هداية جلت عن وصف الواصفين وفاقت معرفة العارفين، حتى حصل لأمته المؤمنين عموما وأولي العلم منهم خصوصا من العلم النافع والعمل الصالح والأخلاق العظيمة والسنن المستقيمة ما لو جمعت حكمة سائر الأمم علما وعملا الخالصة من كل شوب إلى الحكمة التي بعث بها صلى الله عليه وسلم لتفاوتا تفاوتا يمنع معرفة قدر النسبة بينهما. والآيات القرآنية، والأحاديث النبوية تدل على ذلك ولله الحمد والمنة. (وقد روى مسلم في صحيحه عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وأن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة عامة وأن لا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم وان ربي قال: يا محمد إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة وأن لا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بأقطارها أو قال من بين أقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضا ويسبي بعضا" ورواه أيضا البرقاني في صحيحه وزاد " وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين وإذا وقع عليهم السيف لم يرفع إلى يوم القيامة، ولا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي المشركين، وحتى تعبد طوائف من أمتي الأوثان، وأنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نبي وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي، ولا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى".
فملك الأمة لأقطار الأرض، ثم افتراقهم الحاصل لهم، والاختلاف بينهم محقق مضبوط محفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه. وكان صلى الله عليه وسلم يحذر أمته منه لينجو من شاء الله منهم، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا ثم قال هذا سبيل الله ثم خط خطوطا عن يمينه وخطوطا عن شماله وقال هذه السبل المتفرقة وعلى كل سبيل منها شيطان يدعو إليه" ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون} رواه الإمام أحمد وغيره. ومع أن الله تعالى حذرنا هذه السبل فقضاؤه سبحانه نافذ بما أخر به رسوله صلى الله عليه وسلم بما سبق به علم الله تعالى، حيث قال الصادق المصدوق فيما خرجاه في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه
صفحه ۷