" لا إحلال ولا إحرام إلا ما فى القرآن "
، قال ابن مسعود: ذكر لنا في القرآن كل شى إلا أن علمنا يقصر. والمراد أن القرآن محل الاستنباط، وقد خرج بعضهم عمره صلى الله عليه وسلم ثلاثا وستين سنة من قوله تعالى: ولن يؤخر الله نفسا إلخ في سورة هى رأس ثلاث وستين سورة. { وإن لم تفعل } بل تركت بعضا { فما بلغت رسالته } لأن تارك بعض كتارك كل فكأنك لم تبلغ شيئا لارتباط بعض ببعض إذ كانت كشئ واحد أمر بتبليغها كلها فترك بعض كترك ركن من أركان الصلاة، أو إن لم تفعل التبليغ بأن تركت ما تركت عوقبت لأنك لم تبلغ رسالته فنابت العلة مناب الجواب، وهو فى صورة تهديد، كأنه قيل تهيأ لشأن ما اقترفت من عدم التبليغ، كما روى عنه صلى الله عليه وسلم:
" إن الله بعثنى برسالته فضقت بها ذرعا فأوحى الله إلى إن لم تبلغ رسالتى عذبتك فضمن لى العصمة فقويت "
عن ابن عباس : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أى آية أنزلت من السماء أشد عليك؟ فقال
" كنت بمنى أيام موسم فنزل على يا أيها الرسول بلغ ما أنزل الآية فناديت عند العقبة أيها الناس من ينصرني على أن أبلغ رسالات ربى ولكم الجنة، أيها الناس قولوا لا إله إلا الله وأنا رسول الله إليكم تفلحوا ولكم الجنة، فما بقى رجل ولا امرأة ولا أمة ولا صبى إلا رمونى بالتراب والحجارة ويقولون كذاب صابئ فعرض على عارض فقال: يا محمد إن كنت رسول الله فقد آن لك أن تدعو عليهم كنوح، فقلت: اللهم اهد قومى فإنهم لا يعلمون، وانصرنى عليهم أن يجيبونى إلى طاعتك فجاء العباس فطردهم وأنقذني منهم "
{ والله يعصمك من الناس } لا يصلك منهم ضرب ولا قتل ولا سحر ولا ما يمنعك من التبليغ وهذا بعد ما سحر فى مشط ومشاطة وأطعم لحما مسموما وشج يوم أحد وكسرت رباعيته.
وسورة المائدة من آخر ما أنزل فهو يبلغ ما نزل بعد هذا ويكرر تبليغ ما بلغ من قبل لمن بلغه ولمن لم يبلغه، وإن كانت الآية قبل أحد والسحر والسم وجعلت في هذه السورة فالمراد عصمته من القتل وما يمنعه من التبليغ، وكان صلى الله عيه وسلم يحرسه سعد وحذيفة كما قال أنس أنه صلى الله عليه وسلم يحرس حتى نزلت هذه الآية، فأخرج رأسه من قبة أدم أى كان فيها حال النزول فقال:
" انصرفوا أيها الناس فقد عصمنى الله من الناس "
{ إن الله لا يهدى القوم الكافرين } لا يمكنهم مما أرادوه من قتلك وقتل أصحابك ومن تعطيل التبليغ، أولا يوفق من سبقت شقاوته عند الله إلى التوبة، والأول أنسب لما فى صحيح مسلم عن عائشة:
" سهر رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمه المدينة ليلة فقال ليت رجلا صالحا من أصحابى يحرسني الليلة، قالت: فبينما نحن كذلك سمعنا خشخشة سلاح قال من هذا قال سعد بن أبى وقاص، فقال له صلى الله عليه وسلم ما جاء بك قال: وقع في نفسى خوف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئت أحرسه فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم فنام، وروى أنها قالت: فبينما نحن كذلك سمعت صوت السلاح فقال من هذا قال سعد وحذيفة جئنا نحرسك فنام عليه الصلاة والسلام حتى سمعت غطيطه، ونزلت هذه الآية فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه من قبة أدم وقال: انصرفوا أيها الناس فقد عصمنى الله من الناس "
صفحه نامشخص