وبصره على ملاقاة الضياء هاج الطلق (1) بأمه فأزعجه أشد ازعاج واعنفه حتى يولد فإذا ولد صرف ذلك الدم الذي كان يغذوه من دم أمه إلى ثديها وانقلب الطعم واللون إلى ضرب آخر من الغذاء وهو أشد موافقة للمولود من الدم فيوافيه في وقت حاجته إليه فحين يولد قد تلمظ (2) وحرك شفتيه طلبا للرضاع فهو يجد ثدى أمه كالأداوتين (3) المعلقتين لحاجته فلا يزال يتغذى باللبن ما دام رطب البدن رقيق الامعاء لين الاعضاء حتى إذا يحرك واحتاج إلى غذاء فيه صلابة ليشتد ويقوى بدنه طلعت له الطواحن من الاسنان والأضراس (4) ليمضغ (5) بها الطعام فيلين عليه ويسهل له اساغته فلا يزال كذلك حتى يدرك فإذا أدرك وكان ذكرا طلع الشعر في وجهه فكان ذلك علامة الذكر وعز الرجل الذي يخرج به من جدة الصبا وشبه النساء وان كانت انثى يبقى وجهها نقيا من الشعر لتبقى لها البهجة والنضارة التي تحرك الرجل لما فيه دوام النسل وبقاؤه اعتبر يا مفضل فيما يدبر به الانسان في هذه الأحوال المختلفة هل ترى مثله يمكن ان يكون بالاهمال ؟ أفرأيت لو لم يجر إليه ذلك الدم وهو في الرحم ألم يكن سيذوى ويجف كما يجف النبات إذا فقد الماء ولو لم يزعجه المخاض عند استحكامه ألم يكن سيبقى في الرحم كالمؤود (6) في الأرض ولو لم يوافقه
---
(1) الطلق (بسكون الثاني) وجع الولادة. (2) تلمظ: إذا أخرج لسانه فمسح به شفتيه. (3) الاداوة: بكسر ففتح - إناء صغير من جلد يتخذ للماء، جمعه أداوي. (4) الطواحن: هي الأضراس، وتطلق الاضراس غالبا على المآخير والاسنان على المقاديم، كما هو الظاهر هنا، وإن لم يفرق اللغويون بينهما. (5) مضغ الطعام: لاكه بلسانه. (6) وأد البنت: دفنها في التراب وهي حية، كما كان العرب يفعلون ذلك في العهد الجاهلي.
--- [ 14 ]
صفحه ۱۳