تيسير التفسير

قطب اطفیش d. 1332 AH
176

تيسير التفسير

تيسير التفسير

ژانرها

إلا الذين تابوا

[آل عمران: 89]، وإما تائب توبة فاسدة، كقوله تعالى: { إن الذين كفروا بعد إيمانهم } ، وإما غير تائب، كقوله تعالى:

{ إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل } الفاء إشعار بأن عدم القبول مسبب عن موتهم كفارا، ولم تكن فى لن تقبل توبتهم، لأن الارتداد وزيادة الكفر لا يكونان سببا لعدم قبول التوبة، بل هما نفس الذنب، وإنما السبب الغرغرة أو الموت، إلا أن ازياد الكفر يوجب ازياد الدين المانع من التوبة، ولم يعتبر هذا لأنه لا يتبادر إلا بالتوسط، وقرن خبر إن هنا بالفاء لأن اسمها على معنى العموم فكان كمن الشرطية، ولم يقرن فيما قبلهما لأن اسمها جاء لمعنيين فلم يشبه من الشرطية { من أحدهم } هذا أبلغ من أن يقال منهم، لأن المعنى من واحد منهم كائنا ما كان { ملء الأرض } شرقا وغربا وغيرهما إلى السماء الدنيا، وملء الشىء ما يملؤه، ولا أطراف للأرض مرتفعة ارتفاع أطراف الوعاء، فكان المراد ملء هوائها إلى السماء، وهذا أولى من أن يقال، ملؤها تعميم ظاهرها { ذهبا } وهو أعز ما يملك، وكل أحد يعرف له قدرا، وكثرت معاملته، وكان أثمن الأشياء، ويزين به، بخلاف سائر الجواهر الثمينة كالزبرجد فإنه غير متداول بين الناس إلا قليلا { ولو افتدى به } لا يخفى أن نقيض الشرط فى لو أن الوصلتين أولى بالجزاء، ونقيض افتدى لم يفتد، ولا يصح هنا لو لم يفتد به ولو افتدى به، ولا افتدى به، فكيف لو لم يفتد، لأن الكلام فى القبول، ولا يتصور مع عدم الافتداء، فإما أن يجعل المعنى والحال أنه افتدى به، كما قيل بزيادة لو، وإما أن تجعل الواو زائدة كما قرىء خارج العشرة شادا، بإسقاطها، وإما أن يقدر، لو تقرب به إلى الله فى الدنيا لكفره ولو افتدى به من العذاب من الآخرة، أو لا يقبل ولو فى حال الافتداء، وهو لا يمتن فيها إذ هى حالة قهر، أو الآية عبارة عن عدم قبول الفدية مطلقا، ولو كانت أضعاف ملىء الأرض، كما يعبر بالسبعين عن العدد الذى لا يتناهى، أو تجعل شرطية محذوفة الجواب، أى ولو افتدى به لم يكفه، أو لم ينفعه، أو لم ينجه من العذاب، ودل على ذلك قوله عز وجل { أولئك لهم عذاب أليم } وإما أن يجعل إولئك لهم عذاب أليم جوابا، فلا يصح، لأن جواب لولا يكون جملة اسمية، للهم إلا إن ضمنت معنى إن، وفى البخارى ومسلم والطبرانى عن أنس عنه صلى الله عليه وسلم:

" يجاء بالكافر يوم القيامة فيقال له: أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهبا أكنت مفتديا به؟ فيقول: نعم، فيقال: لقد سئلت ما هو أيسر من ذلك فلم تفعل "

، فذلك قوله تعالى: إن الذين كفروا.. الآية { وما لهم من ناصرين } بدفع العذاب أو تخفيفه.

[3.92-93]

{ لن تنالوا البر } الإحسان الكامل الذى هو عبادة منكم { حتى تنفقوا مما تحبون } أو لن تنالوا بر الله، أى إحسانه إليكم الكامل حتى الخ، أو لن تنالوا ثواب البر، أى ثواب الطاعة حتى الخ، وبه قال ابن عباس وابن مسعود ومجاهد، ولن تكونوا أبرارا حتى.. الخ، والمراد الإنفاق الواجب وغير الواجب، والإنفاق من المال إطعاما وإشرابا وإسكانا، وإعارة، وإعتاقا، ووقفا من الجاه، ينفع به الأقارب والضعفاء، وغيرهم، ومن البدن فى العبادات، وخدمة العلماء، والأولياء، والناس فى كل ما يرجع إلى البدن، ومن تفويت البدن كالقتال في سبيل الله حتى يقتل، وذلك من عموم المجاز، وهو استعمال الكلمة في المعنى الموجود فى الحقيقة والمجاز كالصرف هنا، لما نزلت،

" قال أبو طلحة: يا رسول الله أحب أموالى إلى بيرجاء فضعها حيث أراك الله، فقال صلى الله عليه وسلم: بخ بخ، ذلك مال رابح أو رائح، وإنى أرى أن تجعلها فى الأقربين "

، أى أقرباء طلحة، فقسمها أبو طلحة فى أقربائه وبنى عمه، وفى رواية لمسلم وأبى داود: فجعلها لحسان بن ثابت وأبى ابن كعب، وذكر الربيع بن حبيب والبخارى ومسلم والترمذى والنسائى وغيرهم الحديث، ويرجى بفتح الباء وكسرها وفتح الراء وضمها وكسرها، والمد والقصر بستان فى المدينة، أو موضع فيها منه البستان، أو موضع قرب المسجد، أو أرض وهو فيعلى، أو فيعلاء من البراح، وهى المنكشفة، أو بير مضاف لقبيلة اسمها حاء ويخ بإسكان الخاء وكسرها، منون أو غير منون، وبالضم مخففا ومشددا مدح ورضاء بالشىء وتعجب، من أسماء الأصوات، ورايح بالموحدة ذو ريح، والمراد الثواب المضاعف، وبالهمزة والمراد رائح بصاحبه إلى الجنة كما فى رواية، وجاء زيد بن حارثة بفرس يحبها، فقال، هذه فى سبيل الله فحمل عليها صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد، فقال زيد، يا رسول الله، إنما أردت أن أتصدق بها، فقال صلى الله عليه وسلم إن الله قد قبلها منك، رواه ابن المنذر، وابن جرير مرسلا، ويستفاد من الحديثين والآية، أن إنفاق أحب الأموال على الأقارب أو أقرب الأقارب أفضل، وكان ابن عمر ينفق السكر، فقيل، لو اشتريت طعاما وأنفقته، فقال، نعم، لكن قال الله: حتى تنفقوا مما تحبون، وأنا أحب السكر وحضرته الآية فلم يجد إلا جارية رومية، تسمى لؤلؤة، وكانت أحب ماله إليه فأعتقها، وعن الحسن، كل ما أنفق المسلم من ماله لوجه الله تعالى فداخل فى الآية، والمراد من مطلق ما تحبون، والمال كله محبوب، والمشهور ما تقدم بمعنى ما تحبون أكثر من غيره وقيل، المراد الزكاة مما لا يسترذل، ومن أنفق من غير ما يحب نال ثوابا غير كامل، ومن لم ينفق غير الواجب فاته ثواب الإنفاق، أو ناله من عمل آخر، والفقير الذى لم يجد ما ينفق ينال الثواب من غير أعماله، وقد يكون أفضل من الإنفاق، وقد يكون الثواب الكامل بنية من لم يجد، ومن اللعب جعل ما مصدرية والمصدر بمعنى مفعول، أى من حبكم، أى محبوبكم فإنه يغنى عن ذلك جعلها اسما واقعا على المحبوب، أى الذى تحبونه، أو شىء تحبونه { وما تنفقوا من شىء } زيادة فى العموم، أى مطلق ما يسمى شيئا، ولا دلالة لشىء على خبث أوطيب إلا من حيث العموم فليجعل مع من نعتا لما، لا تمييزا { فإن الله به عليم } يجازى عليه، ولو رذلا، مما هو رذل، واجبا، أو رذلا من طيب نفلا، قليلا أو كثيرا، ولا يدل قوله عليم على الحث على إخفاء الصدقة، بل على الحث على مطلق الصدقة ظاهرة أو خفية قالت اليهود له صلى الله عليه وسلم: تزعم أنك على دين إبراهيم وتأكل لحم الإبل وألبانها، وهو لا يأكلها وأنها محرمة على آدم ومن بعده إلى وقتنا هذا أو بعده فنزل قوله تعالى:

{ كل الطعام كان حلا لبنى إسراءيل } يعقوب، أى كل المطعومات أى ما يؤكل أو يشرب، فشمل لبن الإبل، كقوله تعالى: { فمن لم يطعمه } ، والأحكام لا تطلق على الذوات، فالمراد تناول الطعام، وزعم بعض أنه يوصف العين بالحل، ونسبة لائمة الأصول، ويجوز إبقاء الطعام على معنى المصدرية، أى كل أكل وشرب كان حلا لبنى إسرائيل { إلا ما حرم إسراءيل على نفسه } أى المأكول والمشروب، أو الأكل والشرب الذى حرمه إسرائيل على نفسه { من قبل أن تنزل التوراة } وهو، قيل لحوم الأنعام أو زيادتا الكبد والكليتان وشحم غير الظهر، والمشهور، وهو الصحيح، أنه لحم الإبل وألبانها لحصول عرق النسا له بها، فوعد، إن شفى، لم يأكلها ولم يشربها، فلم يحرمها عليهم، بل ذلك نذر منه، وقيل: حرمها على نفسه خاصة، فحرمها الله عليهم فى التوراة اتباعا لبنيه له،، وكانت أحب طعام وشراب إليه، فتركها نذرا تقربا إلى الله، وزادوا فى الحرمة أشياء لم تحرم عليهم جهالة وتشرعا، وزاد الله عليهم حرمة أشياء لبغيهم، قال الله تعالى: { فبظلم من الذين هادوا } ، { وعلى الذين هادوا حرمنا } ، الآيتين، وذلك رد عليهم إذ قالوا، إن المحرم فى التوراة محرم على من قبلهم، لا، بل حرم عليهم خاصة، حكمة لبغيهم، وقيل: حرمها على نفسه خاصة على أن الاستثناء منقطع، أى، ولكن ما حرم إسرائيل على نفسه خاصة، وهو حرام عليه خاصة، والصحيح ما مر من تحريمها عليهم أيضا، والاستثناء متصل وذكر الكلبى أنه لم يحرم سبحانه تعالى عليهم فى التوراة، وإنما حرم عليهم بعدها بظلمهم، وقال السدى: لم يحرم عليهم فى التوراة إلا ما حرموه قبلها، تبعا لأبيهم، وقيل: نذر ألا يأكلها هو ولا بنوه، وقيل: التحريم الامتناع للتدواى من عرف النسا بإشارة الأطباء له عليه السلام، والنساء بالفتح والقصر عرق يخرج من الورك فيستبطن الفخذ يمر بالعرقوب حتى يبلغ القدم كلما طال زمانه زاد حتى يبلغ الركبة والكعب، وربما امتد إلى الأصابع بحسب كثرة مادته وقلتها، ويهزل معه القدم والفخذ، ويحدث منه العرج، وذكرت مداواته فى تحفه الحب، ومنها، قطع إليه كبش عربى ولا كبير ولا صغير، يشرب كل يوم على الريق فطير ثلث قطعة مصلية، قال أنس: وصفته لأكثر من مائة شفاهم الله تبارك وتعالى، ومن متعلق بكان أو بحلا، لجواز الاستثناء قبل ذكر ظرف، أما قبله نحو ما قام إلا زيد اليوم، وما جاء أحد إلا زيد على فرس بتعليق على بحاء، ويجوز تعليقه بحرم بيانا لتقديم التحريم على نزوله التوراة مستملة على محرمات أخر { قل فأتوا بالتوراة فاتلوهآ } حتى يتبين للسامعين ولكم صحة دعواهم، أن كذا وكذا محرم، فلا تجدون دعواكم فيها، أو اتلوا محل دعواكم منها لا يوجد { إن كنتم صادقين } فلم يأتوا بها ويقرأوها لعدم صدقهم فيما أخبروا عنها، فإنما حرم إسرائيل لحم الإبل ولبنها نذرا، وليس فى تحريمه ذلك دلالة على اجتهاد الأنبياء، لأنه حرمه نذرا، بمعنى أنه منع نفسه منها نذرا أو تطببا بإشارة الطبيب، وأما دعوى أن إسرائيل حرم ما حرم لأن الله أمره بتحريمها فمحتمل أيضا، فلا يدل على الاجتهاد ولو كان بعيدا، إذ لم يقل إلا ما حرم الله على إسرائيل، واحتج للاجتهاد بأنه طاعة، ولا طاعة إلا وللأنبياء فيها نصيب، بل أقوى في ذلك لمزيد فهمهم وصفاتهم، قلنا كم عبادة تكون لنبى دون آخر، ولأمة دون أخرى، بل خصت هذه الأمة بالاجتهاد، واحتجوا بقوله تعالى:

صفحه نامشخص