وتأويل هذا الحكم فى الباطن أن يكون المستجيب من أهل دعوة الحق له مفيد من المؤمنين تغلب عليه أهل دعوة باطل أو قوم قد غيروا وبدلوا ما قد دعوا إليه وأخذ عليهم فيه فيطلعونه على ما هم عليه ويفاوضونه فيه ويسمعونه ما انتحلوه وصاروا من الباطل إليه ثم يصير بعد ذلك إلى مفيده فلا بد له من أن يستبرئه لئلا يكون قد علق شيء مما فاوضوه فيه بقلبه أو عمل فى خلده أو مال إليه وهمه أو إلى شيء منه وليس على ذلك للمستجيب حرج فيما كان منهم إليه ولا فى سماعه ما سمعه منهم إذا لم يعتقده ولم يرضه ولم يرده ولا طلبه كما لا يكون على المرأة المستكرهة على نفسها حد إذا زنى بها ولا إثم. فهذا القول هو آخر الطهارة من كتاب الدعائم قد كرر عليكم ما قد سمعتموه من ظاهره وسمعتم حكم كل شيء منه فى الظاهر وما يوافقه ويطابقه من مثله فى أحكام الدين من الباطن. وأنتم تسمعون إن شاء الله كذلك جميع ما تعبدكم الله بإقامته من أمر دينكم ظاهرا وباطنا والباطن هو سر الدين ولبابه وزبدته وعلم ذلك لا يؤخذ إلا من قبل أولياء الله الذين هم استودعهم إياه وجعلهم خزنته، والتأويل له هو البيان الذي أخبر الله عز وجل عنه فى كتابه بقوله:@QUR04 «ثم إن علينا بيانه» وقوله:@QUR08 «وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم» [1] والظاهر من ذلك أيضا قد تعبد الله العباد بإقامته بما أمر بالفعل به ظاهرا وباطنا كما قد سمعتم من ذلك ما قد سمعتموه، وأنتم تسمعون إن شاء الله تعالى ما يجب لكم سماعه من باقيه وكذلك كل ما أحله فى الظاهر فله حلال قد أحله مثله فى الباطن وما حرمه فى الظاهر فله حرامه قد حرمه مثله فى الباطن، وقد افترقت الأمم فى ذلك ثلاث فرق فرقتان منهم على الضلالة وفرقة على الهدى فأما الفرقتان اللتان هما على الضلالة فإحداهما هم السواد الأعظم والعوام الأكثر وهم على ضربين ضرب غلب عليهم الجهل وأعرضوا عن العلم فهم كما قال تعالى:@QUR05 «كالأنعام بل هم أضل سبيلا» [2] وضرب انتسبوا إلى العلم وتحلوا به وادعوه لأنفسهم وقد سلكوا غير سبيله وعدلوا عن أهله وراموا بلوغه من غيرهم ومن ذات أنفسهم فضلوا وأضلوا كثيرا قال الله تعالى:@QUR04 «وضلوا عن سواء السبيل» وهذان الفريقان يجمعهم الجهل بالباطن واعتقاد دفعه واقتصارهم فى الظاهر على ما حملهم عليه كبراؤهم وساداتهم الذين أضلوهم السبيل، والفرقة الثانية
صفحه ۱۷۵