عاملين بالإثم ومعاونين عليه فحصل لهم كفلان من العذاب. عن عدي بن حاتم رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ قوله تعالى: {تخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله} الآية فقلت يا رسول الله إنا لسنا نعبدهم قال: "أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ويحلون ما حرم الله فتحلونه فقلت بلى قال تلك عبادتهم" رواه الإمام أحمد والترمذي وحسنه، والتحليل والتحريم ليس قيدا لوجود الإثم بل هو موجود بمجرد الأمر والنهي المخالفين للدين ثم ان كان ذلك المأمور به فعله مكفرا والمنهي عن فعله تركه مكفر فله حكمه، وإلا فهو ذنب ان لم يستحل ولهذا كان السلف يقولون: "احذروا من الناس صنفين: صاحب هوى قد فتنه هواه وصاحب دنيا أعمته دنياه" وكانوا يقولون: "احذروا فتنة العالم الفاجر والعابد الجاهل فان فنتهما فتنة لكل مفتون" فهذا يشبه المغضوب عليهم الذين يعلمون الحق ولا يتبعونه، وهذا يشبه الضالين الذين يعملون بغير علم. وقد وصف الله تعالى أئمة المتقين فقال: {وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون} فبالصبر تترك الشهوات، وباليقين تدفع الشبهات، ومنه قوله تعالى: {وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر} وقوله: {أولي الأيدي والأبصار} ووصف بعضهم الإمام أحمد رحمه الله فقال "عن الدنيا ما كان أصبره، وبالماضين ما كان أشبهه، أتته الباع فنفاها، والدنيا فأباها"ومنه الحديث المرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب البصير الناقد عند ورود الشبهات ويحب العقل الكامل عند حلول الشهوات" وقد دل قوله تعالى {فاستمتعتم بخلاقكم} على إتباع الشهوات وهو داء العصاة، وقوله: {وخضتم كالذي خاضوا} على الشبهات وهو داء المبتدعة وأهل الأهواء والخصومات وكثيرا يجتمعان، فقل من تجد في اعتقاده فسادا إلا وهو يظهر في عمله، وقد دلت الآية على أن الذين قبله استمتعوا وخاضوا وهؤلاء فعلوا مثل أولئك لأن قوله استمتعتم وخضتم خبر عن وقوع ذلك في الماضي، وهو ذم لمن يفعله إلى يوم القيامة كسائر ما أخبر الله به عن الكفار والمنافقين عند مبعث النبي صلى الله عليه وسلم فإنه ذم لمن حاله كحالهم وعمله يشبه عملهم إلى يوم القيامة قد أشار إلى ذلك الإمام البغوي والحافظ ابن كثير وغيرهما من المفسرين عند هذه الآية بحديث إلى سعيد الخدري رضي الله عنه المتفق عليه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر
صفحه ۳۴