تأویلات نجمیه
التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي
ژانرها
، فهو مثل للحريص الذي يأخذها بغير حق، وذلك أن الربيع ينبت أنواع العشب فيستكثر منها الماشية حتى ينتفخ منها بطونها، كما قد جاوزنا حد الاحتمال فيشق أمعاؤها فيهلك، كذلك الحريص الذي يجمع الدنيا من حلها ويمنع ذا الحق حقه، فينتفخ بطنه يوم القيامة وهو آكل الربا، فلا يقوم ويكون عاقبته النار، وأما مثل المقصد قوله: صلى الله عليه وسلم
" إلا أكلة الخضرة "
، وذلك أن الخضرة ليست من إضراب البقول التي ينبتها الربيع فيستكثر منها الماشية، ولكنها من كلأ الصيف التي ترعها المواشي بعد هيج العقول شيئا فشيئا من غير استكثار، فضرب مثلا لمن يقتصد في أخذ الدنيا ولا يحمله الحرص المفرط على أخذها بغير حقها، وإن كان له حرص مثلا من الطلب والجمع، ولكن لما كان بأمر الشرع وطريقه ولا يمنع ذا الحق حقه ما أضر به كما أضر بأكل الربا، كقوله تعالى: { ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربوا } [البقرة: 275]؛ يعني: في طلب الربح والزيادة.
وقال تعالى: { وأحل الله البيع وحرم الربوا } [البقرة: 275]؛ يعني: كيف يكون ما أحل الله وأزال الأمر ظلمته إفراط الحرص منه، مثل ما حرم الله وزاد في ظلمة الحرص الذي فيه عصيان الأمر، فمن ارتكبه بالربا يكون في ظلمات ثلاثة
بعضها فوق بعض
[النور: 40]، ظلمة الحرص، وظلمة الدنيا، وظلمة المعصية، { فمن جآءه موعظة من ربه } البقرة: 275]، بالقرآن والأخبار وإلهام الحق { فانتهى } [البقرة: 275]، يتوب إلى الله ويرجع من الربا، { فله ما سلف } [البقرة: 275]، من المعصية فتجاوز عنه الحق.
{ وأمره إلى الله } [البقرة: 275]، بأن يرزقه بدل الربا من حيث لا يحتسب { ومن عاد } [البقرة: 275]، إلى شؤم فعاله ومذموم خصاله، وأعرض عن الحق ومقاله، واستحل ما حرمه وأقبل على ما احترمه، { فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } [البقرة: 275]، فلينتظروا وشيك الاستئصال، وفجأة النكال { يمحق الله الربوا } [البقرة: 276]، إذا أسرع فيه بمتابعة الهوى، { ويربي الصدقت } [البقرة: 276] والبركات؛ لأنها معروفة بالخيرات على وفق المأمورات، { والله لا يحب كل كفار } [البقرة : 276]، بنعمة الشرع وأنواره، { أثيم } [البقرة: 276]، عامل بالطبع مقيم في ظلمة إصراره.
ثم أخبر عن العالمين بالشرع والخارجين عن الطبع بقوله تعالى: { إن الذين آمنوا وعملوا الصلحت وأقاموا الصلوة وآتوا الزكوة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون } [البقرة: 277]، { آمنوا } [البقرة: 277]، إيمان التصديق بالتخفيف مقرونا بالتوفيق، { وعملوا الصلحت } [البقرة: 277]، خرجوا بقدم العبودية على وفق الربوبية من ظلمات الطبع إلى أنوار أركان الشرع، فكان من خصائص ظلمات الطبع البشري، إتباع الهوى، والركون إلى الدنيا، فخرجوا عن ظلمة إتباع الهوى بإقامة الصلاة واقتراب المولى، { وأقاموا الصلوة } [البقرة: 277]، فاستغرقوا بنور الحضور وعالجوا ظلمة الركون إلى الدنيا بأنوار إيتاء الزكاة والفطام عن المألوفات، { وآتوا الزكوة } [البقرة: 277]، فجذبتهم العناية عند سفل عندية البشرية إلى ذروة عندية الربوبية، { لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم } [البقرة: 277]، من الرجوع إلى الظلمات الطبيعة، { ولا هم يحزنون } [البقرة: 277]، بعد الخروج إلى أنوار الشريعة.
[2.278-281]
فلما أخبر عن أهل الإيمان الحقيقي ومعاملاتهم، أخبر عن أهل الإيمان المجازي وامتحانهم بقوله تعالى: { يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربوا إن كنتم مؤمنين } [البقرة: 278]، والإشارة فيها: أن من شروط المؤمن الحقيقي اتقاؤه بالله في ترك زيادات لا يحتاج إليها في أمر الدين، بل تكون شاغلة له عن الترقي في مراتب الدين، كما قال صلى الله عليه وسلم:
صفحه نامشخص