[2.136]
{ قولوا } أيها المؤمنون، أو النبى والمؤمنون، وكل نبى أول من يؤمن بما أنزل عليه { ءامنا بالله ومآ أنزل إلينا } أى أخبروهم بأنا على الهدى مؤمنون بما يجب الإيمان به مما أنزل علينا، وهو القرآن، أو هذا القول من جملة ما حكى بقل، والخطاب لليهود والنصارى كأنه قيل: قل لهم، قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا من التوراة والإنجيل والقرآن، فإنه نزل عليهم كغيرهم { ومآ أنزل إلى إبراهيم } من الصحف العشر { وإسمعيل وإسحق } الخ، أنزلت على إبراهيم خاصة، لكن خوطبوا بالعمل بها، فهى منزلة إليهم، فهم كمن أرسل إليهم السلطان فى شأن بواسطة كبيرهم { ويعقوب } اجتمع هو وعيص فى بطن أمهما، فقال عيص: تأخر، أنزل قبلك، وإلا خرقت بطن أمى، فتأخر، فخرج عيص قبله، فخرج عقبه يعقوب، أو متصلا بعقبه، فسمى يعقوب، وهذا مما يقال { والأسباط } أولاد يعقوب، سماهم لأنهم أولاد الولد لإسحق وإبراهيم، والسبط ولد الولد، أو يراد أولاد أولاد يعقوب، والأسباط فى بنى إسرائيل كالقبائل فى العرب من بنى إسماعيل من السبوطة، وهى الاسترسال، أو من السبط، وهو شجر كثير الأغصان لكثرتهم، أو من السبط، فقلب لكثرتهم وليسوا كلهم أنبياء، بل بعضهم على الصحيح لصدور كبائر منهم، والصحيح أنها لا تصدر من نبى، ولو قبل البلوغ { وما أوتي موسى وعيسى } من ربهم، فحذف لدلالة ما بعده، جمع التوراة والإنجيل بلفظ ما لشهرة التوراة لموسى والإنجيل لعيسى، واتصال ذكرهما إلى وقت الخطاب، ولأن الإنجيل مقرر للتوراة، وما نسخ منها إلا قليلا، وموسى وعيسى داخلان فى الأسباط، وخصهما بالذكر لعظمهما أو لتخصيصهما بكتابيهما، وكانت العبارة كذلك تحرزا عما زاد اليهود والنصارى ونقضوا من الكتابين، وكذا فى قوله { وما أوتي } من الكتب والمعجزات والدلائل { النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد } واحد فحذف العطف، أو أحد بمعنى الجمعة بعد السلب، أى لا نفرق بينهم، على أنه موضوع للواحد والاثنين فصاعدا بعد كل، أو النفى كما قال الفارسى { منهم } بل نؤمن بهم كلهم، لا كاليهود والنصارى آمنوا ببعض، وكفروا ببعض، وأما التفريق بتفضيل بعض على بعض تفضيلا لا يؤدى لنقض فجائز، تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض { ونحن له مسلمون }.
[2.137]
{ فإن ءامنوا } أى اليهود والنصارى { بمثل مآ ءامنتم به فقد اهتدوا } متعلق بقوله عز وجل... قولوا ءامنا، أو بقوله سبحانه، بل ملة إبراهيم، أى إن حصلوا الإيمان بمثل ما حصلتم الإيمان به، وهو الاعتقاد والنطق التعميم فى كتب الله وأنبيائه، أو إن حصلوا دينا مثل دينكم، وهو لا يوجد، فيكون تعجيزا عن أن يوجد دين صحيح غير دين الإسلام، مثل، فأتوا بسورة، ولو ادعوا أن ما هم عليه الحق، لأنهم بين عالم أن دين الإسلام هو الحق وكنتم، وعاقل لو فكر لأدرك ذلك، وهاء به لما أو مثل زائد، أو الباء زائد، وعليه فما مصدرية، أى مثل إيمانكم بالله، وهاء به لله { وإن تولوا } أعرضوا عن الإيمان بالحق المذكور، وعن قوله صلى الله عليه وسلم لهم " قولوا آمنا بالله... " الخ... { فإنما هم في شقاق } عظيم، مخالفة لكم لأجل دينكم، أو مخالفة لكم للقول، والفعال على بابه، فإن المسلمين أيضا مخالفون لهم، فإنه فى معنى جازوكم على مخالفتكم لهم، وأنتم المحقون، وأصله الشق، وهو الجانب، أو المشقة، أو من شق العصا، إذا أظهروا العداوة { فسيكفيكهم } مضرة شقاقهم { آلله } يا محمد، بقتل قريظة، وبنى قينقاع، وسبيهم، وإجلاء بنى النضير، وضرب الجزية قبل إجلائهم، وضرب الجزية على اليهود والنصارى { وهو السميع } لأقوالهم، أى العليم بها { العليم } بأحوالهم، فيعاقبهم عليها، وهو متعلق بشقاق، أو السميع لأقوالكم الحقة أيها المؤمنون، والعليم بأحوالكم الصالحة فيجازيكم عليها، فيتعلق بالكفاية الممتن بها، الموعود بها.
[2.138-139]
{ صبغة الله } قيل بدل من صلة، أو الزموا صيغة الله، أو صبغتا الله صبغة، وحذف صبغنا، أو أضيف للفظ الجلالة، أو متعلق بقوله آمنا على حد قعدت جلوسا، وهى فطرة الله التى فطر الناس عليها، وهى الإسلام أو التوفيق أو الحجة؛ أو تطهير القلب من الكفر والمعصية، شبه بالصبغة فى كونه ظاهرا ظهور الصبغة وحلية، ومتداخلا فى أعماق المصبوغ، لأنه راسخ، فى كونه يمتاز به الإنسان عن سائر الحيوان، وعن الكفار امتياز الثوب المصبوغ، وهو استعارة تصريحية أصلية تحقيقية، أو سمى ذلك صبغة للمشاكلة لوقوعه فى جوار محذوف، هو صبغة النصارى أولادهم فى ماء المعودية، لتتحقق نصرانيتهم، وهو ماء أصفر وأصله اء غسل به عيسى عليه السلام فى اليوم الثالث من ولادته، وكلما انتقص زادوا فيه ماء، ويقولون، هو تطهير، ويقال: هو معرب معموذينا بإعجام الذال، ومعناه الطهارة، ماء يقدس بما يتلى من الإنجيل، ثم تغتسل به الحاملات، أمر الله المؤمنين أن يقولوا للنصارى، قولوا آمنا بالله، وصبغنا الله بالإيمان صبغة لا مثل صبغة المعودية، والإبدال ضعيف لكثرة الفصل بالأجنبى { ومن أحسن من الله صبغة } لا أحسن من صبغة الله، ولا مساوى لها، لأنها الإسلام المنجى من خزى الدنيا والآخرة المورث لخيرهما { ونحن له } لا لغيره كما تشركون معشر اليهود والنصارى غيره فى العبادة { عبدون } قيل: أو داخل فيما أمر أن يقولوها أى قولوا معشر اليهود والنصارى نحن له عابدون، قالت اليهود: نحن أهل الكتاب الأول ، وقبلتنا أقدم، ولم تكن الأنبياء من العرب، ولو كان محمد نبيا لكان منا، فنزل قوله تعالى:
{ قل } يا محمد، أو يا من يصلح للقول { أتحآجوننا } أتجادلوننا جدالا يقطعنا، والحج القطع، لا قدرة لكم على ذلك، لأنكم مبطلون { في الله } شأنه وقضائه، إذ قضى وقدر أن يكون نبى من العرب، ولا سيما أنه مذكور فى التوراة والإنجيل، متداول ذكره من أوائلكم إلى الآن، وقد أتى قيدار ولد إسماعيل بالتابوت من الشام إلى مكة، دوره منه إما إسحاق أو يعقوب عليهما السلام، وقال: إن لكم نورا واحدا آخر الأنوار { وهو ربنا وربكم } فله أن يختار من شاء منا أو منك { ولنآ أعملنا ولكم أعملكم } فإن توهمتم أن النبوة بالعمل فلنا من الأعمال ما نستحق به النبوة، كما تدعون أن لكم أعمالا إلا أنها باطلة بخلاف أعمالنا فصحيحة بالإخلاص كما قال { ونحن له مخلصون } الدين والعمل، وأنتم جعلتم له شركاء، فنحن أولى بالنبوة، لكن النبوة لا تعطى صاحبها لعمل غيره، ولا لعمله بل اضطرارية، لا كسبية بالأعمال، أو بوصول نوع من الأعمال.
وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال، بعد أن سئل عن الإخلاص، قال: سألت جبريل عنه قال: سألت ربى عنه، فقال: سر من أسرارى أودعته قلب من أحببته من عبادى.
وقال سعيد بن جبير، ألا تشرك فى دنيه ولا ترائى أحدا فى عمله وقال الفضيل: ترك العمل من أجل الناس رياء، والعمل من أجل الناس شرك، والإخلاص أن يعافيك الله منهما، وقيل: استاء أعمال العبد فى الظاهر والباطن، وقيل: كتم الحسنات كما تكتم السيئات، وقيل: احتقارك عملك.
ومعنى كونه سرا من أسرار الله، أنه لا طاقة لأحد عليه باختياره، ومعنى كون الشرك رياء أنه راءى الناس أنه غير مراء، ومعنى أن العمل لهم شرك أنه رئاء أيضا زاد باسم الشرك؛ لأنه عمل لغير الله عز وجل.
صفحه نامشخص