تأویلات نجمیه
التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي
ژانرها
ثم أخبر عن سؤالهم عن المحيض وجواب مقالهم بقوله تعالى: { ويسألونك عن المحيض قل هو أذى } [البقرة: 222].
والإشارة فيها أن لله تعالى أحكاما موجبات للنقائص وليس فيها للعبد اختيارا ولا كسب، ولله فيها أسرار عجيبة وألطاف خفية، فمن ذلك كتب الله تعالى على بنات آدم من المحيض ولله فيه امتحان وابتلاء مع الرجال والنساء، كما قال تعالى: { قل هو أذى } ثم امتحن الرجال بالاعتزال عن النساء، فقال تعالى: { فاعتزلوا النسآء في المحيض } [البقرة: 222]، وجعل التباعد عنهن في أيام الحيض تقربا إليه، وقال تعالى: { ولا تقربوهن حتى يطهرن } [البقرة: 222]، ثم جعل التقرب إليهن على شرائط الأمر ومجانبة الطبع موجبا للمحبة والوصلة، وقال تعالى: { فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين } [البقرة: 222]، عن موافقة الطبع { ويحب المتطهرين } [البقرة: 222]، عن مخالفة الشرع وجعل اعتزال النساء وبعدهن عن الأزواج موجبا للقربة، وإن كان في الظاهر موجبا للعبد عن مقام المناجاة لأنهن منعن عن صورة المناجاة، وهي مداومة الذكر ومراقبة القلوب وقال تعالى:
" أنا جليس من ذكرني "
وجعل تطهرهن ومحافظة أنفسهن عن إتيان المنهي موجبا للمحبة والوصلة، وقال تعالى: { إن الله يحب التوابين } [البقرة: 222]؛ أي: محافظي النفس عن المنهيات ويحب المتطهرين أي: مربي النفس بالمأمورات، فكما أن للنساء محيضا في الظاهر، وهو سبب نقصان إيمانهن عن الصلاة والصيام، فكذلك للرجال محيض في الباطن هو سبب نقصان إيمانهم عن حقيقة الصلاة هي المناجاة وعن حقيقة الصيام، وهو الإمساك عن مشتهيات النفوس، وهو هوى النفس كما أن المحيض هو سيلان الدم عن الفرج، فكذلك الهوى هو غلبات دواعي الصفات البشرية والحاجات الإنسانية فكلما غلب الهوى تكدر الصفاء، وحصل الأذى وقيل: قطرة من الهوى تكدر بحرا من الصفا، فحينئذ غلبة منعت النفس عن الصلاة والصوم في الحقيقة، وإن كانت مشغولة بها في الصورة فأذى الحيض الصوري إن الحائض ممنوعة عن القربات بالصورة لا بالمعنى، وأذى الحيض المعنوي أن الحائض ممنوع عن القربات بالمعنى لا بالصورة إذا نودي قلوب الرجال من سرادقات الجلال، فاعتزلوا النساء النفوس في المحيض غلبات الهوى حتى يطهرن أن يفرغن من قضاء الحوائج الضرورية للإنسان من المأكول والمشروب والمنكوح وغير ذلك، فإذا تطهرن بماء التوبة والاستغفار والإنابة رجعن إلى الحضرة في طلب القربة فأتوهن بالتصرف فيهن من حيث أمركم الله يعني: عند ظهور شواهد الحق بزهوق باطل النفس واضمحلال هواها، إن الله يحب التوابين عن أوصاف الوجود، ويحب المتطهرين بأخلاق المعبود بل يحب التوابين عن بقاء الشهود.
ثم أخبر عن حال النساء وحرث الأولياء بقوله تعالى: { نسآؤكم حرث لكم } [البقرة: 223]، والإشارة فيها أن طبقات الخلق ثلاثة:
العوام والخواص وخاص الخواص.
أما العوام: فلما كانوا أهل الغيبة عن الحقيقة أبيح لهم السكون إلى أشكالهم إذ كان على وصف الحضور يحرم عليهم المساكنة بالإذن وقيل لهم: { نسآؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } [البقرة: 223].
وأما الخواص: فلما كانوا بوصف الحضور يحرم عليهم المساكنة إلى أمثالهم وقيل لهم:
قل الله ثم ذرهم
[الأنعام: 91] سلكوا بقدم التجريد مسالك التفريد حتى وصلوا إلى كعبة التفريد.
صفحه نامشخص