حتى أن كثيرا منهم كانت له مهارة في هذا العلم كالصدوق والمفيد والطوسي وغيرهم من مشايخ الحديث بل ربما أمكن أن يقال: اهتمام المتقدمين فيه كان أزيد من المتأخرين وأي عاقل يرضى بكون ذلك كله لغوا مكروها أو حراما " فليس إلا للافتقار إليه بل ربما يظهر من عدم ارتكابهم مثل ما ذكر بالنسبة إلى سائر ما يتوقف عليه الفقه أن الافتقار إليه أشد وأعظم ولعله كذلك بعد سهولة أكثر ذلك في حقهم وفى زمانهم دون الرجال كيف! وبه يعرف ما بها لحجة في حقهم عن غيرها ومنه يحصل الاطمئنان أو الظن المستقر بما استفيد من الأحكام عن الأخبار.
وحيث إن المفصل في الافتقار النافي له على الإطلاق شاذ نادر بل غير معلوم القائل ظهر أن الافتقار على الإطلاق.
وبتقرير آخر أن ما سمعت منهم خصوصا بعد ملاحظة ما في كتب الأصول من الاتفاق على اشتراطه في الاجتهاد يكشف قطعيا عن بنائهم على الافتقار إليه واشتراطه في الاستنباط وعن رضا المعصوم عليه السلام بذلك وهل ينقص هذا من الإجماعات المتكررة في كلماتهم؟ فأما مخالفة من مر فلا تقدح فيه لوضوح فساد شبهاتهم كما يأتي ولسبقهم بالإجماع والسيرة ولحوقهم عنه.
ومنها: أن سيرة الرواة والمحدثين إلى زمن تأليف الكتب الأربعة بل إلى تأليف الثلاثة المتأخرة - الوافي والوسائل والبحار - على الالتزام بذكر جميع رجال الأسانيد، حتى أن أحدا لو أسقطهم أو بعضهم في مقام أشار إليهم في مقام آخر كما في الفقيه والتهذيبين مع التصريح بأنه للتحرز عن لزوم الإرسال والقطع والرفع المنافية للاعتبار ومن المعلوم أن ذلك كله لأن يعرفهم الراجع إلى كتبهم ويجتهد في أحوالهم على حسب مقدوره فيميز الموثوق به الجائز أخذ الرواية منه عن غيره وإلا لزم اللغوية فيعلم الافتقار والكشف عن الاشتراط كما في ثاني تقريري الوجه السابق فلو كان بناؤهم على اعتبار ما فيها من غير ملاحظة أحوال الرواة للأخذ من الأصول الأربعمائة أو غيره من قرائن الاعتبار أو القطع بالصدور لكان تطويل الكتب بذكر الجميع لغوا مكروها أو محرما وقد مر بطلان نفي الافتقار في الجملة فثبت الافتقار المطلق.
صفحه ۴۲