تأويل الظاهريات: الحالة الراهنة للمنهج الظاهرياتي وتطبيقه في ظاهرة الدين
تأويل الظاهريات: الحالة الراهنة للمنهج الظاهرياتي وتطبيقه في ظاهرة الدين
ژانرها
الوجود في العالم، والوعي بالذات باعتباره وعيا باحثا لديه انفعال بحثي، كل ذلك يمكن أن يكون عنصرا سابقا على التفكير في البحث الموضوعي.
هل يخضع الباحث اللاأوروبي للأثر الذهني القادم من بيئته؟ كل وعي باحث ينتمي إلى حضارة، ووعى الباحث هو وعي حضاري، ومع ذلك هناك حضارة لها أثر بالغ على وعي الباحث مثل الحضارة الأوروبية. وهي نتاج عمل شاق ومستمر، مصدر حقيقة لوعي الباحث الذي ينتمي إليها؛ ففي عصر النهضة رفضت كل حقيقة قبلية، وكان البحث عن الحقيقة هو الضامن لهذه الحقيقة ذاتها، وانضمت كل حقيقة تم اكتشافها بالبحث إلى أخرى؛ ومن ثم اعتبرت الحضارة وحدها هي المصدر الوحيد للحقيقة، وتم الحصول على اكتشافاتها واختراعاتها بجهد مضن ومتواصل، وأصبح تطورها وبنيتها تطور وبنية الإنسانية نفسها، وهو الملاذ الوحيد لوعي الباحث. وقد بلغ حضورها إلى درجة أن تركت أثرها في ذهن الباحث؛ فهو مبدعها، ولكن لم يستطع التخلص منها.
ولم يكن للحضارات الأخرى نفس وضع الحضارة الأوروبية،
24
ولم تمر إحداها بنفس الظروف، وما زالت تنهل من مصدر قبلي للحقيقة المعطاة سلفا، بل إن النهضة الحالية لم تتم عن طريق الرفض القاطع لهذا المصدر، بل على العكس عن طريق الولوج في أعماقه. ولا يتم التخلص من كل الأحكام والمواقف المسبقة، وهو الشرط الرئيسي لكل نهضة، بل على العكس، عن طريق التخلص من ثقل التاريخ من أجل العودة إلى المصادر الأصلية. والإصلاح في الوعي الأوروبي شبيه بذلك مع فارق واحد، هو أن الإصلاح في حضارة لا أوروبية ليس خارج هذه المصادر نفسها، بل داخل فيها. ويمثل الإصلاح والنهضة والعلم في الحضارة الأوروبية ثلاث مراحل متتابعة في البحث عن الحقيقة؛ الإصلاح عن طريق العودة إلى المصادر الأولى، واكتشاف الوعي الفردي داخل معطيات الوحي،
25
والنهضة عن طريق الرفض الجذري لكل مصادر المعرفة المسبقة؛ فالبحث عن الحقيقة بالعقل الإنساني هو وحده القادر على ذلك، والعلم عن طريق اللجوء إلى الواقع ذاته هو الضامن الأول والأخير للحقيقة مع تجنب المجردات والافتراضات النظرية الخالصة. وفي الحضارة اللاغربية موضوع التفكير هنا، الإصلاح والنهضة والعلم موجود داخل المصدر القبلي للحقائق المعطاة سلفا، والوعي مركز معطيات الوحي. العقل الإنساني بذرته، والواقع حامله. وبالدخول في أعماق هذا المصدر القبلي يستطيع وعي الباحث الذي ينتمي إلى هذه الحضارة أن يتخلص من تاريخ الحضارة؛ فالتاريخ نفسه لا يكون مصدرا لأية حقيقة؛ ومن ثم فإن وعي الباحث وحده الذي ينتمي إلى حضارة أخرى غير الحضارة الأوروبية هو الذي يستطيع أن يكون وعيا محايدا. (3) موضوع هذا العمل
26
يمكن تحديد موضوع هذا العمل عن طريق وصف نشوئه وتكوينه أولا، ثم اختيار بناء الوعي الأوروبي وتطوره كموضوع رئيسي، ثم اكتشاف الوحي كمعطى في نمط من الحضارة سواء في الوعي الفردي أو الوعي الجمعي.
27
صفحه نامشخص