258

تأویلات نجمیه

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

ژانرها

[غافر: 61]، والإشارة أن الله تعالى بفضله وكرمه أحيا قلوب المؤمنين بنور الإيمان قال تعالى:

أو من كان ميتا فأحيينه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس

[الأنعام: 122]، فقليل منهم أقدموا على أداء شكر الإيمان بالقيام في الأوامر والنواهي كما هو الواجب فاستحقوا بذلك المزيد كما قال تعالى:

وقليل من عبادي الشكور

[سبأ: 13]، وأكثرهم كفروا بنعمة الإيمان، وركنوا بالخذلان في مخالفة الرحمن فكذبوا بحرمان الجنان وأغرقوا في بحار العصيان، وفي قوله تعالى: { وقتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم } [البقرة: 244]، إشارة إلى أن إحياء القلوب الميتة مضمر في قتل النفس الأمارة كما قال تعالى:

ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون

[البقرة: 154] يعني: قتلوا أنفسهم ولكن الله أحيى قلوبهم وأرواحهم فقاتلوا في سبيل الله مع نفوسكم، فإنها أعدى عدوكم واعلموا أن الله سميع دعائكم وتضرعكم إليه في الاستغاثة به والاستعانة به على قتل نفوسكم وإحياء قلوبكم كما سمع دعاء نبيهم عليه السلام في إحياء قومه عليم بصدق نياتكم وبذل جهدكم في جهادكم فيعينكم على قتل نفوسكم ويحيي بأنوار فضله قلوبكم.

ثم أخبر عن طرق من حقيقة القتال مع النفس بطريق بذل المال بقوله تعالى: { من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا } [البقرة: 245]، والإشارة فيها أن من كمال فضله وكرمه مع عباده أنه خلق أنفسهم ومدهم الأموال ثم اشترى منهم أنفسهم وأموالهم ثم ردها لهم بالعارية، ثم أكرمهم فيها بالاستقراض ثم شرط بأضعاف كثيرة عليها فقال تعالى: { من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا } [البقرة: 245]؛ يعني: يقرض إلى الله لا إلى الفقير ويعطي لله لا للجنة قرضا حسنا فالقرض الحسن ما لا يقصد في عوضه غير الله { فيضعفه له أضعافا كثيرة } [البقرة: 245]؛ يعني: أن العبد لا يطلب إلا على قدره فيعطيه ما هو مطلوبه ما أخفى لهم من قرة أعين أضعافا كثيرة على قدر كرمه فمن يكون له متاع الدنيا بأسرها قليلا، فانظر ما يكون له ثم ما يكون أضعافا كثيرة وقال تعالى: { والله يقبض ويبسط } [البقرة: 245]؛ يعني: هو القابض والباسط هو يقبض الصدقة عن الأغنياء ليطهرهم بها عن أنجاس الدنيا وأدناسها ويبسط على الفقراء لئلا يتقلدوا المنة من الأغنياء ويعظمونهم بقبض؛ لئلا يرى الأغنياء غيره ويبسط لئلا يرى الفقراء غيره بقبض قلوب الأحباء عن الدنيا والآخرة، ويبسط الجود ويقبض الفاني ويبسط الباقي عنك بقاء يفنيه ويبسط به عن باسطيه، وهذا هو معنى: { وإليه ترجعون } [البقرة: 245].

[2.246-248]

ثم أخبر عن قتال أهل المال وجدال أهل الضلال بقوله تعالى: { ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل من بعد موسى } [البقرة: 246] والإشارة فيها أن القوم لما أظهروا خلاف ما أضمروا وزعموا غير ما كتموا أعرض نقد دعواهم على محك معناهم فما أفلحوا عند الامتحان إذ عجزوا عن البرهان وعند الامتحان يكرم الرجل أو يهان: { إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا } [البقرة: 246]؛ يعني: أنكم هو شمول إذا ادعيتهم دعوى عريضا تصريحا لا تعريضا أن تقاتل في سبيل الله وإن القتال في سبيل الله من شأن الأنبياء وخواص الأولياء وليس من منيع أهل الطباع والهوى فأنا أتوقع إن كتب عليكم القتال أن تقاتلوا فيما ادعيتم كالرجال وتكون أفعالكم دون أقوالكم وأعمالكم { قالوا وما لنآ ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنآئنا } [البقرة: 246]، فكان أول مقالهم دعوى إخلاص لله في قتالهم فظهر عن المقصود وأخرجا لهم معنى الذب عن أولادهم وأموالهم، فهذا حال أكثر مدعي الإسلام والإيمان يزعمون يصلي ويصوم ويحج ويزكي ويعمل ويصنع لله وفي الله، فإذا امتحنوا بصدق الجنان وعرضوا النقود على الميزان فيكشف الغطاء ويظهر الخفاء ففي كفتي الميزان يرى ما كان لله، وما كان للهوى فيقال هذا أثر الحياة، فإن الجنة هي المأوى، وهذا لمن خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى، فإن الجنة هي المأوى { فلما كتب عليهم القتال } [البقرة: 246]، تبين الأبطال من البطال واسودت وجوه أصحاب الدعاوي، وابيضت وجوه أرباب المعاني: { تولوا إلا قليلا منهم } [البقرة: 246]، ولا شك أن أهل الحق في كل زمان وإن كان أعز من العتقاء وأعوز من الكيمياء، قال بعضهم:

صفحه نامشخص