ووفق لفهم معناها، وأنهم مقرون له تعالى بالربوبية علم أن هذا المقام لا نزاع فيه، وإنما اتخذوهم وسائط ووسائل بينهم وبين ربهم كما تكون الواسطة بين الملك ورعيته، وهذه الوسائط التي يدعونها في حال الرخاء فقط ويرجون شفاعتها وقت الشدة يسمونها الآلهة لتأله قلوبهم بها ورجاؤهم منها القرب والتقريب، كما قالوا أجعل الآلهة إلها واحدا، على جهة أن ذلك لا يكون لأنهم ظنوا أن الإله الواحد وهو الله لا يسع الخلق إلا بآلهة معه يدخلون عليه بهم ويصلون إلى قضاء الحوائج بشفاعتهم لديه، ومنه قول بني إسرائيل لموسى: {اجعل لنا إلها كما لهم آلهة} قال أهل التفسير إنهم لم يكونوا شاكين في الدين وإنما أرادوا شيئا يعظم عندهم وفي نفوسهم ويتقربون بتعظيمه وشفاعته إلى الله تعالى وظنوا أن ذلك لا يضر في الدين لشدة جهلهم.
ومن عرف وحقق معنى الشهادتين اللذين هما رأس الإسلام وقوامه، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ثم شهد بهما لزمه العمل بمقتضاهما قولا وفعلا واعتقادا وترك المنافي والمناقض لهما قولا وفعلا واعتقادا، فإن معنى الشهادة لله بأنه لا إله إلا هو تتضمن إخلاص الألوهية له وحده في عبادته ومعاملته، فلا يجوز أن يتأله القلب غيره لا بحب ولا خوف ولا رجاء ولا إجلال ولا إكرام ولا رغبة ولا رهبة بل لا بد أن يكون الدين كله لله كما قال جل ذكره: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله} فإذا كان بعض الدين لله وبعضه لغيره كان في ذلك من الشرك بحسب ما كان لغيره، ثم إن كان أصغر مثل الرياء فله حكمه، وان كان أكبر مثل ما يأتي بيانه فله حكمه، وكمال الدين كما جاء في الحديث الذي رواه الترمذي وغيره "من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان" فالمؤمنون يحبون لله والمشركون يحبون مع الله وهي الأنداد التي ذكرها في قوله: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا} الآية.
والشهادة بأن محمدا عبده ورسوله تتضمن تصديقه صلى الله عليه وسلم في كل ما أخبر به وطاعته في كل ما أمر به، فما أثبته وجب إثباته، وما نفاه وجب نفيه، كما يجب على الخلق أن يثبتوا لله ما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات، وينفوا عنه ما نفاه عن نفسه من مماثلة المخلوق، فيخلصون من التعطيل والتمثيل، ويكونوا في إثبات بلا تشبيه وتنزيه بلا تعطيل
صفحه ۴۰