159

أما إذا اندفعت همة الرجل إلى المكارم؛ بجاذب ابتغاء الفضيلة، وطفق ذكره يتسع على حسب مساعيه الحميدة_فذلك خير من العزلة، والاختباء في زوايا الخمول.

بل لا يلام الإنسان إذا سعى للرياسة إذا كان يرى من نفسه الكفاءة والقدرة، ولا يريد أن يتخذ من رياسته حبالة لا يتعدى نفعها إلى الأمة، وإنما يريد نشر الخير، وبسط العدل، ورفع الظلم؛ فذلك موعود بالتسديد والإعانة في الدنيا، وبالإظلال في ظل عرش الرحمن في الآخرة يوم لا ظل إلا ظله.

ثم إن الآيات الواردة في سياق التزهيد والحط من متاع الحياة الدنيا لا يقصد منها ترغيب الإنسان؛ ليعيش مجانبا للزينة، ميت الإرادة عن التعلق بشهواته على الإطلاق.

وإنما يقصد منها حكم أخرى، كتسلية الفقراء الذين لا يستطيعون ضربا في الأرض، ومن قصرت أيديهم عن تناولها، لئلا تضيق صدورهم على آثارها أسفا.

ومنها تعديل الأنفس الشاردة، وانتزاع ما في طبيعتها من الشره والطمع؛ لئلا يخرجا بها عن قصد السبيل، ويتطوحا بها في الاكتساب إلى طرق غير لائقة؛ فاستصغار متاع الدنيا، وتحقير لذائذها في نفوس الناس يرفعهم عن الاستغراق فيها، ويكبر بهممهم عن جعلها قبلة يولون وجوههم شطرها أينما كانوا.

ومتى عكف الإنسان على ملاذ الحياة، ولم يصح قلبه عن اللهو بزخارفها_ماتت عواطفه، ونسي أو تناسى من أين تؤتى المكارم والمروءة، ودخل مع الأنعام في حياتها السافلة.

صفحه ۱۵۹