تيسير التفسير

قطب اطفیش d. 1332 AH
173

تيسير التفسير

تيسير التفسير

ژانرها

" لا تسألوا أهل الكتاب عن شىء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا، فإما أن تصدقوا بباطل، وإما أن تكذبوا بحق، وإنه والله لو كان موسى حيا بين أظهرهم ما حل له إلا أن يتبعنى "

{ لما ءاتيتكم } اللام للابتداء أو موطئة، وما مبتدأ شرطية، أو موصولة، والرابط الهاء فى به عائدة لما، لا لرسول، وجملة لتؤمنن به مع القسم المقدر خبر أو جواب، أى فوالله لتؤمنن به، وجملة جواب القسم لا محل لها، والقسم وجوابه محله الجزم أو الرفع، وجملة لما الخ جواب ميثاق، أو لتؤمنن به جواب قسم مقدر قبل لما، أو جواب ميثاق أغنى عن الخبر، أو عن جواب الشرط، ورابط الشرط محذوف، أى آتيناكموهم { من كتاب وحكمة ثم جآءكم رسول } محمد صلى الله عليه وسلم { مصدق لما معكم } هو ما آتاهم الله من كتاب وحكمة، وجملة جاءكم رسول عطفت على الصلة، ورابطها هو ما من قوله: لما معكم، لأن الذى منهم فهو الذى آتاهم { لتؤمنن به } أى بما آتاكم، والإيمان بما آتاهم متضمن للإيمان بالرسول المصدق ولما معهم { ولتنصرنه } أي الرسول المصدق لما معكم على الترتيب، كقولك لئن جاء زيد بولده لتكرمنه ولتجعلنه من جملة أولادك أى تكرم زيدا وتجعل ولده كولدك، أو لتنصرن ما آتاكم بالعمل له، أو لتؤمنن بالرسول ولتنصرن ما آتيناكم، كقولك، لئن جاء زيد على فرس لأضيفنه وأعلفنها، ويجوز عود الهاءين للرسول، وبقدر رابط الخبر، أى لتؤمنن به فيه، فهاء فيه لما آبيناكم { قال } للنبيين { ءأقررتم } بذلك، والاستفهام تقرير، والمراد حمل المخاطب على الإقرار، ولذا أجابوا بأقررنا إنشاء { وأخذتم على ذلكم } أى الإيمان والنصر { إصرى } أى عهدى على أممكم، سمى إصرا لثقله، أو لأنه يأصر أى يشد، وكأنه قيل، فماذا قالوا: فقال { قالوا أقررنا } وأخذنا على ذلك إصرى فحذف للمسلم به مما قبل، قال سعيد بن جبير والحسن وطاوس أخذ الله الميثاق على كل نبى أن يؤمن بمن يأتى بعده من الأنبياء وينصره بنفسه وقومه، وإن لم يدركه أمر قومه أن يؤمنوا به وينصروه إن أدركوه، فيؤمن آدم بشيث، وشيث بإدريس، وإدريس بنوح إلى أن يؤمن موسى بعيسى، وعيسى بمحمد صلى الله عليه وسلم وعليهم، ولو لم يعلمهم بأسماء من بعدهم، وقال على وابن عباس وقتادة والسدى، أخذ الميثاق على النبيين كلهم أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وعليهم، ويأمروا أقوامهم بالإيمان به ونصره، يأخذوا العهد عن أقوامهم فى ذلك إن ادركوه ونصروه { قال } الله { فاشهدوا } اعزموا بقلوبكم فاشهدوا على أنفسكم وأتباعكم بذلك، أو ليشهد بعضكم على بعض، فكل واحد شاهد ومشهود عليه، أو فاشهدوا أيها الملائكة على الأنبياء وأممهم بالإقرار، ولكن لم يجر للملائكة ذكر، أو اشهدوا أيها الأنبياء على أممكم { وأنا معكم من الشاهدين } عليكم وعلى أممكم بإقرار، وهذا تحذير عن النكث عظيم.

[3.82]

{ فمن تولى بعد ذلك } بعد ما ذكر من الإقراروالميثاق والأكيد الشهادة العظيمة { فأولئك } المتولون { هم الفاسقون } الخارجون عن الإيمان، خروجا شنيعا فظيعا، إذ كان ارتدادا بعد إيمان، وبعد العهد والتوكيد بالإقرار والإشهاد.

[3.83]

{ أفغير دين الله يبغون } أتجهلون فتبغون غير دين الله، أو أتهملون أنفسكم عن التأمل فتبغون غير دين الله، أو أتولون فتبغون الخ، أو الهمزة مما بعد الفاء قدمت على العاطف لكمال صدريتها، ورجح لسلامته من حذف الجملة، ولأنه قد لا يوجد تقدير، كقوله تعالى: { أفمن هو قائم على كل نفس } ، وقدر بعضهم أن لا مدبر للموجودات فمن هو قائم، والمعنى، أينتفى المدبر فلا أحد قائم، ولا يمكن ذلك، والأولى إن أمكن التقدير وصح المعنى بلا تكلف قدر وإلا فلا، وإن لم تقدر فالعطف على أولئك هم الفاسقون عطف فعلية إنشائية على اسمية إخبارية، لأنه أفاد نكتة قولك، هم فى الحال يبغون، فكأنها اسمية، والإنكار فى معنى الإخبار فإنها خبرية،كأنه قيل، لا ينبغى لهم أن يبغوا غير دين الله، أو لا نشترط الجامع بين الإخبار والإنشاء إذا كان العطف بغير الواو لإفادته وجها، بخلاف الواو فلمطلق الجمع، وقدم غير الفاصلة وللاهتمام، ولأنه المقصود بالإنكار لا للحصر، لأن المنكر اتخاذ غير دين الله دينا ولو مع دين الله، ومن عبد الله مع غيره فليس عابدا لله، ومن هذا يكون للحصر وجه لطيف، لأن دين الله لا يجامع مع دين غيره، فإذا بغو غير الله ودينه فإنهم لم يبغوا إلا غير دينه { وله أسلم } والحال إنه أسلم له لا لغيره أى انقاد { من فى السماوات والأرض طوعا } إسلام طوع كسبا، أو طبعا كالملائكة، والمولود، وطبعت الملائكة فى عبادتهم طبع من لا يعصى { وكرها } بسيق أو إلجاء بمشاهدة نزول عذاب، أو ملك الموت، ونتق الجبل إسلام طوع من بعض، وإسلام كره من بعض، أو طائعين وكارهين كذلك، أو ذوى طوع وكره كذلك، أو طوع نفس راضية، وكره نفس أسلمت بعد منافرة { وإليه يرجعون } للجزاء،

" ادعى أهل الكتابين، اليهود والنصارى متخاصمين عنده صلى الله عليه وسلم، أنهم على دين إبراهيم، كل يدعيه لنفسه، وينفى عنه غيره، فقال صلى الله عليه وسلم، كلكم برىء من دينه فغضبوا، وقالوا: والله ما نرضى بقضائك "

، ونزل تكذيبا لهم بأنه لا فريق منهم على دينه، قوله عز وجل، أفغير دين الله إلى قوله، وإليه يرجعون، ويقبل إسلام من أسلم، لنتق الجبل أو السيق إن أقام عليه.

[3.84-85]

{ قل } يا محمد لهم ولسائر المشركين { ءامنا بالله ومآ أنزل علينا } أفرد الضمير فى قل، لأن الخطاب فيه، لتبليغ الوحى، وهو المبلغ، وجمع بعد باعتباره واعتبار المبلغ إليهم، وهم المؤمنون، فآمنا عبارة عن نفسه وعن الأمة تغليبا، وذلك إخبار لا إنشاء، أو تعظيما لنفسه، إذ جمع خصالا متفرقة فى غيره، قال هنا علينا، والبقرة إلينا، لأن الخطاب هنا للنبى صلى الله عليه وسلم وهو المنزل عليه أولا وبالذات، فقال: علينا اعتبارا لجانب ابتدائه، وفى البقرة إلينا لجانب انتهائه، فكان بإلى، وأيضا المنزل عليه منزل عليهم بواسطته، وأيضا النسوب إلى واحد من الجمع قد ينسب إليهم، وأيضا هم متعبدون به، والصحف نزلت على إبراهيم لكنهم متعبدون بتفاصيلها، كما أن القرآن منزل إلينا، وقدم ما نزل عليه على ما نزل على إبراهيم ومن بعده، مع أنهم قبله لأنه المعرف له، والمبين والمفصل والشاهد على أممهم بتصديقه وتكذيبه، والناسخ لما نسخ، ولفضل ما نزل عليه { ومآ أنزل على إبراهيم } من الصحف { وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط } أولاده الأثنى عشر { ومآ أوتى موسى } من التوراة والصحف والمعجزات كالعصا { وعيسى } من الإنجيل والمعجزات كإبراء الأكمه { والنبيون من ربهم } خص هؤلاء بالذكر لأن أهل الكتاب معترفون بنبوتهم وكتبهم، ثم عم النبيين، ولا نعرف كتابا أنزل على إسماعيل وإسحاق ويعقوب، والجواب أنه ما نزل على إبراهيم كأنه أنزل عليهم، كما نسب النزول إلينا وإلى الأسباط، وإنما الإنزال على الأنبياء، وذكر الإيتاء فى موسى وعيسى ليشمل معجزاتهما مع كتبهما { لا نفرق بين أ؛د منهم ونحن له مسلمون } مخلصون فى العبادة منقادون، لا كإيمان أهل الكتاب ببعض وكفر ببعض، وتثليث وإلحاد بالولادة وغيرها، فالآية تعريض بهم ولم يذكر ما أنزل على آدم وشيث وإدريس لأن اللوم والتوبيخ للمشركين وأهل الكتاب وهم لا يدعون تلك الصحق إيمانا وعملا، ولذا لم يذكرهما أيضا فى البقرة، وذلك أمر له صلى الله عليه وسلم، أن يؤمن بالأنبياء وكتبهم كما أمروا ليؤمنوا به وبكتابه، وارتد اثنا عشر رجلا من العرب عن الإسلام، وخرجوا من المدينة إلى مكة، منهم الحارث بن سويد الأنصارى، إلا أنه تاب، ونزل فى ذلك قوله تعالى:

صفحه نامشخص