَاك، فَالْجَوَاب منع بطلَان الثَّانِي
1 / 16